العدد 1387 / 20-11-2019

محمد عماد صابر

كانت لحظة فارقة داخل البيت الخليجي والدول العربية عندما قررت السعودية والإمارات والبحرين إلى جانب مصر، في 5 حزيران 2017، محاصرة قطر سياسيا واقتصاديا، ومحاولة التدخل في سيادتها ووضع اشتراطات عليها. بل وصل الأمر إلى محاولة غزو قطر وتغيير السلطة الحاكمة فيها.

وبعد مرور نحو عامين ونصف على الحصار، وسط تحركات كويتية عُمانية لحل الأزمة الخليجية، برزت مؤخرا مؤشرات على حدوث اختراق فيها، مع تلاشي بعض الاتهامات الكاذبة ضد قطر، وفي مقدمتها علاقتها بإيران، وإصرار الدوحة الرافض للحصار المفروض عليها، ودعوتها لأن يكون أي حوار دون شروط.

وفي خطوة أولية تبدو أنها تمضي نحو المصالحة، أعلنت السعودية والإمارات والبحرين التراجع عن قرار رفض المشاركة في بطولة كأس الخليج بنسختها الـ24 في قطر، وسط حديث عن قرب انتهاء الخلافات، مع غموض في الموقف حول الخطوات القادمة في هذا السياق.

وبمعزل عن دقة ما يسرّب، فهو يعكس رغبة في تهيئة الأجواء للانفراجة. والمؤكد أن قرار المشاركة الرياضية سياسي، تماما كما أن قرارات المقاطعة كانت سياسية أيضا.

وفي السياق ذاته، بشّر الأكاديمي الإماراتي وأستاذ العلوم السياسية المقرب من دائرة الحكم في الإمارات، عبد الخالق عبد الله، بقرب حل الأزمة الخليجية المستمرة، قائلا في تغريدة على حسابه بـ"تويتر": "أبشركم بتطورات مهمة لحل الخلاف الخليجي بأقرب مما تتوقعون".

وبعد 24 ساعة، عاد المستشار الإماراتي للقول عبر حسابه في "تويتر"، إن هناك قرارا آخر يتعلق بوقف الحملات الإعلامية المسيئة "التي تراجعت كثيرا مؤخرا"، مشيرا إلى أن تفعيل اللجان الوزارية الخليجية واجتماعها بزخم وبشكل دوري، بما فيها اجتماع وزراء داخلية مجلس التعاون.

وأكد أن التحضيرات جارية على قدم وساق لاجتماع وزراء الخارجية والاستعداد لقمة خليجية خلال شهر كانون الأول ، مؤكدا أن انعقادها "سيشكل منعطفا مهما وسيعيد الحياة والحيوية للأخوة الخليجية".

وشدد على أن هناك "نية ورغبة صادقة لحل الخلاف الخليجي عبر دبلوماسية كرة القدم والمشاركة في كأس الخليج 24 في الدوحة، إضافة إلى اتخاذ قرارات شجاعة لطي صفحة كانت من أصعب الصفحات، وربما من أسوأ السنوات التي مرت على مجلس التعاون".

وفي تغريدة سابقة من الشهر ذاته، استجدى وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات، أنور قرقاش، قطر أن تحل أزمتها مع جيرانها في الخليج ومع مصر. وأبدى في تغريدة على "تويتر" استغرابه من استمرار الهجوم الإعلامي القطري على السعودية، داعيا الدوحة إلى أن "تركن للهدوء والحكمة".

ورأت وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية، في تقرير لها في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر، أن الخلاف الخليجي "بدأ يتلاشى"، وقالت: إن "موافقة كل من السعودية والإمارات والبحرين على المشاركة في بطولة كأس الخليج العربي لكرة القدم لهذا العام في قطر، تشير إلى ذوبان الجليد في أكثر من عامين من النزاع"، مشيرة إلى أن الدوحة أثبتت نفسها خلال الأزمة، وكانت "مثيرة للدهشة" ولم تتأثر رغم الحصار.

هذه التحركات كشفت عنها أيضا صحيفة "إيلاف السعودية"، التي قالت إن هناك توجها لدول الحصار "بعدم تعرض إعلامها لدولة قطر في البرامج السياسية والرياضية".

أيضا بعد إحباط سعودي من أن الولايات المتحدة لم تواجه إيران عسكريا بعد استهداف السفن في المنطقة، إضافة إلى استهداف المنشآت النفطية لأرامكو في السعودية.

ويبدو لي أن السعودية أصبح لديها قناعة بأن الاعتماد على واشنطن لمواجهة طهران أصبح محل شك، ومن ثم فلا بد من العودة إلى التحالفات التقليدية من خلال تجميع الكيان الخليجي الواحد. ومن مصلحة السعودية أخذ مسافة عن السياسة الإماراتية المتهوّرة.

في المقابل، تصر قطر مع مرور الأحداث على روايتها لما حصل قبل عامين ونصف، لكنها لا تقفل الباب أمام إيجاد الحلول إلا بشرط الحوار دون إملاءات.

ورسم خطاب أمير قطر في مجلس الشورى آفاق حل الأزمة على أسس أربعة: الاحترام المتبادل، والمصالح المشتركة، وعدم الإملاء في السياسة الخارجية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، مؤكدا أن "التفريط في القرار الوطني المستقل يعني الإفراط في الوطن نفسه".

وفي المقابل، يبدو نظام السيسي من أكثر المُتضرّرين من ماكينة الهجوم الإعلامي القطري "الجزيرة"؛ على النظام الانقلابي ورئيسه، وعلى منظومة الفساد التي تحكمه بكل ارتباطاتها الصهيونية.

لذلك نرى السيسي يهرول إلى أبو ظبي بحثا عن مصيره بعد المصالحة الخليجية. فبعد أن خسر الرز القطري بسبب المقاطعة، يخشى من انقطاع الرز السعودي الإماراتي.

كما يخشى نظام السيسي من التقارب السعودي التركي بوساطة قطرية كويتية إذا ما تمت المصالحة، خاصة أن تركيا تسعى لإتمام هذه المصالحة.

ويبدو أن إدارة ترامب لديها رغبة بخلق دور للسيسي في هذه المصالحة، من باب تجميل النظام ودعمه وطمأنته. فمساعي الوساطات التي حصلت بين السعودية وقطر بإيعاز من ترامب لم تستثن السيسي، وقد كلف ترامب السيسي وابن زايد بالتحضير لـ"قمة مصالحة" ترغب الإدارة الأمريكية في إبرامها خلال اجتماع يحضره القادة الخليجيون في الولايات المتحدة، وربما في مقر كامب ديفيد السنة المقبلة.

لكن السؤال الأكبر هو: ما الشّكل النّهائي الذي ستنتهي فيه الأزمة الخليجيّة فيما لو صحّت "بشائر" مُستشار ولي عهد أبو ظبي؟

-وهل قطر بالفِعل ستُقدِم على تنازلات مُرضية لـ"المُقاطعين"؟

-وهل ستعترف "الجزيرة" بنظام الانقلاب وتصفه بأنه نظام شرعيّ؟

-وماذا عن المعارضين المصريين ورافضي الانقلاب المقيمين على أراضيها؟

-وماذا عن علاقة قطر بتركيا، التي ما يزال الإعلام الخليجي يشن حملاته الدراميّة والسياسيّ ضد رئيسها؟ وهل تتخلّى قطر عن تحالفها مع الأتراك؟

-وهل تُقدم الإمارات وحيدة على مُصالحة القطريين في حال فشلت المساعي الحالية، كخطوة أشبه بتحركاتها نحو إيران؟

وختاما أقول للشباب العربي عامة والخليجي بصفة خاصة؛ ألا يضيعوا وقتهم في انتظار ما سيتمخض عن عودة المياه إلى مجاريها بين حكام الخليج، فالذي سيتمخض (كالعادة) فأر يعاني من سوء التغذية، وعليهم أن ينشغلوا بالإعداد لربيعهم، أي التخلص من هذه الأنظمة. فبعد تجربة الخمسين سنة ليس هناك أمل في هذه الأنظمة المفلسة، والتاريخ يعلمنا ويخبرنا أن هؤلاء الحكام كانوا يجتمعون كل عام منذ تأسيس "مجلس التعاون" في بداية الثمانينيات، ولَم يناقشوا خلال هذه الفترة كلها حتى ولو مرة واحدة قضية الحريات السياسية، وكان جل اهتمامهم قمع الحريات، ثم أنفقوا الأموال لقتل الشعوب العربية.

فلا تتفاءلوا كثيرا بحل الأزمة الخليجية؛ فالقيادات التي فشلت في تحقيق أمن المنطقة وازدهارها، والقيادات التي تحالفت مع الصهاينة والأعداء، والقيادات التي عقدت مطبخ الثورة المضادة في بلاد الحرمين، هي نفسها القيادات التي تحاول أن تتصالح اليوم فلا تنتظروا منها خيرا لم يأت عبر حقبٍ مضت.