العدد 1524 /17-8-2022


وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في مثل هذا الجو السياسي، وفاز في 15 انتخابات متتالية، ولم يرتكب الحزب الأخطاء التي وقعت بها الأحزاب التي وصلت قبله للسلطة، لكنه واجه عملية عرقلة من قبل بعض الهياكل بعد فترة زمنية معينة.

وتبنى حزب العدالة والتنمية "الإرث الإيجابي" لتقليد الحزب الديمقراطي، وحافظ على الوعي السياسي للقواعد الانتخابية من خلال التذكير بالماضي، وأثناء التصويت لـ"العدالة والتنمية" قام الناخبون بإجراء حساب جيد للماضي، وقاموا بالاختيار من خلال مقارنة الحزب بمنافسيه.

في الفترات الأولى لحكمه، نفذ حزب العدالة والتنمية سياسة قائمة على معارضة مؤيدي النظام القديم، وأعطى الأولوية لسياسة الإصلاح واتخاذ خطوات جريئة نحو حل المشكلات المؤجلة في السياسة الداخلية والخارجية.

ونفذ الحزب صراعه مع "كتلة الوصاية" بالبلاد على مدى طويل، مستغلا نضج الظروف، وفي هذا السياق عندما واجه مقاومة بذلك زاد من دعمه وشرعيته بالذهاب إلى الانتخابات وتعزيز سلطته، وقام بتغييرات عبر اللجوء للشعب وبطريقة الاستفتاء، لم يتمكن من تمريرها من خلال البرلمان، ورأى أن الانتخابات والاستفتاءات بمثابة رافعة في سياسة حل الأزمات.

وجدد حزب العدالة والتنمية، سياسته الخاصة وفقا للتحول المجتمعي والسياسي في الداخل التركي، والتحول العالمي في العالم، وساهم ذلك في إجبار الأحزاب السياسية الأخرى على القيام بتحولات. وطوال فترة حكمه، لم يتنازل عن سياسته الاستثمارية، على الرغم من انتقادات المعارضة وحتى نخبه الداخلية من وقت لآخر.

ويمكن اعتبار أحداث غيزي (2013)، وما جرى في الفترة ما بين 17- 25 كانون الأول 2013 من محاولة انقلاب من خلال عناصر "غولن" عبر الجهاز الأمني والقضائي، وأحداث "6-8 تشرين الأول" عام 2014 المعروفة بأحداث "عين العرب"، ومحاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز/ يوليو 2016 من ضمن سياسة الأزمات التي شكلتها تلك الدوائر.

وترتبط قدرة حزب العدالة والتنمية على محاربة التدخلات غير الديمقراطية التي واجهها منذ ولايته الثالثة في السلطة ارتباطا مباشرا بتعلمه في مواجهة "الاحتجاجات أو الاجتماعات الجمهورية"، و"المذكرة الإلكترونية" في نيسان عام 2007، وقضية إغلاق الحزب عام 2008، خلال فترات حكمه الأولى.

انتخابات 2023 حاسمة

وتعتبر انتخابات 2023 حاسمة لكافة الأحزاب بتركيا، ويتوجب على الأحزاب إنتاج سياسة قادرة على الوصول إلى نسبة تصويت 50+1 في النظام الرئاسي، وبالنسبة لحزب العدالة والتنمية هناك مزايا وعيوب يواجهها في هذه الانتخابات.

الميزة الأكثر أهمية هي أن زعيم حزب العدالة والتنمية أردوغان، قد وصل إلى أكثر من 50 بالمئة من دعم الناخبين عدة مرات حتى الآن، لكن الحزب يواجه الآن عيوبا تتمثل في أنه فقد شعبيته في بعض المناطق.

وفي انتخابات 2023، هناك أربعة مواضيع مهمة ستحدد جدول أعمال الانتخابات، وهي المشاكل الاقتصادية، قضية اللاجئين، وعلم الاجتماع الجديد، والسياسة المتبعة تجاه الناخبين الأكراد.

بالنسبة لحزب العدالة والتنمية، فإن الاقتصاد هو الموضوع الأكثر أهمية، وعندما يكون جو متفائل تجاه حل المشكلة، سيكون من السهل إدارة قضية اللاجئين وتوقعات علم الاجتماع الجديد.

ويقصد بعلم الاجتماع الجديد، توقعات شرائح المجتمع والتي زادت رفاهيتها الاجتماعية خلال فترة حزب العدالة والتنمية وأصبحت "طبقة وسطى" وهي الطبقة التي يستهدفها الحزب الحاكم من البداية.

وأكثر من 23 مليونا من الناخبين الذين سيصوتون في عام 2023، هم أولئك الذين سيصوتون لأول مرة خلال حقبة حزب العدالة والتنمية، ويبلغ عدد الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين 18-26 في هذه المجموعة حوالي 12 مليونا، وهؤلاء يشكلون 18.8 بالمئة من إجمالي الناخبين.

وأحد العوامل المهمة التي ساهمت بفوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الماضية، هي أن الناخبين يجرون مقارنات ما بين العشرين سنة الماضية والفترة التي قبلها، ولكن مع المجتمع الجديد (الجيل الجديد)، لم تعد تجرى تلك المقاربات، بل أصبحت المقارنات تجرى ما بين فترات حكم الحزب الحاكم. لذلك، في حين أن نجاح حزب العدالة والتنمية في حل وإدارة الأزمات حتى الآن هو ميزة في هذا الموضوع، فإن المناقشات حول استدامة هذا النجاح تشكل عبئا، والعامل الرئيس الذي يحول هذا العبء إلى ميزة هو القيادة السياسية.

ومرشح تحالف الجمهور في انتخابات 2023 هو الرئيس أردوغان وهو زعيم عالمي يتجاوز المحلي، وقد ساهم أسلوب سياسته بالبقاء في المنصب في 15 انتخابات مختلفة حتى الآن.

وستجرى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في آن واحد في انتخابات 2023، وتحديد سقف التحالفات، القوائم المشتركة أو المنفصلة في البرلمان سيكون لها تأثير على ديناميكيات الانتخابات، وفي هذا الصدد، من هو المرشح لمنصب نائب في منطقة سيكون أكثر أهمية في تفضيلات الناخبين مما كانت عليه في الانتخابات السابقة.

وواحدة من أهم التحديات التي تواجه حزب العدالة والتنمية الذي كان في السلطة لفترة طويلة هي مسألة تجديد النخبة السياسية، فمن المهم عدم خلق استياء جديد ووضع توازنات قائمة على إشراك جهات فاعلة جديدة في النظام.

ومما لا شك فيه أن تفضيلات السياسة الخارجية، ومواقف الأطراف تجاه القدرة الأمنية والدفاعية للبلاد، وأولوية الاستقرار السياسي، أي ضمان الاستقرار والنظام، لا تزال مهمة جدا بالنسبة للناخبين، وهناك حقيقة بأن حزب العدالة والتنمية يتمتع بميزة نسبية في هذه الأمور مقارنة بالأحزاب الأخرى.

وفي الأنظمة السياسية ذات الأحزاب المهيمنة، من السهل على أحزاب المعارضة أن تتحد ضد الحزب الحاكم من خلال سياسة التكتل، ونظرا لأن الحزب المهيمن حافظ على سلطته لفترة طويلة جدا، فإنه ينظر إلى هذا النمط من السياسة على أنه أفضل طريقة لمواجهته وهذا ما يحدث في تركيا.

وتجتمع أحزاب المعارضة التركية باستمرار حول طاولة، وتخطط لكيفية الإطاحة بحزب العدالة والتنمية في انتخابات عام 2023. والفرصة الأكثر أهمية التي تعزز يد حزب العدالة والتنمية ضد هذا المسعى الائتلافي هي أن هذه الأحزاب السياسية، تختلف وجهات نظرها وفهمها للسياسة عن بعضها البعض بشكل كبير، وشغلها الشاغل فقط إسقاط النظام الحاكم أكثر من سعيها لحكم البلاد.