العدد 1608 /3-4-2024
إسماعيل ياشا
ذهبت صباح الأحد إلى
مركز الاقتراع للتصويت، وأدليت بصوتي لصالح حزب العدالة والتنمية، على مضض، وفاء
للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي سخر حياته لخدمة الوطن والمواطنين، وحقق
نجاحات كبيرة لا يمكن أن ينكرها أحد، كما أنه أنجز مشاريع عملاقة غيرت وجه البلاد.
ولكني لم أكن راضيا عن أداء حزب العدالة والتنمية، والبلديات التي كانت لدي
ملاحظات عليها.
أردوغان حصل على 52.18
بالمائة من أصوات الناخبين قبل حوالي عشرة أشهر في الانتخابات الرئاسية، فيما حصل
حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية التي أجريت في نهاية الأسبوع الماضي
على 35.49 بالمائة في عموم البلاد. وقد يقول قائل إن أردوغان كان مرشح تحالف
الجمهور، وبالتالي، فقد صوت له مؤيدو أحزاب أخرى، إلا أن النسبة لا تصل إلى ما حصل
عليه الرئيس التركي في أيار/ مايو 2023 حتى لو أضفنا الأصوات التي حصل عليها حزب
الرفاه الجديد (6.19%)، وحزب الحركة القومية (4.99%)، وحزب الدعوة الحرة (0.55%)،
وحزب الاتحاد الكبير (0.44%). كما أن حزب العدالة والتنمية ذاته قد حصل، قبل أقل
من عام، على 35.61 بالمائة من أصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة،
وعلى 42.72 بالمائة في الانتخابات المحلية التي أجريت قبل خمس سنوات.
هذه الأرقام تشير إلى أن
شعبية حزب العدالة والتنمية لم تتراجع في عدة أشهر، بل بدأت تتراجع قبل سنوات، كما
أن ذاك التراجع استمرّ منذ الانتخابات البرلمانية الأخيرة، لأسباب مختلفة، ولم
ينجح الحزب في معالجة تلك الأسباب.
موقف الحكومة من أحداث
غزة لم يكن من بين الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تراجع شعبية حزب العدالة
والتنمية، كما يتخيل البعض ويبالغ فيه، بدليل أن الفارق بين النسبة التي حصل عليها
حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة والأخرى التي حصل عليها في
هذه الانتخابات، هي 0.12 بالمائة فقط، علما بأنه لم يكن هناك عدوان إسرائيلي على
قطاع غزة في أيار/ مايو 2023. كما أن أحداث غزة لو كانت قضية أساسية للناخب التركي
لما حصل حزب المستقبل برئاسة أحمد داود أوغلو الذي كان ينتقد موقف الحكومة منها
بشدة، على 0.07 بالمائة فقط من الأصوات في عموم البلاد.
شعبية حزب العدالة
والتنمية تراجعت لأسباب عديدة، منها وجود أحزاب يمكن اعتبارها بدائل له، كحزب
الرفاه الجديد برئاسة فاتح أربكان.الناخبون المنزعجون من موقف الحكومة التركية من
العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، يمكن تقسيمهم إلى ثلاثة: جزء منهم ليسوا أصلا من
مؤيدي حزب العدالة والتنمية، أو لديهم مشاكل شخصية مع أردوغان أو الحزب لأسباب
مختلفة. فهؤلاء لا يمكن تصنيفهم ضمن الناخبين الذين عاقبوا حزب العدالة والتنمية
بسبب موقف الحكومة من أحداث غزة. وجزء آخر منزعجون من ذاك الموقف، إلا أنهم رغم
انتقادهم له صوتوا لصالح حزب العدالة والتنمية، بحجة أن المقاطعة أو التصويت
لأحزاب أخرى، يصب في صالح حزب الشعب الجمهوري الذي يعتبر مقاومة الشعب الفلسطيني
"إرهابا".
الجزء الثالث من
الناخبين المنزعجين من موقف الحكومة من أحداث غزة، قاطعوا الانتخابات أو قاموا
بالتصويت لصالح أحزاب أخرى، كحزب الرفاه الجديد وحزب الدعوة الحرة. ويحتاج تحديد
نسبة كل واحد من تلك الأجزاء إلى دراسة، كما أنه لا يمكن عزو أسباب مقاطعة
الانتخابات كلها إلى أحداث غزة.
شعبية حزب العدالة
والتنمية تراجعت لأسباب عديدة، منها وجود أحزاب يمكن اعتبارها بدائل له، كحزب
الرفاه الجديد برئاسة فاتح أربكان. وعلى الرغم من اختلافه مع الحكومة في عدة
ملفات، فإنه لم يصطف حزب الرفاه الجديد مع حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات
الرئاسية والبرلمانية الأخيرة، بل خاض الانتخابات في إطار تحالف الجمهور، ودعم
مرشحه لرئاسة الجمهورية. وقرر أن يخوض الانتخابات المحلية وحده بعد أن فشلت
المفاوضات التي أجراها مع حزب العدالة والتنمية.
حزب الرفاه الجديد حصل
على دعم مستور من رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، إلا أن صعوده يعود بالدرجة
الأولى إلى ترشيح أسماء وازنة تخلى عنها حزب العدالة والتنمية. وفاز مرشح حزب
الرفاه الجديد برئاسة البلدية في كل من مدينة شانلي أورفا ومدينة يوزغات، علما بأن
كلا الرجلين كانا رئيسي البلديتين عن حزب العدالة والتنمية، إلا أن الأخير لم
يرشحهما لفترة جديدة. وبعبارة أخرى، ذهب الرجلان بعشرات الآلاف من أصوات حزب
العدالة والتنمية حين انشقا عنه وانضما إلى حزب الرفاه الجديد.
العوامل الرئيسية التي
تسببت في هزيمة حزب العدالة والتنمية في هذه الانتخابات كثيرة. ويأتي استياء
المتقاعدين ووضع الاقتصاد العام على رأس تلك العوامل. وعلى الرغم من رفع الحكومة
أجور العمال والموظفين العامين، فقد ظلت أجور معظم المتقاعدين متدنية للغاية في ظل
نسبة التضخم الكبيرة، الأمر الذي أدى إلى امتناع المتقاعدين عن التصويت لصالح حزب
العدالة والتنمية من أجل التعبير عن عدم رضاهم من مستواهم المعيشي.
هناك عوامل أخرى لعبت دورا
في هزيمة حزب العدالة والتنمية، مثل الأخطاء في اختيار المرشحين، وابتعاد قادة
الحزب وكوادره عن نبض الشارع والشعور بهمومه. وهذا الداء الأخير يعاني منه الحزب
الحاكم منذ مدة طويلة. وإضافة إلى ذلك، فإنه يجب الاعتراف بأن حزب العدالة
والتنمية لم يتراجع إلى المركز الثاني في عموم البلاد بسبب أخطائه فحسب، بل إن
هناك عاملا آخر لا يقل أهمية عن أخطاء حزب العدالة والتنمية، وهو نجاح حزب الشعب
الجمهوري في استقطاب نسبة من أصوات الناخبين المحافظين الذين لم يكونوا يصوتون له
في الانتخابات السابقة.