العدد 1693 /10-12-2025

أحمد سعداوي

أثار قرار تجميد أموال حزب الله اللبناني وأنصار الله الحوثيين في العراق، ثم إلغاؤه في اليوم نفسه بعد انتشاره، ردات فعل كثيرة، وتعامل كثيرون معه بوصفه فضيحة حكومية. لكن هناك مؤشّرات ترجّح أن إلغاء القرار إعلامياً لا يعني إلغاءه فعلياً، وأن المتابعين سينتظرون العدد المقبل من صحيفة الوقائع العراقية، لمعرفة ما إذا كان نصّ الإلغاء سيُنشر رسمياً.

في كل الأحوال، لم يكن صدور القرار أمراً سرياً، ولا يمكن أن تكون حكومة محمد شياع السوداني قد اتخذته بمعزل عن رأي قادة "الإطار التنسيقي"؛ أولاً لأن الحكومة المنبثقة عن الإطار أضعف من أن تتّخذ قرارات بمفردها، وثانياً لأنه قرار حسّاس يكسر العظم مع المحور الإيراني كله.

ومع هذا الاستنتاج، نصل إلى مستوى أعمق من الفضيحة؛ إذ يبدو أن إدراج الحزبين اللبناني واليمني المحسوبين على تيار المقاومة في لائحة التجميد كان قراراً شيعياً بالإجماع، وليس قرار السوداني وحده، استجابة لضغوط وزارة الخزانة الأميركية ومحاولةً للانحناء للعاصفة. كما لا توجد معلوماتٌ تؤكد أن عدد "الوقائع العراقية"، وهي الجريدة الرسمية التي توثّق قرارات الدولة منذ 103 سنوات، قد وُزّع فعلاً. فكيف لم ينتبه أحد للقرار 17 يوماً قبل انتشار النسخة الإلكترونية فجأة عبر مجموعات "واتساب"؟

قد يكون عدم الانتباه جزءاً من الفوضى ولا مبالاة الوسط الصحافي، أو أن العدد لم يوزّع أصلاً، ثم جاء طرفٌ شيعي منزعج من ترتيبات جناح الحمائم في "الإطار التنسيقي" ليحرجهم أمام جمهورهم وأمام إيران، التي تحتفظ بعلاقات واسعة مع مختلف الأطراف الشيعية، بل وحتى جزء من السنة والكرد.

الإشارة الأبعد لتداعيات هذه الفضيحة، والتي يمكن للمراقب استنتاجها، أن الأطراف الشيعية، بحمائمها وصقورها، تريد الانحناء إلى حدّ ملامسة الأرض، لكنها تخشى من إيران. يعزّز ذلك الشائعات في الكواليس، وبعضها حديثٌ شخصيّ مع أطراف قريبة، والتي تجزم أن كلّ الأسماء المطروحة لرئاسة الوزراء المقبلة خارج المنافسة، بل هناك من يؤكد أن لا منافسة ولا هم يحزنون، وأن القرار حُسم لصالح شخصية عراقية لها علاقات جيدة مع الولايات المتحدة، بل وتملك جوازاً أميركياً!

صبّت الزيت على النار تصريحات توم برّاك، مبعوث الرئيس الأميركي، التي بدا فيها قاطعاً بشأن مستقبل المليشيات في العراق، وأن لا أطراف مليشياوية ستكون في الحكومة العراقية المقبلة.

في الواقع، هناك إمكانية سياسية وعسكرية لفرض الأمر الواقع على المليشيات، فتنزع سلاحها وتندمج بالأجهزة الأمنية الرسمية، ويتحوّل رعاتها إلى تنظيمات سياسية. كما أن الجزء الأكبر من النخبة السياسية الشيعية إمّا متبرّم منذ سنوات من فوضى المليشيات، أو يراها منافساً مزعجاً على المكاسب والمنافع، بالإضافة إلى رأي المظلّة الأكبر؛ مرجعية النجف، التي أكّدت تلميحاً وتصريحاً، في مناسبات عديدة رفضها وجود المليشيات خارج إطار السلاح الشرعي للدولة.

هناك إمكانية لعمل من هذا النوع، بشرط أن ترتفع اليد الإيرانية الضاغطة على المشهد العراقي. ومن دون ارتفاع هذه اليد، من الصعب أن تتحول النيات الطيبة إلى فعل على الأرض يشبه في أثره انقلاباً شاملاً.

كان تفكيك المليشيات جزءاً من مطالب إدارة ترامب في ولايته الأولى؛ فقد نشرت صحيفة واشنطن بوست في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 تقريراً جاء فيه: "أبلغ المسؤولون العراقيون إدارة ترامب بأن تفكيك المليشيات غير ممكن، وسيعرّض البلاد لصراع داخلي". ولكن الظروف تغيّرت كثيراً؛ فبينما كانت المليشيات في تلك الفترة في ذروة قوتها، وقد خرجت من حرب ضروس مع تنظيم داعش، وكانت جزءاً من مشهد النصر، فإنها اليوم متراجعة إلى الخلف بمراحل.

وبسبب ذلك كلّه، لا مؤشّرات على أن الغالبية من هذه المليشيات ستنخرط فعلاً في القتال ضد أميركا أو إسرائيل إن اندلعت المواجهات فجأة، بل ربما هي الآن خلف الكواليس في خضم ترتيباتٍ جديدةٍ لضمان مواقعها ومصالحها ما بعد انتهاء العاصفة.