العدد 1583 /11-10-2023

أطلق البابا فرنسيس مبادرته خلال قداس في بازيليك القديس بطرس في الفاتيكان

دشن البابا فرنسيس ما وصفه البعض بـ"المحاولة الأكثر طموحاً" على مدى 60 عاماً، في مسيرة إصلاح الكنيسة الكاثوليكية.

وسيشهد الفاتيكان نهاية هذا الأسبوع، بدءَ حملة تستغرق عامين، للتشاور مع كلّ أبرشية كاثوليكية في أنحاء العالم، بشأن الاتجاه المستقبلي للكنيسة.

ويأمل بعض الكاثوليك أن تؤدي العملية إلى تغيير على صعيد بعض القضايا مثل رسامة المرأة (تعيينها قسيسة)، والقساوسة المتزوجين والعلاقات المثلية.

بينما يخشى البعض أن يزعزع ذلك مبادئ الكنيسة.

ويقول هؤلاء إن التركيز على الإصلاح قد يصرف الانتباه عن مسائل تواجه الكنيسة، مثل الفساد وتضاؤل الحضور.

وحثّ البابا فرنسيس الكاثوليك، خلال إطلاقه المسار التشاوري في قداس أقيم في ساحة القديس بطرس، على عدم "البقاء محصورين في ثوابتنا"، بل "الاستماع لبعضنا البعض".

وتساءل البابا "هل نحن مستعدون لخوض مغامرة هذه الرحلة؟ أم أننا نخشى المجهول ونفضل اللجوء إلى الأعذار المعتادة؟".

ومن المقرر أن تتم عملية الإصلاح على ثلاث مراحل:

• في "مرحلة الاستماع" ، سيتمكن من في الأبرشيات والأسقفيات، من مناقشة مجموعة واسعة من القضايا. وقال البابا فرانسيس إنه من المهمّ الاستماع إلى أولئك الذين غالبًا ما كانوا على هامش الحياة الكنسية المحلية، مثل النساء والعاملين الرعويين وأعضاء الهيئات الاستشارية.

• "المرحلة القارية" التي ستشهد اجتماع الأساقفة، لمناقشة النتائج التي توصلوا إليها وإضفاء الطابع الرسمي عليها.

• وستشهد "المرحلة العالمية"، اجتماعاً لأساقفة الفاتيكان على مدى شهر، في تشرين الأول/أكتوبر 2023.

ومن المتوقع بعدها أن يكتب البابا إرشادًا رسولياً، لتوضيح وجهات نظره وقراراته حول القضايا التي نوقشت.

وخلال حديثه عن آماله بشأن السينودس، حذّر البابا من أن يتحوّل المسار إلى عملية تمرين فكري، فشل في معالجة قضايا العالم الحقيقية التي يواجهها الكاثوليك، ومن "إغواء الشعور بالرضا"، حين يتعلّق الأمر بالتغيير.

وأشادت صحيفة "ناشيونال كاثوليك ريبورتر" التقدمية، ومقرّها الولايات المتحدة، بالمبادرة. وقالت إنه رغم أن العملية قد لا تكون مثالية، إلا أنه من المرجح أن تلبي معها الكنيسة احتياجات "شعب الله".

ومع ذلك، كتب عالم اللاهوت جورج ويغل، في المجلة الأمريكية الكاثوليكية المحافظة "فيرست ثينغز"، قائلاً إنه من غير الواضح كيف سيعالج "عامان من الثرثرة الكاثوليكية ذات المرجعية الذاتية"، مشاكل الكنيسة الأخرى، مثل أولئك الذين "يبتعدون عن الإيمان بأعداد كبيرة".

البابا يريد إصلاح الكنيسة وجعلها في خدمة الفقراء

أصدر البابا فرانسيس أولى رسائله التعليمية قال فيها إنه يدعو إلى عالم أكثر عدلا. ويطالب البابا بوجوب أن تكون الكنيسة في خدمة الفقراء بشكل أقوى.

البيانات التي يصدرها رأس الكنيسة الكاثوليكية تشبه البيانات الحكومية، وما أعلنه ليس مفاجأة، فالبابا قدم مشروعا لإحداث تحول في الكنيسة يتمنى فيه أن تكون الكنيسة الكاثوليكية "كنيسة فقيرة للفقراء"، الذين يكثرون من انتقادهم للذات ويقللون الاهتمام بالأبهة.

وتتكون الرسالة الرسولية من 180 صفحة، تتضمن وجوب أن تكون الكنيسة منفتحة للحوار مع الجميع. العنوان الرئيسي للرسالة هو "فرحة الإنجيل"، أما عنوانها الفرعي فهو "حول نشر الإنجيل في عالم اليوم". وجاء نشر هذه الرسالة البابوية بمناسبة انتهاء "عام الإيمان".

وفيها يحاول البابا فرنسيس تحقيق توازن بين التقاليد والإصلاح: فالكنيسة التي تمارس النقد الذاتي يجب أن تكون منفتحة للتطورات المعاصرة، دون الخروج عن المبادئ الأساسية.

إصلاح البابوية كان قد اهتم به من قبل البابا يوحنا بولس الثاني. ووفقا للبابا فرانسيس، فإن التقدم في ذلك لايزال غير كاف. ويشكو البابا بصفة خاصة من عدم تحقق مطالب المجمع الفاتيكاني الثاني (1962-1965) بتعزيز دور المجالس الأسقفية في صنع القرار.

وفيما يتصل بموضوع النزاع حول استبعاد الأشخاص الذين تزوجوا بعد طلاقهم من "القربان المقدس"؛ حذر البابا من أنه " ينبغي ألا تغلق أبواب الأسرار لأي سبب كان من الأسباب. فالقربان المقدس "ليس مكافأة للأشخاص الكاملين." وهذه القناعات "ستكون لها عواقب على عمل الكنيسة" وهو ما يجب على الكنيسة أن "تقابله بالحكمة والشجاعة." وحتى الآن يمنع الأشخاص المطلقون، الذين تزوجوا بعد طلاقهم، من القربان المقدس في الكنيسة الكاثوليكية. و في ألمانيا تدعو أبرشية فرايبورغ إلى موقف ليبرالي في هذه المسألة.

"أصل الشرور التوزيع الغير عادل للثروة"

وصاغ البابا قناعته بالنسبة للواجب المسيحي الأول وهو التوجه إلى الأشخاص المحتاجين، فكتب يقول: "بالنسبة لي فإن كنيسة مضغوطة ومجروحة ومتسخة لأنها خرجت للشوارع، أحب إلي من كنيسة مريضة بسبب ميلها للكتمان والراحة وتشبثها بأمنها الخاص" وبالتالي، فإن المسيحيين يجب عليهم تقديم مساعدة محددة، وهذا يشمل، وفقا للبابا، القضاء على أسباب الفقر. ويقول إن السبب الرئيسي لكل الشرور الاجتماعية والعنف هو التوزيع غير العادل للثروة في العالم، وأن النظام الاقتصادي الحالي "جذورة غير عادلة" وتقنين الأسواق مسألة واجبة منذ مدة.

ويقترح البابا فرنسيس "وسائل جديدة" و "طرق خلاقة" لنشر الإنجيل. كما يريد أيضا وضع هياكل الكنيسة على المحك فكتب: "إن الإفراط في المركزية يعقد حياة الكنيسة وديناميكية التبشير، بدلا من مساعدتها". كما أنه يريد تعزيز المجالس الأسقفية الوطنية والإقليمية، علاوة على أنه لا يستبعد "إصلاح البابوية" ذاتها. وينبغي أن يكون لغير رجال الدين في الكنيسة الكاثوليكية المزيد من المسؤولية في الكنيسة، كما يريد البابا إشراك النساء أيضا بشكل أقوى في قرارات الكنسية.

الترحيب برسالة البابا

وعلى صعيد ردود الفعل خارج الفاتيكان، أعرب أساقفة في ألمانيا عن تقديرهم للرسالة الرسولية ووصفوها بأنها "دعوة نبوية إلى الكنيسة" وتحدث رئيس مؤتمر الأساقفة الألمان، روبرت تسوليتش عن "تحليل مؤثر للوضع الحالي" وقال إن البابا يظهر بلغة واضحة وحيوية كيف يمكن للكنيسة أن تتشجع على القيام بتحول جديد. وفي ميونيخ أوضح الكاردينال البافاري راينهارد ماركس أن ما كتبه البابا يشجع على الإقدام للسير من جديد في طريق التبشير الشامل.