العدد 1634 /16-10-2024
نفى النظام
السوري حدوث أي توغلات إسرائيلية قرب الجولان المحتل ضمن الأراضي السورية، معتبراً
إياها "محض خيال"، وذلك بعدما كانت شبكات محلية قد أكدت دخول مجموعة من
عناصر جيش الاحتلال الإسرائيلي برفقة عربات مصفحة مزودة برشاشات، الجمعة الماضي،
إلى الأراضي الزراعية قرب بلدة كودنة، بجانب تل الأحمر الغربي في ريف القنيطرة
الجنوبي. ويربط ناشطون ومراقبون الخطوة الإسرائيلية بأنها في إطار مشروع طريق
"سوفا 53"، الذي بدأت إسرائيل العمل عليه منذ منتصف عام 2022، والواقع
إلى الشرق من خط فض الاشتباك الموقّع بين سورية وإسرائيل في عام 1974، أي ضمن
المناطق الواقعة قرب تمركز قوات النظام السوري في جنوبي البلاد.
ونقلت صحيفة
الوطن المقربة من النظام، أمس الأحد، عن أمين فرع حزب البعث في القنيطرة، خالد
أباظة، قوله إن كل ما ينشر حول التوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية "لا
أساس له من الصحة، وهو من محض خيال من ينشر ومن يروج لهكذا إشاعات". واعتبرت
الصحيفة أن العدو يلجأ إلى "ترويج انتصارات إعلامية على جبهة الجولان السوري
المحتل"، وأنه "لا صحة إطلاقاً لما يروج له بعض الإعلام عن توغل
إسرائيلي لأمتار باتجاه كودنة، وكل ما نُشر منذ أيام حول تحركات إسرائيلية في هذه
المنطقة وانسحاب لنقاط عسكرية روسية يندرج في إطار الحرب النفسية التي يمارسها
العدو ولا أساس له من الصحة".
في المقابل، أكد
الناطق باسم "تجمع أحرار حوران"، (مؤسسة تهتم بأخبار الجنوب السوري
وتوثق انتهاكات)، أبو محمود الحوراني، لـ "العربي الجديد"، أن
"عملية التوغل تمت على امتداد 500 متر بعرض ألف متر"، مشيراً إلى أن
إسرائيل "ضمّت الأرض التي تسيطر عليها في منطقة الجولان المحتل (حيث توغلت)
عبر وضع شريط شائك حولها". من جانبه، لفت الناشط السوري الإعلامي محمد
السعيد، لـ"العربي الجديد"، إلى أن التوغل الإسرائيلي في الجنوب السوري
"ليس جديداً"، مضيفاً أن الجنود الإسرائيليين "كانوا في السابق
يتوغلون وينفذون عمليات تجريف ويخرجون، لكن هذه المرة لم يخرجوا، بل ضموا المنطقة
التي توغلوا فيها إليهم".
منذ عام 1967،
وهجّرت غالبية أهلها في ذلك العام وأقامت بها نقاطاً عسكرية وأبراج مراقبة
ومستوطنات. في ديسمبر/كانون الأول 1981 قرر الكنيست الإسرائيلي بشكل أحادي ضم
الجزء المحتل من الجولان، غير مبال برفض مجلس الأمن والمجتمع الدولي حينها. وغابت
محاولات النظام السوري لاسترجاع منطقة الجولان المحتل حرباً، بل انتهج الصمت على
الضربات الإسرائيلية التي استهدفت قبل عام 2011 مواقع عسكرية سورية بشكل شبه دائم.
ومن بعد ذاك العام تواصلت الهجمات الإسرائيلية على مواقع ومراكز للمليشيات
الإيرانية المساندة للنظام في حربه ضد السوريين المطالبين بالتغيير، والتي وصلت
إلى حد ضرب مناطق في العاصمة دمشق، وسط اكتفاء النظام في كل مرة بإدانة الاعتداءات
الإسرائيلية، وتقديم احتجاجات إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، من دون أي رد عسكري
ولو بالحد الأدنى. تأتي الخطوة
الإسرائيلية مع استمرار عدوانها على قطاع غزة ولبنان. ووفق المعطيات الميدانية فإن
الجنوب السوري مرشح للتسخين في الفترة المقبلة، خصوصاً أن عدة مليشيات إيرانية
منتشرة في أكثر من مكان فيه. وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد انتقد أول من
أمس رداً على سؤال صحافي التهديدات التي يطلقها ساسة إسرائيليون تجاه سورية،
معتبراً أن "احتلال دمشق سيمثل تهديداً إقليمياً خطيراً".
ضم الجولان
المحتل لجبهات الحرب
الباحث في مركز
جسور للدراسات وائل علوان، قال لـ"العربي الجديد"، إن "إسرائيل
خلال السنوات السابقة كانت تتوغل بشكل محدود جداً من أجل إزالة عقبات طبيعية من
أشجار تحجب الرصد عبر خطوط التماس"، مضيفاً أنه "بعد ذلك قررت إسرائيل
إنشاء طريق آمن في القنيطرة على طول خطوط التماس لمنع التسلل". ولفت إلى أن
"هذا الأمر بات ضرورة أمنية قصوى بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 من
العام الماضي"، موضحاً أن "إسرائيل شعرت أنها بحاجة إلى مستويات متعددة
للرصد، إذ تبيّن أن الرصد التقني لم يكن كافياً". وأشار إلى أن "التوسع
في الحرب كما يبدو جعل من طريق سوفا 53 غير كاف بالنسبة لإسرائيل داخل الأراضي
السورية". وباعتقاده، فإن "إسرائيل تتجه إلى اقتحام بري واسع للقنيطرة
كاملة ولأجزاء من محافظات درعا والسويداء وريف دمشق" جنوبي سورية.
في السياق، رأى
الخبير العسكري رشيد حوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن إسرائيل
تهدف من وراء إنشاء هذا الطريق إلى تحقيق عدة أهداف "أبرزها الإيحاء للأطراف
الأخرى (حزب الله اللبناني والنظام السوري)، بقدرتها على خوض معارك ضدهما على
حدودها الشمالية". وأضاف أن "إسرائيل تريد إرباك حزب الله والمليشيات
الإيرانية الذين يتمركزون في المنطقة وأبرزها وحدة الجولان التابعة للحزب، والتي
استهدفت إسرائيل قياديين فيها أكثر من مرة". وبرأي حوراني، فإن القوات
الإسرائيلية "قد تهدف من وراء توغلها في الأرض السورية إلى فتح ممرات لدخول
المزيد من القوات، وتأمين دخولها من الأراضي السورية إلى الأراضي اللبنانية شرق
نهر الليطاني". وأعرب عن اعتقاده بأن التحركات الإسرائيلية في سورية اليوم
"هي بالتنسيق مع روسيا والولايات المتحدة"، موضحاً أنه "جرت في
السابق عدة اتفاقيات بين هذه الأطراف لضمان أمن إسرائيل منها اتفاق التسوية جنوب
سورية منتصف عام 2018". وأضاف أن "هناك خطاً ساخناً بين روسيا وإسرائيل
منذ التدخل الروسي عسكرياً في سورية أواخر عام 2015". أما المحلل
العسكري العقيد عبد الجبار عكيدي، فقد رأى في حديث مع "العربي الجديد"،
أن التوغل الإسرائيلي في جنوبي سورية "استمرار لحرب الإبادة في غزة"،
مضيفاً أن "إسرائيل بدأت حرباً ضد حزب الله اللبناني والأذرع الإيرانية في
المنطقة واستهدافها في سورية". وأشار إلى أن الخطوة الإسرائيلية جاءت بعد
انسحاب نقاط روسية من بعض المناطق جنوبي سورية"، إذ "يبدو أن تل أبيب
بصدد إنشاء حزام أمني لإبعاد المليشيات الإيرانية ومحاصرتها، وقطع خطوط الإمداد
لحزب الله". ولفت إلى أن "جيش النظام متهالك في الجنوب، حيث يملك لواءين
هما 161 و90، وهما مهترئان لدرجة أن فصائل المعارضة سيطرت عليهما في عام 2013،
فيما أرسل النظام تعزيزات أخيراً إلى ريف حلب وإدلب بدل إرسالها إلى الجبهة في
الجولان المحتل".