ياسر الزعاترة
لم يتردد نتن ياهو كثيراً في رفض المبادرة الفرنسية لحل القضية الفلسطينية، وأعلن إصراره على التفاوض المباشر مع السلطة دون شروط مسبقة، مع أن الشرط الذي تطرحه تلك السلطة لا يتعدى تجميد الاستيطان في الأراضي المحتلة عام 1967.
وفيما رحبت السلطة بالمبادرة المذكورة، فهي لم تقل لنا من سيفرضها على نتن ياهو؟ هل هو أوباما في نهاية ولايته، أم ترامب أم هيلاري كلينتون، وكيف سيتم تمريرها من خلال مجلس الأمن بحضور الفيتو الأمريكي، فضلاً عن سؤال التزام الصهاينة حتى بقرارات مجلس الأمن؟ بل ما هو أقوى منها كما هو حال حكم محكمة العدل الدولية في لاهاي عام 2005؟
أسئلة لا تجيب عليها اللجنة المركزية لحركة فتح، كما لا تجيب عليها بقايا من منظمة التحرير الفلسطينية التي يجمعها الرئيس الفلسطيني كلما استدعت الحاجة لكي تصدر بياناً ما، أو تهديداً أو مطلباً؛ ما يلبث أن يطويه النسيان. ولعلنا نذكّر السادة الأشاوس بالقنبلة الموقوتة التي وعد بها الرئيس، ولا زالت تنتظر الانفجار، وبالمهلة التي وضعوها لوقف توغل جيش الاحتلال في مناطق (أ)، التي انتهت من دون أن يُنفذ التهديد (كرّره عريقات وآخرون مراراً)، ممثلاً في وقف التعاون الأمني مع العدوّ.
نعلم تمام العلم أن المبادرة الفرنسية لا تعدو أن تكون حلقة جديدة في مسلسل إلهاء الشعب الفلسطيني بالمبادرات، التي لم تتوقف منذ عقود دون أن تغيّر شيئاً في الواقع، اللهم سوى تعزيز الاستيطان والتهويد.
نتحدث عن المبادرة كما لو كانت «طاقة القدر» التي تنفتح للشعب الفلسطيني، مع أنها بحسب النصوص التي أتيحت منها لا تمثل سوى أقل من السقف الذي عُرض على عرفات رحمه الله في مفاوضات كامب ديفيد صيف العام 2000، وهي أسوأ بكثير أيضاً مما عُرف بالمبادرة العربية التي نرى عرباً يكررون عرضها في لقاءات سرية وعلنية على الصهاينة لتبرير اللقاء بهم، وبالطبع بدعوى محاولة إقناعهم بها!!!
في تفاصيل المبادرة نعثر على البنود التالية، كما نشرتها نصاً بعض وسائل الإعلام:
- إقامة دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران 1967 منزوعة السلاح، مع تبادل مناطق بمساحات متفق عليها، وتستجيب «للاحتياجات الأمنية» الإسرائيلية.
- إجراء مفاوضات لا تزيد مدتها عن 18 شهراً للوصول إلى حل الدولتين، وفي حال فشلها فإن فرنسا ستعترف رسمياً بدولة فلسطين (يا للتهديد الرهيب؟!!).
- حلّ عادل ومتوازن وواقعي لقضية اللاجئين الفلسطينيين، بالاستناد إلى «آلية تعويض».
- تطبيق مبدأ حل الدولتين لشعبين، مع مطلب الاعتراف بالطابع اليهودي لإسرائيل.
- على الطرفين وضع معايير تضمن أمن إسرائيل وفلسطين، وتحافظ بشكل ناجح وفعال على الحدود، وتصد الإرهاب وتدفق الوسائل القتالية، وتحترم سيادة دولة فلسطين المنزوعة السلاح، والانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي على مراحل خلال فترة انتقالية يتم الاتفاق عليها.
- اعتبار هذه المبادرة بمثابة تسوية نهائية وليست اتفاقاً مؤقتاً.
هذه هي البنود التي يبشرنا بها القوم. فهي تشير لدولة منزوعة السلاح تستجيب للاحتياجات الأمنية للكيان الصهيوني، وتشطب قضية اللاجئين (تعويض فقط)، مع تبادل للأراضي نعلم أنها أهم الأراضي في الضفة التي تفتت الكيان عملياً، وتسيطر على أحواض المياه. أما القدس فلا ذكر لها هنا، وهي عقدة العقد كما يعلم الجميع، ولن يتجاوز العرض حيالها مع عرض في كامب ديفيد 2000، ولا تسأل عن الإشارة إلى يهودية الدولة، وما يمكن أن يُفهم من ذلك حيال مصير عرب 1948.
مع كل هذا البؤس، لا يتردد نتن ياهو في الرفض، وهي عادته على كل حال، الأمر الذي يعتبره البعض مبرراً للترحيب بالمبادرة، لكن واقع الحال أنه يرفضها لأنه يرى أن مشروعه الذي أصبح موضع إجماع في الأروقة الصهيونية يمضي بنجاح، ممثلاً في الحل الانتقالي بعيد المدى كما سماه شارون، أو الدولة المؤقة، حسب بيريز، أو السلام الاقتصادي حسب تسميته هو. وهو مشروع يمضي بنجاح لأن قيادة السلطة تطبقه بحذافيره، وما مطالبتها المحمومة بوقف توغل جيش الاحتلال في مناطق (أ) غير تأكيد على ذلك، لأن المآل النهائي للمشروع هو الحصول على ما يتركه الجدار من الضفة الغربية (40 في المئة تقريباً)، ويبقى الأمر معلقاً لعقود بعد ذلك، ويُؤبَد النزاع، ويغدو المؤقت دائماً.
قيادة السلطة تعلم ذلك تماماً، ولكنها تناور، ليس على الكيان الصهيوني، بل على شعبها، حتى تجرّعه كأس السم بالتدريج، فيما تستمر في الحديث عن الثوابت، وبالطبع كي يواصل بعض مغيّبي العقول والمسكونين بروح القبلية الحزبية في الهتاف لها، ولفتح «الثورة»، حتى وهي تتحول (بل تحوّلت) إلى حزب سلطة تحت عباءة الاحتلال، تفاخر بالتعاون الأمني معه!!