العدد 1658 /9-4-2025
عبد الله البشير
في السابع من إبريل/ نيسان 2018، كانت مدينة دوما
في الغوطة الشرقية على موعد مع واحدة من أكثر الهجمات دموية، عندما استُهدفت بأسطوانات
تحوي غاز الكلور السام، ما أدى إلى مقتل 43 شخصًا، معظمهم من النساء والأطفال، وفق
تحقيقات دولية مستقلة. وبعد سنوات من المجازر والانتهاكات، لا تزال جراح الهجمات
الكيميائية التي نفذها النظام السوري ضد المدنيين مفتوحة، وسط مطالبات دولية
بتحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين.
وفي حديثه مع "العربي الجديد"، سرد
الناشط السوري عمران الدومي الهجوم الذي وقع في 7 إبريل/ نيسان 2018، قائلاً إنه
"خرج مع المهجرين في النهاية بتاريخ 9 إبريل، ووصل إلى الشمال السوري في 10
من الشهر ذاته، حيث بقي فترة هناك قبل أن يتوجه لاحقًا إلى تركيا". وعن
الحملة العسكرية قبل القصف الكيماوي أوضح: "خلال الحملة العسكرية، كنت ناشطًا
إعلاميًا ومصورًا، وثقت العديد من الفيديوهات عن القصف وغيره من الانتهاكات".
وأضاف الدومي: "بدأت الحملة العسكرية على
الغوطة الشرقية، في شهر فبراير/ شباط، واستمرت حتى السابع من إبريل/ نيسان، حين
انتهت بقصف مدينة دوما بالأسلحة الكيماوية في عام 2018. في مارس/ آذار، تمكن
النظام من تهجير سكان القطاع الأوسط والسيطرة عليه. ومع بداية إبريل بدأت
الاتفاقيات بشأن إخراج الجرحى من مدينة دوما، لكن القصف استمر رغم ذلك
لفترة".
وخلال اليومين الأخيرين، أي في السادس والسابع من
إبريل عاد القصف بشكل غير مسبوق، كما أشار الدومي. وتابع: "كان من أعنف ما
شهدناه طوال الحملة، لم يكن القصف يتوقف لحظة واحدة، واستُخدمت فيه جميع أنواع
الأسلحة: راجمات الصواريخ، المروحيات، طائرات الميغ، الصواريخ، الطيران الروسي..
كل شيء".
وفي السادس من إبريل، بدأ هذا القصف العنيف،
واستمر حتى مساء السابع من الشهر نفسه، حين وقعت ضربة الكيماوي، وأضاف الدومي:
"قبل هذين اليومين، كان هناك نوع من الهدوء النسبي، ما شجع بعض الناس على
مغادرة ملاجئهم، ولكن مع اشتداد القصف، عاد الجميع للاختباء، وانقطعت حركة السكان
بشكل شبه كامل".
وتابع الدومي: "كنت آنذاك عند دوار البلدية
في مدينة دوما، بينما كانت عائلتي في منطقة أخرى، طوال يومين لم يكن لدي أي وسيلة
تواصل معهم، لم أكن أعلم إن كانوا بخير أو أصيبوا، ولا هم كانوا يعلمون عني شيئًا،
لم يكن هناك أي تواصل بين سكان المدينة إلا بين الأشخاص الموجودين في المبنى نفسه،
لذلك كنا معزولين تمامًا عما يجري في الأحياء الأخرى".
وفي مساء السابع من إبريل، يقول الدومي:
"بلغني عبر بقايا شبكة الإنترنت المتوفرة خبر عن قصف كيماوي استهدف منطقة
قريبة من "النقطة 1"، وهي نقطة طبية قرب دوار الشهداء، رغبت في الذهاب
فورًا لتوثيق الحدث، لكن القصف كان لا يزال عنيفًا جدًا، والطيران يحلق فوق
المدينة، ما جعل التحرك غاية في الخطورة". وتابع: "كنت برفقة صديق ناشط
أيضًا، قررنا أن يأخذ كل منا كاميرته، ونخرج معًا لمحاولة الوصول إلى مكان الضربة،
رغم أن المسافة الطبيعية كانت لا تتجاوز خمس دقائق سيرًا على الأقدام".
وأردف: "استغرق وصولنا نحو أربعين دقيقة بسبب
شدة القصف، كنا نتحرك بخطوتين، ثم نسمع سقوط قذيفة ونختبئ، ثم نتابع خطوتين أخريين
ونتوقف مجددًا، وهكذا حتى اقتربنا من الموقع". وأضاف: "قبل وصولنا
مباشرة، سقطت قذيفة أمامنا، فاضطررنا إلى دخول أحد الأبنية للاحتماء، لم يكن سكان
الأبنية يعلمون بما يحدث خارجها. دخلنا إلى بناء يبعد عن مكان الضربة بحارتين
تقريبًا، سألنا الناس هناك إن كانوا يعرفون شيئًا عن الهجوم الكيماوي، لكنهم تفاجأوا،
ولم يكن لديهم علم بما حدث".
وختم الدومي: "غادرنا البناء وتابعنا طريقنا
حتى وصلنا إلى موقع الاستهداف. أول ما شاهدناه كان مبنيين تضررا نتيجة القصف، ولكن
معظم القتلى كانوا في مبنى واحد تحديدًا. على الرصيف خارج مدخل المبنى، شاهدنا
عددًا من القتلى أيضًا، بينهم نساء وأطفال، في مشهد مروع للغاية. وعندما دخلنا إلى
الطابق الأرضي، كانت الفاجعة أكبر: جثث مكدس بعضها فوق بعض، معظمها لنساء
وأطفال".
ومن بين الناجين من الهجوم أحمد، وهو متطوع في
الدفاع المدني السوري، الذي عبّر عن الخوف الذي عاشه خلال تلك الفترة، وفق ما نقل
موقع الدفاع المدني السوري، حيث أوضح أنه كان في الـ 14 من عمره مع بداية الثورة،
وانضم بعدها إلى الدفاع المدني. ووصف أحمد مدينة دوما خلال فترة الهجوم الأخير
لنظام الأسد بأنها مدينة أشباح، حيث خرج في ذلك اليوم مع فريقه لإنقاذ ضحايا
القصف، ولم يعلموا أنهم سيواجهون موتًا من نوع آخر.
وذكر أحمد أن قصف البراميل المتفجرة لم يحدث
أضراراً كما المعتاد، إنما ترك رائحة غاز سام، وأوضح أنه شاهد رجلاً ينادي بأنه
فقد عائلته بالكامل ضمن أحد مباني المدينة، ومع دخول الدفاع المدني المبنى، وجد
المتطوعين فيه جثثاً متراكم، بعضها مغطى بالزبد الأبيض، ليتضح له ولمن معه أن
القصف كان بغازات سامة، ففقد وعيه، ومن ثم أخرجه أحد أصدقائه من المكان.
ولفت أحمد إلى أنه بعد استعادة وعيه، سارع مع
زملائه لإخلاء المصابين الذين تأثروا بالغاز السام، حيث مات العشرات من العائلات
معًا. يذكر تلك اللحظات التي لا يستطيع نسيانها، ويعيش في صراع مع الذكريات
المأساوية، معترفًا بأنه أصبح "الميت الذي يتحدث كالأحياء"، ولن يتوقف
عن رواية ما حدث حتى يتحقق القصاص العادل.
وفي تقرير صدر في يناير/ كانون الثاني 2023، خلصت
منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، إلى وجود "أسباب معقولة" للاعتقاد بأن
القوات الجوية السورية أسقطت أسطوانات تحتوي على غاز الكلور السام على مبنيين
سكنيين في دوما، ما أدى إلى مقتل 43 شخصاً.
وتُصادف هذه الأيام الذكرى الثامنة لهجوم خان
شيخون الكيميائي والسابعة لهجوم دوما 2018، اللذين نفذهما نظام بشار الأسد، وأدى
إلى مقتل العشرات وإصابة المئات، وفق بيان صدر اليوم عن الشبكة السورية لحقوق
الإنسان، أكدت فيه أن بشار الأسد وكبار مسؤوليه ما زالوا دون محاسبة على جرائمهم.
وذكر البيان أن الشبكة قدمت أدلة إلى لجنة التحقيق
الدولية تثبت مسؤولية نظام الأسد عن استخدام الأسلحة الكيماوية، إضافة إلى تأكيد
منظمة حظر الأسلحة الكيميائية استخدام المواد السامة في الهجمات. ووفق البيان:
"حدد فريق التحقيق الدولي تورط قوات النظام المدعومة روسياً في هجوم دوما،
بمشاركة فعالة من الشبكة السورية لحقوق الإنسان في إعداد التقارير".