العدد 1652 /19-2-2025
محمد الشبراوي
في ظل ما تمارسه دولة الاحتلال الإسرائيلي من انتهاكات في
غزة والضفة الغربية، وتجاوزاتها بحق دول في المنطقة، بات واضحا أن إسرائيل قد
امتطت صهوة العربدة بدعم أمريكي لا محدود، ولا راد لجموحها إلا بلجام الردع والقوة
التي تتناسب مع أفعالها، وهو ما يطرح تساؤلات حول قدرة الدول العربية على الضغط
على أمريكا ووقف دعمها لدولة الاحتلال، وما يملكه العرب لكف إسرائيل عن العربدة في
المنطقة.
لكن قبل الإجابة عن السؤال حول ما يملكه العرب للضغط على
أمريكا ومواجهة إسرائيل ومدى إمكانية ذلك، يحتاج الأمر الإجابة عن سؤال آخر، وهو:
لماذا يجب على العرب الضغط على أمريكا ومواجهة إسرائيل؟ وتعد سطور هذا المقال
محاولة لتلمس بعض جوانب الإجابة، بما يمثل أيضا مدخلا للإجابة عن السؤال حول ما
يملكه العرب للضغط على أمريكا ومواجهة إسرائيل، وهو ما يحتاج المعالجة في مقال آخر.
توافق تاريخي غير مسبوق بين أمريكا وإسرائيل
بعد طوفان الأقصى، بات واضحا أن هناك حالة توافق غير مسبوقة
على مدار تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي بين الاحتلال الإسرائيلي والولايات
المتحدة الأمريكية، وقد تعمقت خلال ولاية جو بايدن، وتزايدت بعد تولي دونالد ترامب
للمرة الثانية. وقد وفر التوافق الأمريكي الإسرائيلي دعما سياسيا أمريكيا منقطع
النظير لدولة الاحتلال، أطلق إشارة العد التنازلي لتحقيق الرغبة الصهيونية في ضم
الضفة الغربية، حيث شرعت إسرائيل في توسيع عملياتها العسكرية في الضفة واستبقتها
بقوانين تشريعية لأجل هذا الغرض.
لقد وفرت ولاية ترامب الثانية للرئاسة الظروف في ظل وجود
حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة ليتحقق التقاء تاريخي بين النخب الفاشية المسيحية
الإنجيلية الأمريكية وغلاة الصهاينة اليهود، وسارعت الخطوات العملية لتحقيق هدف
جيوسياسي مشترك لكل من الصهيونية المسيحية والصهيونية الدينية اليهودية، لتحقيق
نبوءة ما يُسمى "أرض الميعاد" المزعومة.
حقيقة المشهد في المنطقة
إن القراءة الصادقة لواقع الشرق الأوسط تؤكد أن المنطقة
العربية ما زالت غير قادرة على فك الارتباط بينها وبين الاستعمار الغربي القديم،
الذي ورثته في المنطقة الولايات المتحدة الأمريكية، علما أن الاستمرار على هذه
الوضعية يعمق من تراجع المنطقة، ويقود في نهاية المطاف إلى مواجهة تكاد تكون صفرية
بين النظم والشعوب.
وليس من المبالغة القول إن المنطقة العربية خضعت لشروط
"الاستعمار الجديد"، الذي طبقته الولايات المتحدة الأمريكية، بهدف تحقيق
السيطرة الكاملة على العالم وما يستلزمه ذلك من خلق التبعية، وفرض الهيمنة
المعنوية على شعوب المنطقة.
وتحت سطوة الاستعمار الجديد، تخضع المنطقة العربية منذ عقود
لمخطط صهيوني عام، يريد تجزئة دول المنطقة وتحويلها إلى كيانات صغيرة، وإخضاعها
بالكامل للكيان الإسرائيلي المحتل باعتباره وكيلا عن أمريكا والغرب.
اتفاق الأهداف الأمريكية والإسرائيلية
والقول بأن المنطقة تخضع لمخطط صهيوني ليس استغراقا في تبني
نظرية المؤامرة، ولكن هذا واقع يجب إدراكه ومواجهته، وتؤكده الأحداث الجسام
والحروب المشتعلة التي يعيشها الشرق الأوسط، وما يحدث في غزة وفلسطين المحتلة،
بحيث أصبح الشرق الأوسط المنطقة الوحيدة الرخوة في خريطة العالم، والتي يعمل فيها
سكين الاستعمار والقوى الكبرى.
وعندما نتساءل لماذا يجب على العرب الضغط على أمريكا ومواجهة
إسرائيل؟ فأحد وجوه الإجابة عن هذا السؤال، هو أن أهداف أمريكا وإسرائيل واحدة، ما
يعني أن الضغط على كيان واحد بحسب الأهداف المشتركة.
والحقيقة التي يجب الوقوف عندها، هي؛ أن أهداف السياسة
الإسرائيلية البعيدة المدى، تتفق مع السياسة الأمريكية، وقد ربطت الولايات المتحدة
بين أمنها القومي وأمن إسرائيل، ووفقا لذلك فإن أي تهديد لإسرائيل يستلزم التدخل
بكل وسائل القوة الممكنة للقضاء على مصدر تلك التهديدات، وعلى الرافضين للتواجد
الاستعماري في المنطقة.
ختاما
إن الخضوع للرغبات الأمريكية والإسرائيلية لن يحقق أي سلام
ولكنه سيقود إلى مزيد من الاستسلام والإذلال، والدعوة إلى أن يضغط العرب على
أمريكا ليست دعوة لحرب، ولكنها دعوة لتتخذ الدول العربية مواقف تحفظ مصالحها
وشعوبها في ظل ما يوجد من قدرات، بحيث تجعل أي إدارة أمريكية ترى في استمرار دعم
إسرائيل والمشروع الصهيوني ما يُلحق أشد الضرر بمصالح أمريكا في المنطقة والعالم،
وهو ما يقود إلى التغلب على إسرائيل وينزلها عن صهوة العربدة في المنطقة.