العدد 1382 / 16-10-2019
حصلت
مصادر مطلقة على معلومات تفصيلية من مصدر مطلع داخل جهاز مشروعات أراضي القوات
المسلحة المصرية تكشف جوانب خفية في أكبر قضية فساد بمصر قام رئيس الانقلاب
عبدالفتاح السيسي بنفسه بالتستر عليها إرضاء للعديد من أجهزة الدولة الرقابية
والسيادية، وبتدخل مباشر من نجله مصطفى الذي يعمل حاليا مسؤولا كبيرا في هيئة
الرقابة الإدارية.
وكشف
المصدر المطلع، بحكم عمله داخل مشروعات أراضي الجيش، تفاصيل الحلقات المفقودة في
القضية المعروفة إعلاميا بـ"الحزام الأخضر"، التي يُحاكم فيها وزير
الإسكان الأسبق، محمد إبراهيم سليمان، ورجل الأعمال سمير زكي عبدالقوي، وثلاثة من
مسؤولي هيئة المجتمعات العمرانية، بتهمة التربح والإضرار بالمال العام، وذلك عن
طريق بيع مساحات كبيرة من الأراضي بأقل من سعرها.
"قنبلة
دخان"
ولفت
إلى أن "محاكمة وزير الإسكان الأسبق إبراهيم سليمان في قضية تتعلق بكيفية
منحه مزايا لبعض الجمعيات العاملة في نطاق الحزام الأخضر بمنزلة قنبلة دخان
للتغطية على الحيتان الكبار بالأجهزة الرقابية والسيادية، وذلك لصرف الأنظار تماما
عن القضية الرئيسة، وهي استيلاء تلك الأجهزة على أراضي الدولة، ومن أجل التغطية
على المصيبة الكبرى التي تم اكتشافها داخليا".
وقال
المصدر: "قصة الحزام الأخضر ترجع بدايتها حينما أسّس سمير زكي جمعية 6 أكتوبر
لاستصلاح الأراضي والتنمية الزراعية في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، كستار لعدد
من كبار شخصيات الدولة، وأخذ من وزير الإسكان الأسبق إبراهيم سليمان 16605 فدان في
هذه المنطقة، وتم تخصيصها لهم بالأمر المباشر، باعتبارها أرض زراعية حول مدينة 6
أكتوبر بمحافظة الجيزة".
وأضاف:
"عقب حصولهم على كل هذه الكمية الكبيرة من الأراضي (الزراعية) أرادوا تحويلها
إلى أرض مباني واستغلالها لصالحهم، وأرادوا تأمين أنفسهم من جانب الأجهزة التي قد
تسبب لهم مشاكل عدة، فقرروا التواصل مع تلك الأجهزة لإغرائهم وشراء ذممهم وصمتهم
بآلاف الأفدنة، وعبر رشاو لبعض مسؤوليها وأفرادها، كي يؤمّنوا ظهورهم"، وفق
ما كشفه المصدر.
واستطرد
المصدر، بالقول: "تواصلوا مع جهاز أمن الدولة، والنيابة العامة، وبعض القضاة،
ورجال المخابرات، والرقابة الإدارية، من أجل منحهم آلاف الأفدنة، وقد ركزوا على
الأخيرة، لأنها هي التي قد تسبب له الكثير من المشاكل والعقبات".
وأضاف:
"كان من المفترض أن يتم توزيع الأراضي على أعضاء جمعية 6 أكتوبر التي تم
تأسيسها عام 1988، التي تحولت لشركة فيما بعد عام 1996، كي تحصل على المزيد من
الأراضي، لأن القانون لا يسمح بتملك الجمعيات أكثر من خمسة آلاف فدان، إلا أن من
حصلوا على أراض في الأجهزة الرقابية والسيادية لم يكونوا أعضاء بهذه الشركة من
الأساس".
وتابع:
"جميع ضباط الرقابة الإدارية والقضاة ورجال المخابرات وضباط مباحث أمن الدولة
حصلوا على أراض في الحزام الأخضر بالمخالفة الصارخة للقانون، ولإجراءات وقواعد
التخصيص، التي تنص على أنه من يحق له الحصول على أراضي في هذه المنطقة فئات
بعينها، وهي أسر شهداء العمليات الحربية، ومصابي العمليات الحربية، والمُسرّحين من
القوات المسلحة، والخريجين حديثا من كليات الزراعة، والمُقيمين داخل زمام المدن
الجديدة الذين يمتهنون مهنة الزراعة".
وقال:
"تم تخصيص 5200 فدان للرقابة الإدارية، وتم توزيعها على معظم ضباط الجهاز،
الذين بلغ عددهم 600 ضابط وقت التخصيص على مرحلتين، وحصل 300 ضابط في المرحلة
الأولى على مساحة 3000 فدان بقيمة 5 آلاف جنيه للفدان الواحد".
"أرض
عسكرية"
وقال
المصدر المطلع: "بعد مرور شهور قليلة ظهرت أزمة كبرى بالنسبة لأراضي المرحلة
الأولى، لأن جزءا منها مساحته 1500 فدان كان أرضاﹰ عسكرية تابعة لقوات الدفاع
الجوي التابعة للجيش المصري، والتي فوجئت بالسطو الذي حدث على الأراضي، لكنها
أعلنت أنها لن تسمح لأي أحد بوضع يده على هذه الأراضي أيا كان حتى لو كان تابعا
لأي جهة في الدولة".
وكان
محامي جمعية شركة 6 أكتوبر للتنمية الزراعية، هشام نجيب، قد قال، في أحد البرامج
التلفزيونية، إن مساحة الأراضي التي حصلت عليها شركتهم كان بها جزء لم تتمكن هيئة
المجتمعات العمرانية من تسليمه لهم، بزعم وجود إشغالات عليها لبعض الناس، ولذلك
أعطتهم أرضا بديلة، لكن دون أن يوضح السبب الحقيقي الذي حال دون تسليمهم هذه
الأراضي.
وحول
ذلك، قال المصدر: "تفجرت تلك الأزمة الكبرى داخليا، وتم التكتم عليها في سرية
شديدة جدا، لخطورة الأمر وحساسيته، خاصة أن الذين تم تخصيص الأراضي لهم قام بعضهم
ببيعها مباشرة، وذهبت لأشخاص آخرين، ولم يعرف الفاسدون كيف يتصرفون إزاء هذا
التطور الخطير".
"محارب
وهمي للفساد"
وأضاف
المصدر: "كان من المفترض أن تقوم الدولة المصرية بمحاربة الفساد، وتقنين
أوضاع الأراضي التي تم وضع اليد عليها مقابل مبالغ مالية مناسبة، والدولة تزعم
أنها تقوم بذلك بالفعل، والسيسي نفسه قال سنقوم بتقنين الأراضي وأعلن غضبه العارم
من الاستيلاء على الأراضي أو تحويل الأرض الزراعية إلى أرض للبناء، ما جعل
الكثيرين في حالة قلق كبير من دفع أموال طائلة مُستحقة للدولة".
وفي
أيار 2017، طالب السيسي بنزع الأراضي ممن يعتدون عليها ولا يقومون بتقنين وضعهم،
قائلا: "أنا بصراحة زعلان أوي.. زعلان في الموضوع ده (التعديات على الأرض
الزراعية).. أن حد ياخذ أراضي مصر كده.. الناس مش لاقية تأكل.. وناس تمد يدها
بالعشرة آلاف فدان، والعشرين ألف فدان، يأخذه، ويقول: دول بتوعي؟".
وتابع
السيسي: "الكلام ده مش هيبقى مقبول في مصر تاني خلاص، أن حد يمد يده، ويقول
الأراضي دي بتاعتي.. لا مش بتاعتك.. دي بتاعة مصر، مش بتاعتنا.. مش من حقي أعطيها
لك".
قرار فريد من
نوعه"
واستدرك
المصدر قائلا: "لكن كانت المفاجأة المدوية أن السيسي نفسه كان قد أصدر قرارا
جمهوريا فريدا من نوعه في شباط 2017 باعتبار جميع أرضي الحزام الأخضر، التي تبلغ
مساحتها 60 ألف فدان، مناطق سكنية وليست أرض زراعية، وهذه هي الأرض الوحيدة التي
أصدر السيسي قرارا بشأنها بهذا الخصوص، وذلك لمحاولة التستر على كبار المسؤولين
المتورطين في هذا الفساد وإرضاء لهم وشراء لولائهم مقابل دفعهم مبالغ بسيطة لا
تساوي على الإطلاق 10% من قيمة الأرض الحقيقية التي حصلوا عليها".
وقال:
"قمة الفساد أن يتدخل رئيس الدولة بنفسه، ويقوم بإصدار قرار بتحويل الأراضي
التي استولت عليها الأجهزة الرقابية على وجه الخصوص والسيادية على وجه العموم،
ودون غيرها من الأراضي من زراعي لمباني لينقذ أتباعه من الفضيحة، ويتم إعفاؤهم من
دفع مبالغ مناسبة مقابل تقنين أوضاعهم في حين يُصرّ على تحصيل المليارات من أصحاب
الأراضي في باقي الجمهورية، ويقوم بتنفيذ الإزالات على أراضيهم، لأن هؤلاء غير
مرضي عنهم وليسوا تابعين للأجهزة التي يعمل فيها أبناؤه".