العدد 1681 /17-9-2025
نايف زيداني
في الوقت الذي كانت فيه الدوحة تستقبل الوفود
العربية والإسلامية التي توافدت إليها لحضور القمّة العربية الإسلامية دعماً لقطر
بعد العدوان الإسرائيلي عليها الأسبوع الماضي، واصل التحالف الأميركي الإسرائيلي
التعبير بوقاحة عن نفسه، وبشكل يفيض غطرسةً بتعاطيه مع شؤون وهواجس المنطقة،
مؤكداً العزم على استكمال العدوان على غزة وفلسطين، وحتى على دول عربية، وهو ما
تبدّى بين سطور المؤتمر الصحافي لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير
الخارجية الأميركي ماركو روبيو في القدس المحتلة، وما انطوى عليه من مطالبة
الطرفين باستسلام كامل لشروط إسرائيل.
روبيو يتماهى مع البلطجة الإسرائيلية
واستعاد روبيو، أمس، مصطلح
"الحيوانات" الذي كان سبقه إليه وزير الأمن الإسرائيلي السابق يوآف
غالانت (واستخدمه كذلك المبعوث الأميركي إلى لبنان توم برّاك من بيروت)، لوصف
مقاتلي حركة حماس. وبينما كان نتنياهو يُجاهر بأن العدوان على الدوحة
"رسالة"، من دون أن يستبعد تكراره، منح روبيو إسرائيل الضوء الأخضر
الكامل، بحديثه عن "الدعم الأميركي الثابت"، وذلك لاستكمال العدوان حتى
تحقيق "أهداف" الحرب و"إلحاق الهزيمة" بحركة حماس، التي يجب
أن تنتهي وفق رأيه بوصفها "حركة مسلحة"، مؤكداً أن تحالف الولايات
المتحدة مع إسرائيل يتخطى السلام إلى الاقتصاد والتكنولوجيا، ومحذراً الدول
الغربية التي تعتزم الاعتراف بدولة فلسطينية من تقوية "حماس".
وكان المؤتمر الصحافي مناسبةً جديدة لتظهير
البلطجة الإسرائيلية والتماهي الأميركي معها، بكل ما يرتبط بالعدوان، مع اعتبار
نتنياهو أن داعمي الدوحة "منافقون"، وأن الانتقادات الدولية لإسرائيل
تأتي من "دول ضعيفة". وبينما أشاح روبيو بنفسه عن كل ما يتعلّق بالإبادة
في غزة، وعن مآلات مئات آلاف الغزيين الذين يتضورون جوعاً ولا يجدون ملاذاً آمناً
في ظل حرب الإبادة، وعد وزير الخارجية الأميركي، تل أبيب، أيضاً، باستكمال ترامب
سياسة الضغوط القصوى على إيران، محذراً من خطر "صواريخها"، ليس فقط على
دولة الاحتلال، بل على دول الخليج وأوروبا، مؤكداً مواصلة الحوار مع قطر
لـ"لعب دور" في مفاوضات غزة. علماً أن صحيفة واشنطن بوست ذكرت أمس،
نقلاً عن مسؤولين اثنين حكوميين في الشرق الأوسط، أن روبيو سيزور الدوحة، اليوم
الثلاثاء، وهو ما أكدته شبكة سي أن أن، ولاحقاً مسؤول في الخارجية الأميركية، وفق
وكالة رويترز.
وواصل وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو،
أمس، زيارته إلى الأراضي المحتلة، حيث اجتمع مطولاً برئيس الحكومة الإسرائيلية
بنيامين نتنياهو، وعدد من الوزراء والمسؤولين الإسرائيليين، في ديوان نتنياهو.
وإثر الاجتماع، تطرق المؤتمر الصحافي لنتنياهو، وروبيو، وهو من أبرز الداعمين
لدولة الاحتلال منذ أن كان سيناتوراً في الكونغرس، للعدوان على غزة، وعلى الدوحة،
وعلى إيران، فضلاً عن مقتل الناشط اليميني المتطرف تشارلي كيرك، الداعم لإسرائيل،
في ولاية يوتا الأميركية الأسبوع الماضي، والذي اعتبره نتنياهو "حرباً على
الديمقراطية".
وشكّل المؤتمر الصحافي لروبيو، أمس، فرصةً
جديدة لمنح واشنطن دولة الاحتلال جرعة دعمٍ إضافية لاستكمال العدوان بعد التشاور
خلف الأبواب المغلقة حول المرحلة الحالية من الحرب، والتي يرى الطرفان الأميركي
والإسرائيلي كما يبدو، ضرورة لاستكمالها، رغم الانتقادات الدولية وحتى مع تململ
جيش الاحتلال، أو الخطر الذي قد تشكّله على ما تبقى من محتجزين إسرائيليين في
القطاع.
وكان روبيو واضحاً بقوله إن "لا
سلام" قبل "انتهاء حماس بوصفها حركة مسلحة"، زاعماً أن "شعب
غزة يستحق مستقبلاً أفضل لا يمكن تحقيقه قبل تحرير الرهائن (المحتجزين
الإسرائيليين) وزوال حماس". واعتبر، في سياق السردية الأميركية المتواصلة منذ
7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أن "كل شيء بدأ" في ذلك التاريخ، في إشارة
إلى هجوم مقاتلي حماس على مستوطنات غلاف غزة، وأن "الحيوانات البربرية قامت
باختطاف أناس أبرياء"، مدعياً أن "حماس تستخدم سكّان غزة دروعاً
بشرية"، وأنها "يجب أن تنتهي باعتبارها جهة مسلحة تهدد استقرار المنطقة
ولا فرصة للسلام دون ذلك"، وهو أمر "يلتزم به الرئيس ترامب".
تلويح بضمّ الضفة
وأكد وزير الخارجية الأميركي أن "صداقة
إسرائيل مع الولايات المتحدة تتعدى السلام إلى التكنولوجيا والاقتصاد"، وأن
واشنطن "تعمل مع حلفائها في الخليج على قضايا عدة"، معتبراً أن التركيز
الآن هو على "الدور البنّاء" الذي يمكن أن تؤديه قطر في إبرام صفقة في
غزة". وقال روبيو بشأن ذلك، "إن قطر قادرة على المساعدة في تحقيق هدف
إطلاق سراح جميع الرهائن الذين ما زالوا محتجزين في غزة، وعددهم 48، ونزع سلاح
حماس، وبناء مستقبل أفضل لسكان القطاع"، مضيفاً أنه "لذلك سنواصل تشجيع
قطر على الاضطلاع بدور بنّاء في هذا الأمر". وبينما أعلنت دول عدة، حليفة
لإسرائيل والولايات المتحدة، العزم على الاعتراف بدولة فلسطينية خلال شهر
سبتمبر/أيلول الحالي، بعد أخرى اعترفت كإسبانيا وأيرلندا، حذّر روبيو هذه الدول من
أن إسرائيل سترد على خطوتهم، وسط تسريبات تفيد بأنه من المرجح أن يلحق الزيارة
إعلان إسرائيلي متعلّق بضمّ أجزاء من الضفة الغربية. وبحسب روبيو، فإن تحركات هذه
الدول "في الغالب رمزية، وليس لها أي تأثير بشأن الاقتراب من إقامة دولة
فلسطينية، لكن التأثير الوحيد الذي تُحدثه فعلياً هو أنها تجعل حماس أكثر
جرأة".
ولفت روبيو إلى أنه ناقش مع نتنياهو الملف
الإيراني و"رغبة إيران في الحصول على أسلحة نووية وصواريخ، وهي تشكل تهديداً
لإسرائيل وللولايات المتحدة ولدول الخليج، وكذلك لأوروبا". واعتبر أن
"إيران نووية مع صواريخ تُعدّ خطراً غير مقبول على العالم بأسره"،
مضيفاً أن "الرئيس ترامب يواصل حملة الضغط القصوى حتى يغيّر النظام الإيراني
مساره"، وأعرب عن دعم واشنطن لإعادة دول أوروبية تفعيل آلية الزناد لإعادة
فرض العقوبات الأممية على إيران، معتبراً أن "هذا هو المطلوب".
وادعى نتنياهو، بدوره ، أن الاعتراف بدولة
فلسطينية "خطوة أحادية" الجانب، ما "يعني أنه ستكون هناك خطوات
أحادية من جانبنا". وبشأن العدوان على قطر، لم يبد الطرفان أي تواضع، إذ لم يستبعد
رئيس حكومة الاحتلال أمام ضيفه، معاودة الكرّة، مشدداً على أنه "لا حصانة
للإرهابيين في أي مكان"، وفق تعبيره، مضيفاً أن "هجومنا في الدوحة هو
رسالة للإرهابيين بأنهم يمكنهم الاختباء ولكن لا يمكنهم الهرب"، على حدّ
تعبيره. وحول ما إذا كانت إسرائيل قد أبلغت الولايات المتحدة قبل عدوانها على
الدوحة، أجاب نتنياهو: "قرار استهداف قيادة الإرهابيين هناك كان مستقلاً
تماماً. اتُخذ من جانبي، وأُدير من جانبنا، ونحن نتحمل المسؤولية الكاملة عنه، لأن
الإرهابيين لا يمكن أن يحصلوا على ملاذ آمن. لقد نفّذنا ذلك بأنفسنا". وزعم أن
"الهجوم لم يفشل، وكانت الرسالة واضحة: سلبناهم الحصانة. الادعاء بأن العملية
فشلت لا أقبله. نحن لا نزال نتلقى التقارير النهائية".
وفي ما يتعلّق بالعدوان على غزة، زعم نتنياهو
أن الاحتلال يحثّ سكّان غزة على المغادرة، لكن "حماس تمنعهم"، كما ادعى
أن المباني والأبراج التي يدمّرها القصف "تُستخدم معاقل لحماس". واعتبر
أن "هناك نفاقاً دولياً في إدانة إسرائيل"، محاولاً التقليل من شأن
الحراك الدولي الرسمي والشعبي لوقف العدوان ومحاسبة الاحتلال على جرائمه، معتبراً
أن "هناك حكومات ضعيفة تضغط علينا بسبب ضغوط الأقليات فيها". واستعاد
أهداف الحرب المعلنة لحكومته، وهي "استعادة الرهائن وهزيمة حماس".
ووجّه نتنياهو رسالة شكر جديدة لترامب، الذي
قال إنه "أفضل صديق لإسرائيل". وقال نتنياهو متوجهاً بالحديث لروبيو:
"قال لي الرئيس ترامب: تذكّر السابع من أكتوبر، ونحن نتذكّر. نحن نتذكّر المختطفين،
وملتزمون بإعادتهم جميعاً ونشكر مساعدتكم. نتذكّر حماس ونعلم أننا يجب أن نهزمهم.
لا ينبغي لهم أن يكونوا هناك. زيارتكم هي رسالة بأن الولايات المتحدة تقف إلى جانب
إسرائيل في مواجهة الأكاذيب الظلامية وتصاعد معاداة السامية في العالم، والحكومات
الضعيفة التي تزيد الضغط علينا لأنها تنهار تحت ضغط داخلي".
وحمل كلام نتنياهو مزيداً من التحريض على
إيران، حيث قال إن "إيران تواصل ترديد شعارات الموت لأميركا والموت لإسرائيل،
لكن هذه التهديدات تُواجه بالحزم المشترك وبقرار الرئيس ترامب ضرب منشآتها
النووية". وأضاف: "كانت تلك رسالة إلى العالم بأسره بأن أميركا تتحرك
لحماية مصالحها وحلفائها. ليس لإسرائيل حليف أفضل من أميركا".