العدد 1627 /28-8-2024
أحمد موفق زيدان
فوجئت كما فوجئ
الكثيرون بالزيارة التي قام بها وفد من معهد جسور برئاسة السيد محمد سرميني إلى
العراق، ولقائه مع عمار الحكيم الذي شاركت مليشياته الطائفية في قتل السوريين
والعراقيين، وكان جزءا من العملية السياسية العراقية الممهدة للاحتلال الأمريكي
والإيراني.. وفوجئت بهذا الانحدار والانعطاف عن طريق الثورة، فالزيارة لا تشكل
إضافة بحثية للمعهد، بعد أن بدت زيارة سياسية، وأقرب ما تكون إلى وفد رسمي سياسي،
لا علاقة لشكل أو مضمون أو جلسة الزيارة بالبحوث والمعاهد والدراسات التي لم تعتد
على مثل هذا النوع من الزيارات، إلّا إذا كانت جزءا من سياسة التطبيع مع القتلة
والطائفيين، بعد أن تحولت بغداد الحشد الشعبي اليوم إلى مسوّق وواسطة للتطبيع مع
العصابة الأسدية المجرمة..
هل يجرؤ معهد من معاهد
المليشيات الطائفية على زيارة شخصية ثورية سورية أو عراقية مناهضة للمشروع
الطائفي؛ الذي أجرم ولا يزال وسيظل يجرم بحق أهل السنّة؟ يحدث هذا في ظل تداعي
الحصون الداخلية لثورة أهل الشام التي دفع الشعب السوري ثمنها باهظا، ولا يزال
يدفع الثمن الأبهظ وسيظل، بوجود نخب تفتقر للإرادة في مواجهة المشروع الطائفي
المجرم الذي يستهدف المنطقة، ولم يعد يستهدف سوريا والعراق ولبنان واليمن، فعينه
غدت على حواضر ومدن جديدة.
منذ اليوم الأول
للتصعيد الإيراني- الإسرائيلي لم يكن لدي شك في أن هذا التصعيد لن يقود إلى
المواجهة، فكلا الطرفين يفهمان ويدركان مخاطر الانزلاق إلى حرب شاملة تفقدهما
الكثير والكثير من مكتسباتهما التي لم يحلما بها طوال قرون، فإيران استطاعت أن
تسطو على أربع حواضر عظمى لأهل السنة، بصمت أو تأييد واشنطن وموسكو وبكين وتل
أبيب، في المقابل الكيان الصهيوني استطاع أن يتخلص من كتل ديمغرافية سنية تهدد
كيانه استراتيجيا، فوجد ضالته في المليشيات الطائفية، التي أنجزت ما عجز الكيان
الصهيوني عن إنجازه طوال قرون، ففرّغت مدن وحواضر أهل السنة من ساكنيها.
كان سفير عربي سابق
يصف لي الصراع الإيراني- الإسرائيلي بأنه صراع المتشددين الذين يخدمون بعضهم بعضا،
فالتشدد عملية تخادمية لطرفين، وهو ما جرى ويجري بين الإيراني والإسرائيلي، ولذلك
فأي تخلٍ عن هدف مواجهة الحلف الطائفي، وأي عمل فردي أو قُطري في مواجهة هذا
المشروع سيكون فاشلا، فالمشروع حضاري، وهو أقرب ما يكون لمواجهة المشروع الطائفي
في القرن الرابع والخامس الهجريين يوم، ولذا ينبغي الحذر من هذا الخطر، والدعوة
إلى مواجهته.
الكتل السنية المقاومة
اليوم في سوريا وغزة تشكل خوارزم حقيقية يوم وقفت لعشر سنوات في مواجهة المد
المغولي الخطير، وحين صمتت بغداد ودمشق والقاهرة عن مساعدة خوارزم في مواجهة
التتار، كان مصير هذه العواصم أشبه ما يكون بخوارزم، واليوم التاريخ يكرر نفسه، إن
لم يتدارك الجميع الخطر، ويستشعره، فأول مواجهة الخطر استشعاره والعمل على التصدي
له، ومثل هذا التصدي لا يمكن أن يكون بشكل قُطري أو فردي، فلا بد أن يكون جماعيا،
ولا بد أن يكون على مستوى الإقليم كله، فلا تدعو الحصون تتداعى أكثر فأكثر.