العدد 1611 /1-5-2024
حذّر زعيم طائفة الموحدين الدروز في سورية، الشيخ حكمت الهجري، أول من أمس الاثنين، من مغبة أي تصعيد عسكري في محافظة السويداء جنوب البلاد، في ظل تعزيزات النظام إلى السويداء في خطوة ربما تنذر بتدخل عسكري من شأنه خلط الأوراق في منطقة لطالما حاول تحييدها عن الصراع. يأتي ذلك على وقع استمرار الحراك السلمي في المحافظة منذ منتصف العام الماضي، والمطالب بتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الصادر عام 2015 بشأن الانتقال السياسي في البلاد.
جاءت تعزيزات النظام إلى السويداء أمس الثلاثاء لليوم الخامس على التوالي في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية من السكان، وفق مصادر محلية وصفت هذه الحشود بـ"بالأضخم عُدة وعتاداً منذ بداية الثورة السورية ربيع عام 2011". ونشرت شبكات إخبارية محلية، أول من أمس الاثنين، صوراً لرتل عسكري دخل المحافظة، ضم أكثر من 50 آلية بين دبابات وعربات عسكرية وحافلات مبيت وسيارات مزودة برشاشات متوسطة. ودخل الرتل مطار خلخلة العسكري شمال محافظة السويداء، ومواقع أمنية وثكنات عسكرية داخل مدينة السويداء مركز المحافظة.
تحذيرات من تعزيزات النظام إلى السويداء
وعلى وقع تعزيزات النظام إلى السويداء حذّر الهجري من مغبة أي تصعيد عسكري "أو تحريك أو تخريب أو أذية، مهما كان نوعها"، واصفاً الحراك السلمي في المحافظة بـ"الراقي المثابر". ولوّح في بيان أول من أمس بمواجهة النظام في حال استخدامه العنف للقضاء على الحراك السلمي، مشيراً إلى أنه "لن يستطيع أيّ فاسد أن يمنع نور الحق من الوصول، ولا أن يقف أمام الإرادة الشعبية الوطنية الصادقة". وأضاف أن "لكل واقعة ما تستحقه"، وأنه "عندنا لكل موقع رجاله".
ولم ينقطع الحراك السلمي في المحافظة منذ أغسطس/ آب الماضي، وهو ما خلق واقعاً مختلفاً في المحافظة التي هدمت كل الجسور مع النظام، إذ أنهت عمل ونشاط حزب البعث الحاكم، وكفّت يد الأجهزة الأمنية التي ظهرت عاجزة تماماً عن التعامل مع التظاهرات السلمية التي تجد مساندة وتأييداً من كل المحافظات السورية. وعوّل النظام على التجاهل والوقت لمحاصرة هذا الحراك ودفعه للتراجع، إلا أنه وجد نفسه خارج المشهد تماماً في هذه المحافظة، ما دفعه للتلويح باستخدام القوة المفرطة والوحشية كما فعل في المحافظات السورية الأخرى طيلة سنوات الثورة. وأسقط حراك السويداء الكثير من الأوراق السياسية من يد النظام، لعل أبرزها ورقة حماية الأقليات التي رفعها في وجه المجتمع الدولي منذ عام 2011، واتخذ منها ذريعة للفتك بالسوريين المطالبين بالتغيير.
وبدا واضحاً ارتباك النظام في التعامل مع الحراك في السويداء التي لطالما حاول هذا النظام تحييدها عن مجرى الأحداث في البلاد، وهو ما فشل فيه، إذ تبنى الحراك الثوري شعارات الثورة السورية، وأعلن أنه استمرار لها. وفرضت محافظة السويداء على النظام طريقة تعاطٍ مختلفة مع أبنائها، ليس داخلها فحسب بل في كل المناطق الخاضعة له، وهو ما تجلّى بشكل واضح، مساء الأحد الماضي، حين أجبرت فصائل محلية الأجهزة الأمنية على إطلاق سراح طالب جامعي من السويداء اعتقل في مدينة اللاذقية بتهمة "المس بهيبة الدولة"، في خطوة لها الكثير من الدلالات أبرزها إظهار عجز هذه الأجهزة وعدم قدرتها على فرض الخوف في نفوس أهالي السويداء كما تفعل في بقية المحافظات التي تسيطر عليها.
وكانت مجموعة من ضباط النظام قد احتجزت الطالب داني عبيد، في فبراير/ شباط الماضي، وفق مصادر عدة في محافظة السويداء تحدّثت لـ"العربي الجديد"، وذلك بسبب العثور في هاتفه على مقاطع فيديو توثق تظاهرات مناهضة للنظام، ما خلق توتراً أمنياً في المحافظة، شهد خطف ضباط من قوات النظام للمطالبة بالإفراج عنه. وتوقّعت المصادر أن يتم الإفراج عن هؤلاء عقب إطلاق سراح عبيد.
ولم يعر ناشطو الحراك السلمي في السويداء اهتماماً لتعزيزات النظام إلى السويداء فما زالت التظاهرات والوقفات اليومية الاحتجاجية كما هي في ساحة الكرامة وسط المدينة، وفق الناشط المدني عماد العشعوش. وقد قال الأخير في حديث مع "العربي الجديد": "نحن نعلم أن هذه الحشود الكبيرة لم تحضر إلى السويداء لضبط طرق تهريب المخدرات أو القضاء على عصابات الخطف والقتل والسطو أو مصادرة آلاف المركبات الخاصة التي أدخلها حزب الله اللبناني إلى السويداء". وبرأيه فإن مهمة تعزيزات النظام إلى السويداء "وقف الحراك الشعبي السلمي الذي استمر لأكثر من ثمانية أشهر من دون توقف وأفشل كل مخططات الأجهزة الأمنية في دفعه للتآكل والتراجع وفقدان الزخم الثوري السلمي".
بيد أن العشعوش استبعد أن يضع النظام نفسه في وجه أهالي محافظة السويداء، أو أن ينفّذ عملاً عسكرياً مباشراً ضد الحراك الثوري، مشيراً إلى أن "النظام سيحاول استخدام أدواته وأتباعه من العصابات والفصائل المسلحة من أجل ضبط الشارع ووقف الحراك الشعبي". ورأى أن هدف النظام تطبيق منهج استخدمه في المحافظات الأخرى، خصوصاً درعا المجاورة من خلال "عمليات تسوية ومصالحة لاستقطاب تأييد شريحة كبيرة من المطلوبين لأسباب جنائية أو أمنية أو للتخلف عن الخدمة الإلزامية والاحتياطية". واعتبر أن "هذه الحشود في وضح النهار الهدف منها إعلامي واستعراضي وترهيبي لا أكثر".
استنفار الفصائل
من جهتها أبدت الفصائل المحلية المعروفة مواقف متباينة إزاء دخول تعزيزات النظام إلى السويداء مسجلة بعض المواقف الرافضة على لسان قادتها أمثال الشيخ سليمان عبد الباقي قائد "تجمع أحرار الجبل"، ومرهج الجرماني قائد "لواء الجبل"، واللذين عُرفا بتأييدهما للحراك الشعبي. بالمقابل التزمت معظم الفصائل الكبيرة مثل حركة رجال الكرامة وكذلك فصيل شيخ الكرامة، الصمت حتى الآن، في ظل تسرب معلومات تؤكد استنفارها وجاهزيتها لأي طارئ.
وقال عبد الباقي في حديث مع "العربي الجديد"، إن "السلطة لن تخطئ بالإقدام على أي عمل من شأنه خلق تحالف أو موقف موحد بين الفصائل على اختلاف التوجهات". وأعرب عن اعتقاده بأن النظام "ليس بصدد القيام بعمل عسكري كبير في السويداء"، مضيفاً أن تعزيزات النظام إلى السويداء "تندرج تحت مسمى الاستعراض والتخويف، لهذا ما زلنا نستبعد المواجهة الكبيرة والمباشرة".
إلا أن عبد الباقي لم يستبعد "افتعال قوات النظام لنزاعات أهلية عبر أذرعها المعروفة وأعمال ترهيب وربما بعض الاعتقالات كالمعتاد على حواجزها خارج المحافظة"، لافتاً إلى أن "النظام يستعرض قوته في محاولة لإعادة هيبته في السويداء ولتقوية العصابات التابعة له في المحافظة". وفي السياق، ذكرت مصادر محلية، فضّلت عدم ذكر اسمها في حديث مع "العربي الجديد"، أن اجتماعاً عُقد الاثنين الماضي، بين قادة الفصائل لـ"تدارس الأوضاع على ضوء الحشود العسكرية للنظام"، مشيرة إلى أنه ستكون هناك "غرفة عمليات واحدة للفصائل في حال اتجه النظام للمواجهة العسكرية في المحافظة".
من جانبه، رأى الباحث العسكري السوري ضياء قدور، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الخيار العسكري كان مطروحاً أمام النظام منذ أشهر عديدة ولم يستخدمه حتى الآن لاعتبارات تتعلق بمحافظة السويداء نفسها". ورجّح أن تكون تعزيزات النظام إلى السويداء مجرد "دعم وإسناد للمواقع والنقاط الأمنية المنتشرة في أغلب أنحاء المحافظة في أعقاب التوتر الأخير المتمثل باحتجاز الأهالي المحليين لضباط وعناصر من النظام على خلفية اعتقاله أحد طلاب المحافظة". وأشار إلى أن "استراتيجية نظام الأسد المنهار اقتصادياً ما تزال تقوم على التمسك بالموانئ والصناعات الثقيلة ومصادر الوقود والتجمعات السكانية الرئيسية في البلاد"، موضحاً أن "السويداء، بغض النظر عن ظروفها الخاصة والحساسة، لا تخرج عن هذه القاعدة".