العدد 1619 /3-7-2024
رجب ابو سرية
أحدثت المناظرة بين الرئيس الأميركي الحالي جو
بايدن والسابق دونالد ترامب، المتنافسين عن الحزبين الديمقراطي والجمهوري في
الانتخابات الرئاسية التي ستجري في تشرين
الثاني القادم، صدمة في صفوف الحزب الديمقراطي الساعي للبقاء في البيت الأبيض
لولاية تالية، وذلك على ضوء الأداء الباهت لمرشحه بايدن، ولم يكن السبب في ذلك
يعود إلى قوة منافسه ترامب، بقدر ما كان يعود إلى ضعف ووهن وشيخوخة الرئيس بايدن،
والذي ظهر بأنه يكابر وحتى انه يغامر كثيرا في إصراره على الترشح عن الحزب
الديمقراطي، وهو نفسه الذي كان يتحدث في الانتخابات التي جرت قبل اربعة أعوام، عن
انه لن يترشح لولاية ثانية يسمح بها الدستور الأميركي، هكذا فإن الصورة التي
تقدمها أميركا وهي تتأرجح خلال ثمانية أعوام، اربعة منها مضت وأربعة أخرى قادمة
بين عجوزين، فترامب لا يصغر بايدن البالغ من العمر 81 عاما، كثيرا، بل فقط بثلاث
سنوات، تظهرها وكأنها قد باتت في شيخوخة لا تسمح لها بالإصرار على زعامة العالم.
إن صدمة الحزب الديمقراطي يمكن أن تدفعه إلى تجاوز
بايدن بتقديم مرشح آخر، قد يكون هو نائبة الرئيس كامالا هاريس، وعلى الأغلب لن
يقوى على تنفيذ تلك الخطوة، بل سيحاول أن يعتمد ليس على قوة بايدن بل على نواقص
ترامب، خاصة ما يتعلق بمشاكله مع القضاء، سواء تلك التي هو متهم فيها بالتهرب
الضريبي، أو بمشاكل أخلاقية مع ممثلات إباحية، أو حتى بما ارتكبه خلال ولايته
كرئيس سابق، ظهر كمعاد للديمقراطية، خاصة وهو يحرض على اقتحام الكابيتول، ورفض
نتائج الاقتراع، وقد يكون الحزب الديمقراطي قد تأكد من أن الوقت قد نفد، وان عليه
أن يقلل من الخسائر بقدر ما يمكن اكثر من التركيز على الفوز بالاحتفاظ بالبيت
الأبيض اربع سنوات أخرى، ونقصد ألا يعيد أغلبيته قبل سنوات في الكونغرس، تحديدا في
مجلس النواب، فيما هو حاليا يتمتع بأغلبية في مجلس الشيوخ متحققة بفضل كون نائبة
الرئيس عضوا في المجلس.
أيا تكن النتيجة، فإن حال أميركا مع بايدن وقبله
ترامب، ثم مع بقاء بايدن أو عودة ترامب، ليس افضل حالا من حال إسرائيل العالقة
بثوب بنيامين نتنياهو المهترئ، كما قلنا واستخدمنا هذا الوصف في مقال لنا سابق،
فالرجلان كلاهما، أي بايدن وترامب ليسا عجوزين وحسب، بل محافظان ينتميان إلى جيل
الحرب الباردة، ويؤمنان "بتفوق" أميركا، وما زالا يعتقدان بإمكانية أن
تواصل سيطرتها بالقوة على العالم، بما في ذلك حماية إسرائيل كدولة مارقة، وكدولة
استعمارية تحتل أرض الغير، وتخرج عن القانون الدولي لدرجة أن ترتكب حرب الإبادة
الجماعية وجرائم الحرب مكتملة الأركان، ولا يستجيبان (بايدن وترامب) لا للمتغيرات
الكونية ولا حتى للتطورات الداخلية التي ظهرت خلال شهور حرب الإبادة الإسرائيلية
على قطاع غزة، ونحن نقصد هنا التظاهرات التي شهدتها العاصمة والمدن الأميركية، ومن
ثم الجامعات الأميركية والتي ذكرت بمعارضة الحرب في فيتنام، والتي فتحت الباب أمام
الخروج الأميركي منها.
أما في المدى القصير، فإن عدم يقين الحزب
الديمقراطي من فوز مرشحه الرئيس بايدن، سيفرض عليه أن يبذل جهدا مضاعفا، من أجل
التشبث بفرصة البقاء في البيت الأبيض، وهذا لا يقتصر على تقديم أدلة الولاء
والطاعة للوبي الصهيوني، وقد حرص بايدن خلال المناظرة مع ترامب على شرح تفاصيل ما
قدمه لإسرائيل من خدمات عسكرية وسياسية خلال حربها على غزة، لأنه يدرك بأن إسرائيل
خاصة في ظل حكم اليمين المتطرف وفي ظل حكومة نتنياهو الحالية بالتحديد تفضل خصمه،
ليس لأنه ترامب، بل لأنه هو بايدن، الذي وجد نفسه بين نارين، نار الولاء لإسرائيل،
ونار الحفاظ على أصوات الديمقراطيين، خاصة مع تزايد النزعة الإنسانية داخل الحزب،
التي تعارض استمرار الانحياز التام لإسرائيل، حتى والعالم كله يدينها، فيما لم
يواجه ترامب هذه المشكلة، رغم أن
الجمهوريين يعرفون بأنه يحمل بداخله ضغينة لنتنياهو لأن الأخير سارع إلى تهنئة
بايدن بفوزه في الانتخابات السابقة.
ورغم أن بايدن ما زال يصر على إمكانية حصوله على
الورقة التي ستزيد من فرصة بقائه في البيت الأبيض، وهي "تحرير
المحتجزين" الأميركيين الخمسة والإسرائيليين من قبضة "حماس"، وذلك
رغم قناعته بأن نتنياهو لا يريد الصفقة، وبعد أن اعلن بايدن ومسؤولو إدارته اكثر
من مرة أن نتنياهو هو من يعرقل الصفقة، كانت محاولة بايدن اعتماد الخديعة، خديعة
"حماس"، لاقتناص ورقة الصفقة، حين اعلن إطارها العام، ثم أخذ
"ختم" مجلس الأمن عليها، وذلك لفرضها على نتنياهو، الذي اعلن رفض
مضمونها، وأصر وما زال يصر على انه يوافق فقط على المرحلة الأولى من الخطة، التي
تتضمن إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين مقابل وقف مؤقت لإطلاق النار، كما حدث في
صفقة تشرين الثاني الماضي، وبالتالي هو يرفض صفقة من 3 مراحل متواصلة تنتهي بوقف
الحرب.
وما يحاوله بايدن منذ نحو شهر، هو الادعاء بأن
إسرائيل وافقت على الخطة، رغم تصريحات نتنياهو، وان "حماس" هي من تمنع
وقف الحرب، وذلك ليصد الضغط الدولي والداخلي الشعبي وحتى الرسمي من قبل معظم دول
العالم التي تطالب بوقف الحرب، وكانت أميركا تجهض محاولات مجلس الأمن المطالبة
بوقف الحرب، بحجة أنها تدير مفاوضات الصفقة، لكن ها هي الصفقة لا تحقق شيئا، وهكذا
تستمر الحرب.
لقد قدم بايدن لنتنياهو خلال تسعة شهور من الحرب،
14 ألف قنبلة ضخمة، خارقة للتحصينات، وكل ما لديه من دعم استخباراتي، وطبعا إضافة
للحماية السياسية من الضغط الدولي، الذي كان يمكنه لولا الموقف الأميركي الداعم
لإسرائيل، إن يفرض وقفها، أو على الأقل فتح الأبواب أمام المساعدات الإغاثية، أما
ما منعه فكان شحن قنابل تزن اكثر من 2000 رطل، لما تحدثه من مجازر بحق المدنيين،
هذه التي شهّر نتنياهو ببايدن استنادا لها، فإن بايدن يراجع، اليوم، ذلك الموقف،
رغم أن الدستور الأميركي بجانبه من حيث انه يفرض عليه أخذ موافقة الكونغرس على كل
صفقة سلاح.
لكن كما كان حال حزب العمل الإسرائيلي، من حيث انه
حين كان في الحكم في إسرائيل يكون اكثر قدرة من "الليكود" واليمين على
شن الحروب، ذلك أن اليمين يدعمه حين يظهر اكثر منه تشددا وتطرفا، في حين يكون
"الليكود" اكثر قدرة على عقد اتفاقيات السلام، بدليل بقاء كامب ديفيد مع
مصر بعد نحو نصف قرن، فيما أوقف اليمين أوسلو بعد سنوات قليلة من عقدها، كون
اليسار (حزب العمل وميرتس) هو من عقدها مع الجانب الفلسطيني، نقول، إن حال الأميركيين
يشبه حال الإسرائيليين، فالجمهوريون شدوا على يد بايدن وهي تشارك نتنياهو في
ارتكاب جرائم الحرب، فيما كانوا يقفون عقبة في طريق دعمه لأوكرانيا مثلا، لدرجة
انه اضطر أن يجمع بين رغبته في تقديم الدعم العسكري والمالي لأوكرانيا بالدعم
العسكري والمالي لإسرائيل، حتى يمر مشروع القرار في الكونغرس، حيث أغلبية النواب
من الجمهوريين.
وقادة الحزب الجمهوري خاصة في الكونغرس، بالتحديد
في مجلس النواب، هم صهاينة مسيحيون لا يقلون تطرفا عن اليمين الإسرائيلي، بل منهم
من طالب بحرق غزة بالكامل، ومنهم من طالب بمعاقبة المحكمة الجنائية الدولية لأن
المدعي العام البريطاني الجنسية فيها، تجرأ وطالب قضاة المحكمة بإصدار مذكرتي
اعتقال بحق نتنياهو ويوآف غالانت، وهذا رغم أن طلب المدعي العام، تضمن إصدار ثلاث
مذكرات مترافقة مع مذكرتي الاعتقال بحق الإسرائيليين، وذلك بحق قادة "حماس".
وبعد أن قاد مجرمو الحرب من قادة إسرائيل الحاليين
حرب الإبادة لمدة تسعة اشهر، رغم أن أحدا، حتى بايدن ما كان سيقتنع بمنحهم هذه
الفترة لشن هذه الحرب، وذلك عبر التدرج في تمرير الوقت، فإن نتنياهو الذي يحرص جدا
على استمرار الحرب إلى ما لا نهاية، سيقود بايدن الذي سيجد نفسه خلال الأشهر
القادمة غارقا في بحر الانتخابات، للاستسلام للأمر الواقع الذي يفرضه نتنياهو، وقد
بدأت آلة حربه الإعلامية تقول، إن تبديد "حماس" سيحتاج إلى عامين آخرين،
وان تحويل غزة إلى منطقة لا تهدد إسرائيل سيحتاج جيلا كاملا، أي إلى عشرات السنين،
كل هذا حتى تسمح إسرائيل "بحكم" محلي أو ذاتي، لقطاع غزة، وهدف إسرائيل
في حقيقة الأمر، إضافة إلى إغلاق باب الحل السياسي مع الفلسطينيين، هو استمرار
الحرب حتى تحقق هدفها بجر أميركا وإيران للمواجهة العسكرية، بما يضمن لإسرائيل قطع
طريق ايران على أن تكون منافسا إقليميا لها.