العدد 1430 / 30-9-2020
محمد أبو رمان
تقرع
الأرقام التي أتى بها استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية
أخيرا جرس الإنذار، قبل ساعات قليلة من صدور الإرادة الملكية بحل مجلسي النواب
والأعيان، ما يعني ضمنياً، رحيل الحكومة في الأيام القليلة المقبلة، وحسم النقاش
في إجراء الانتخابات النيابية، بعد ارتفاع منسوب الأقاويل أخيرا باحتمال تأجيلها.
إذ يفيد الاستطلاع بأنّ هنالك 25% من المواطنين (بحسب العينة المأخوذة)، يرغبون
بالمشاركة في الانتخابات النيابية، بينما حسم قرابة النصف أمرهم بعدم المشاركة،
وما زال الآخرون مترددين في الذهاب إلى صناديق الاقتراع يوم 10 تشرين الثاني
المقبل.
تمثّل
نسبة المقترعين، في العادة، تحديّاً لمؤسسات الدولة، ويتم الرهان غالباً على
"العامل العشائري" لجذب الناخبين، وخصوصا في المحافظات، إلى صناديق
الاقتراع، لكن الأرقام الحالية مقلقة جداً، إذا أردنا تفسيرها، فهي تعني أكثر من
أمر: الأول تفشّي حالة الإحباط من إمكانية التغيير والإصلاح، والثاني التدهور
المستمر بسمعة مجلس النواب والثقة به ممثلاً للشارع، والثالث التساؤل في مصداقية
العملية الانتخابية على أكثر من صعيد.
وتتجاور
مع ما سبق إشارة مهمة أخرى، تتمثل في أن الغالبية الكبرى ترى أنّ الأمور تسير في
الاتجاه الخاطئ عموماً في البلاد، بعدما كانت هذه النسبة قد تبدّدت بصورة لافتة في
استطلاع سابق للمركز خلال إدارة أزمة كورونا، أظهر منسوباً غير مسبوق من الرضى
الشعبي عن سياسات الحكومة في مواجهة فيروس كورونا، وكان مفاجئاً لكثيرين.
وفي
المحصلة، لم تغادر البلاد حالة الإحباط وخيبة الأمل، وما زال المزاج الشعبي يعاني
من عدم الشعور بوجود آفاق حقيقية للخروج من المأزق الاقتصادي الراهن، يضاف إليه
عجز اللعبة السياسية عن امتصاص هذه الحالة المحتقنة، وتحويلها إلى طاقة إيجابية في
تجديد المؤسسات السياسية المهمة، وفي مقدمتها البرلمان! والمحصلة أيضا أنّ رئيس
الوزراء عمر الرزاز، الذي كان يُحسب على التيار المدني والإصلاحي المعتدل، وعمل
باجتهاد كبير لمواجهة الأزمات والمشكلات المتراكمة، وتحمّل النقد الشديد وتغير
مزاج الشارع تجاه حكومته، يغادر الدوّار الرابع من دون القدرة على إحداث تغيير
جوهري في المشهد السياسي، وهو الذي جاء محمولاً على آمال شعبية ضخمة بأن يغيّر من
الأوضاع الحالية، بعد خروج حكومة هاني الملقي السابقة، قبل عامين، باحتجاجات
جماهيرية غير مسبوقة في حجمها.
من
المفترض، منطقياً، أن تكون الانتخابات النيابية، بالنسبة للشارع الأردني، مفتاحاً
مهماً للتغيير والخروج من الوضع الراهن، لكن أرقام الاستطلاع تظهر المزاج الشعبي
في حالٍ مختلفة تماماً، فهل ما زالت هنالك فرصة لإنقاذ الانتخابات، على الرغم من
قانون الانتخاب الحالي الذي يمثل عائقاً أمام إصلاح المؤسسة البرلمانية، وردّ
الاعتبار لدورها التشريعي والرقابي، وجعلها قبّة حقيقية للقوى السياسية
والاجتماعية ومساحة حيوية للمناظرات السياسية واحتواء اللاعبين السياسيين القدامى
والجدد؟
ما
زالت هنالك إمكانية أو فرصة قبل 40 يوماً من الانتخابات، فالقوائم قيد التشكّل،
وإمكانية توجيه رسالة سياسية سريعة من مطبخ القرار قائمة، بالرغبة بتغيير التركيبة
الراهنة، واستقطاب جيل الشباب للمشاركة في عملية الانتخاب والترشيح أيضاً، وهو
الجيل الذي يواجه الأزمات الاقتصادية والسياسية ويعاني منها، وفي الوقت نفسه، هو
الجيل الذي أصبحت "سياسات الشارع"، على حد تعبير عالم الاجتماع آصف
بيات، ملعباً سياسياً له بديلاً عن "قواعد اللعبة" الرسمية.
من
الضروري، إذن، تشجيع جيل الشباب على المشاركة النوعية، وليس العددية، والتفكير في
إمكانية إحداث الإصلاح والتغيير من داخل اللعبة، وهنالك توجّه ملحوظ، على الرغم من
كل الظروف الحالية، لدى نخبة من الشباب الناشط، وأغلبهم كان في الحراك الشعبي،
للترشّح للانتخابات. وتشي تسريباتٌ برغبة صانع القرار نفسه برؤية نماذج معتبرة من
جيل الشباب تحت القبة، وهو أمر مهم جدا لإيقاف النزيف في شرعية اللعبة السياسية.
وفي الوقت نفسه، من الضروري، أيضاً، تحفيز القوى السياسية والأحزاب المختلفة على
المشاركة، وخصوصا من المعارضة، وقد أعلنت جبهة العمل الإسلامي (ذراع جماعة الإخوان
المسلمين الأمّ)، المشاركة في الانتخابات، وكذلك الحال أغلب القوى اليسارية
والمعارضة الأخرى، وهو توجّه يخدم بقوة الخروج من الصورة السلبية وحماية مجلس
النواب المقبل من الوقوع فوراً في فخّ المزاج السلبي للشارع.
تغيير
الوجوه ليس كافياً، كما أثبتت تجربة الحكومة الحالية، فهنالك ضرورة ملحّة لقراءة
ما وراء أرقام الاستطلاع المعلنة أخيرا، والنصيحة الذهبية، التي يهمس بها فرنسيس
فوكوياما في آذان صانعي القرار، أنّ عوامل قوة المجتمعات والدول هي مؤسسات سياسية
قوية (في مقدمتها الحكومة والبرلمان)، سيادة القانون، والقدرة على المساءلة
والمحاسبة (الديمقراطية).