العدد 1619 /3-7-2024
عماد كركص
ساد الهدوء الحذر، الثلاثاء، مناطق في شمال غرب
سورية، لا سيما ريف حلب الشمالي الخاضع لـ"الجيش الوطني" السوري المعارض
والنفوذ التركي، مع انتشار كبير لنقاط ومعسكرات الجيش التركي هناك، بالإضافة إلى
هدوء ملحوظ في بعض الولايات التركية التي شهدت اعتداءات على اللاجئين السوريين، لا
سيما في قيصري وغازي عنتاب وأضنة، بعد يوم دامٍ ومضطرب من أحداث تركيا والشمال
السوري لا سيما في مدن عدة شمالي حلب، حين هاجم محتجون، أول من أمس الاثنين، مواقع
للقوات التركية بالإضافة إلى سيارات تركية مارة عبر النقاط الحدودية، وذلك كردّة
فعل على الاعتداءات التي تعرض لها اللاجئون السوريون، لا سيما في ولاية قيصري وسط
تركيا ليل الأحد الماضي.
تطور أحداث تركيا والشمال السوري
أحداث تركيا والشمال السوري التي تحرّكت سريعاً
السلطات التركية لوضع حد لها، مع توقيف مئات المتورطين فيها، بدأت بعد أن قام
مواطنون أتراك بمهاجمة محال وسيارات للاجئين سوريين في ولاية قيصري ليل الأحد،
وذلك بالتزامن مع حملة من الحكومة التركية لترحيل اللاجئين السوريين إلى الشمال
السوري من ولايات تركية عدة، لا سيما في غازي عنتاب جنوبي البلاد، إذ تقوم سيارات
تتبع لقوات إنفاذ القانون، لا سيما من إدارة الهجرة، بإيقاف المشتبه بهم على أنهم
سوريون وترحيل الكثير منهم.
وكردة فعل على أحداث تركيا والشمال السوري اندلعت
احتجاجات في الشمال السوري أمس الأول الاثنين، تخللها مقتل ستة متظاهرين سوريين
بإطلاق النار عليهم من قبل القوات التركية في مواقع عدة من شمال حلب. وقُتل خمسة
محتجين في عفرين حينما أطلق عناصر الجيش التركي النار على تظاهرة في محيط مبنى
الوالي التركي، بالإضافة إلى إصابة أكثر من 30 آخرين. أمّا في معبر باب السلامة
الحدودي بين مدينتي أعزاز السورية شمالي حلب وكلس جنوبي تركية، فقد أطلق عناصر
الجندرما التركية (حرس الحدود) النار على المحتجين، ما أدى إلى إصابة طفل بجروح
بليغة وخمسة آخرين. كذلك قُتل متظاهر وأصيب سبعة آخرون حين فتح عناصر الجندرما
النار على المحتجين الغاضبين عند معبر جرابلس الحدودي بين البلدين. وعقب احتجاجات
الشمال السوري، وما تخللها من إحراق أعلام تركية واعتداءات على الشاحنات التركية
التي تدخل من المعابر، قام محتجون أتراك بمهاجمة محال وسيارات للسوريين في مدينة
نيزب التابعة لولاية غازي عنتاب، بالإضافة إلى أن الاحتجاجات عادت إلى قيصري
وولاية أضنة جنوباً، ومدينة الريحانية التابعة لولاية هاتاي الحدودية مع سورية،
قبل عودة الهدوء نسبياً، سواء في الشمال السوري أو الولايات التركية.
وحول أحداث تركيا والشمال السوري أعلن وزير
الداخلية التركي علي يرلي كايا، أمس الثلاثاء، توقيف 474 شخصاً على خلفية التحريض
إثر الأحداث التي شهدتها ولاية قيصري، بينهم 285 من أصحاب السوابق. وقال في منشور
عبر منصة إكس إن 285 شخصاً ممن تم توقيفهم من أصحاب السجلات الجنائية في جرائم
مختلفة مثل تهريب اللاجئين، والإصابة، والمخدرات، والنهب، والسرقة، والتحرش
الجنسي، والاحتيال، وتزوير الأموال، ودعا المواطنين الأتراك إلى عدم الانسياق خلف
الأعمال التحريضية، والتصرف باعتدال. كذلك طالب المواطنين بعدم ارتكاب جرائم مثل
إيذاء الناس والبيئة والممتلكات بوسائل غير قانونية. وأكد أن تركيا دولة قوية،
متعهداً بمحاسبة من يدبرون لهذه المخططات والمؤامرات "ضد دولتنا
وشعبنا". وقال كايا إنه في الليلة التي شهدت أحداث ولاية قيصري نشرت منشورات
حول الحادثة من 79 ألف حساب، بمجموع 343 ألف منشور، 37 في المائة منها حسابات غير
حقيقية، و68 في المائة من المنشورات كانت تحريضية، تم فتح تحقيق بحق 63 حساباً،
وتم تحويل 10 منها إلى النيابة العامة.
من جهتها، نقلت وكالة الأناضول عن مصادر أمنية
تركية، الثلاثاء، تعليقاً على أحداث تركيا والشمال السوري أنه جرى اتخاذ الإجراءات
اللازمة بحق الأشخاص الذين "تورّطوا في أعمال الاستفزاز، سواء في الولايات
التركية أو في الشمال السوري". وقالت المصادر إن "السلطات المختصة تحركت
فور بدء الأعمال التحريضية والاستفزازية جراء مزاعم بتحرش سوري في ولاية قيصري وسط
تركيا بطفلة تحمل الجنسية نفسها، وما أعقب ذلك من أعمال شغب في ولايات تركية،
وردود أفعال في الشمال السوري". وشددت على أن جهاز الاستخبارات التركي ووزارة
الداخلية وقوات الأمن تابعت التطورات عن كثب، سواء في الداخل التركي أو في الشمال
السوري، واتخذت الإجراءات اللازمة. وأعلنت عن "ضبط وتوقيف الأشخاص الذين
تورطوا في أنشطة معادية لتركيا، وفي أعمال استفزازية تستهدف السياسة الخارجية التي
تنتهجها، واتخاذ الإجراءات اللازمة بحقهم". وأكدت تتبع كل شخص يسعى لتأجيج
الأحداث والتورط في الأعمال الاستفزازية. واختتمت بالقول: "لن يُسمح بهذه
الأعمال ضد الجمهورية التركية تحت أي ظرف من الظروف".
ولوحظ انتشاراً واضحاً لدوريات الشرطة التركية في
الشوارع الرئيسية في مدينة غازي عنتاب، وذلك في مسعى للحد من تجدد التوترات بعد
أحداث تركيا والشمال السوري. كما قال لاجئون سوريون في ولاية أضنة لـ"العربي
الجديد" إن الشرطة طوقت بعض الأحياء ذات الغالبية السورية، كي تمنع وصول أي
محتجين إليها. وكانت "الجالية السورية في غازي عنتاب" قد أفادت، في بيان
ليل الاثنين، بأن "مدير الهجرة (في ولاية غازي عنتاب) أكد على أهلنا السوريين
الالتزام بالهدوء وعدم الخروج إلا للأمور الاضطرارية، علماً أنه سيكون هناك انتشار
واسع للشرطة في الأحياء والشوارع في غازي عنتاب لتوطيد الأمن ومكافحة كل من يثير
الشغب"، وأعلنت أنه "نظراً لتطور الأحداث وتسارعها في غازي عنتاب، شُكّلت
غرفة عمليات للأزمة من قبل مديرية الهجرة في غازي عنتاب وفيها تمثيل للجالية
السورية في غازي عنتاب". وطالبت "السوريين ممن تعرضوا لأي أذى مادي أو
معنوي نتيجة الأحداث الأخيرة، التواصل مع رئيس الجالية أو أعضاء مجلس الإدارة في
الجالية للتوثيق لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة والتعويض لاحقاً للأضرار
المادية، كما جرى طلب موافاتنا بأي توثيقات من صور أو فيديوهات عنصرية لتتم مساءلة
المحرضين من أي طرف كان".
وكشف تفجر أحداث تركيا والشمال السوري عن تراكمات
أدت إلى تفاقم التوترات، من أسبابها تعامل الحكومة التركية مع الملف السوري، سواء
على المستوى العسكري والسياسي والأمني والإنساني، إضافة إلى الخطاب العنصري الذي
تستخدمه المعارضة التركية ضد اللاجئين السوريين. كما جاءت الأحداث بعدما دخلت
حكومة رجب طيب أردوغان في مسار تفاوضي مع النظام السوري برعاية روسية ثم عراقية
بهدف تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة، بعد نحو 13 عاماً من العداء على خلفية
مساندة أنقرة للحراك في سورية، وبات السوريون من أنصار الثورة يعتبرون موقف
الحكومة التركية الأخيرة خذلاناً لهم.
وبدأت النقمة على الحكومة التركية في الأوساط
الشعبية السورية المعارضة، بعد أن سمحت أنقرة بسقوط مساحات واسعة كانت تحت قبضة
المعارضة المتحالفة معها، لا سيما في إدلب ومحيطها (منطقة خفض التصعيد الرابعة)،
في معارك بدأت بين عامي 2018 و2020، ما جعل النظام يتوغل إلى جانب مليشيات مدعومة
من إيران وروسيا إلى تلك المناطق وتهجير قرابة 2.2 مليون سوري من أرياف حماه وإدلب
وحلب، علماً أن تلك المنطقة تخضع للنفوذ التركي بموجب تفاهمات مسار أستانة الروسي
ـ التركي ـ الإيراني، واتفاق سوتشي بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي
رجب طيب أردوغان في سبتمبر/ أيلول 2018. وزادت النقمة حين هيمنت تركيا على قرار
الفصائل المسلحة المعارضة التي استوعبتها ضمن "الجيش الوطني"، ودفعت
بهذا الجيش للقتال ضد المجموعات الكردية في كل من أرياف حلب والرقة والحسكة.
كما تعد الملاحقات بحق اللاجئين السوريين في
تركيا، سبباً في النقمة على أنقرة وحكومتها، لا سيما مع عمليات الترحيل تحت بند
"العودة الطوعية"، بحجة أن تركيا أنشأت "مدناً نموذجية"
و"مناطق آمنة ومستقرة" في الشمال السوري، لا سيما في مناطق نفوذها
وانتشار قواتها، بهدف إعادة اللاجئين السوريين إليها. لكن "العربي
الجديد" رصدت من خلال تقارير عدة، سوء تنفيذ وبناء تلك التجمعات. وتلك
المساكن، بحسب سكانها، لا تصلح للاستخدام الآدمي، مع سوء إنشائها من تسريب مياه
الأمطار في الشتاء واختراق الحرارة إليها في الصيف وفقدان تلك التجمعات للمرافق
والبنى التحتية، لا سيما شبكات المياه والصرف الصحي والطرقات المؤدية إليها
وعمليات ترحيل القمامة وغيرها، ما دفع الكثير ممن سكنوا فيها إلى مغادرتها.
وحول تعامل الحكومة التركية مع ملف اللاجئين
السوريين وأحداث تركيا والشمال السوري قال الناشط السياسي معتز ناصر، المقيم في
الشمال السوري، لـ"العربي الجديد"، إن "أنقرة ترحّل اللاجئين قسراً
إلى مناطق منكوبة غير صالحة للسكن الآدمي والاستقرار"، مشيراً إلى أن
"هروب اللاجئين لتركيا لم يكن بإرادتهم ولا للسياحة، إذ خرجوا فارين بأنفسهم
وأهلهم من الموت، بعد أن فقدوا كل ما يملكونه من مقومات مادية للحياة، وبالتالي
عودتهم لا ترتبط بإنشاء مخيمات غير آدمية داخل بلدهم، بل ترتبط بتحرير بلدهم، وإزالة
سبب دمارها وتهجيرهم، وهو نظام بشار الأسد".