العدد 1694 /17-12-2025
صبغة الله صابر
لم تشارك أفغانستان في الاجتماع الذي عقدته دول
الجوار في طهران، يوم الأحد الماضي، لبحث تطورات الملف الأفغاني، مبررة ذلك بأنها
تفضل إدارة علاقاتها مع دول المنطقة عبر قنوات ثنائية ومباشرة، ولا ترى جدوى من
الانخراط في مثل هذه اللقاءات الجماعية. غير أن غياب حكومة "طالبان" عن
الاجتماع لم يمر بدون تداعيات، إذ أثار استياء واضحاً في إسلام أباد.
في المقابل، رأى بعض المراقبين أن كابول، بعدم
مشاركتها، نجحت في إفشال محاولة باكستانية جديدة كانت تهدف إلى بلورة موقف إقليمي
موحد من شأنه وضع "طالبان" في موقف بالغ الحرج، ودفعها إلى تقديم
تنازلات، ولو جزئياً، تتعلق بمطالب باكستان، مثل فتح المعابر الحدودية، ومنع حركة
طالبان الباكستانية من استخدام الأراضي الأفغانية لتنفيذ هجمات ضد باكستان.
وكان المندوب الباكستاني الخاص محمد صادق خان قد
أعرب، في اجتماع طهران، عن قلق بلاده إزاء التهديدات الموجهة إليها من الأراضي
الأفغانية، مطالباً دول المنطقة أن تتعامل مع تحفظات باكستان بجدية. واعتبر أن
"أفغانستان مستقرة وخالية من العناصر الإرهابية أمر أساسي لكسب ثقة جيرانها
واستثمار إمكاناتها الاقتصادية الضخمة. لذلك، من الضروري أن يتخذ حكام الأمر
الواقع الحاليون في أفغانستان خطوات لتخفيف معاناة شعبهم. وأهم خطوة في هذا الصدد
ستكون تطهير أراضيهم تماماً من جميع أنواع الإرهابيين". وشاركت في الاجتماع
بالإضافة إلى باكستان وإيران، كل من روسيا وطاجكستان والصين وأوزبكستان
وتركمانستان.
وأصدرت إيران، الاثنين، بياناً حول تفاصيل البنود
المتفق عليها في اجتماع الممثلين الخاصين لدول جوار أفغانستان في طهران. وقالت:
أكدت الدول المشاركة على التكامل الإقليمي، وعلى مركزية المنطقة في حلّ القضايا
والتحديات القائمة، بما فيها بعض القضايا المتعلقة بأفغانستان. كما أكدت على تعزيز
الاستقرار في أفغانستان، وأعلنت استعدادها للمساعدة في تحقيقه إذا أبدت أفغانستان
حاجة لذلك. وشددت على أهمية استمرار العلاقات الاقتصادية والتجارية مع أفغانستان بهدف
تحسين معيشة شعبها، وضرورة اندماج أفغانستان في العمليات السياسية والاقتصادية
للمنطقة. وأضاف: أعربت الدول المشاركة (في الاجتماع) عن مخاوفها الأمنية، وأكدت
استعدادها لمساعدة أفغانستان في مكافحة الإرهاب، وتهريب المخدرات، والاتجار
بالبشر. كما أكدت على مسؤولية المجتمع الدولي في رفع العقوبات والإفراج عن الأصول
الأفغانية.
وبحسب البيان، عارضت الدول أي محاولة من جانب
الدول الأجنبية لإقامة وجود عسكري في أفغانستان، وشددت على مسؤولية بعض الدول عن
الوضع الراهن في أفغانستان في المساعدة على إعادة بناء وتحسين أوضاعها الاقتصادية
والاجتماعية دون استغلالها ورقةَ ضغط سياسية. وأيدت جميع الجهود المبذولة لخفض
التوترات بين أفغانستان وباكستان، وأعربت عن استعدادها للمساهمة في تعزيز هذه
الجهود. وفي الوقت نفسه، دعت باكستان وأفغانستان للعودة إلى طاولة المفاوضات وحل
خلافاتهما عبر القنوات الدبلوماسية.
"طالبان" ترفض التعامل مع باكستان
ومع أن طهران أكدت أن الاجتماع لم يكن بطلب من
إسلام أباد، إلا أن الاعتقاد السائد في كابول أن باكستان بعدما باءت بالفشل كل
محاولاتها لإقناع "طالبان" بتقديم تنازلات، تريد الآن أن تعيد المياه
إلى مجراها الصحيح، وأن تطبع الأوضاع مع كابول. وكان اجتماع طهران محاولة من هذا
القبيل. لكن كابول، وتحديداً القيادة المركزية في "طالبان"، غير مقتنعة
بأي نوع من التعامل مع باكستان، خصوصاً أن إسلام أباد كانت ولا تزال تقول إن حكومة
"طالبان" تعمل وفق أجندة إسرائيلية وهندية. كما حاولت إسلام أباد في
الأسابيع الأخيرة أن تنظم صفوف المعارضين لـ"طالبان" وفتح جبهة قتالية
جديدة في وجه الحركة.
علاوة على ما سبق، صرّح الكثير من المسؤولين في
باكستان، منهم وزير الدفاع خواجه آصف، ووزير الإعلام عطاء تارر، وكذلك وزارة
الخارجية الباكستانية في أحد بياناتها، أن هناك ضرورة لتغيير نظام الحكم في
أفغانستان، وأن حكومة "طالبان" مستبدة، ولا بد من تغيرها وفق طموحات
الشعب الأفغاني. كل تلك الأمور أغضبت القيادة المركزية في "طالبان"، وهي
قررت، حسب ما علم "العربي الجديد" من مصدر مقرب من زعيم الحركة الملا
هيبت الله أخوند زاده، أن الأخير وباقي قيادات الحركة، مثل نائب رئيس الوزراء
للشؤون الاقتصادية الملا عبد الغني برادر، ووزير الدفاع الملا يعقوب مجاهد، نجل
الملا عمر مؤسس الحركة، ووزير الداخلية الملا سراج الدين حقاني، اعتبار الخطر
الحالي لمستقبل أفغانستان وحكومة "طالبان" هو باكستان وسياساتها، مؤكداً
أن الجميع يقولون إن ما تفعله باكستان بإشارة دول أخرى، وأنه لا يمكن التعامل معها
بوصفها جاراً أو دولة صديقة بعد كل ما جرى.
وعن ذلك، قال المحلل السياسي الأفغاني يوسف خان
منغل، ، إن المعضلة الأساسية هي أن باكستان ماضية في نهجها الحالي وهي لا تغير
سياساتها مع أفغانستان، وهي لا تتحمل أفغانستان الآمنة المستقرة. وأضاف:
"باكستان تارة تتخفى بزي الصديق وتارة أخرى بزي العدو، ولكن هدفها واحد:
النيل من أفغانستان والتربص بها. حسابات باكستان كانت خاطئة جداً، وبعدما فشلت في
كل ما فعلته أخيراً، بدءاً بالقصف الجوي في كابول، ثم الهجمات المتكررة على
الحدود، ثم إغلاق المنافذ الحدودية، وأخيراً التعامل السيئ مع اللاجئين الأفغان،
خسرت النفوذ في الجانبين السياسي والاجتماعي، وخسرت سوق أفغانستان. الآن تريد
تغيير الأمور. ولكن كيف يمكن لنا أن نطمئن أن باكستان فعلاً تغيرت؟ هذا الأمر لا
تقبله عقولنا".
وتابع أنه "منذ سيطرة (طالبان) على أفغانستان
(أغسطس/ آب 2021)، بدأت الاحتفالات في باكستان، وكان الجميع في إسلام أباد يرون أن
أفغانستان أصبحت لنا، وتحت سيطرتنا، لكنهم نسوا ما فعلته إسلام أباد مع الحركة بعد
سقوط حكومتها الأولى بيد التحالف الدولي ضد الإرهاب، ثم هم أيضاً لم يدركوا
أيديولوجية (طالبان) وطريقة تفكير الأفغان. ولكن عندما قالت (طالبان) نحن دولة
مستقلة لها سيادتها، وسياستها الخارجية ترسمها مثلما تشاء، غضبت إسلام أباد. وتحت
ذريعة أن (طالبان) الأفغانية تؤوي حركة طالبان الباكستانية بدأت تقصف وتستهدف
السيادة الأفغانية، بل اعتبر المسؤولون في الحكومة الباكستانية أفغانستان حليفة
لإسرائيل والهند".
عدم مشاركة "طالبان" خسارة لكابول
في المقابل، اعتبر بعض المراقبين في أفغانستان أن
عدم مشاركة حكومة "طالبان" في الاجتماع خسارة لكابول وضياع للفرصة. وقال
المندوب الباكستاني السابق لأفغانستان محمد آصف دراني، في تصريح صحافي، إن عدم
مشاركة "طالبان" في اجتماع طهران إن دل على شيء فإنه يدل على عدم تمييز
الحركة للألعاب السياسية، وعدم فهمها للقضايا السياسية، معرباً عن أسفه لذلك، قائلاً
إن سياسات "طالبان" تشير إلى أنها لا ترغب في حل المشاكل والتعامل مع
دول المنطقة.