العدد 1660 /23-4-2025

غازي العريضي

لا يتوقّف بنيامين نتنياهو عن إطلاق التهديدات ضدّ إيران، وإعلان اتخاذ الإجراءات وإنجاز التحضيرات لشنّ هجوم على منشآتها النووية، رغم معرفته أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب "لا يحبّذ ذلك الآن". ثمّة مناخ عام في إسرائيل، وخصوصاً لدى نتنياهو وأوساط اليمين المتطرّف، يؤيّد هذا الموقف. يعتبر هؤلاء أنه لن تسنح لهم فرصةٌ أفضل من الفرصة الحالية لتحقيق هذا الحُلم والإمساك بمفاصل القرار واللعبة في طريق تكريس دولة "إسرائيل الكبرى" الموعودة.

دعا نتنياهو إلى اعتماد النموذج الليبي. يعني إذا كان ثمّة رغبة بالانفتاح على إيران، وتجنّب الضربة العسكرية مع الإصرار على منعها من امتلاك السلاح النووي، فيجب إجبارها على تفكيك منشآتها. ارتكب معمّر القذّافي خطأ جسيماً في هذا الموضوع؛ رفعوا عن كاهله قضية لوكربي وضحاياها، ودفع مبالغ خيالية ثمن فعلته، ووعدوه بانفتاح وعلاقات وتبادل مصالح، شرط التخلّي عما لديه من نووي... فكّكوا منشآته رغم كلّ شيء، ثمّ فكّكوا منظومته كلّها، وهذا هو واقع ليبيا اليوم.

بالطبع، إيران ليست ليبيا. يعرف المسؤولون الإيرانيون هذه اللعبة، لكن وضعهم دقيق وخياراتهم ليست كثيرة، ولا يمكن الوصول لاحقاً إلى اتفاق معهم من دون تقديم تنازلات في مشروعهم، وهم يسعون إلى تعزيز تعاونهم الوثيق مع روسيا والصين في لحظة التوتّر الكبير السائد في علاقات الصين مع أميركا بسبب العقوبات، وحرب الرسوم الجمركية غير المسبوقة، ورغبة واشنطن في إنهاء الحرب في أوكرانيا ومعاقبة فولوديمير زيلينسكي وإهانته وحصار وإضعاف أوروبا، والحصول على ثمن أيضاً من روسيا. ليست اللعبة محصورةً بين أميركا وإيران فقط، العالم كلّه معني بهذه القضية.

تتوالى مواقف ترامب الرافضة الحربَ: "الآن لست في عجلة من أمري بشأن الخيار العسكري ضدّ إيران. ولا أقول إنني ألغيت ضربها". نتنياهو يراهن على عدم إلغاء الضربة رغم التقدّم البطيء في جولتَي المفاوضات الإيرانية الأميركية برعاية عُمانية. ويؤكّد أن "إسرائيل وضعت خططاً لمهاجمة مواقع نووية إيرانية في مايو/أيّار المقبل، للإضرار بقدرة إيران على إنتاج سلاح نووي مدّة عام أو أكثر. ولولا ضربات إسرائيل السابقة، لكانت إيران دولةً نوويةً منذ عشر سنوات". يستند نتنياهو أيضاً إلى جماعة في محيط ترامب تذهب أبعد منه في الإصرار على ضرب إيران. في مقدّمة المؤثّرين، قائد القيادة المركزية مايكل كوريلا، الذي زار إسرائيل غير مرّة، والتقى قادة الجيش الإسرائيلي، وبحث معهم كيفية ضمان التنسيق، سواء في شأن الهجوم على إيران أو الدفاع الإسرائيلي. وأعلن مسؤولون أمنيون أميركيون "أن التعزيزات الإضافية في الشرق الأوسط رسالة لإيران والحوثيين، وهي تتضمّن دفاعات جوية لن نعلن عن مواقع انتشارها. حاملتا الطائرات ترومان وفينسون ستنتشران في وقت متزامن في الشرق الأوسط". وكان ترامب قد أمر بتسليم إسرائيل شحناتٍ من الذخائر والقنابل المخصّصة لاختراق التحصينات، ولا تزال سكّة الشحن مستمرّة. نتنياهو، أثناء زيارته أخيراً واشنطن، التقى كوريلا، وهو على تواصل دائم معه، ويدفع في اتجاه عدم الرهان على المفاوضات التي تقلقه، وسيحاول تخريبها بأيّ طريقة ومن أيّ مكان. وقد يخترع الإسرائيليون ذرائعَ كثيرة، ويفتعلون قصصاً تبرّر لهم الإقدام في أيّ وقت على استهداف المنشآت النووية الإيرانية، ولن تكون المرّة الأولى التي يخاطرون فيها، أو يتجاوزون حدودهم، ويفاجئون العالم بضربة متأكّدين أن أميركا لن تتخلّى عنهم في حال ردّت إيران على استهدافها، ويجب عدم استبعاد هذا الأمر.

لماذا جاءت الإشارة إلى الحوثيين في الحديث عن التعزيزات المرسلة إلى المنطقة؟... هذه نقطة مهمة أقلقت نتنياهو. لماذا؟... ليس لأن الأميركيين لا يريدون محاصرتهم والاستمرار في ضربهم ومحاولة القضاء عليهم (وهم مستمرّون في ذلك)، بل لأن معلومات وردت عن اللقاءات الأميركية الإيرانية تشير الى تأكيد أميركي على أولوية المواجهة مع الحوثيين من دون الإشارة الى أي أمر آخر. وهذا ما أقلق الإسرائيلي وعدداً من العرب، وأحدث مناخاً من التوتّر في لبنان أيضاً، خوفاً من بازار أميركي إيراني ينقذ بعض الجماعات المحسوبة على إيران. الإيرانيون ردّوا بالقول: "لدينا معلومات استخبارية من مصادر موثوقة تفيد بأن إسرائيل تخطّط لهجوم كبير على المواقع الإيرانية النووية، ينبع من عدم الرضا عن الجهود الدبلوماسية الجارية بشأن برنامجنا النووي، وكذلك من حاجة نتنياهو إلى الصراع وسيلةً للبقاء السياسي".

الوضع في المنطقة كلّها مشتعل، وقابل للاشتعال أكثر، ولا يمكن لعاقل أن يستبعد حصول مفاجآت أو يسقط أيَّ احتمال. أرسلت السعودية وزير دفاعها إلى المرشد علي خامنئي، وهي زيارة استثنائية. الوزير أعلى شخصية سعودية تزور طهران، وبلاده معنية بالصراع مع الحوثيين، ولديها خلافات عميقة مع الإمارات في الأرض اليمنية، ومقاربة مختلفة عن مقاربات الإمارات في السنوات الماضية، ومعنية أيضاً بالمفاوضات مع إيران، وتريد تجنّب التصعيد، لكنّها تراقب أوضاع جماعات إيران في أمكنة أخرى، وتربطها علاقات مع روسيا. أمّا أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، فقام بتحرّكات في اتجاهات مختلفة معبّراً عن رغبته وإرادته في الوصول إلى اتفاق مع إيران. زار موسكو قبل أيّام، والتقى فلاديمير بوتين قبل الجولة الثانية من المفاوضات الإيرانية الأميركية في روما، واتصالاته مفتوحة مع دول في المنطقة، وبالتأكيد مع الأميركيين، وكان له نصيب من هجوم نتنياهو، ولم تكن المرّة الأولى التي يُقدم فيها نتنياهو على تجاوز حدود الآداب والحقائق في التعاطي مع الآخرين.

الهجوم الإسرائيلي على قطر لم يتوقّف؛ "الجزيرة تحرّض العالمين العربي والإسلامي على الإرهاب"، "قطر مسؤولة عن التعفّن المناهض لإسرائيل في الجامعات في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، وهي ساعدت إسرائيل للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، لكنّها فعلت في أثناء استضافتها إرهابيي حماس، ولا يمكن لدولة اللعب على جميع الجوانب، عليها أن تختار جانباً". هذه شهادة لقطر وليست ضدّها، وإن كانت رسالةً إلى ترامب لتحريضه على قطر وهو يخوض معركته ضدّ الجامعات في أميركا. إسرائيل تريد استباحة كل شيء، ويرى نتنياهو أنه أمام فرصة لا تتكرّر ليحقّق حلمه، ويكون ديفيد بن غوريون الثاني. بن غوريون الأول هو المؤسّس، وبن غوريون الثاني هو المكرّس "إسرائيل الكبرى"، والعرب في عالم آخر.