1570/12-7-2023
محمد أمين
تلوح نذر صدام عسكري واسع النطاق في أقصى الشرق
السوري الذي تنتشر فيه مختلف أطراف الصراع في سورية، خصوصاً مع تحشيد القوات في
ريف دير الزور، الذي تحول إلى فضاء منافسة بين الروس والإيرانيين من جهة، وبين
الولايات المتحدة التي تقود تحالفاً ضد الإرهاب، يتمركز في هذا الريف، من جهة
أخرى.
وذكرت مصادر محلية في محافظة الرقة لـ"العربي
الجديد" أن "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) نقلت جزءاً من عناصرها
إلى ريف دير الزور الشرقي خلال الأيام القليلة الماضية، مشيرة إلى أنها نقلت ما
يُعرف بـ"قوات الـ 150"، المتخصصة في المداهمات، والمتمركزة في مدينة
الطبقة، 50 كيلومتراً غربي الرقة.
وتعزز هذه الخطوة الاعتقاد بأن "قسد"،
المدعومة من التحالف الدولي، تتحسب لصدام محتمل في ريف دير الزور الشرقي مع
المليشيات الإيرانية وقوات النظام. وسبق أن استقدم التحالف الدولي ضد الإرهاب،
بقيادة الولايات المتحدة، خلال الأيام الماضية، قوافل من العراق محمّلة بذخائر
وأسلحة نوعية، وفق ما ذكرته مصادر في شرق دير الزور.
وفي سياق التحشيد المتبادل، أكد نشطاء إعلاميون
محليون لـ"العربي الجديد" أن مليشيات تابعة لـ"الحرس الثوري
الإيراني" متمركزة في بادية مدينة السخنة في محافظة حمص، نقلت أول من أمس
الاثنين، عدداً من الصواريخ، قصيرة ومتوسطة المدى، إلى مقراتها وثكناتها العسكرية
المنتشرة ضمن مدينة دير الزور.
وأكد النشطاء أن "الفرقة الرابعة"
بقيادة ماهر الأسد شقيق رأس النظام بشار الأسد والمدعومة من إيران، إلى جانب
مليشيا "أسود العشائر" بقيادة أحد شيوخ عشيرة البكّارة نواف البشير،
دفعت ليل الأحد ـ الاثنين، بتعزيزات عسكرية ضمت أكثر من 200 مقاتل إلى بلدات حطلة،
والجنينة، ومراط، ومظلوم، والحسينية، والطابية، وخشام بريف دير الزور الشمالي
الغربي، شرقي نهر الفرات، الواقعة على خطوط التماس مع "قسد".
بدوره، دفع الجانب الروسي قبل أيام بقوات إلى خطوط
التماس الفاصلة مع "قسد" وقوات التحالف الدولي في ريف محافظة دير الزور.
وذكرت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" أنّ مجموعات عسكرية تابعة لقوات
"الفيلق الخامس" المدعوم من روسيا، تمركزت في أماكن انسحبت منها
"الفرقة الرابعة".
مع ذلك، استبعد المتحدث باسم "لواء الشمال
الديمقراطي"، التابع لـ"قسد"، محمود حبيب، في حديثٍ مع
"العربي الجديد"، نشوب معركة وشيكة مع قوات النظام، مؤكداً أن تعزيزات
قوات التحالف في شمال دير الزور وجنوب الحسكة طبيعية.
ويأتي التحشيد المتبادل في ظل توتر روسي أميركي في
سورية، ظهر أكثر من مرة خلال الأيام الماضية، من خلال مضايقة الطيران الروسي
لمسيّرات أميركية، وهو ما وصفته وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بـ"سلوك
غير مهني"، محذرة من أن "الانتهاكات المتكررة للقوات الجوية الروسية
للمعايير والممارسات المتفق عليها، أصبحت الآن مصدر قلق كبير للسلامة في
المنطقة".
وتبدو كل السيناريوهات مطروحة في دير الزور،
واحتمالات الصدام قائمة بالفعل في ظل معطيات تشير إلى أن واشنطن ربما تفكر
بالسيطرة على مدينة البوكمال والحدود السورية العراقية، لضرب المشروع الإيراني في
سورية.
ويبدو أن الربط الجغرافي للمناطق التي تسيطر عليها
"قسد" مع قاعدة التنف التابعة للتحالف الدولي في المثلث الحدودي السوري
العراقي الأردني، يدخل ضمن الحسابات الأميركية، وهو ما يتطلب السيطرة على مدينة
البوكمال التي تعد المعقل الأبرز للمليشيات الإيرانية في شرق سورية.
في السياق، أكد مصدر مطلع مقرب من
"قسد"، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هناك بالفعل
توجهاً أميركياً لتوحيد جهود فصيل (جيش سورية الحرة) المعارض الذي ينتشر في محيط
قاعدة التنف، مع جهود قسد في سياق استراتيجية تهدف للتضييق على المليشيات
الإيرانية في ريف دير الزور الشرقي".
ويفصل بين مناطق "قسد" في ريف دير الزور
الشرقي، ومنطقة التنف نحو 150 كيلومتراً، وهو ما يجعل الربط بينهما عملية صعبة.
وينتشر فصيل "الصناديد" ذو الطابع القبلي المرتبط بـ"قسد"،
على طول الحدود السورية العراقية، شمالي نهر الفرات، من بلدة الباغوز جنوباً إلى
المثلث الحدودي السوري العراقي التركي شمالاً.
في ظل هذه التطورات، استبعد مدير مركز "الشرق
نيوز" فراس علاوي، في حديث مع "العربي الجديد" حدوث عملية عسكرية
واسعة النطاق من قبل الجانب الأميركي.
وأشار إلى أن "حشود التحالف الدولي وقسد
هدفها تأمين المنطقة أمنياً"، ولفت إلى أن "هناك حالة من عدم الرضا لدى
سكان ريف دير الزور الواقع تحت سيطرة "قسد" من ممارسات هذه القوات. ورأى
أن واشنطن ربما بصدد إعادة تنظيم المنطقة أمنياً، وترتيب القوى العسكرية العربية
في المنطقة.
وتوقع علاوي أن يكون العمل العسكري، في حال حدوثه،
بهدف استعادة سبع قرى شمالي نهر الفرات، تقع تحت سيطرة قوات النظام والمليشيات،
وتحولت إلى منطقة تماس. ولفت إلى أن أهالي المنطقة يطالبون التحالف الدولي
باستعادة قراهم ومنازلهم التي طُردوا منها.
والقرى السبع التي تقع تحت سيطرة المليشيات
الإيرانية، شمالي النهر، هي: الحسينية، الصالحية، حطلة، مراط، طابية جزيرة، مظلوم
وخشام. وتعد محافظة دير الزور ثاني أكبر المحافظات السورية مساحة، إذ تبلغ أكثر من
30 ألف كيلومتر مربع، وتكتسب أهمية استثنائية لاحتضانها ثروة نفطية، خصوصاً في
ريفها الشرقي مترامي الأطراف، فضلاً عن كونها امتداداً جغرافياً لمحافظة الأنبار
في غرب العراق، وهو ما يكسبها أهمية استثنائية في سياق الحرب على تنظيم
"داعش".
ومرت المحافظة ذات الطابع القبلي والعشائري
بتحولات كثيرة منذ بدء الثورة السورية في العام 2011، إذ تبادلات عدة قوى السيطرة
وصولاً إلى منتصف عام 2014، حين سيطر عليها تنظيم "داعش"، باستثناء
مطارها وبعض الأحياء القريبة منه التي بقيت تحت سيطرة النظام.
وفي العام 2017 تقدمت قوات النظام والمليشيات
الإيرانية، بدعم روسي، باتجاه ريف دير الزور، جنوبي النهر (الشامية)، وسيطرت عليه
مع قرى في شمال نهر الفرات، بينما سيطرت "قسد" بدعم من التحالف الدولي
على ريف المحافظة، شمالي النهر.
ونشر "الحرس الثوري الإيراني" المليشيات
في ريف دير الزور، تحديداً من مدينة الميادين شمالاً إلى البوكمال جنوباً، فبات
ريف دير الزور، في جنوب الفرات، منطقة نفوذ إيرانية مع وجود شكلي للنظام. كما أقام
الإيرانيون عدة قواعد، أبرزها قاعدة الإمام علي في منطقة الهري بريف البوكمال،
والتي تعرضت خلال السنوات الماضية لهجمات متعددة من طيران التحالف الدولي.
ويعد الجانب الذي يقع تحت سيطرة "قسد"
الأكثر أهمية، لكونه يضم أكبر حقول النفط والغاز وفي مقدمتها العمر وكونيكو، وهو
ما يدفع النظام وحلفاءه الروس والإيرانيين إلى محاولة استعادة المنطقة، إلا أن
وجود التحالف الدولي يحول دون ذلك.