العدد 1682 /24-9-2025
لم تنتظر
بريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال حلول اليوم الاثنين لتعترف بالدولة الفلسطينية
على هامش المؤتمر الدولي لحلّ الدولتين الذي يُعقد اليوم في مدينة نيويورك، بل
استبقت المؤتمر وأقدمت على الخطوة أمس الأحد، كتأكيد على الالتزام بحلّ الدولتين.
ومن المتوقع أن يعلن عدد إضافي من قادة دول العالم، اليوم الإثنين، في نيويورك،
الاعتراف رسمياً بالدولة الفلسطينية على حدود عام 1967. وتحديد حدود الرابع من
يونيو/تموز 1967 في نصّ الاعتراف يوازي الاعتراف أهميةً، وإلا تكون المسألة عبارة
عن مجرد تحويل اسم السلطة الفلسطينية الحالية، إلى دولة. ومن بين هذه الدول:
فرنسا، بلجيكا، مالطا، نيوزيلندا، بالإضافة إلى دول أخرى. ويعقد "مؤتمر حلّ
الدولتين وتسوية القضية الفلسطينية بالسبل السلمية" عشية انطلاق اجتماعات
الجمعية العامة رفيعة المستوى في نيويورك غداً الثلاثاء.
وبالإضافة إلى
الإعلان المتوقع من هذه الدول (بالإضافة إلى أكثر من 149 دولة كانت قد أعلنت
الاعتراف بدولة فلسطينية على مدار العقود الماضية)، سيجذب مؤتمر حلّ الدولتين
الكثير من الانتباه نظراً للحضور الرفيع والاعترافات المتوقعة (خصوصاً من فرنسا
وبريطانيا)، ما سيعطي زخماً دبلوماسياً وإعلامياً كان قد بدأ منذ نهاية يوليو/تموز
الماضي، وإعلان المؤتمر عن وثيقة نيويورك، وتبنيها قبل أسبوع في الجمعية العامة
للأمم المتحدة (اعتمدت الجمعية العامة قراراً يقرّ إعلان نيويورك بشأن تسوية قضية
فلسطين بالوسائل السلمية وتنفيذ حل الدولتين). لكن الأهم من الضجيج الإعلامي، هو
سؤال ماذا بعد هذا المؤتمر؟
تفاصيل مؤتمر حلّ
الدولتين
وكانت نحو 11
دولة حول العالم، أعلنت عزمها الاعتراف بدولة فلسطين، بالتزامن مع عقد الدورة
الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة. وهذه الدول هي مالطا وبريطانيا ولوكسمبورغ
وفرنسا وأستراليا ونيوزيلندا وكندا وأرمينيا وبلجيكا والبرتغال وسان مارينو
وأندورا.
سيعقد مؤتمر حلّ
الدولتين على مستوى رفيع، بحضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حيث تترأس بلاده
المؤتمر إلى جانب السعودية، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، وعدد من
قادة الدول، في حين من المتوقع أن يشارك ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان
عبر رابط فيديو مباشر. وكان السفير السعودي في الأمم المتحدة عبد العزيز الواصل،
قد تقدم بطلب (شفوي) أمام الجمعية العامة، يسمح لبن سلمان بتقديم مداخلته عبر
الفيديو (مسجلة أو مباشرة) خلال المؤتمر والاجتماعات رفيعة المستوى، حيث لا تسمح
الجمعية العامة (باستثناء فترة جائحة كورونا) إلا بتقديم المداخلات بشكل شخصي خلال
الاجتماعات رفيعة المستوى وفي حالات استثنائية يجب الموافقة عليها مسبقاً.
وتبنّت الجمعية
العامة للأمم المتحدة كذلك قراراً يسمح للرئيس الفلسطيني محمود عباس بالمشاركة عبر
الفيديو (مسجل أو مباشر) في المؤتمر والاجتماعات رفيعة المستوى بشكل استثنائي لهذا
العام لأن الولايات المتحدة لم تمنح تأشيرات للوفد الفلسطيني والرئيس الفلسطيني،
على الرغم من أن ذلك يخالف اتفاقية الأمم المتحدة مع الولايات المتحدة كدولة مضيفة
لمقر الأمم المتحدة الرئيسي. يشار إلى أن المؤتمر يبدأ الساعة الثالثة عصراً
بتوقيت نيويورك، أي العاشرة مساء بتوقيت القدس المحتلة، ومن المتوقع أن يستمر
لثلاث ساعات وسيتحدث خلاله بالإضافة إلى المتحدثين باسم فرنسا والسعودية والأمين
العام للأمم المتحدة، الرئيس الفلسطيني وقادة آخرون يرغبون بالإعلان عن الاعتراف
بالدولة الفلسطينية أو الإقدام على خطوة مهمة.
ومع انتهاء
المؤتمر، ستُسدل الستارة على هذه المرحلة من الدبلوماسية رفيعة المستوى والتي بدأت
نهاية العام الماضي بموجب قرار للجمعية العامة حول حلّ القضية الفلسطينية بالسبل
السلمية وعقد مؤتمر يصدر عنه منتج أو وثيقة للعمل من أجل تطبيق هذا الحل الذي يقول
المجتمع الدولي أنه يريده.
ترأست كل من
فرنسا والسعودية بعد قرار الجمعية العام نهاية العام الماضي المؤتمر وشكلت ثماني
لجان من عدد من الدول للتعامل مع الجوانب المختلفة بما فيها الاقتصادي
والدبلوماسي، والمالي، والعسكري، وغيرها لتطبيق حل الدولتين بالسبل السلمية. وكان
من المفترض عقد مؤتمر حلّ الدولتين في يونيو/حزيران الماضي لكنه تأجل بعد بدء
العدوان الإسرائيلي على إيران. وقررت فرنسا والسعودية، اللتان تترأسان وتيسّران
المؤتمر، عقده على مرحلتين: الأولى عقدت نهاية يوليو الماضي في مقر الأمم المتحدة
الرئيسي في نيويورك على مستوى وزراء الخارجية وانبثقت عنه وثيقة "إعلان
نيويورك"، تلاها الأسبوع الماضي تصويت الجمعية بأغلبية كبيرة لتبني الاعلان.
ثم يأتي اجتماع اليوم الاثنين على مستوى رؤساء الدول ليعطيه زخماً إعلامياً
ورمزياً، خصوصاً في ظل الاعترافات المتوقعة.
وثيقة إعلان
نيويورك
لا شك أن لمنع
الرئيس الفلسطيني ووفده من حضور اجتماعات نيويورك بشكل شخصي من قبل الجانب
الأميركي رمزية كبيرة تُذكّر مجدداً بمدى انخراط الجانب الأميركي في الحرب التي
تقودها إسرائيل ضد الفلسطينيين. حرب لم يعد من الممكن النظر إليها بوصفها
إسرائيلية فحسب، بل هي أميركية أيضاً من ناحية الدعم العسكري والمادي والغطاء
السياسي والدبلوماسي وملاحقة مسؤولين في المحكمة الجنائية الدولية لإصدارهم مذكرات
اعتقال بحق رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومسؤولين إسرائيليين آخرين،
وصولاً إلى قطع المساعدات عن منظمات دولية، وإعلان منظمات حقوق إنسان فلسطينية
منظمات إرهابية، وملاحقة الأميركيين أو المقيمين في الولايات المتحدة من المدافعين
عن القضية الفلسطينية ومحاولة ترحيلهم. وما استخدام حق النقض (الفيتو) الأميركي في
مجلس الأمن ضد قرارات تطالب بوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات آخرها الخميس
الماضي وذلك حتى بعد إعلان المجاعة رسمياً في مناطق من قطاع غزة، إلا شكل من أشكال
الانخراط الأميركي في الحرب على الفلسطينيين، وهو ما يضاف إليه رفض إصدار
التأشيرات للوفد الفلسطيني.
كما حاولت
الولايات المتحدة في مراحل الإعداد للمؤتمر، في الربيع الماضي، ممارسة ضغوط شديدة
على الدول التي تنوي المشاركة في مؤتمر حلّ الدولتين وتحذيرها من تنفيذ إجراءاته
أو مخارجه وأن الولايات المتحدة ستعتبره مخالفاً لمصالح السياسية الخارجية
الأميركية وقد تواجه عواقب دبلوماسية. لكن التهديدات الأميركية والإسرائيلية لم
تأت بثمارها.
ولم تفلح
الولايات المتحدة، التي حاولت استخدام العصا والجزرة، في ثني الدول عن التصويت
بأغلبية كبيرة، 145 مؤيدة، لصالح تبني نداء نيويورك ووثيقته المفصلة. وتدعي
الولايات المتحدة أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية وتبني الوثيقة هو "مكافأة
لحماس" لكن المثير أن وثيقة المؤتمر لا تدين "حماس" فحسب (كما تدين
الهجمات الإسرائيلية على المدنيين) لكنها تطالب بإبعادها عن الحكم. ناهيك عن
الحديث عن دولة منزوعة السلاح وأمن إسرائيل في وقت تتواصل الإبادة التي تمارسها
إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني الذي هو بأمسّ الحاجة للحماية والأمن، ولكن بالكاد
يُذكر ذلك.
وتتضمن الوثيقة
محاولة لوضع خريطة طريق أمام الدول لتنفيذ حلّ الدول واتخاذ خطوات عملية. وينص
الإعلان (والملحق الذي هو جزء منه) على أنه لضمان التنفيذ المستدام لنتائج
المؤتمر، تكلف آلية دولية للمتابعة مكونة من الرئيسين (رئيسي المؤتمر، أي فرنسا
والسعودية) والفرق العاملة بمتابعة الإعلان والخطة والإجراءات المعتمدة في المؤتمر
بما في ذلك بسياق التحالف العالمي لتنفيذ حلّ الدولتين.
وعبّر عدد من
الدبلوماسيين الغربيين عن خشيتهم من أن تستغل إسرائيل هذه الاعترافات من قبل فرنسا
وبريطانيا للإعلان عن ضمّها الضفة الغربية أو أجزاء كبيرة منها. لكن هذه المخاوف
الغربية تغضّ النظر عن الحقائق على أرض الواقع بما فيها أن هناك ضمّاً فعلياً وأن
نتنياهو الذي يقوم بإبادة جماعية لم تقم أي من الدول الغربية بخطوات جدية
لإيقافها، لن يردعه اعتراف تلك الدول أو عدمه.
تتعامل الدول
الغربية، خصوصاً النافذة منها، مع قضية الاعتراف وكأنها "خطوة كبيرة"
لتغطي على صمتها وتعاونها واستمرار الإبادة لتحفظ ماء الوجه وتغطي على معاييرها
المزدوجة وتمكينها، إلى جانب الولايات المتحدة، إسرائيل من استمرارها في استعمارها
واحتلالها للفلسطينيين وأرضهم لقرابة ثمانية عقود بدون أي محاسبة. هناك تحول في
الرأي العام العالمي وبدأ الشارع حول العالم يتحرك وتلك الحكومات تشعر بالغضب
المتصاعد وهي تحاول أن تتحرك لاحتوائه. ويبقى السؤال هنا، ماذا بعد نيويورك؟ وكيف
سيوقف هذا الاعتراف الإبادة إذا لم تمارس هذه الدول ضغطاً حقيقياً على إسرائيل
وتتخذ خطوات جدية لردعها؟