العدد 1373 / 7-8-2019
تتجه الأنظار
إلى إقليم غلمدغ وسط الصومال، حيث أعلن تنظيم أهل السنة والجماعة ذو التوجه الصوفي
قبوله دمج مقاتليه في قوات الجيش، في خطوة رحب بها البعض لما تعنيه للحكومة
الصومالية في حربها ضد حركة الشباب المجاهدين، في حين رأى آخرون أنها متسرعة وغير
مدروسة.
ووفق رئيس
الوزراء الصومالي حسن علي خيري، فإن الخطوة تشكل مكسبا مهما للصومال عموما ولإقليم
غلمدغ بشكل خاص، وهي استكمال للتضحيات التي قدمها التنظيم في حربه ضد حركة الشباب.
تحرير غلمدغ
وطالب خيري
مقاتلي التنظيم بتحرير إقليم غلمدغ من حركة الشباب مستغلين إمكاناتهم القتالية
والخبرات التي اكتسبوها في حربهم ضدها على مدى السنوات العشر الماضية.
ويتواجد رئيس
الوزراء الصومالي منذ أكثر من شهر في إقليم غلمدغ، وقد نجح في ضم مقاتلي تنظيم أهل
السنة والجماعة -الذي يحارب حركة الشباب منذ 2008- إلى الجيش الصومالي، وهو أمر
فشلت فيه جميع الحكومات الصومالية المتعاقبة في السنوات العشر الماضية.
وفي السياق
ذاته، اعتبر رئيس حكومة غلمدغ وزعيم تنظيم أهل السنة الشيخ محمد شاكر، أن الخطوة
تشكل إضافة نوعية للقوات المسلحة الصومالية.
وبرأيه فإن
الدمج يسهم في عودة شوكة ألوية الجيش الصومالي في وسط الصومال كما كانت قبل نحو
ثلاثين عاما، كما يلعب دورا كبيرا في محاربة حركة الشباب واستتباب الأمن
والاستقرار في إقليم غلمدغ، على حد قوله.
وشكل تنظيم
أهل السنة والجماعة رقما صعبا في وسط الصومال على الصعيدين العسكري والسياسي،
وحاولت الحكومات المتعاقبة استمالته لكن دون جدوى، بحسب مراقبين.
غير أنه وفي
ظل الحكومة الحالية، ظهر متحليا بمرونة غير معهودة قادت إلى قبوله بالمشاركة
السياسية بإقليم غلمدغ عام 2018، بعد تسوية أعطت زعيمه منصب رئيس حكومة الإقليم
وأشركت أعضاء منه في المجلس النيابي للإقليم، وأعقب ذلك إعلان دمج مقاتليه في
الجيش الصومالي وتسليم سلاحه قبل أيام.
ضغط الحلفاء
وفي رأي
الكاتب والمحلل السياسي أنور ميو، فإن المرونة التي تجلت في مواقف التنظيم مؤخرا
جاءت نتيجة ضغط مورس عليه من قبل إثيوبيا الحليف الرئيسي له وأكبر الداعمين نزولا
على رغبة الحكومة الصومالية، تماما كما حدث في إقليم جنوب غرب الصومال عندما ضغطت
إثيوبيا على حاكم إقليم جنوب غرب الصومال شريف حسن لتقديم استقالته وسحب ترشحه.
وقد يكون
الدمج -والحديث لميو- نتيجة لاتصالات سرية مع تنظيم أهل السنة سبقت زيارة رئيس
الوزراء الصومالي خيري لإقليم غلمدغ ليعلن دمج مقاتلي التنظيم في القوات المسلحة
الصومالية تتويجا لجهوده التصالحية التي يقوم بها.
ورغم أن
"تنظيم أهل السنة بدا مستعدا للمشاركة في العملية السياسية والانخراط في
المؤسسات الحكومية والإقليمية، فإنه في النهايةتنظيم مسلح أيديولوجي معروف بمعاداته للوهابية والجماعات التي يصنفها
بالجماعات التكفيرية، ولا يزال يفرض شروطه على الحكومة الفدرالية حول توزيع المناصب واقتسام السلطة في إقليم
غلمدغ، مما يجعل ترويضه صعبا".
انتقادات
للخطوة
وفي المنظور
العسكري يرى الخبير الأمني والعسكري شريف حسين روبو، أن الخطوة مع أنها إيجابية
بشكل عام وأوجدت حلا لإحدى القضايا المهمة وهي استمالة تنظيم أهل السنة ومقاتليه إلى
حضن الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية، فإنها كانت خطوة متسرعة وغير مدروسة.
ومن وجهة نظره
لم تكن الخطوة ضمن إستراتيجية تم تخطيطها مسبقا لصالح الجيش الصومالي، بل هي قضية
نشأت بالتزامن مع زيارة رئيس الوزراء خيري لإقليم غلمدغ، وارتأى الطرفان التعاطي
معها ليعلن فجأة وبتسرع واضح دمج مقاتلي أهل السنة في القوات المسلحة الصومالية؛
والقرارات المتسرعة كهذه قد تأتي بنتائج سلبية.
وما يجري بحسب
روبو هو عبارة عن دمج يتم بين مليشيات قبلية ومقاتلي أهل السنة ليكوّنا الجيش
الصومالي في وسط الصومال، كما أن جماعة
أهل السنة جماعة دينية وولاء مقاتليها لقياداتهم الدينية يفوق ولاءهم للجيش
والمؤسسات الأمنية الحكومية، ويمكن استدعاؤهم وخروجهم من الجيش متى شاءت هذه
القيادات.
ميزة المرجعية
إلا أن وجود
مرجعية دينية وتطبيق مبدأ السمع والطاعة تجاه علماء الدين والشيوخ ليس عيبا بل هو
ميزة تتميز بها الطرق الصوفية، بحسب الدكتور حسن البصري الذي يرى أن التزام مقاتل
أهل السنة بهذا المبدأ والامتثال لأمر الشيخ يعزز تمسكه بالأوامر التي تمليها عليه
الشريعة الإسلامية ويبعدها عن السلوكيات السلبية، مما ينعكس إيجابا على الجيش
الصومالي وأفراده وليس العكس.
والفوائد التي
تعود على الجيش الصومالي من دمج عناصر من أهل السنة والجماعة في صفوفه أكثر وفقا
للبصري، "لما يتحلون به من عقيدة قتالية راسخة ومعنويات مرتفعة والانضباط
والالتزام بالواجبات والأوامر العسكرية والأمنية التي لا تتوفر في كثير من أفراد
الجيش وقوات الأمن الحكومية، التي لو أحسن الجيش الصومالي استغلالها لتمكن من
تحرير مناطق سيطرة حركة الشباب".
يذكر أن تنظيم
أهل السنة الذي يضم الطرق الصوفية تأسس ككيان ديني في الصومال أوائل التسعينيات،
إلا أن جناحه العسكري ظهر لأول مرة في وسط الصومال عام 2008، حين خاض حربا شرسة ضد
حركة الشباب بدعم إثيوبي، وقد امتد نشاطه العسكري في جنوب وغرب الصومال بما فيها
مدينة مقديشو، إلا أن ثقله الأكبر يتركز على المناطق الوسطى من البلاد.