العدد 1687 /29-10-2025

محمد البديوي

تتوالى تصريحات مسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وتحديداً مبعوثه ستيف ويتكوف، وكبير مستشاريه للشؤون العربية والأفريقية مسعد بولس، والتي تُبدي تفاؤلاً بإمكانية التوصل إلى اتفاق سلام بين الجزائر والمغرب قريباً، لا سيما في ما يتعلق بموضوع الصحراء الغربية، وسط صمت رسمي في البلدين، فيما يُنتظر أن يعقد مجلس الأمن غداً الخميس جلسته السنوية لمناقشة تطورات قضية الصحراء الغربية (تعقد سنوياً في الموعد ذاته وتتضمن مناقشة ولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية - مينورسو)، لكنها تتزامن هذه المرّة مع طرح مشروع قرار يدعم مبادرة الحكم الذاتي بناء على المقترح الذي قدّمته الرباط سابقاً والحوار بين جبهة البوليساريو والمغرب وفق هذا السياق.

خطة ترامب لمصالحة الجزائر والمغرب

وقال ويتكوف إن فريقه يعمل على إنجاز اتفاق سلام بين الجزائر والمغرب في الفترة المقبلة، متوقعاً إنجازه في غضون 60 يوماً. وجاء كلامه خلال مقابلة تلفزيونية أجراها وصهر ترامب جاريد كوشنر، ضمن برنامج "60 دقيقة" على قناة "سي بي أس" الأميركية الاثنين الماضي، وكانت تتمحور خاصة حول اتفاق وقف النار في غزة. ومتطرقاً إلى الخلاف بين البلدين، قال ويتكوف إن "فريقنا يعمل الآن بخصوص الجزائر والمغرب والخلاف بينهما، وأتوقع التوصل إلى اتفاق سلام خلال 60 يوماً"، مضيفاً أن "البحث عن السلام انتشر كالعدوى، والناس يريدون القيام بذلك والتوصل إلى السلام في مناطق مختلفة".

وقبل ذلك، قال كبير مستشاري ترامب للشؤون العربية والأفريقية مسعد بولس إن ترامب "يشدّد على سيادة المغرب على الصحراء"، مضيفاً أن "الوقت حان لإيجاد حلّ نهائي ودائم لقضية الصحراء، وسنفتح فيها قنصلية قريباً". وأول من أمس الاثنين، قال بولس، مجدداً، في حديث لقناة الحدث، إن ويتكوف أبدى تفاؤلاً "نتشاركه جميعاً"، آملاً أن يكون قرار مجلس الأمن المرتقب "مفتاحاً" لما عبّر عنه ويتكوف. وأضاف أن "جلالة الملك (المغربي محمد السادس)، عبّر بدوره عن هذا الموضوع بشكل ممتاز وواضح، أكد وجوب الوصول إلى حلّ نهائي وعادل ومرضٍ لجميع الأطراف، هذا بما يتعلق بقضية الصحراء. أما في ما يتعلّق بالموضوع مع الجزائر، فقد عبّر أيضاً جلالة الملك عن ذلك بوضوح، هما بلدان شقيقان يجمعهما التاريخ وأمور أخرى متعددة، ويجب أن تكون هناك أفضل العلاقات بينهما".

ورداً على سؤال حول ما إذا كانت الجزائر ستوافق على قرار مجلس الأمن، رأى بولس أنه "بالنسبة لقرار مجلس الأمن، من شبه المستحيل أن توافق كلّ الأطراف على كلّ المضمون وعلى كلّ التفاصيل، هناك دائماً تفاصيل محدّدة من الصعب التفاهم حولها، نحن نسعى مع الإخوة المغربيين والجزائريين للوصول إلى قرار مرضٍ، قدر الإمكان. القرار هو محطة أولى، ولكنها مهمة جداً لهذا المسار، نحن نأمل بعد القرار بالمضي فوراً في هذا الحوار، الذي يمكن أن يكون غير مباشر في البداية، ثم مباشر. نحن متفائلون بخصوص هذا الموضوع".

وفي السياق، كشف متحدث باسم الخارجية الأميركية، لـ"العربي الجديد"، أمس الثلاثاء، تفاصيل الأساس الذي بنت عليه إدارة ترامب خططها لاتفاق سلام بين الجزائر والمغرب، والتي تؤكد أن الإطار الوحيد للتفاوض على حلّ مقبول بين الطرفين، هو مقترح الحكم الذاتي المغربي في الصحراء الغربية. وقال متحدث باسم الخارجية الأميركية، ردّاً على أسئلة "العربي الجديد"، عبر البريد الإلكتروني، إن وزير الخارجية ماركو روبيو "أكد مجدداً اعتراف الولايات المتحدة بالحكم الذاتي المغربي في الصحراء الغربية ودعمها لمقترح الحكم الذاتي المغربي الواقعي والجاد والموثوق باعتباره الأساس الوحيد لحلّ عادل ودائم للنزاع". وأضاف المتحدث، ردّاً على سؤال حول أساس الخطة الأميركية التي تسعى من خلالها الولايات المتحدة إلى الوصول لاتفاق سلام بين البلدين، أن الوزير أعاد التأكيد مجدداً أن "الرئيس ترامب حثّ الجزائر والمغرب على الانخراط في مناقشات دون تأخير باستخدام مقترح الحكم الذاتي المغربي كإطار وحيد للتفاوض على حلّ مقبول بين الطرفين"، وأوضح أن "الوزير أشار إلى أن الولايات المتحدة ستعمل على تسهيل التقدم نحو هذا الهدف".

وفي ما يتعلق بالعلاقات الجزائرية المغربية، قال المتحدث: "نأمل في استعادة العلاقات الدبلوماسية"، مضيفاً أن "حكومة الولايات المتحدة تعتقد أن تحسن العلاقات بين الجزائر والمغرب سيُمكنهما من معالجة القضايا الثنائية والإقليمية المشتركة بشكل أفضل، مثل قضايا الإرهاب والهجرة غير الشرعية والاتجار بالمخدرات والتكامل التجاري بينهما".

وردّاً من البيت الأبيض على أسئلة "العربي الجديد" عن مستوى التواصل مع وبين الجزائر والمغرب بخصوص هذه الخطة، وخطة الإدارة لإعادة الثقة بينهما، جاء الرد التلقائي بأن المتابعة للأسئلة الصحافية عبر البريد الإلكتروني سيواجه تأخيراً "نظراً لنقص الموظفين الناتج عن إغلاق الحكومة من قبل الديمقراطيين"، معتبراً أنه كان من الممكن تجنب عدم الرد على أسئلة الصحافيين "لو صوّت الديمقراطيون لصالح عدم إغلاق الحكومة الأميركية".

صمتٌ مغربي

من جهته، يلتزم المغرب الصمت بشكل شبه كامل إزاء المبادرة الأميركية لإقرار "اتفاق سلام" بينه وبين الجزائر في أفق زمني لا يتعدى شهرين، وذلك بالتزامن مع دخول ملف الصحراء مرحلة دقيقة في تاريخ النزاع، مع انتظار أن يحسم مجلس الأمن غداً، في مصير مسودة مشروع القرار الأميركي القائم على مقترح الحكم الذاتي كحلّ لتسوية النزاع.

وبينما امتنعت مصادر رسمية مغربية عن الحديث عن موقف الرباط من المبادرة الأميركية، قال مصدر مغربي متابع لملف الصحراء، لـ"العربي الجديد"، إنه على الرغم مما وصفه بالصمت الرهيب من الجهات الرسمية حيال تطورات قضية الصحراء أو الصلح مع الجزائر، فإن هناك تركيزاً رسمياً لافتاً على أولوية ترسيخ المبادرة المغربية للحكم الذاتي كحلّ وحيد ونهائي ولا رجعة فيه لحل الملف الذي عمّر لخمسين عاماً، فيما يأتي تطبيع العلاقات مع الجار الشرقي في مرتبة ثانية باعتباره "تحصيل حاصل".

ولفت المصدر إلى أن المغرب الرسمي اختار التزام الصمت وعدم الإدلاء بأي تصريح أو موقف بشأن مبادرة ترامب، وركّز خلال الأيام الأخيرة الماضية، على مواصلة العمل الدبلوماسي الرسمي والبرلماني من خلال استقبال الوفود الدولية وحشد المزيد من الدعم الدولي لمبادرة الحكم الذاتي التي كان قد تقدم بها في عام 2007، من أجل حسم النزاع نهائياً. وأضاف: "هذا هو المسار الذي يؤمن به المغرب، أما الحديث عن تطبيع العلاقات بين الجزائر والمغرب والمصالحة بينهما، فهو يُعتبر في المنظور المغربي تحصيل حاصل وأمر عادي، سيأتي بعد صدور قرار مجلس الأمن المنتظر، وسيتم النظر إليه بسلاسة".

في المقابل، أكد مصدر حزبي مغربي، طلب عدم ذكر اسمه، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الرباط تقبل بالمفاوضات وترحب بها على اعتبار أنها "تنقل الضغط إلى الجزائر، وتصون حقوق المغرب وتؤكد الاعتراف بمغربية الصحراء"، موضحاً أن البنود السبعة التي تعني المغرب والمتضمنة في مبادرة ترامب المكونة من 16 بنداً (لم تنشر في الإعلام)، تقرّ بحقوقه، على رأسها الاعتراف بسيادته على الصحراء وتسليم سلاح جبهة البوليساريو إلى الأمم المتحدة.

وقال المصدر الحزبي إنّ "المغرب يؤيد المفاوضات، ويرحب بالوساطة الأميركية، علماً أنه، ولسنوات طويلة، ظلّ ينتهج سياسة اليد الممدودة نحو الجار الشرقي، دون أن تتم الاستجابة له"، مشيراً إلى أنه "رغم الترحيب المغربي، إلا أن هناك اعتقاداً بأن الجزائر لن تقبل بها (خطة ترامب)، لأسباب عدة، منها أنها ستحط من كرامتها ولتضمنها بنوداً لا تخصّ العلاقات بين الرباط والجزائر".

مرتكزات الجزائر

على المقلب الآخر، لم تعلن الجزائر موفقاً رسمياً بشأن المقترح الأميركي بخصوص الصحراء، وتفضل التعامل معه على أساس أنه مقترح للتعديل أكثر منه للنقاش بصيغته الحالية، لكن بعض التسريبات والقراءات التي تنشرها صحف حكومية ومقربة من السلطة، تؤكد نقلاً عن مصادر دبلوماسية من البعثة الجزائرية في نيويورك، أن الجزائر سترفض بشدة المقترح الأميركي في حال تضمن خياراً وحيداً بإقرار السيادة المغربية على الصحراء الغربية بدلاً من الخيارات الثلاثة، الاستقلال أو الاندماج أو خيار الحكم الذاتي، وهذا الموقف الجزائري يجعل من أي فرض أميركي للمقترح بهذه الصيغة، عامل تعقيد للقضية أكثر منه مدخلاً لحل سياسي.

في السياق ذاته، لا تنظر الجزائر بإيجابية للربط الأميركي بين تحسين العلاقة مع المغرب وإنهاء حالة التوتر السياسي ضمن ما وصفه ويتكوف بمشروع سلام في غضون 60 يوماً، بحل نزاع قضية الصحراء.

يذكر أن جبهة البوليساريو كانت قد أعلنت قبل أيام أنها لن تشارك في أي مسار تسوية سياسية لحل النزاع في حال جرى تمرير الورقة الأميركية بصيغتها الحالية التي تدعم مفاوضات بين الجبهة والمغرب في إطار خيار الحكم الذاتي.

ووجه ممثل جبهة البوليساريو بالأمم المتحدة والمنسق مع "مينورسو" سيدي محمد عمار رسالة عاجلة إلى الممثل الدائم لروسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا، بصفته رئيس مجلس الأمن، أكد فيها أن "أي مقاربة تضع إطاراً مُسبقاً للمفاوضات وتُحدِّد نتائجها مُسبقاً، أو تُقيِّد ممارسة الشعب الصحراوي لحقه في تقرير المصير أو تفرض حلّاً ضد إرادته فهي مقاربة غير مقبولة على الإطلاق بالنسبة لجبهة البوليساريو". وطالبت البوليساريو أن تأخذ صياغة الورقة الأميركية بعين الاعتبار "المفاوضات كأساس للحل تحت رعاية الأمين العام، دون شروط مسبقة وبحسن نية بهدف التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول من الطرفين ويكفل تقرير مصير شعب الصحراء الغربية في سياق ترتيبات تتماشى مع ميثاق الأمم المتحدة، وقرارات محكمة العدل الدولية التي تنص على أن السيادة على الصحراء الغربية ملك حصري للشعب الصحراوي".