العدد 1656 /19-3-2025
حسان قطب

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن منطقة الشرق الأوسط تعيش على وقع "مرحلة تغيير أساسي"...هذا التصريح ما كان ليطلقه نتنياهو بدون قراءة مشتركة وتوجهات متناغمة مع الادارة الاميركية، مهما كان اسمها، سواء كانت ديموقراطية او جمهورية، وليس مهماً من هو رئيس الولايات المتحدة.. لان القاسم المشترك بينهما هو الولاء لاسرائيل، وليس العكس، والدعم المطلق لهذا الكيان الذي يشكل حجر الزاوية في سياسات البيت الابيض..

منذ انطلقت ثورة الربيع العربي، عام 2011، والحرب على شعوبنا العربية في تلك الدول التي اطلقت شرارة الانطلاق للتخلص من الديكتاتوريات الحاكمة بالظلم والقهر والعدوان والقمع، وتكالبت محاور ودول اقليمية ودولية لمواجهة الانتفاضة الشعبية غير المبرمجة، وغير الموجهة، لتحقيق التغيير الحقيقي في مجتمعاتنا.. فشهدنا التدخلات الاقليمية والتحالفات الدولية تحت عناوين مواجهة التطرف ومكافحة الارهاب، وقمع المتشددين.. مما برر لهذه الدول القيام بعمليات قتل جماعي، وتدمير منهجي، وتهجير واسع النطاق.. بهدف اخماد الانتفاضة، واعادة عقارب الساعة الى الوراء، واجبار شعبنا على الخضوع والاستسلام، وواكبت هذه الحملة الدموية، حملة اعلامية منهجية واسعة النطاق، من قوى قدمت نفسها عروبية وبعضها اسلامية، واطلقت شعارات وزرعت في اذهان المواطنين صورة وهمية ومخاوف غير حقيقية عن خطورة هذه الانتفاضات والمتغيرات القادمة من المجهول..؟؟؟ في محاولة للتعمية على الجرائم التي ارتكبتها هذه الانظمة ومارستها ميليشياتها وجيوشها ومؤيديها.. والدعم المفتوح الذي حظيت به هذه الانظمة من رعاتها الدوليين والاقليميين..!!

التغيير في دولنا وفي مجتمعاتنا، طالما انه من خارج صندوق التوجيه والرعاية الاميركية، والالتزام بتوجيهات القوى الاقليمية التابعة او الخاضعة او المعادية..يشكل خطراً على مستقبل المصالح الاميركية بشكلٍ خاص، وعلى استقرار اسرائيل وديمومة كيانها في الشرق الاوسط..

وبما يخدم مشروع الفوضى الخلاقة الذي سبق ان طرحته وزيرة الخارجية الاميركية (غونداليزا رايس) عام 2006، انخرطت ايران في حربٍ طاحنة على الشعبين العراقي والسوري، وامتدت يد الغدر الى الشعب اليمني، في مرحلة لاحقة، لتقسيم اليمن، بين شمال وجنوب، وتعزيز الانقسام الديني الذي كان غير معروفاً في اوساط اليمنيين، اضافة الى زرع الفوضى والتعطيل والفلتان الامني والسياسي والاعلامي ومن ثم الانهيار الاقتصادي والمالي في لبنان..

اندلاع حرب طوفان الاقصى وصمود الثورة الفلسطينية في غزة والضفة الغربية المحتلة، اكد للعالم باسره ان ثقافة الصمود والمواجهة في هذه الامة لا زالت راسخة وعميقة ومتينة، وانتصار الثورة السورية على جلاديها المحليين والاقليميين بعدما فشلوا في اخمادها والقضاء عليها رغم اطلاق يدهم بالقتل والتهجير والتغيير الديموغرافي..

هذا الواقع دفع الولايات المتحدة بادارة ترامب الذي لا يحسن التعمية على مواقفه وسياساته بعبارات دبلوماسية.. بإعلان رغبته في تهجير سكان قطاع غزة، وفي اطلاق يد اسرائيل لتدمير هذا القطاع وابادة سكانه، وتدمير قرى وبلدات ومدن ومخيمات الضفة الغربية، ودفع المواطنين الفلسطينيين للمغادرة، وبالتالي ضم الضفة الغربية لدولة الاحتلال الصهيوني..وكذلك في اطلاق حملة تدمير منهجية لقدرات سوريا الجديدة.. واتلاف وتدمير ما عجز نظام الاسد البائد عن استخدامه ضد شعبه، وما فشلت ايران ومحورها في اخراجه من سوريا.. بهجمات جوية متواصلة ومتزامنة مع حملة تشجيع ودعم للاقليات الدرزية والعلوية على طلب الانفصال والالتحاق بتحالف الاقليات بقيادة اسرائيل بعدما فشلت ايران في تأسيسه رغم تدخلها لاكثر من عقد بقوة الحديد والنار في سوريا ولبنان والعراق..

لذا بدأن كذلك نسمع مفردات التقسيم والانفصال في العراق، حيث اعلن نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي الاسبق ، وحليف ايران في العراق، بإمكانية الانفصال وتأسيس دولة شيعية في العراق.. (على نحو مفاجئ، لوّح قادة شيعة بالانفصال، وصرح نوري المالكي، مطلع مارس (آذار) 2025، أن «الشيعة سينفردون بالنفط إذا أجبروا على التقسيم»، كما هدد حسين مؤنس وهو نائب عن «كتائب حزب الله» العراقي، بـ«استقلال 9 محافظات إذا استمر ابتزاز الشيعة»، ولاحقاً بدأ ناشطون مقربون من «الإطار التنسيقي» التثقيف لمشروع «انفصال الشيعة»..)...

الخلاصة..

كيف اتفق وبدون مقدمات، ان توافق المشروع الصهيوني الذي يعمل على تشجيع الانفصال والانقسام في سوريا، مستهدفاً الاقلية الدرزية، في جنوب سوريا، مع اصوات مؤيدة ومشجعة بعضها انطلق هنا من لبنان، رغم معارضة الزعيم وليد جنبلاط القوية لهذه المخطط، كما جاء في كلمته خلال الاحتفال بذكرى اغتيال والده كمال جنبلاط على يد النظام السوري عام 1977.. مع الرغبة الواضحة والعلنية من قوى شيعية عراقية اساسية وبارزة، تشير الى امكانية التقسيم او الانفصال، والملاحظ انها لم تلق اي استنكار او ادانة او حتى استفسار من محور طهران بشكلٍ عام، ومن حزب الله ومؤيديه في لبنان.. ولو على المستوى الاعلامي.. بل تم التعامل مع هذه التصريحات بتجاهل وتعمية وعدم الاشارة اليها مطلقاً..وكانها لم تصدر اساساً.. في حين يستمر هذا الاعلام بل والسياسيين المؤيدين لهذا المحور بالتناغم مع اسرائيل في التهجم على الادارة السورية الجديدة، واتهامها بشتى انواع االاوصاف..؟؟؟

من هنا نرى ان الصراع في المنطقة هو في عنوانه وعمقه من يبسط نفوذه على عالمنا العربي، ومن منطلقات دينية كما يبدو، وبرعاية وتوجيه اميركي، وعندما فشلت ايران ومحورها انطلق الكيان الغاصب ليعلن رغبته الواضحة والعلنية والصريحة بأن يعمل على تغيير خارطة الشرق الاوسط..؟؟ ورسم شرق اوسط جديد..؟؟ ولكنه سيفشل حتما، كما فشلت ايران..؟؟

حسان القطب