العدد 1635 /23-10-2024

المهدي مبروك

منذ حرب أكتوبر (1973)، التي خاضها العرب "مجمّعين" حرباً أخيرة مع إسرائيل، سكتت جُلّ الجبهات، ولم يعد من معنىً للحديث عن حروب العرب مع إسرائيل إلّا من باب التجوّز والاستعارة. لم يحارب العرب إسرائيل منذ تلك الحرب، بل لم يعودوا راغبين في الحرب مطلقاً، ثمّ ما لبثوا أن تحوّلوا منزعجين ممّن يخوض منهم الحرب ضدّ إسرائيل، ناقمين عليه، طوراً باسم الواقعية، وطوراً آخر باسم الصلح والسلام. مع ذلك ظللنا عاطفياً مساهمين عرباً فيما نشب من حروب خاضها بعض العرب ضدّ إسرائيل، فخاضت المقاومة اللبنانية حروبها في تساوق طوْراً، وتقاطع طوْراً آخر، مع الحروب والاشتباكات التي خاضتها المقاومة الفلسطينية مع الكيان.

كان الشارع العربي خلال تلك العقود الثلاثة قد عبّر عن تعاطفه مع أشقائه في تلك الحرب التي خاضوها. ماج الشارع العربي مع حرب تمّوز (2006)، ومختلف الانتفاضات الفلسطينية، والعمليات التي قادتها الفصائل الفلسطينية المسلّحة، سواء حركة حماس أو حركة الجهاد الإسلامي. عكست موجة التعاطف والغضب التي عبّر عنها الشارع العربي درجة الخيبة والإحباط التي عاشتها الشعوب العربية، وهي ترى أنظمتها "محيَّدةً"، وكأنّ ما يجري لا يعنيها. في موجات التعاطف تلك، كانت جامعة الدول العربية خصوصاً، والنظام العربي الرسمي، محلّ سخريةٍ وتندّرٍ وغضب. حُمِلت على الاكتاف نعوش الجامعة، وهذا النظام الذي نظر إليه بعضهم شاهدَ زورٍ، أو في أفضل الحالات مساوماً وخانعاً. لهذه الموجات الهادرة من التعاطف تأثير نفسي كبير في المحاربين؛ حركات مقاومة، وجماعات الإسناد من المرابطين والعوائل، ومنتديات التعاطف الإنساني العالمي. يشعر المقاتلون أنّهم يخوضون حرباً نيابة عن الأمّة المخذولة، وهم يرون في الشاشات تلك الموجات البشرية التي تسندهم. يكفيهم أن تنتهي إلى مسامعهم الهتافات والأهازيج التي تُجلّهم.

غير أن الأيام دفعتنا تدريجياً إلى التدحرج إلى منزلة مؤلمة لم نكن نتوقَّعها مطلقاً. لا أدري متى بدأت المنعطفات الحاسمة للخيبة الكُبرى. هل بدأت مع سقوط جدار برلين واستفراد الولايات المتّحدة في قيادة العالم بتعجرف؟ أم بُعيد حرب الخليج الأولى أو الثانية؟ أم بعد أحداث 11 سبتمبر (2001)؟ أم هي مسارات التدحرج والتقهقر تلك تراكمت حتّى أوصلتنا إلى ما نحن فيه؟ ... ها قد انتهينا مشاهدين لفرجة كبيرة تتواصل مدّةً تجاوزت السنة. تسمّرنا أشهراً عديدةً أمام الشاشات نشاهد مشاهد الدمار التي عجز الإعلام عن نقلها أثناء الحروب المعاصرة الكُبرى؛ الحرب العالمية الثانية، وحرب التحرير الجزائرية، وحرب فيتنام... إلخ. المشهد الإعلامي المفتوح على تفاصيل القتل المرعب، وبالألوان، و"تحت المجهر" و"المباشر" و"العاجل" و"على الهواء مباشرة"، تُلقَى في الساعة الواحدة أطنانُ المعلومات والصور والتصريحات.

شكَّلت حروب العرب خلال العقود الأخيرة مخبراً غيرَ مسبوقٍ لتشكيل مناهجَ نقلٍ وبرامجَ، ولاختبار تقنيات تصوير، ولابتكار أشكال تغطية إعلامية جديدة بدأت تُدرج في مناهج كلّيات الإعلام. لقد انتهينا إلى منزلة فيها النَّهم المَرَضي إلى حدّ إدمان الخبر ومتابعته، وقد يسحب منّا هذا المشاعر الحيّة الممكنة كلّها. الإفراط في الخبر ومتابعته المَرَضية ينزعان منّا ردَّات الفعل الممكنة، وهذه إحدى رهانات الإعلام الراهن؛ سحب المشاعر وتبليدها في مقابل وفرة المادّة الخبرية وإغراق الناس بها. يتسابق الناس (والقنوات طبعاً) لتكون لهم أسبقية الاستماع إلى الخبر أو مشاهدته ونقله، فضلاً عن التفرّد الحصري ببثّ الصورة أو التصريحات. إنّها ملهاة المآسي الراهنة.

لا تفعل القنوات ذلك عمداً، ولكنّها تنتهي (وإن عن حسن نيّة) إلى تلك النتيجة. في المحصّلة، لم تعد الحرب تعني العرب حتّى شعوبهم. لا فائدة في نقل ما يطفو في شبكات التواصل الاجتماعي بهذا البلد أو ذاك من إبداء بعضهم الضيق بالمقاومة، والتبرّؤ منها (فتاوى ومواعظ وحِكَم ودروس...)، واعتبارها تقاتل باسمها فقط، وليس نيابةً عنّا. قد يكون هذا الرأي نادراً ومعزولاً ولا يمثّل رأياً عامّاً واسعاً، لكنّه مُؤشّر إلى حالة التدحرج التي وصلنا إليها نحن العرب. لم يعد الأمر مُجرَّد موقف من الحرب، فلقد انقسم العرب سابقاً حول من يحقّ له إعلان الحرب؟ كيف نشارك فيها؟ من له سلطة إيقافها؟... إلخ، بل إنّ الانقسام طاول الموقف من العدو ذاته وقد غدا لبعضهم صديقاً ولبعض آخر حليفاً.

تطالعنا في كثير من الكتب الجيوسياسية المستقبلية أنّ العرب لن يخوضوا حروبهم القادمة مع إسرائيل، بل ستكون حروبهم أهليةً، حروب تنشأ بين أهل البلد الواحد؛ ما يحدُث الآن في السودان واليمن وغيرهما، أو بين بلدان عربية. والمُؤشّرات كثيرة، فلننظر إلى الحدود الفاصلة بين هذا البلد أو ذاك وجيرانه، لنعرف جِدّيةَ ما يمكن أن يندلع من حروبٍ عربيةٍ قادمةٍ وخطورتَها.

أعلن مسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله محمد عفيف، اليوم الثلاثاء، مسؤولية المقاومة الإسلامية "الكاملة والتامة والحصرية عن عملية قيسارية، واستهداف منزل مجرم الحرب وزعيم الفاشية الصهيونية، بنيامين نتنياهو"، متوجهاً إليه بالقول: "عيون مجاهدي المقاومة ترى، وآذانهم تسمع، فإن لم تصل إليك أيدينا في هذه المرة، فإنّ بيننا وبينك الأيام والليالي والميدان"، مؤكداً في المقابل أن لا مفاوضات تحت النار.

واستهدفت مسيّرة أُطلقت من لبنان السبت، منزل نتنياهو في قيسارية شمالي الأراضي المحتلة. وقال مكتب نتنياهو في بيان: "لم يكن رئيس الوزراء وزوجته في المنزل، ولم تقع إصابات في الحادث". وحمّل نتنياهو من سمّاهم "وكلاء إيران" مسؤولية ما قال إنها محاولة لاغتياله.

وقال عفيف في مؤتمر صحافي من الغبيري في الضاحية الجنوبية لبيروت، بالتزامن مع إصدار الاحتلال إنذارات بالإخلاء في المنطقة نفسها، "إن قصفهم لم يخفنا، فكيف تخيفنا التهديدات؟"، مشيراً إلى أن "منظومة الامرة والسيطرة تعمل على أكفأ وجه، وخطوط الدعم العسكري واللوجستي عادت إلى ما كانت عليه، ويوجد من المقاتلين الاكفاء أعداد تفوق حاجة الجبهة وطبيعة المناورة القتالية في الميدان".

وتطرق عفيف إلى الحراك الأميركي لوقف إطلاق النار، قائلاً إن "الولايات المتحدة شريك كامل الشراكة في العدوان على لبنان وشعبه، وهي من تمده بالسلاح والذخائر، بما فيها الفوسفورية والعنقودية وربما الاشعاعية، وهي من تمد في عمر العدوان، وهي المسؤولة الأولى عن المجازر البشعة التي تطاول شعبنا ولن يغير وصول موفدها إلى بيروت من القول إنّ أميركا هي أم الإرهاب، وإنّ الأفكار التي طرحها لم تكن سوى استطلاعاً أولياً بالنار لموقف المقاومة على وقع المجازر والدماء"، مضيفاً: "إنّ ثقتنا برئيس مجلس النواب نبيه بري تامة وكاملة، ونؤكد على موقفه القاطع أن لا مفاوضات تحت النار، وما لا يؤخذ بالنار لا يعطى بالسياسة".

ولم تكد تمرّ ساعات قليلة على انتهاء جولة المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين في بيروت أمس الاثنين، حتى انهالت غارات جيش الاحتلال على مناطق عدّة في الضاحية الجنوبية لبيروت، مخلفةً مجازر جديدة بحق المدنيين، وذلك في مشهدٍ فسّرته أوساط سياسية لبنانية بأنّه بمثابة ردٍّ على رفض لبنان ومن خلفه حزب الله الشروط الإسرائيلية.

وتحدث عفيف عن عمليات حزب الله، مشيراً إلى أن "المعدل اليومي للعمليات الهجومية والدفاعية في تصاعد مستمر، ما معدله خمس وعشرون عملية يومياً، ولكن نحن نعتبر قصف كريات شمونة على سبيل المثال بعشرات الصواريخ هو عملية واحدة في ميزان الحسابات الرقمية، وقصف تل أبيب وضواحيها بالمسيّرات أو الصواريخ النوعية هو عملية واحدة في ميزان الحسابات الرقمية"، مؤكداً أنه "لحقت بالعدو خسائر جسيمة في الأرواح والدبابات، لا سيما في المواجهات في رامية والقوزح وعيتا الشعب واليوم صباحاً في الطيبة، وإن اعترافات العدو ببعضها رغم الرقابة العسكرية المشددة، ليس إلا اليسير من إنجازات الميدان"، مشيراً إلى أننا "لا نزال نقصف حتى الآن قواعد العدو العسكرية وثكناته ومعسكراته وتجمعات جنوده وهو يرد بقتل المدنيين".

حزب الله يتوعّد بأسر جنود من جيش الاحتلال

وتطرق عفيف إلى قضية الأسرى الذين يحتجزهم الاحتلال، قائلاً "أعلم أنّ العدو ليس لديه التزام بأخلاقيات الحروب والمواثيق الدولية، ولكنه يتحمّل مسؤولية الحفاظ على حياة الأسرى وصحتهم، ونطالب الصليب الأحمر الدولي بالتأكد من ذلك"، مضيفاً "أنّ مقاتلينا الأسرى شديدو الإيمان وأهل عقيدة وإخلاص، وهم انخرطوا في صفوف المقاومة بهذا الوعي واليقين، وبالتالي فما يُنتزع من الأسرى من تصريحات وأقوال تحت الضغط لا قيمة له على الإطلاق، وهو يخالف القوانين الدولية، ولا ينبغي أن يؤثر في معنويات أهلهم الشرفاء وإخوانهم المجاهدين". وشدد على أنه "لن يطول الوقت بإذن الله حتى يكون لدينا أسرى من جنود العدو، وقد كنا في مرحلة ما خلال الأيام الماضية قريبين من ذلك، وعندها وبعد الحرب ستكون هناك مفاوضات غير مباشرة لاستعادة أسرانا، ذلك أننا قوم لا نترك أسرانا في السجون".

كذلك، لفت عفيف إلى أن "العدو ارتكب سلسة متواصلة من المجازر خلال الأيام الماضية، ولكن أفظعها تدمير قرية بكاملها هي قرية محيبيب، القرية الصغيرة الوادعة على كتف فلسطين، الملاصقة تماماً بمرقدها الديني الشريف على الخط الفاصل تماماً، وهي ليست ذات قيمة إستراتيجية عسكرية للمقاتلين، غير أن شهوة القتل والتدمير لدى العدو فاقت كل تصور".

من جهة أخرى، قال عفيف إن "قصف العدو الجنوني مساء الأحد في الضاحية الجنوبية وعلى امتداد الوطن والذي طاول خاصة مراكز القرض الحسن لا مبرر له على الإطلاق، إلا رغبة في المزيد من القتل والتدمير، والهدف واضح كما قال مسؤول إسرائيلي، وهو التأثير في الثقة المتبادلة بين حزب الله ومجتمعه". وأضاف: "يهمنا أن نؤكد أولًا أنّ مؤسسة القرض الحسن هي مؤسسة مدنية بحتة مرخصة بحكم القانون، وخدماتها تطاول جميع اللبنانيين ولها فروع في غالبية المناطق اللبنانية"، مضيفاً "أقول باسم إدارة مؤسسة القرض الحسن أنها قد تحسبت لمثل هذا العدوان واتخذت احتياطاتها كافة، وأنها ستقوم بكل ما هو واجب وضروري للإيفاء بالتزاماتها تجاه المودعين والمستفيدين".

كذلك، دان عفيف "بكل شدة تصريحات وزيرة الخارجية الألمانية التي تبرر للعدو الصهيوني قتل المدنيين"، قائلاً: "النازية الجديدة في ألمانيا تبرر للفاشية الصهيونية جرائمها، إذا كانت ذاكرتكم مثقلة بالجرائم ضد الإنسانية، فأنت ومن تمثلين تشاركون في جريمة ضد الإنسانية مجدداً".

أبو عبيدة يبارك عملية استهداف مقر نتنياهو

إلى ذلك، بارك الناطق باسم كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس أبو عبيدة، "العملية النوعية التي استهدف من خلالها حزب الله مقر إقامة مجرم الحرب "نتنياهو"، والتي توجه رسالة لقادة الاحتلال المجرمين مفادها أنهم حتى لو استطاعوا الإفلات من وجه العدالة الدولية العوراء، فإنهم لن يفلتوا من القصاص العادل لأحرار ومقاومي الأمة، وأن استشهاد قادة المقاومة لن يضعفها، بل سيزيدها تصاعداً وعزماً على إيلام العدو".