العدد 1642 /11-12-2024
استفاق السوريون، يوم
الأحد، على عهد جديد يطوي صفحة حقبة سوداء في تاريخ بلادهم بعد فرار رئيس النظام
السوري بشار الأسد إلى جهة غير معلومة، إثر تمكن فصائل المعارضة السورية عقب معارك
استمرت 11 يوماً فقط، من إسقاط نظام طالما أرعبهم وهم لا يكادون يصدقون أن تهاويه
جاء أسرع مما كانوا يتوقعون.
بعد ثلاثة عشر عاماً ونيف من
الحرب والقتل والعوز والتهجير، شهدت صبيحة الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024
سقوط نظام بشار الأسد مع وصول طلائع فصائل المعارضة إلى العاصمة دمشق، وقبل حتى أن
تدخل أحياءها كافة، جاء الخلاص سريعاً ودون صدام. وسبقت ذلك أنباء مفرحة بعدما تمكنت
فصائل المعارضة من السيطرة على العديد من السجون في ريف دمشق والقنيطرة وحمص، التي
طالما كانت مصدر رعب للسوريين، وآخرها سجن صيدنايا سيئ الصيت، وإطلاق سراح آلاف
المعتقلين بعد مفاوضات قصيرة مع المشرفين على تلك السجون، ليفتحوا أبوابها،
ويلوذوا بالفرار.
أما رئيس النظام، الذي ظل
يعاند حتى آخر لحظة، ويرفض الاستجابة لإرادة شعبه، ولو لمرة واحدة، فقد استقلّ،
بحسب تقارير، طائرة من مطار دمشق متجهاً إلى وجهة ما زالت غير معلومة حتى اللحظة،
بينما أعلن رئيس حكومته محمد غازي الجلالي أنه ما زال على رأس عمله ولن يغادر
البلاد، مشيراً إلى أنه يمد يده إلى كل أطياف الشعب السوري ومستعد لإدارة شؤون
البلاد. وجاءت المباركة سريعة من رئيس "هيئة تحرير الشام" أحمد الشرع،
الملقب بأبو محمد الجولاني، قائد العمليات العسكرية للمعارضة السورية، بأنّ كل
المؤسسات في دمشق "ستظل تحت إشراف رئيس الوزراء السابق حتى يتم تسليمها
رسمياً".
في تلك الأثناء، كانت
"إدارة العمليات العسكرية" تعلن وصول مقاتليها إلى مبنى الإذاعة
والتلفزيون في ساحة الأمويين بقلب العاصمة دمشق، بينما توقف بث محطات التلفزيون
التابعة للنظام التي تبث جميعها من هذا المبنى، وقد واظبت حتى دقائق قبل توقفها،
على بث الأكاذيب بأنّ "الوضع بخير، وكل ما يقال عن زحف المعارضين نحو العاصمة
مجرد خدع وحرب نفسية". ومع انتشار هذه الأخبار، بدأ سكان العاصمة دمشق الذين
يعرف عنهم الحذر والخشية الشديدة من بطش أجهزة النظام الأمنية، التدفق إلى الشوارع
لاستطلاع ما يحدث، وتوجه بعضهم الى مبنى التلفزيون ليقفوا بأنفسهم على حقيقة ما
يجري، بينما كانت مآذن الجوامع تصدح بالتكبيرات.
لقد كان انهياراً أسهل وأسرع
مما اعتقد معظم السوريين طوال عقود، حتى خيل إليهم أن نظام بشار الأسد عصي على
الزوال، وأن قدر أجيال منهم أن تولد وتموت في ظله، بعد أن ورث الابن الحكم عن أبيه
حافظ الأسد عام 2000، وكان يمني نفسه نقله إلى ابنه أيضاً. 11 يوماً، كان ما
احتاجه الأمر بعد انطلاق المعارضة السورية المسلحة من إدلب لتستولي على حلب، ثاني
أكبر مدن البلاد في يوم واحد، وتنتقل بعدها إلى حماة وحمص وصولاً ليلة السبت الأحد
إلى دمشق، فيما هب الأهالي الناقمون في جنوب البلاد وشرقها، ليلتحقوا بهذا الزحف،
ويتلاقى معارضو الشمال مع الجنوب في العاصمة، دون مقاومة تذكر من قوات النظام التي
تحيط بالعاصمة من كل حدب وصوب. لقد تبخرت هذه القوات فجأة، بعد أن هرب قادتها طالبين
السلامة، بينما نزع العناصر لبساهم العسكري، ولاذوا بالفرار إلى بيوتهم، بعد أن
منحت قيادة الفصائل الأمان لكل من يلقي سلاحه، ويلتزم بيته.
اليوم تطوى صفحة سوداء من
تاريخ سورية، لم يعرف خلالها السوريون سوى القهر والخوف والمذلة. حقبة كئيبة تمتد
لـ53 عاماً بدأت مع حافظ الأسد عام 1971، بعد انقلاب حزب البعث ووصوله إلى السلطة،
وانتهت مع بشار الأسد قبل نهاية عام 2024 بأيام قليلة، يرى كثير من السوريين أنها
كانت الأسوأ في تاريخ بلادهم القديم والمعاصر، نبت فيها الفساد والطائفية والخوف،
وترعرعت خلالها الفروع الأمنية والسجون، بينما تراجع التعليم وتوقفت الحياة
السياسية وعجلة الاقتصاد.