العدد 1658 /9-4-2025

مهّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الطريق أمام نزع فتيل التوتر المتصاعد في ظل التنافس الإسرائيلي التركي في سورية والذي بدأ بُعيد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بسبب مخاوف تل أبيب من تنامي نفوذ أنقرة العسكري في وسط وجنوب سورية، ما قد يحد من قدرتها على المضي في تحركاتها في الجنوب لفرض معادلات أمنية وخرائط نفوذ جديدة.

وأكد ترامب، بعد لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض مساء الاثنين الماضي، الدور التركي في سورية، معرباً عن ثقته بقدرته على حل المشاكل التي نشأت بين أنقرة وتل أبيب بعد إسقاط نظام الأسد، مضيفاً: "لا أعتقد بأن هذا الأمر سيصبح مشكلة". وتحدث ترامب عن "علاقة رائعة" تربطه مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، موضحاً أنه أخبر نتنياهو بأنه "إذا كانت لديه مشاكل معه فعليه حلها"، ومؤكداً أن "على الإسرائيليين التصرف بعقلانية لحل أي مشكلة مع تركيا". من جهته، قال نتنياهو إن إسرائيل لن تسمح باستخدام سورية قاعدة لشن هجمات ضدها، مضيفاً "لا نريد أن نرى وضعاً يستخدم فيه الآخرون، ومن بينهم تركيا، سورية قاعدة للهجوم على إسرائيل". وأضاف: "تركيا هي دولة لها علاقة كبيرة مع الولايات المتحدة، وللرئيس علاقة مع قائد تركيا. ناقشنا كيف يمكننا تجنب هذا الصراع بطرق متنوعة، وأعتقد أنه لا يمكننا أن نجد محاوراً أفضل من رئيس الولايات المتحدة لهذا الغرض". كما قال نتنياهو في تصريحات أمس قبيل مغادرته واشنطن إن "تركيا تريد إنشاء قواعد عسكرية في سورية، وهذا يشكل خطراً علينا ونعارضه".

في المقابل، لم يتطرق أردوغان في تصريحات له أمس إلى هذا الموضوع، لكنه قال في كلمة خلال اجتماع لحزبه العدالة والتنمية في أنقرة: "سنكون دائماً إلى جانب إخواننا السوريين وسنفي بمسؤولياتنا بكل حزم من أجل إرساء الاستقرار في سورية". يشار إلى أن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، كان قد قال في وقت سابق إن أردوغان يتمتع بعلاقة شخصية قوية مع ترامب.

تصاعد التنافس الإسرائيلي التركي في سورية

ومنذ انهيار نظام الأسد في الثامن من ديسمبر الماضي، تشن إسرائيل هجمات متكررة على سورية، بما في ذلك قصفها مواقع يُعتقد أن أنقرة بصدد تحويلها إلى قواعد عسكرية مزودة بأنظمة دفاع جوي، خصوصاً في ريفي حمص وحماة وسط البلاد. ورفع الاحتلال سقف التهديدات لدمشق في حال السماح بتموضع "قوات معادية" في الأراضي السورية، في إشارة واضحة إلى القوات التركية. وقال وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الأحد الماضي: "لن نسمح بالمساس بأمن دولة إسرائيل"، مضيفاً أن الهجمات الجوية في محيط دمشق وحماة "هي رسالة تحذير للمستقبل". وتخشى تل أبيب من حضور عسكري تركي واسع النطاق في وسط سورية قد يحد من قدرتها على التحرك بحرية في الأجواء السورية.

ولم تظهر حتى اللحظة تصريحات رسمية من الجانب التركي عن خطط لبناء قواعد عسكرية في وسط وجنوب سورية، لكن لتركيا العديد من القواعد العسكرية الكبيرة في عدة مناطق على طول الشمال السوري، آخرها القاعدة التي تقيمها في مطار منّغ شمال حلب على مقربة من الحدود. وتعكس التحركات الإسرائيلية التي أعقبت سقوط نظام الأسد والتي وصلت إلى حد احتلال أراضٍ منها أعلى قمة في جبل الشيخ، والتوغل في عمق الجنوب، وتدمير أغلب القدرات العسكرية السورية، عمق الخوف في إسرائيل من التغيير الذي حدث في سورية. لكن محاولة الإدارة الأميركية نزع فتيل تصادم محتمل في ظل التنافس الإسرائيلي التركي في سورية قد يعرقلها الإصرار الإسرائيلي على البقاء في المنطقة العازلة التي حددتها اتفاقية فك الاشتباك في عام 1974، ورفضها أي انتشار للجيش السوري الجديد في المواقع التي حددتها هذه الاتفاقية التي أطاحتها إسرائيل بعد سقوط الأسد.

وقال المحلل العسكري والسياسي ضياء قدور، في حديث مع "العربي الجديد"، إن تصريحات الرئيس الأميركي الاثنين "خففت إلى حد بعيد من حدة التوتر الذي اشتعل أخيراً بين تركيا وإسرائيل في سورية على خلفية محاولات أنقرة تعزيز حضورها العسكري في قواعد مفصلية، سواء في شمال أو وسط سورية". وأعرب عن اعتقاده بأن واشنطن ربما بصدد لعب "دور وساطة" بين الطرفين للوصول إلى آلية تنسيق عسكرية وأمنية "تشبه تلك التي كانت بين الإسرائيليين والروس في سورية أثناء وجود نظام الأسد لتجنّب الاصطدام العسكري". وتابع: "أعتقد أن وساطة الإدارة الأميركية مهمة جداً لتحفيف الاحتقان الموجود بين أنقرة وتل أبيب. ربما في حال إبداء الطرفين مرونة نحصل على هدنة طويلة الأمد في سورية".

محاولة إبقاء سورية ضعيفة

من جهته، رأى الأكاديمي المختص بالشأن الإسرائيلي خالد خليل، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الضربات الجوية التي وجهتها تل أبيب لمواقع وأهداف في سورية "لها دوافع سياسية في المقام الأول"، مضيفاً: "تسعى إلى إبقاء سورية دولة ضعيفة ومفككة، لذا تتذرع بالجانب الأمني وتحاول استغلال ورقة الأقليات لتتدخل أكثر في الشأن السوري". وتابع: "تل أبيب تريد وضع خرائط نفوذ في سورية وفق رؤيتها ومصلحتها، لأنها تخشى من ظهور نظام جديد تقوده تركيا يكون داعماً لحركات المقاومة الفلسطينية".

وفي السياق، تفتح العلاقة الجيدة التي تربط الرئيسين التركي والأميركي أمام احتمال انسحاب القوات الأميركية ومن معها من قوات التحالف الدولي من شمال شرقي سورية، ما يعني تعزيز النفوذ التركي في أكثر المناطق السورية حيوية وغنى بالثروات النفطية والزراعية في ظل التنافس الإسرائيلي التركي في سورية.

ورأى المحلل السياسي التركي طه عودة، أن واشنطن تريد لعب دور وساطة للحيلولة دون صدام بين أنقرة وتل أبيب مسرحه الجغرافيا السورية. وأعرب عودة عن اعتقاده بأن هناك صراع نفوذ بين تركيا وإسرائيل في سورية، مضيفاً أن تركيا تُريد سورية واحدة موحدة وتدعم الإدارة الجديدة فيها، وهذا يخدم المصالح التركية ومصالح العديد من الدول في الإقليم. ورأى أن الدور التركي في سورية "مدعوم من الجانب الأميركي ومن الدول العربية، بينما تلعب إسرائيل منذ سقوط الأسد دوراً سيئاً حيث دمرت قدرات الجيش السوري وتدفع باتجاه تقسيم سورية، وهذا هو جوهر الخلاف بين أنقرة وتل أبيب". وبرأيه فإن الولايات المتحدة "بحاجة إلى تركيا في الفترة المقبلة، لذا ستقنع نتنياهو بعدم إغضاب الجانب التركي خصوصاً الرئيس أردوغان الذي وصفه الرئيس دونالد ترامب بالصديق".