العدد 1593 /20-12-2023
صلاح الدين
الجورشي
الإسرائيليون في
ورطة بسبب صعود اليمين الديني، وهيمنته على جزء هام من الفضاء السياسي والاجتماعي
والقانوني وحتى العسكري، فهو المستفيد الأكبر من التحالف الحكومي الذي تم مع
الليكود برئاسة نتنياهو. وقد كشفت الهجرة العكسية لليهود من داخل إسرائيل إلى دول
غربية والتي بدأت من قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، عن أسباب متعددة لهذه
الهجرة، من بينها تراجع القوى العلمانية سياسيا واجتماعيا، مما ترتب عنه تغير
موازين القوى لصالح الجماعات التي تريد تطبيق التعاليم التلمودية في الفضاء العام،
وتحويل الكيان إلى دولة توراتية خالصة.
وما الصراع الذي
حصل بين التيارين الديني والعلماني حول الإصلاح القضائي إلا دليل قاطع على عمق هذا
الانقسام المجتمعي الكبير، وما حمله في طياته من تداعيات مستقبلية ضخمة سواء على
البنية الداخلية للمجتمع الإسرائيلي الذي يتجه تدريجيا نحو التفكك. كما أن غلبة
اليمين الديني سيدفع بالصراع نحو وجهة دينية من الصعب التكهن بنتائجها. فمن بين
رموزه إيتمار بن غفير، من حزب القوة اليهودية ووزير الأمن القومي، المعروف
بعنصريته وتحريضه على الإرهاب. وقد سبق الرئيس الإسرائيلي أن حذر منه وقال عنه
"كل العالم يخافون منه". وتحدثت عنه صحيفة هاريتس بالقول: "لغة
الفصل العنصري هي لغته الأم، لا يعرف غيرها. لقد نشأ على أفكار التفوق اليهودي
واليوم في مرحلة البلوغ، يجسد رؤيته للعالم".
أما الشخصية
الثانية فهو بتسلئيل وسموتريش، رئيس حزب الصهيونية الدينية ووزير المالية، وهو
أيضا من بين الرموز الشرسة لهذا التيار المتعدد التنظيمات والأحزاب.
هذا التيار
الراديكالي هو المتسبب الرئيسي في تفجير الأوضاع، وعجّل بعملية طوفان الأقصى. وقد
استغل نفوذه داخل الحكومة ليصعد من استهداف المقدسات الإسلامية وفي مقدمتها المسجد
الأقصى، واعتقد بأن الظرف مناسب للشروع في تغيير معالمه تحت حراسة المؤسسة الأمنية
وحمايتها، في استفزاز غير مسبوق لمشاعر الفلسطينيين بمسلميهم ومسيحييهم. كما تولى
بن غفير بنفسه توزيع الأسلحة على المستوطنين داخل الضفة من أجل إرهاب الفلسطينيين،
ومكّنهم من صلاحية تهجيرهم بالقوة للتخلص من وجودهم داخل الضفة الغربية.
بقطع النظر إن
كان كتاب "بروتوكولات حكماء صهيون" وثيقة حقيقية أم مزيفة روجها خصوم
اليهود لتشويههم وتبرير اضطهادهم في أوروبا، فالأكيد أن بعض القادة الدينيين وحتى
سياسيين في إسرائيل يرددون خطابا شبيها بما ورد في ذلك الكتاب بشكل مدهش.
يعتبر وزير
الداخلية الحاخام أرييه درعي زعيم حزب "الشاش" في مقابلة مع موقع
"هيدابروت" العبريأن "العرب هم دوابّ موسى، ويجب علينا فقط ركوبهم
للوصول إلى الوجهة النهائية. فشراء سرج جديد وعلف جيد للدابة من واجب صاحبها، ولكن
يجب أن ينظر صاحبها إليها كوسيلة للركوب فحسب. مكان الدابة في الإسطبل ولا أحد
يذهب بها إلى غرفة استقبال بيته. إن المسلمين سيبقون عدواً لليهود ما دام القرآن
كتابهم، والعرب هم أبناء هاجر أَمَة إبراهيم لذلك يجب أن يكونوا عبيدا لليهود.
الشعب اليهودي هو شعب الله المختار، وهو الشعب الحامل للرسالة وليس لغيره الحق في
ذلك، وكل من يدعي ذلك يستحق العذاب".
من بين القادة
رئيس الحكومة نتنياهو الذي أعلن في إحدى المناسبات "نحن أمة النور.. هم (يقصد
غير اليهود) شعوب الظلام". وأكد على أن "الشعوب الأخرى ستكون الحارثين
التابعين لنا، ستمتصون حليب الأمم، وإن ثرواتها ستكون من نصيبنا وسيعمها
الظلام". هذا الخطاب الصهيوني بامتياز، قائم على الاستعلاء وتوظيف التراث
الديني اليهودي بشكل فج. ولا ندري كيف يثق الغرب العلماني في هؤلاء، ويتعامل معهم،
ويدعمهم، ويرى فيهم الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط!! ويصر هذا الغرب
العلماني في المقابل على وصف حماس بالإرهابية لمجرد كونها تدافع عن وطنها المحتل.
لا بد من مواجهة
هذه النزعة التخريبية التي تهدف إلى تديين الصراع في فلسطين. لقد تبلور خطاب
فلسطيني وطني غير معاد للإسلام والأديان، يعتبر الصراع مع الكيان الصهيوني صراعا
سياسيا في جوهره، وحتى حركة حماس التي لا تخفي مرجعيتها الدينية تتجنب في خطابها
الرسمي التورط في وصف الصراع بكونه دينا ضد دين. وعلى القيادة أن تواصل التأكيد
على ذلك، ولا تسمح لأي كان بتجاوز الثوابت الوطنية الجامعة لكل الفلسطينيين
بتعددهم الديني والعقدي والسياسي.
فالقوى الدينية
الإسرائيلية المتطرفة تعمل بدون كلل ولا ملل على جر المقاومة إلى ساحة الحرب
الدينية، لأنها تعلم أن ذلك سيُدخل البلبلة في الساحة الفلسطينية، ويسهل الطريق
إلى عزلها والانفراد بها من قبل كل القوى في الداخل والخارج من أجل التخلص منها.
ويكفي أن تعترف
الدوائر الإسرائيلية بأن من بين العوامل التي جعلت رئيس الحركة يحيى السنوار
"يحظى بشعبية كبيرة في الشارع الفلسطيني قبل وبعد إطلاق طوفان الأقصى، أنه
كان يخاطب الشعب بكل ألوانه وفصائله".. لا يتدخل في خصوصيات أي طرف ولا يتعرض
لعقيدته، يجمع ولا يفرق، وما يشغله هو الوطن والبحث عن سبل تخليص فلسطين من هذا
الكابوس.
وكم كان جميلا
وراقيا عندما رد أحد القسيسين في بيت لحم على سؤال أحدهم: ماذا لو لم يتمكن
المسلمون من الأذان في مسجدهم، أجاب على الفور: أؤذن بدلا عنهم.. بهذه العقلية
والروح يمكن تفويت الفرصة على دعاة تحريك الفتن والتعيّش منها، وقتل القضايا
العادلة وتشويه النضال الصادق. هؤلاء قوم يخربون بيوتهم بأيديهم.. لن يكون لهم
مستقبل إذا لم يجدوا من يجاريهم في غثيانهم وهيجانهم الذي لن يتوقف إلا بانقراضهم،
وكلما أصروا وتوغلوا في هذا الطريق ألّبوا العالم ضدهم، وسيتخلى عنهم حتى حلفاؤهم
المقربون.