العدد 1636 /30-10-2024

بعد ساعات من الانتظار في طابور طويل أمام المخبز الوحيد في مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، حمل محمد شراب الحزن على كتفيه وعاد إلى أسرته بكفّين خاويتين، حيث لم يكن من القلة المحظوظة التي حظيت بربطة خبز.

ولليوم الثالث تواليا يعود هذا الأب الأربعيني إلى أسرته في المواصي غرب المدينة مثقَلا بهمومه وأحزانه، وقد فشل في توفير بعض أرغفة الخبز لأبنائه الستة، ويقول للجزيرة نت "منذ أسبوعين لم نتذوق الطعم الحقيقي للخبز بدون رائحة كريهة".

ويعتاش شراب وأسرته على "بقايا طحين" في آخر كيس لديهم، يقول إنه "مسوس ولا يصلح للبشر، ولكن نضطر رغم رائحته السيئة إلى تنخيله وعجنه وخبزه، ونأكله مع ما يتوفر من طعام في تكية خيرية مجاورة لنسد جوعنا".

واشتدت المجاعة على أكثر من مليوني فلسطيني في جنوب القطاع وشماله منذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري، جراء إغلاق الاحتلال معبر كرم أبو سالم التجاري الوحيد في القطاع، ومنع إدخال المساعدات الإنسانية والبضائع التجارية، علاوة على استمرار احتلال معبر رفح البري منذ اجتياح مدينة رفح الحدودية مع مصر في السادس من مايو/أيار الماضي.

ويشهد هذا المخبز -الوحيد في مدينة خان يونس التي يقطنها زهاء مليون و200 ألف نسمة من سكانها والنازحين فيها- ازدحاما شديدا من الرجال والنساء والأطفال، وتنشب يوميا مشاكل ومُلاسنات جراء التدافع الشديد، يقول محمد "إنها أحد أهداف الاحتلال، الذي يستخدم الجوع كسلاح يحاربنا به، لقتلنا وخلق الفتن الداخلية".

ويتشاطر نحو مليون و800 ألف نسمة من السكان والنازحين في جنوب القطاع آلام الجوع، ويواجهون المجاعة ذاتها التي يعاني منها أيضا زهاء 400 ألف نسمة من الغزيين في مدينة غزة وشمال القطاع.

أزمة دقيق

وإزاء ذلك، ارتفعت أسعار الدقيق والسلع والبضائع الشحيحة في الأسواق بصورة باهظة، لا تناسب غالبية الغزيين ممن فتكت بهم الحرب، وأفقدتهم مصادر رزقهم ومدخراتهم.

واختفى الدقيق تماما من الأسواق، بعدما وصل سعر الكيس الذي يزن 25 كيلوغراما لأكثر من 250 شيكلا (حوالي 67 دولارا). تقول مريم المصري للجزيرة نت إن زوجها بحث عن كيس ليومين متواصلين في كل مكان بمدينة خان يونس ولم يجد، وتستدرك "ولو وجده بهذا السعر فلن نستطيع شراءه".

ونتجت عن أزمة الدقيق في جنوب القطاع مهنة يعمل بها فتية وفتيات، يقفون على الأرصفة ونواصي الشوارع يبيعون أرغفة الخبز الذي تعده أمهاتهم في مراكز الإيواء، بسعر شيكل للرغيف الواحد، أي أكثر من ضعف سعره قبل الأزمة الحالية، واشتكى كثيرون من طعمه لرداءة الدقيق المصنوع منه.

سياسة تجويع

من جهته، قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" إن وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع يواجه عراقيل كبيرة منذ مطلع الشهر الجاري.

ويضع المكتب الإعلامي الحكومي هذه العراقيل في إطار ما يسميها "سياسة التجويع" التي ينتهجها الاحتلال، وبسببها اختفت غالبية السلع والبضائع من الأسواق في جنوب القطاع وشماله، وارتفعت الأسعار على نحو كبير، واستحكمت أزمة الخبز، التي يرجعها مدير عام المكتب إسماعيل الثوابتة لمنع الاحتلال إدخال شاحنات الدقيق التابعة لأونروا.

ويقول المسؤول الحكومي ذاته، للجزيرة نت، إن "الاحتلال منع إدخال أكثر من رُبع مليون شاحنة مساعدات وبضائع منذ بدء حرب الإبادة الجماعية، في إطار تعزيز سياسة التجويع واستخدامها كسلاح حرب ضد المدنيين".