العدد 1551 /22-2-2023
بقلم : ياسين
التميمي
من مخبأ مريح
جداً في العاصمة صنعاء، أطل زعيم جماعة الحوثي بخطاب أبان عن خيبة أمل واضحة بشأن
ما بات يعرف بمحادثات الأبواب المغلقة التي تسيّرها سلطنة عمان بين الجماعة
والرياض، والتي أحدث الحوثيون بشأنها جَلَبة كبيرة، يؤازرهم الإعلام الإيراني،
وكادت أن تختم افتراضياً ثماني سنوات من الحرب بانتصار ناجز لإيران ومشروعها في
اليمن.
وفي الخلفية
المصممة بشكل جيد يظهر زعيم الجماعة الحوثية وعلى جانبيه صورة شقيقه الأكبر حسين
الحوثي، الذي قتل عام 2004 على يد القوات الحكومية، وشعار الصرخة الذي جلبه هذا
الأخير من طهران، وفيه تُصب اللعنات على أمريكا واليهود وإسرائيل، وذلك في ذكرى
مقتل زعيم الجماعة.
وخلفية كهذه
تُذكر لا شك بالأساس الحركي والأيديولوجي لجماعة الحوثي، وتعيدها إلى سيرتها
الأولى كمنتج طائفي صنع على أعين الحرس الثوري ليؤدي وظيفة جيوسياسية من أبرز
أهدافها إعادة صياغة المنطقة بما يتفق مع الأفكار الباطنية لإيران، ويتساوق مع
نظرية الانبعاث الشيعي المروجِ لها في خضم العبث والفوضى والقتل عبر المساحة
الجغرافية التي يسود فيها النفوذ العنيف للثورة الإسلامية الإيرانية من منطقتنا.
ليس لدي أدنى شك
في أن عبارات المجاملة التي خص بها زعيم الجماعة سلطنة عمان، إنما تكشف في حقيقتها
عن حجم التعقيدات التي تواجهها السلطنة بسبب تعنت الجماعة، رغم ما تمثله مسقط من
مركز ثقل تفاوضي يتعزز بعلاقاتها الجيدة مع الجماعة وإيران، وبموقفها الإيجابي من
السلطة الشرعية وعلاقاتها الطبيعية معها.
لا تفتأ هذه
الجماعة عن تكرار تهديداتها بشأن استئناف التصعيد، ووضع حد لما وصفه عبد الملك
الحوثي بـ"خفض التصعيد"، وهو تقريباً التوصيف الدقيق للهدنة غير المعلنة
والمحترمة من المتحاربين خصوصاً على طرفي الحدود، والإشارة هنا تحديداً إلى
السعودية وجماعة الحوثي.
فهذه التهديدات
تصدر عن الجماعة متزامنة، في الأغلب، مع الجهود التي تبذلها سلطنة عمان، والأمر قد
يُفهم منه أن الجماعة تمارس شكلاً من أشكال الضغط التفاوضي على الطرف الآخر، لكنها
في الآن ذاته تعطي انطباعاً بأن المملكة تخضع تحت أنظار العُمانيين لابتزاز واضح،
فيما تتوفر لديها كافة الإمكانيات للتخلص منه متى ما أرادت.
تواجه الرياض
تحديات التمرد الناشئ في عدن من قبل المجلس الانتقالي، المدعوم من الإمارات، وهو
تحد يرتبط في جوهره بحالة الوفاق الهشة التي تهيمن على العلاقات بين الرياض وأبو
ظبي في هذه المرحلة، حيث تستغل أبو ظبي المشروع الانفصالي في تعقيد المشهد اليمني
وممارسة نوع من الابتزاز للرياضوكما هي قناعتي الموضوعية، فالسعودية لم تغرق بعد
في المستنقع اليمني، على النحو الذي يدفعها إلى الذهاب نحو عقد صفقة مذلة مع جماعة
مسلحة تختطف جزء من اليمن الذي لطالما اعتبرته فضاء جغرافيا ملحقا بأولوياتها
الاستراتيجية، ما لم تكن متأكدة من أن هذه الصفقة قادرة على إعادة إنتاج اتفاقية
طائف جديدة، خصوصاً مع تكرار الحديث عن منطقة عازلة بعمق (30) كيلومتراً ترغب
السعودية في فرضها على اليمن عبر الحوثيين.
بذلت سلطنة عمان
ما بوسعها تقريباً لتشجيع السعودية على تطوير صفقة الهدنة إلى اتفاق سلام شامل،
وقد خدم الإعلام الإيراني هذا التوجه بقوة، وخدمته الخلايا النشطة المتصلة
بالجماعة في العواصم الإقليمية، لكن لا نتائج على الطاولة في ظل تمسك الحوثيين
بمطالب تندرج ظاهرياً ضمن الأولويات الإنسانية، لكنها في الحقيقة تمثل تنازلات
خطيرة ستؤثر حتماً في النتائج النهائية للحرب.
تواجه الرياض
تحديات التمرد الناشئ في عدن من قبل المجلس الانتقالي، المدعوم من الإمارات، وهو
تحد يرتبط في جوهره بحالة الوفاق الهشة التي تهيمن على العلاقات بين الرياض وأبو
ظبي في هذه المرحلة، حيث تستغل أبو ظبي المشروع الانفصالي في تعقيد المشهد اليمني
وممارسة نوع من الابتزاز للرياض.
المجتمع الدولي،
يستند في بناء مواقفه حيال اليمن إلى حجم المصالح الهائلة القائمة مع المملكة، مع
التذرع بالحرص على إنهاء الحالة الإنسانية ومنع اليمن من الانزلاق إلى كارثة
المجاعة، مما يعني أن دعم السلطة الشرعية الذي يمثل جوهر هذا الوفاق لن يصمد إذا
ما قررت السعودية -التي يحرصون على بناء مصالح مشتركة معها- إنهاء الحرب وفقاً
لأولوياتهاإذ لا يمكن للإمارات أن تنزعج أصلاً من صفقة قد تُربِح الحوثيين، ولكنها
لن تترد في استغلال هذا النهج الأناني من جانب الرياض في الإبقاء على المصالح التي
بنَتها هي أيضاً في جنوب اليمن، بالاستناد إلى التشكيلات العسكرية التي أنشأتها،
وترفع لواء الانفصال، طالماً أن ما كان يسمى تحالف دعم الشرعية يخطط لإنهاء تدخله
العسكري على أنقاض الدولة اليمنية، وليس فقط على أنقاض ثورة الحادي عشر من شباط/
فبراير 2011 (ربيع اليمن).
ومن المهم هنا
تأكيد أن المجتمع الدولي، يستند في بناء مواقفه حيال اليمن إلى حجم المصالح
الهائلة القائمة مع المملكة، مع التذرع بالحرص على إنهاء الحالة الإنسانية ومنع
اليمن من الانزلاق إلى كارثة المجاعة، مما يعني أن دعم السلطة الشرعية الذي يمثل
جوهر هذا الوفاق لن يصمد إذا ما قررت السعودية -التي يحرصون على بناء مصالح مشتركة
معها- إنهاء الحرب وفقاً لأولوياتها.