العدد 1619 /3-7-2024
آدم محمود
تقف أسباب عدة وراء انتشار السلاح في العراق من
بينها الحروب والأحداث الأمنية التي مرت بها البلاد خلال العقود الماضية، ورغم
اتخاذ الحكومة خطوات لتحجيم الظاهرة، لكن النتائج غير مرضية.
يصعب الوصول إلى رقم يحصر أعداد قطع السلاح التي
يمتلكها العراقيون ضمن ما يوصف بأنه "السلاح المنفلت"، لكن تقارير غير
رسمية تؤكد أن الرقم يتجاوز 15 مليون قطعة سلاح، ما بين خفيف ومتوسط وثقيل، ما
يفسّر الاستخدام العشوائي المتكرر لتلك الأسلحة.
ويرى مراقبون أن السبب الرئيس في انتشار السلاح
المنفلت يعود إلى عدم القدرة على فرض القانون على الجميع. يقول الباحث السياسي،
عمر الجنابي، لـ"العربي الجديد": "لا يوجد في العراق تعريف واضح
للسلاح المنفلت، ولم يحصر هذا السلاح بدائرة محددة لتعريفه، لأنه اقترن بالجهات
المتنفذة منذ تأسيس النظام القائم منذ احتلال البلاد في عام 2003، ومن الصعب حصر
أمر غير محدد، كما لا توجد جهة قادرة على تنفيذ هذا".
يضيف الجنابي: "هناك ما يسمى (سلاح
المقاومة)، وهذا السلاح رسمي تارة تحت مظلة هيئة الحشد الشعبي، وغير رسمي تارة
أخرى تحت مسمى (المقاومة الإسلامية)، والعديد من الفصائل المسلحة دخلت تحت المظلة
الحكومية. هناك أيضاً (سلاح العشائر)، وهذا النوع برز إبان حكومة نوري المالكي
(2006 - 2014) وهو المسؤول عما يسمى بـ (النزاعات العشائرية)، خصوصاً في مناطق
الجنوب والفرات الأوسط، حيث تتقاتل العشائر بالسلاح الثقيل والمتوسط، وهناك نوع
آخر من السلاح، هو السلاح الفردي، وهذا موجود في معظم البيوت، وبعضها يضم أفراداً
ينتمون إلى الفصائل المسلحة أو الأجهزة الأمنية أو الجماعات العشائرية".
ويلفت إلى أن "أحد أصناف الأسلحة المنفلتة هو
سلاح الجماعات الدولية المنتشرة في العراق، سواء على الحدود مع سورية، أو في مناطق
شمالي البلاد، والمرتبطة بدول الجوار، مثل تنظيم حزب العمال الكردستاني، وسلاح
هؤلاء قرار نزعه ليس بيد السلطات العراقية، وإنما مرتبط بمصالح دولية، ويستحيل على
حكومة تمثل مصالح سياسية وإقليمية أن تحصر ما يسمى بالسلاح المنفلت، كون هذا
السلاح يستخدم في جزء كبير من مصالح الجهات المشكلة للحكومة والداعمة لها،
والحكومة تخشى فتح جبهات داخلية لا قدرة لها على السيطرة عليها، كما أنها لا تريد
خسارة أطراف خارجية قد تكلف خسارتها إطاحة الحكومة كلها".
وخلال شهر مايو/ أيار الماضي، سجل مقتل ما لا يقل عن
40 عراقياً في جرائم جنائية مختلفة، أو خلال مشاكل عشائرية واجتماعية، وكان
المشترك بينها جميعاً وجود سلاح بحوزة الجناة ينطبق عليه وصف "السلاح
المنفلت".
وتعهد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني،
في برنامجه الحكومي، بإنهاء ظاهرة السلاح المنفلت خارج نطاق المؤسسات الرسمية
والشرعية. ويقول مصدر في جهاز أمني لـ"العربي الجديد"، إن "ما
يريده السوداني لا يمكن تنفيذه بسهولة كونه يواجه عراقيل عدة".
يضيف المصدر الأمني الذي طلب عدم كشف هويته لعدم
السماح له بالحديث لوسائل الإعلام أن "سوق السلاح في العراق يصعب السيطرة
عليه، ويمكن لأي شخص شراء قطعة سلاح في أي وقت، وبعض ممن يعملون في بيع الأسلحة
ينتمون إلى جهات رسمية، مثل الحشد الشعبي، ومن الصعب محاسبتهم، وهذا يحتاج إلى
قرار سياسي قبل القرار الأمني".
بدوره، يقول الطبيب العراقي محمد الجبوري إن إنهاء
ظاهرة انتشار السلاح في العراق تعد "ضرباً من الخيال"، موضحاً
لـ"العربي الجديد"، أن الحكومات المتعاقبة تحدثت عن هذا الأمر، لكن أياً
منها لم تفعل شيئاً ذا جدوى حقيقية، رغم أن "السلاح المنفلت يهدد الجميع، حتى
إن الأطباء يهددون بالقتل أثناء ممارسة عملهم داخل المستشفيات، وثمة عدد من
الأطباء غادروا البلاد بعد تعرضهم لتهديدات من مسلحين، وآخرون قتلوا، وهناك أطباء
أجبروا على دفع المال للحفاظ على سلامتهم، وكل ذلك بسبب وفاة مريض لم يكن أمام
الطبيب شيء يفعله كي ينقذه. العراق يواجه تحديات أمنية معقدة، والأسلحة المنفلتة
من بين أبرز أسبابها".
ويؤكد متخصصون عسكريون وأمنيون أن انتشار السلاح
تترتب عليه تداعيات كبيرة. يقول العميد المتقاعد حسن العبيدي لـ"العربي
الجديد" إن من بين أبرز أسباب انتشار السلاح المنفلت ضعف الأمن والاستقرار،
والفساد الإداري، والتوترات السياسية والاجتماعية، ويحذر من أن "انتشار
السلاح يعمل على زيادة حالة الفوضى، ويزيد مستويات العنف في البلاد".
ويستدل الخبير الأمني على رأيه بالنزاعات
العشائرية التي تتكرر في محافظات الجنوب، وبعضها يستمر لأيام عدة، ويعمد خلالها
المسلحون المتنازعون إلى استخدام أسلحة خفيفة ومتوسطة، تصل في بعض الأحيان إلى رمي
قذائف صاروخية. ويؤكد أن "انتشار السلاح وراء زيادة معدلات الجريمة، فحين
يتاح للأفراد الوصول إلى الأسلحة بسهولة، سيقومون باستخدامها في أغراض غير
قانونية، فضلاً عن تصعيد التوترات الطائفية والسياسية".
ويؤكد العبيدي ضرورة مواجهته السلاح المنفلت
"بجدية"، وذلك من خلال "تعزيز القدرات الأمنية، وتعزيز الجهود
الدولية لمكافحة التهريب والاتجار غير المشروع بالأسلحة، إضافة إلى وضع منهاج
تثقيفي لتوعية المجتمع بأهمية نبذ العنف، وما ينتجه ذلك من تنمية للأفراد
والبلاد".