العدد 1659 /16-4-2025

مالك نبيل

في عدوان يتكرر سنوياً منتصف إبريل/ نيسان، وضمن سياسة التهويد الممنهجة، اقتحم آلاف المستوطنين، ظهر اليوم الثلاثاء، الحرم الإبراهيمي وأحياء البلدة القديمة في مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية؛ بحجة الاحتفال بـ"عيد الفصح اليهودي"، وسط حماية عسكرية مشددة من جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي أغلق الطرق المؤدية إلى الأحياء المحيطة بالحرم، تمهيداً لاستباحته من قبل الجماعات الاستيطانية وتأدية طقوسٍ تلمودية تستمرّ حتى مساء يوم غدٍ الأربعاء. غير أنّ الاقتحام هذا العام يأتي في ظل تصعيد واضح بحق الحرم الإبراهيمي.

واقتحمت آليات الاحتلال ساحة بلدية الخليل، وهي الطريق الوحيد المؤدي إلى الحرم الإبراهيمي (بعد إغلاق حاجزي 160 وأبو الريش جنوب وشرق الحرم)، كما أجبرت أصحاب المحلات التجارية على إغلاق أبوابها. وانتشر جنود الاحتلال على أسطح المنازل المجاورة، وعلى سطح مدرسة أسامة بن المنقذ المستولى عليها، والتي يطلق عليها الاحتلال اسم "مستوطنة بيت رومانو" المطلّة على ساحة البلدية والمقامة عليها نقطة عسكرية لرصد حركة الفلسطينيين وسط إجراءات أمنية مشددة، بحسب ما يقول رئيس لجنة البلدة القديمة بدر الداعور، في حديث مع "العربي الجديد".

وأشار الداعور إلى أنّ جنود الاحتلال رافقوا جموع المستوطنين وهم يتنقلون بسلاحهم الشخصي في أحياء البلدة القديمة، تحت غطاء "زيارة دينية"، بينما مُنع الفلسطينيون من التحرك أو حتى الوصول إلى منازلهم، خاصة في المناطق المغلقة؛ تل الرميدة، وشارع الشهداء، وحارة جابر، وباب الزاوية، وسوق اللبن.

وفي الوقت ذاته، توافدت حافلات من المستوطنات المقامة على أطراف الخليل، وحطّت في مستوطنة "كريات أربع" شرق الحرم الإبراهيمي، وبدأت جولات استيطانية تحت عنوان "جولات إرشادية للمواقع اليهودية"، وتنقّل المستوطنون بين الأحياء الفلسطينية المحاصرة وهم يحملون الأعلام الإسرائيلية، وسط إطلاق تهديدات وشتائم على سكّان المنازل الذين مُنعوا من الخروج والحركة بسبب إغلاق الحواجز المنتشرة بين الأحياء منذ مساء أمس الاثنين. ولفت الداعور إلى أنّ قوات الاحتلال منعت وسائل الإعلام من الوصول إلى أماكن الاقتحام، كما أجبرت أصحاب المركبات الفلسطينية على إزالتها من الطرقات الفلسطينية لتسهيل حركة المستوطنين، بحيث باتت البلدة القديمة منطقة عسكرية مغلقة.

وعن اقتحام الحرم الإبراهيمي ومحيطه، قال مدير مديرية الأوقاف الإسلامية في الخليل، جمال أبو عرام، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "اقتحامات المستوطنين للحرم بدأت منذ منتصف الليلة الماضية، حيث أدوا صلوات وطقوساً تلمودية، ورفعوا الشمعدان داخل أروقة الحرم في القسم الإسلامي، وعلّقوا العلم الإسرائيلي على سطح الحرم وجدرانه. وفي ساعات المساء، نصب المستوطنون منصّة ومقاعد وإضاءات ملوّنة، وسط حضور آلاف المستوطنين والفرق الغنائية، التي بدأت الرقص والغناء بين المنازل الفلسطينية".

وجرى ذلك كلّه، بمشاركة أبرز حاخامات اليهود المتطرفين، ومنهم؛ عضو الحاخامية الكبرى شموئيل إلياهو، والحاخام دوف ليئور أحد زعماء تيار الصهيونية الدينية، وحاخام مستوطنة "كريات أربع" أبراهام يتسحاق شوارتز، إضافة لشخصيات استيطانية أخرى، منهم؛ رئيس بلدية مستوطنة "كريات أربع" يسرائيل بارمسون، ورئيس مجلس مستوطنات الخليل إيال جيلمان.

وبات عيد الفصح اليهودي، كما غيره من الأعياد الإسرائيلية، مناسبة موسمية لاستباحة الحرم الإبراهيمي الذي يعتبر مكاناً دينياً إسلامياً خالصاً، ويصنف على لائحة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم "يونسكو"، ولكنه رغم ذلك بات متاحاً للحفلات الراقصة والاستباحة التي تنتهك حرمة المواقع الدينية، وفق أبو عرام.

وأشار أبو عرام إلى أنّ الاحتلال في الآونة الأخيرة "سارع إلى تنفيذ مخططات تهويدية بحقّ الحرم عبر وضع الأقفال على أبوابه وغرفه الإسلامية والمقامات الدينية فيه، ما يعني وجود مخاوف حقيقية من استغلال الأعياد اليهودية لتنفيذ مخططات تهويدية، خاصّة في الأجزاء الشرقية منه التي يمنع الاحتلال الجهات الرسمية الفلسطينية من الوصول إليها".

ومنذ عام 1994، قسمت إسرائيل الحرم الإبراهيمي، حيث يسيطر الاحتلال على 63% من مساحته البالغة 2040 متراً مربعاً لصالح اليهود الذين عملوا على تحويله إلى كنيس يهودي، وما تبقى من المسجد على مساحة 37% لصالح المسلمين، وذلك منذ تقسيمه بعد المجزرة التي ارتكبها المستوطن المتطرف باروخ غولدشتاين، فجر 25 فبراير/ شباط عام 1994، أثناء صلاة الفجر التي راح ضحيّتها نحو 29 مصلياً، ثمّ تبعها استشهاد 20 فلسطينياً خلال الهبّة الشعبية الرافضة للمجزرة.

وفي أعقاب المجزرة، صدرت توصيات إسرائيلية عما عرفت بـ"لجنة شمغار"، فقد نصّت على أنه يحقّ للمسلمين استلام جميع مرافق المسجد والتصرف فيه 10 أيام من كل عام في مناسباتهم الدينية، (وهذا ما لم يجر خلال العام الجاري)، بينما يستبيح اليهود الحرم بالكامل 10 أيام محدّدة في أعيادهم من كل عام، علماً أنه جرت زيادة عدد أيام الاقتحام العام الماضي إلى 12 يوماً، وسط مخاوف من زيادتها هذا العام، وتسليم الحرم للأوقاف في أوقات متأخرة، بحسب أبو عرام.