محمد أبو رمان
لو تجاوزنا البعد الشعاراتي الدعائي في خطاب ترامب، وبحثنا عن الدلالات والمعاني الأكثر عمقاً في محاولة لاستنطاق التوجهات القادمة له تجاه المنطقة، يمكن الخروج بنتائج أساسية من الانتخابات.
الناخبون الأميركيون، عملياً، صوّتوا لصالح الخطاب اليميني، المتلبس بالهويّة.
الرئيس الأميركي الجديد استخدم خطاباً هوياتياً بصورة متطرفة في حملته الانتخابية، فأوحى بأنّ الهوية الأميركية في «خطر»، فموقفه من الهجرة العربية والمسلمة، وموقفه من المكسيكيين، جذب جمهوراً عريضاً من الأمريكيين، الذين يسيطر عليهم هذا الهاجس ويخاطب «غريزة الخوف» لديهم.
مقاربة ترامب هذه تستبطن نظرية «صدام الحضارات» المعروفة لصموئيل هانتنغتون، التي تقوم على الهويات الدينية والثقافية كمحرّك رئيس للعلاقات بين الشعوب، التي تقوم على الصراع، خاصة إذا تحدّثنا عن دائرة الإسلام والغرب.
والطريف في الأمر أنّ صموئيل هانتنغتون نفسه عاد ليصدر كتاباً آخر بعنوان «من نحن: تحديات الهوية القومية الأميركية» (Who Are we: The Challenge of America’s National Identity)، ويمكن أن نعتمده كـ«أرضية» فلسفية لخطاب ترامب واليمين الأميركي الجديد، وفيه يتحدث عن الهوية الأميركية بأنّها مرتبطة بالعقيدة الأميركية المستمدة من الإصلاح البروتستانتي والميراث الأنجلو ساكسوني. ويركّز على خطر الهجرة المكسيكية على المجتمع الأميركي وثقافته، ويرفض وصف أميركا بأنّها «مجتمع المهاجرين».
إنّ من يعيد قراءة خطاب ترامب يجده يتأسس بالكلية على هذه «الثيمة»، أي الخوف على الهوية القومية، والشعور بالقلق من المهاجرين والآخرين.
أمّا على صعيد السياسات الخارجية، وتحديداً ما يتعلّق في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط، التي تنتظر نتائج الانتخابات الأميركية، فإنّ خطاب ترامب أقرب إلى «المدرسة الواقعية» التقليدية، مع خلطته الشخصية غير العقلانية، التي ستتلاشى مع وصوله إلى البيت الأبيض. لكن المفارقة أيضاً هنا، أنّ ترامب ضد التحالف مع إيران، لكنّه إلى جانب التقارب مع روسيا، بذريعة الهدف المشترك، مكافحة الإرهاب، وهو أمر يصعب تطبيقه عملياً مع وجود المحور الروسي- الإيراني المنتشي في المنطقة.
في ما يخص الأنظمة العربية يقف ترامب مع السياسات المحافظة وضد ثورات الربيع الديمقراطي العربي، ويرى أنّ العالم كان أفضل بوجود حكام مثل صدام حسين والقذافي، وأنّ أميركا تخلّت عن حليفها حسني مبارك، ويؤيد الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، بمعنى أنه أقرب إلى المدرسة المحافظة التي تقول بمبدأ أولوية الأمن والصفقة مع الأنظمة العربية على قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة.
مع ذلك، حتى هذه الوصفة ليس ممكناً تطبيقها! فالأنظمة العربية المحافظة وصلت إلى «طريق مسدود»، ولم يعد بالإمكان إعادة عقارب الساعة إلى وراء. لكن ذلك يدفعنا إلى الاستنتاج بأنّ موقفه من الإسلاميين عموماً متشدد يتماهى مع موقف اليمين الأميركي المتطرف.
المهم أنّ ما قاله ترامب لا يعني شيئاً بعد وصوله إلى البيت الأبيض، فهو سيجد نفسه أمام واقع جديد معقّد في المنطقة، ومؤسسات أميركية عسكرية وأمنية لها تقاريرها ودراساتها، وهنالك نظريات لاتخاذ القرار ستفرض نفسها عليه، وحجم التغيير سيكون محدوداً خارجياً.
ذلك لا ينفي أنّ وصوله يحمل دلالات ومؤشرات مهمة في السياسة الخارجية الأميركية، وسيكون مؤثراً في الملفات الإقليمية، حتى ولو جزئياً، وربما الأسئلة الحقيقية التي من المفترض أن تُطرح اليوم؛ هل سيعيد النظر في نظرية «القيادة من الخلف» التي اعتمدها الرئيس أوباما في حكمه؟ وكيف سينعكس ذلك على المنطقة؟! ما هو حجم التأثير الحقيقي الذي يمكن أن يحدث في هذا الوقت المتأخر من الصراع في كل من سورية والعراق؟ وهل سيُجري تغييراً (ما) في المقاربة الأميركية الراهنة؟