العدد 1637 /6-11-2024

محمد أمين

لم يتردد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بالقول إن رئيس النظام السوري بشار الأسد و"شركاءه" غير مستعدين للتوصل إلى اتفاق مع المعارضة السورية وتطبيع كبير مع أنقرة، ما يؤكد عدم تحقيق الجهود الروسية المبذولة منذ أواخر عام 2022 أي تقدم جدي يمكن البناء عليه لوضع حد لقطيعة وعداء بين الجانب التركي ونظام الأسد بدأ في مطلع عام 2012.

شروط بشار الأسد

وأشار فيدان في تصريحات لصحيفة حرييت التركية، نشرت الأحد الماضي، إلى أن بلاده تريد أن ترى حكومة الرئيس بشار الأسد تنشئ إطاراً سياسياً مع المعارضة يمكنهما الاتفاق عليه في بيئة خالية من الصراع، ومن المهم أن توفر الحكومة بيئة آمنة ومستقرة لشعبها، إلى جانب المعارضة. كما بيّن أن لدى أنقرة رغبة في "أن يتوصل الأسد إلى اتفاق مع معارضيه"، مضيفاً: لكن على حد علمنا، الأسد وشركاؤه غير مستعدين لحل بعض المشكلات، وغير مستعدين للتوصل إلى اتفاق وتطبيع كبير مع المعارضة السورية. وجاءت تصريحات المسؤول التركي بعد أيام من تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف للصحيفة نفسها، قال فيها إن نظام الأسد يتمسك بمبدأ انسحاب تركيا من الشمال السوري شرطاً للمفاوضات، بينما تريد أنقرة إرجاء هذه الخطوة إلى مرحلة لاحقة.

وكان من المتوقع أن يرحب النظام السوري بأي تطبيع للعلاقات مع أنقرة والذي من شأنه إعادة تأهيله إقليمياً وتنشيط اقتصاده المتهالك، وفرض حلول تناسبه على المعارضة التي تلقى دعماً سياسياً وعسكرياً من أنقرة. ولكن بشار الأسد تعامل مع الجهود الروسية والاندفاع التركي نحوه بعدم اكتراث، إذ لم يوله اهتماماً، مفضّلاً التوجه نحو تطبيع العلاقات مع الدول العربية، والذي تجلى في عودته إلى جامعة الدول العربية في العام الماضي، وهو ما دفعه للتشدد أكثر حيال شروط التقارب مع الجانب التركي. ورفض الأسد في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، دعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لعقد لقاء قمة، وهو ما دفع الأخير للطلب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التوسط من أجل "ضمان رد بشار الأسد على دعوتنا"، وفق تعبير الرئيس التركي في تصريحات صحافية. وحتى اللحظة يبدو أن موسكو لم تضغط على الأسد للحد الذي يدفعه إلى الجلوس على طاولة تفاوض مع أنقرة يمكن أن يجعله جزءاً من المعادلة الإقليمية.

ويبدو أن الأسد يخشى من تبعات التقارب مع الأتراك على نظامه، خصوصاً أنه يرفض التوصل إلى أي اتفاق مع المعارضة السورية المدعومة من أنقرة، وفق مضامين القرارات الدولية وفي مقدمتها القرار 2254. كما يدرك الأسد أن تطبيع العلاقات مع أنقرة يعني تفاهمات حول ملف اللاجئين السوريين والمقدر عددهم بنحو أربعة ملايين، تشير المعطيات إلى أنه لا يرحب بعودتهم، خصوصاً في ظل تهالك اقتصاده، فضلاً عن الخطر الذي يمكن أن يشكله هؤلاء، وجلهم معارضون، على نظامه. وكانت أنقرة تأمل بأن يكون التقارب مع الأسد خطوة واسعة من أجل تحقيق تنسيق عسكري واسع للقضاء على قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وعودة سلطة النظام إلى الشمال الشرقي من سورية، ما يضع حداً نهائياً أمام محاولات إنشاء إقليم ذي صبغة كردية في شرق الفرات، وهو ما تعده أنقرة خطراً على أمنها القومي. ويريد الجيش التركي تعديل اتفاقية أضنة (1998)، والحصول على موافقة رسمية من النظام للتوغل بعمق 30 كيلومتراً في الأراضي السورية، وهو ما يرفضه النظام الذي يشترط انسحاباً فورياً لهذا الجيش من الأراضي السورية. وتنشر أنقرة آلاف الجنود في الشمال السوري الذي بات يضم العديد من القواعد العسكرية التركية، إلا أنها تبدو عاجزة عن القيام بأي عمل عسكري بري ضد "قسد"، بسبب رفض أميركي وروسي، لذا تبحث عن تطبيع مع الأسد يمنحها الغطاء السياسي للقيام بذلك.

النظام السوري والانسحاب التركي

في السياق، رأى المحلل السياسي التركي هشام جوناي في حديث مع "العربي الجديد"، أن "بشار الأسد يريد أن يكون لهذا المسار هدف واضح وهو الانسحاب التركي من شمال سورية". وتابع: ولكن أنقرة تحاول التهرب من هذا الشرط، فهي لا تريد الانسحاب في الوقت الراهن، وترغب بالتطبيع مع الأسد لمحاربة الوحدات الكردية في شرق الفرات. وأعرب جوناي عن اعتقاده أن بشار الأسد "يخشى من الوقوع في فخ حوار لا يؤدي إلى نتائج"، مضيفاً: يريد ترسيخ بقائه واستعادة شرعيته وبسط سيطرته على كامل سورية وانسحاب الجيش التركي من الشمال.

إلى ذلك، رأى الباحث في مركز جسور للدراسات وائل علوان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تصريحات فيدان "تأكيد جديد على عدم جدية النظام السوري إزاء كل المحاولات والمبادرات من أجل التوصل إلى حل سياسي في سورية وفق القرارات الدولية". وتابع: بشار الأسد يرفض التطبيع مع الجانب التركي، لأنه يريد تطبيعاً قائماً على تعويم نظامه كما كان عليه قبل عام 2011، من دون المساهمة بشكل جاد في معالجة أي مشكلة كان هو مسببها، لهذا يشترط انسحاب الجيش التركي من الأراضي السورية في الشمال من دون أن يقدم أي خطوة في مكافحة الإرهاب الذي خلقه في شمال شرقي سورية، أو المساهمة في عودة اللاجئين السوريين من تركيا من خلال الانخراط في العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة.

وتتخذ أنقرة شريطاً حدودياً بعمق أكثر من 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، يمتد من ريف اللاذقية الشمالي الشرقي غرباً، إلى مدينة جرابلس على نهر الفرات شرقاً، منطقة نفوذ كامل لها. وفي شرق النهر، لديها منطقة نفوذ على طول 100 كيلومتر وعمق 33 كيلومتراً تضم تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، ورأس العين، شمال غربي الحسكة.