العدد 1663 /14-5-2025

غازي العريضي

لا يتوقّف رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عن مهاجمة قطر والتحريض عليها في أميركا ومؤسّساتها الرسمية ومراكز الأبحاث والدراسات فيها. يقوم بعملية مطاردة فعلية لكلّ حركة وموقف تعلنه هذه الدولة ومسؤولوها. ماذا فعل هؤلاء؟ ... لعبوا دور الوسيط الفاعل الهادئ الراغب في الوصول إلى اتفاق لوقف النار في غزّة. قاموا بمساعٍ كبيرة وجهودٍ مضنية، وبالتنسيق مع مصر، للوصول إلى هدن، وأكثر من عمليةٍ لتحرير المحتجزين لدى حركة حماس، وفي المقابل، لم تلتزم إسرائيل بأيّ اتفاق أو هدنة، ولم تنفّذ ما كان مطلوباً منها. التزامها الوحيد الحصار والتجويع والقتل وممارسة أنواع الضغط والإرهاب كلّها في غزّة، وفي الضفة الغربية، انسجاماً مع أهدافها الاستراتيجية: تهجير الفلسطينيين والتوسّع والاحتلال. ولم يعد ثمّة خشية من استخدام كلمة الاحتلال، كما قال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش: "هذه أرضنا ... نحتلّها"، "نحتل كي لا يتكرّر ما جرى معنا"، "لا مكان للفلسطينيين في غزّة والضفة".

جديد إبداعات نتنياهو في سجلّ مهاجمة قطر، وبعد أن اتهمها برعاية قناة الجزيرة التي تحرّض العالمَين العربي والإسلامي على إسرائيل، وبتمويلها جامعات أميركية تحمي الذين يهاجمون إسرائيل، ويطلقون مواقف ويتّخذون "خطوات ضدّ السامية"... جديد إبداعاته أنه دعا خلال لقائه منذ أيام الرئيس القبرصي إلى "الضغط ليس على حماس فقط، بل أيضاً على قطر، لأن لها تاثيراً كبيراً في الحركة ولا يتم استغلاله". وقال: "لم نرَ تعاوناً قطرياً على أقلّ تقدير، وهو ما كان من شأنه أن يقود إلى إنجاز صفقة تبادل". هو الذي عطّل الصفقة باعتراف مسؤولين كبار في الدولة ومعارضين إسرائيليين، وأهالي المحتجزين لدى الحركة، وعدد من مسؤولي الدول الأوروبية، وبالطبع عدة دول عربية. لكن الأبرز ما نقلته القناة 12 الإسرائيلية عن مبعوث ترامب، ستيف ويتكوف، الذي يجري اتصالات مع "حماس" عبر قطر ومصر للوصول إلى اتفاق، فقال: "نريد إرجاع المحتجزين لكن إسرائيل لا تريد إنهاء الحرب".

وقدّم نوّابٌ في الكنيست مشروع قانون يدعو إلى تصنيف قطر "دولةً داعمة للإرهاب". لم يمرّ المشروع. الشاباك والموساد نفيا علمهما به، وقال مكتب نتنياهو: "المشروع يُدرس حالياً بجدّية مع احتمال استثناء قضية التفاوض بشأن الأسرى". بكلّ وقاحة وتكبّر، يصرّ على رغبته في توجيه هذا الاتهام لقطر فيصنّفها "دولةً داعمة للإرهاب"، لكنّه يستثني التفاوض على المحتجزين. يعني، حيث يحتاج دور قطر عليها أن تقوم بالمطلوب منها ويتعامل معها، أمّا خلفية التفكير بها وتصنيفها والتوجّه نحوها فهي "دولة مدانة بتصرّفاتها".

يتصرف هذا الرجل على أساس أن الجميع يجب أن يكون في خدمته، بدءاً من أميركا التي دلّلته ورعته وموّلته وأمدّته بكلّ أنواع الأسلحة، خصوصاً في الأسابيع الماضية بتعليماتٍ من الرئيس ترامب، ومع ذلك هاجمه نتنياهو، وقال عنه: "يقول الأمور الصحيحة خلال اللقاءات والاتصالات، وأفعاله تناقض أقواله"، وهاجم الرئيسَ التركي، رجب طيب أردوغان، واتهم ترامب بـ"مساعدة الأخير في السيطرة على سورية"، وصولاً إلى مصر التي هاجمها أكثر من مرّة، ومارس، ويمارس أعوانه، ضغوطاً لتفتح المعابر وتستقبل الفلسطينيين وتنفذ ما يريده، رجل مهووس، متهوّر متعجرف، يرى أن على الجميع الانخراط في مشروعه وتأييد خطواته وجداوله الزمنية ولا يتحمّل انتقاداً، أو إشارة، أو اعتراضاً أو رفضاً. صحيح أن هذه هي شخصيته، لكنّ الأصح أنه لم يصل إلى هنا لو أنه رأى مواجهةً جدّيةً معه، وتعاملاً فيه من العزّة والثبات واحترام هيبة الموقف وكرامة الموقع على المستوى العربي. فعل كلّ شيء ولم يقف أحد في وجهه، والكلُّ مجتمعاً في قمم وغير قمم لم يتمكّن من إدخال شاحنة مساعدات إلى غزّة. هذه هي الحقيقة الجارحة.

ردّت قطر على الاتهامات الموجّهة إليها، وصدرت ردودٌ من مصر، وهذا جيّد، لكن الأمور وصلت إلى مرحلةٍ تحتاج إلى حدّ من التفاهم والتلاقي العربيين.

لا أبالغ في تحميل المعنيين العرب أكثر ممّا يتحمّلون، لكنّني أكرّر القول: اندفاعة نتنياهو لن تُلجَم إذا استمرّ الوضع على ما هو عليه. وفي مثل هذه الحال، لن يكون أحد من العرب في منأىً عن مخاطر مخطّطاته وتهديداته. ثمّة أشكال كثيرة من المواجهة مع إسرائيل التي يزعجها فيلم سينمائي يتحدّث عن الاحتلال، ومشاركة يهود في الإخراج أو التمثيل، وتصريحات مسؤولين كثر على مستوى العالم. الحركة العربية منفردة أو مجتمعة يجب أن تركّز في الإعلام والثقافة والفنّ والموسيقى والتاريخ والتراث والحوار والدبلوماسية ومراكز البحث والدراسات والجامعات، إلى جانب العمل الميداني المباشر، وحماية الشعب الفلسطيني للبقاء في أرضه. هل ثمّة قناعة بذلك؟ مقبلون على قمّة عربية فماذا يُنتظر منها؟

بناء على التجارب السابقة، وقرارات القمم التي عقدت خلال الحرب على غزّة ولبنان، والفظاعات الإسرائيلية التي ارتكبت، وقبل ذلك أيضاً وأمام مشهد السكاكين العربية التي تمزّق "الحضن العربي" في أكثر من مكان، لا ألمس تفاؤلاً، ومع ذلك لا يجوز لأحد أن يتوقّف عن الدعوة إلى ما ذكرت. المعركة معركة وعي في الأساس، وإسرائيل تقدّمت علينا كثيراً بالاستفادة من العقول والعلوم...