العدد 1658 /9-4-2025
بينما كان الرئيس
الأميركي دونالد ترامب يشارك في بطولة للغولف في ولاية فلوريدا، يوم السبت، كان
الآلاف من الأميركيين في مدينة سانتا فيه الصغيرة بولاية نيو مكسيكو، التي لا
يتجاوز عدد سكانها 90 ألفاً، يقدمون محاكاة ساخرة للأغنية الشعبية الأميركية
الشهيرة "Mr Tambourine Man"، هاتفين في التظاهرات التي خرجت للتنديد
بسياسات ترامب وفريقه لا سيما إيلون ماسك "هاي هاي هُوُ هُوُ يجب على
الفاشيين الرحيل". وحمل المحتجون في تظاهرات ضد ترامب لافتات عليها صور ترامب
وشعار "ارفع يدك عن مستقبلنا"، وهتفوا للنائبة الديمقراطية تيريزا جر
فرنانديز، التي لخصت مطالب مئات آلاف المتظاهرين، كما تشير تقارير، في مختلف أنحاء
الولايات المتحدة، بقولها: "ارفعوا أيديكم عن كل ما نحب، ارفعوا أيديكم عن
نقاباتنا، عن ديمقراطيتنا، عن شبابنا، عن رجال الإطفاء، عن صحة نسائنا، عن
الانتخابات، عن حياة المتحولين جنسياً، عن التنوع. نريد استعادة بلدنا".
على الجانب
الآخر، بدا المشهد غير عادي في العاصمة واشنطن، مع توافد عشرات الآلاف للاعتراض
على سياسات ترامب، الذي لم يمر سوى شهرين ونصف الشهر فقط على توليه منصبه الرئاسي،
إذ لم تشهد الولايات المتحدة منذ ثمانينيات القرن الماضي تظاهرات لأسباب تتعلق
بالسياسات الداخلية بهذا الحجم ضد رئيس في أول 100 يوم من توليه الرئاسة، سوى
تظاهرات 2017 ضد ترامب نفسه في فترته الرئاسية الأولى. غير أن الفارق بينهما كبير،
فوقتها خرجت تظاهرات ضد ترامب بسبب قضية واحدة وهي حقوق المرأة، إلا أن التظاهرات
هذه المرة تشير إلى حالة القلق لدى الشعب الأميركي والخشية من سياسات ربما تعصف
بالبلاد.
وقد ظهر هذا
الأمر في شعار "ارفعوا أيديكم"، الذي أطلقه المنظمون، في رسالة تحذير
واضحة لترامب وللجمهوريين أنهم غير راضين عن الأوضاع الحالية والسياسات التي
تنفذها إدارة ترامب. وإذا كان تظاهرات السبت عكست مدى تنامي قاعدة المعارضة
الداخلية لسياسته في الشارع، بانتظار الاختبار في صناديق الاقتراع في الانتخابات
النصفية للكونغرس، فإن الاحتجاجات بما تمثله من مقاومة داخلية للتهديدات التي
تطاول الديمقراطية داخل الولايات يتوقع أن تتسع في الفترة المقبلة، لا سيما مع
استمرار حملة "تطهير" الوكالات الفيدرالية الأميركية، سواء عبر عمليات
الطرد أو الاستقالة الطوعية أو الإجازات المفتوحة، والتي تقدر بعض الأرقام بأنها
تخطت نسبة الـ 3% من إجمالي القوى العاملة المدنية البالغ عددها 2.3 مليون شخص،
ويذهب البعض إلى أنها قد تبلغ على ما لا يقل عن 13% على غرار ما نشرته صحيفة
نيويورك تايمز مطلع شهر إبريل/مارس الحالي.
وتجمّع
المتظاهرون في ناشونال مول حول نصب واشنطن التذكاري، وأفادت تقديرات بأن الأعداد
تجاوزت 70 ألف مشارك، بعد أن كانت التوقعات تشير إلى نحو 20 ألفاً فقط. ووجّه عضو
الكونغرس الديمقراطي، جيمي راسكين، في كلمة له أمام المتظاهرين في واشنطن،
انتقادات حادة لترامب وأسلوب قيادته، قائلاً "لقد كتب مؤسّسونا الدستور بحيث
يبدأ بعبارة نحن الشعب، وليس نحن الدكتاتوريين". كما رفع محتجون، بحسب وكالة
فرانس برس، لافتات كُتب عليها "ليس رئيسي" و"الفاشية وصلت"
و"أوقفوا الشر" و"ابتعدوا عن تأميننا الاجتماعي". كذلك رفعت
شعارات تنادي "بعزل ترامب، وترحيل ماسك".
كما عبّرت
تصريحات المحتجين عن حجم الغضب والقلق من سياسات ترامب وفريقه لا سيما الملياردير
إيلون ماسك الذي يقود إدارة كفاءة الحكومة، فيما امتدّت الاحتجاجات إلى نحو 1200
موقع في مختلف الولايات الأميركية. وقالت جيسيكا، مزارعة من ولاية فيرجينيا،
لـ"العربي الجديد": "أقيم على بعد خمس ساعات، وقُدت سيارتي إلى
العاصمة للمشاركة في التظاهرة، للدفاع عن حقي في مستقبل أفضل، وفي الدفاع عن
الديمقراطية. وأعتقد أن الإجراءات التي يتخذها ترامب قد تؤثر على مستقبل البلاد
بأكملها، لذا يجب رفضها". وقال لينتون، لـ"العربي الجديد":
"أشعر بخيبة أمل من حكومتنا، بسبب ترك الأغنياء يستولون على بلادنا. وفي غضون
بضعة أشهر، قد يتمكنون من تخفيض الضرائب على الأغنياء، بينما سيدفع الفقراء
والشركات ثمناً كبيراً بسبب التعرفات الجمركية". وأضاف: "مجرد التفكير
في أن تكون لأميركا علاقة بفكرة الاستيلاء على كندا، وغرينلاند، وبنما، أمر سخيف
وفاشي".
وشهدت مدن ولاية
ميشيغن تظاهرات ضد ترامب شارك فيها الآلاف. كما شهدت مدن نيويورك، ولوس أنجليس،
وبوسطن مشاركة عشرات الآلاف في تظاهرات ضد ترامب تحت شعار "ارفعوا أيديكم عن
ديمقراطيتنا". ورغم ذلك، ظهرت حالة مختلفة داخل فريق ترامب في النظر إلى
الواقع السياسي، أو التجاهل التام لما يحدث، مع نشر البيت الأبيض، بالتزامن مع
ذروة التظاهرات، بياناً ذكر أن ترامب فاز في الجولة الثانية من بطولة الغولف فئة
الكبار في فلوريدا، وتأهل إلى الجولة النهائية. يؤمن ترامب، الذي لا يعارضه أحد في
فريق عمله على الإطلاق، أنه يقود أميركا إلى "العصر الذهبي"، وأنه،
غالباً، سيكون الرئيس الأعظم في تاريخ البلاد. وقد ذكر ذلك أكثر من مرة، إحداها
بعد مرور شهر على وجوده في البيت الأبيض، إذ روّج عن نفسه أنهم "يقولون (لم
يذكر المصدر ولا أحد يعرف المصدر حتى اليوم) إنه أعظم شهر في تاريخ الولايات
المتحدة، وأن ذلك ربما يكون صحيحاً". وفي الشهر الثاني، قال ترامب في خطاب
أمام الكونغرس: "في الواقع، لقد ذكر الكثيرون أن الشهر الأول من رئاستنا هو
الأكثر نجاحاً في تاريخ أمتنا. وما يجعل الأمر أكثر إثارة للإعجاب هو، هل تعرف من
هو رقم اثنين؟ جورج واشنطن"، الرئيس الذي أسس الولايات المتحدة الأميركية
نفسها.
600 ألف
شاركوا في تظاهرات ضد ترامب
وعلى الرغم من أن
المنظمات المشاركة في تحالف تظاهرات ضد ترامب أعلنت أن أعداد الذين سجلوا أسماءهم
للمشاركة فيها اقترب من 600 ألف، إلا أنهم يرون أن عدد المشاركين لم يتجاوز أعداد
من شاركوا في مسيرة النساء في 2017 ضد ترامب، والتي قدر عددهم وقتها بمليوني شخص،
بحسب منظمي التظاهرات وقتها. لم تغير مسيرة النساء في 2017 أي شيء في طريقة تعاطي
ترامب مع قضية الإجهاض وحق المرأة في اتخاذ قراراتها بما يخص جسدها، إذ واصل
اختيار قضاة محافظين للمحكمة العليا من أجل الهدف الذي حققه لاحقاً بقلب حكم حرية
الإجهاض الفيدرالي، وترك الولايات تقرر هذا الأمر طبقاً لمجالسها التشريعية
والتنفيذية وميولهم الحزبية.
اختلاف الأوضاع
ولا يتوقع كثيراً
لتظاهرات "ارفعوا أيديكم" أن تحقق نتائج إيجابية، غير أن هناك عدة
متغيرات تشير إلى اختلاف الأوضاع هذه المرة. ففي ولايته الأولى كان الاحتجاج على
قضية مختلف عليها بين المحافظين والليبراليين (قضية الإجهاض)، وكانت هي الهدف
المطلوب للحزب الجمهوري منذ ثمانينيات القرن الماضي، فيما مطالب الاحتجاجات
الجديدة هذه المرة تشير إلى حالة قلق حقيقية في الشارع الأميركي من نتائج سياسات
ترامب، ليس على فئة واحدة في البلاد، وإنما على المجتمع والدولة بكاملها، وهو ما
ظهر في اللافتات التي حذرت من الفاشية والاستبداد.
المنظمات
المشاركة في التحالف الذي نظم تظاهرات ضد ترامب أول من أمس السبت، ويضم منظمات
الحقوق المدنية وقدامى المحاربين وجمعيات حقوق المرأة والنقابات العمالية، أوضحت
أن لديها ثلاثة مطالب رئيسية: وقف سيطرة أصحاب المليارات على السلطة، ووضع حد لخفض
الأموال الفيدرالية المخصصة للرعاية الطبية والضمان الاجتماعي وغيرها من البرامج،
ووقف الهجمات على المهاجرين والفئات المهمّشة في المجتمع. وتضم هذه المطالب في
جوهرها انتقاداً لكل السياسات التي اتخذتها إدارة ترامب في الشهرين ونصف الشهر
الماضيين، ورفضا للأوامر التنفيذية التي وقّعها، وأدت إلى تغيير الواقع السياسي في
البلاد، والتي تقول المنظمات المشاركة في تظاهرات ضد ترامب إنه يتجاوز حدود
اختصاصاته ويستولي على السلطة التشريعية بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ
الأميركي، ويتجاهل أحكام القضاء، ما يقود البلاد إلى ديكتاتور جديد. كما تضم هذه
المطالب تمثيلاً كبيراً لجميع فئات المجتمع، بدءا من كبار السن الذين يميلون عادة
للجمهوريين ويخشون من ضياع أموالهم من الضمان الاجتماعي (المعاشات) والرعاية
الصحية، وفئات الشباب والطبقة المتوسطة والعاملين والمهاجرين وطلاب الجامعات
والمدارس الذين يخشون تأثرهم بإجراءات قطع التمويل الفيدرالي عن الجامعات لأسباب
سياسية وتأثر المنح الفيدرالية بقراره تفكيك وزارة التعليم.
في السياق نفسه،
لكن في عالم منفصل تماماً عن الذي يعيشه المتظاهرون، لا يبدو أن أنصار ترامب-
المتناغمين تماماً مع ما يفعل- لديهم أي مشكلة في فكرة الاستبداد والقضاء على
الفصل بين السلطات المميز للنظام الأميركي. فمنذ أيام نشر بياناً على منصته تروث
سوشال أبدى فيه تذمره وغضبه من أربعة جمهوريين في مجلس الشيوخ، هم ميتش ماكونيل
وسوزان كولينز وليزا موركوفسكي وراند بول، بسبب توافقهم مع الديمقراطيين على إلغاء
الرسوم الجمركية على كندا. وفي حين دعا بعض أنصاره إلى تجاهل السلطة التشريعية،
تمادى البعض للمطالبة بإلغاء أو السيطرة على مجلسي النواب والشيوخ.
صرخة ثانية في
وجه ترامب
كانت تظاهرات
السبت بمثابة صرخة ثانية في وجه ترامب، لتحذيره مما هو آت من تحديات أمام الحزب
الجمهوري في الانتخابات النصفية العام المقبل، لكن هذه التظاهرات أشارت أيضاً،
بشكل أو بآخر، إلى تخوف الشارع من عدم قدرة السياسيين على المواجهة، وعدم قدرة
الديمقراطيين على الوقوف في وجه القرارات التي يتخذها ترامب، حتى لو كانت تعتدي
على السلطة التشريعية.
الصرخة الأولى
كانت في الأول من إبريل/نيسان الحالي مع خسارة الجمهوريين انتخابات عضو المحكمة
العليا في ويسكونسن، الولاية المتأرجحة. لكن الانتكاسة الأكبر في ذلك اليوم كانت
في الانتخابات الخاصة على مقعدين في مجلس الشيوخ بولاية فلوريدا، وقد فاز فيهما
المرشحان الجمهوريان، لكن بأقل من المتوقع من نتائج نوفمبر/تشرين الثاني 2024، إذ
حصل أحدهما على أكثرية 16 نقطة والآخر على 22 نقطة، في حين أن ترامب كان قد فاز في
الدائرتين بأكثرية 30 في المائة. وقد أثار هذا الأمر قلق الجمهوريين من أن سياسة
ترامب الاقتصادية قد تنفجر في وجوههم في انتخابات التجديد النصفي العام المقبل.
لكن التساؤلات في واشنطن: هل ينحاز ترامب إلى مجده الشخصي بين أنصاره فقط، أم يضع
في عين الاعتبار مستقبل حزبه في الانتخابات النصفية، وربما في الانتخابات الرئاسية
المقبلة؟