العدد 1653 /26-2-2025
حسان قطب

الكيان الصهيوني الغاصب، انكشف حجمه وحضوره وقدراته، العسكلاية والبشرية والمادية ايضاً، مع انطلاق معركة طوفان الاقصى في السابع مكن اوكتوبر/تشرين اولن من العام 2023، ولا تزال المعركة مستمرة حتى الان باوجه مختلفة، وفي ميادين متعددة.. ولكنها حرب الوجود والدفاع عن الارض واستعادة ما تم اغتصابه من ارض فلسطين وطرد المحتل والتحرر من حالة التردد وانتظار المتغيرات التي طال انتظارها..خلال هذه الحرب اتضح لكل مراقب كما لكل مقاتل، ان هذا الكيان عاجز عن مواجهة فصيل مسلح، بمعدات واعتدة متواضعة، فكيف بقوى امة، ترفض المهانة والذل والاستسلام..

امن اسرائيل اولوية دولية، هذا ما اكده التقاطر الدولي الى مطار بن غوريون، عقب شعور هذه الدول ان الكيان قد فشل في حماية نفسه، وبالتالي خسر دوره في ضمان امن المصالح الغربية في الشرق الاوسط، وفرض واقع امني وسياسي واقتصادي يخدم الهدف الاساس من زرع هذا الكيان وسط الامة..

الولايات المتحدة الاميركية كان لها راي آخر، فقد اعتبرت ان امن اسرائيل ليس اولوية فحسب، بل ان امنها من امن الولايات المتحدة نفسها، فأصبحت الحرب المفتوحة قتلاً وتدميراً وابادةً ومن ثم تهجيراً اذا استطاعوا، مسؤولية المتحدة ورغبتها وخطتها بل وقرارها، قبل ان يتراجع عنه دونالد ترامب بعد امتناع الدول العربية والمجتمع الدولي وحتى حلفاء اسرايل عن تبني او الترويج لهذا المشروع الجنوني.. الذي يؤكد ان هذا الكيان ومن يرعاه لا يمكنه العيش بسلام على ارضٍ احتلها وعلى حساب شعبٍ تم تهجيره، والاعتداء عليه ولا زال هذا الاعتداء يتجلى بأبهى صوره واوضح ممارساته.. في غزة والضفة الغربية، وعلى ارض فلسطين التاريخية كلها، وعلى الحدود اللبنانية والسورية على حدٍ سواء..

الدعم الاميركي غير المحدود والمفتوح، اعطى قادة الكيان الصهوني، فرصة تاريخية، وغير مسبوقة، للتخلي عن لغة السلام، والعيش بهدوء وضمان امن الحدود، والانخراط في تسوية تاريخية مع السلطة الفلسطينية.. والاعلان عن مواقف يمكن الققول انها في قمة التطرف والاجرام والعنصرية وانعدام الحس الانساني والعدالة البشرية..

لقد اصبح من الممكن ان لا نفصل مطلقاً بين النهج الصهيوني والعقيدة اليهودية، التي يتبين لكل متابع ومراقب، ان الصهيونية كتنظيم وفكر ومسار سياسي هي ترجمة عملية للعقيدة اليهودية، ولفكر الديني اليهودي ولثوابت واسس العلاقات بين اليهود وسواهم من البشر التي تقوم على الظلم والقهر والقتل والتدمير..

كما ان الموقف الاميركي، الذي تبلور بصورة واضحة وجلية وينم عن الاستعلاء والاستكبار في مواجهة العالم كله، دون استثناء من الخصوم الى الحلفاء، وبرزت السياسة الاميركية الخارجية في منطقة الشرق الاوسط، بشكلٍ واضح وصريح، على انها تخدم رغبات الكيان وقادته، دون النظر الى التداعيات والاخطار والمخاطر والخسائر..

كذلك اكدت السياسة الاميركية، انها لا تقيم وزناً للانسان والانسانية وان مفاهيم حقوق الانسان والطفل والمرأة وغيرها من المفردات والمصطلحات تسقط امام مصلحة اسرائيل اولاً، وتتلاشى امام المصلحة التجارية والمصالح الاستثمارية والمنافع المالية، كما نرى في اوكرانيا التي تتعرض لغزو روسي بغيض كما تعرض الشعب السوري قبله..

صحيح ان هذا المشهد واقعي وحقيقي رغم بشاعته، من حيث العيش في مرحلة نرى فيها التطرف الصهيوني يتفاقم على ارض فلسطين وضد الشعب الفلسطيني كما في لبنان وسوريا..والاستعلاء الاميركي الذي يتحدث عن شعوب المنطقة العربية والاسلامية وكانهم مجرد ارقام، ووجودهم لا علاقة له بالارض والتاريخ والجغرافيا وممكن نقلهم من هنا الى هناك وهنالك.. اذا كان في ذلك مصلحة اسرائيلية بالتأكيد.. ويبدو ان الآلة العسكرية الاميركية التي اعطت اسرائيل كل ما يلزم لتدمير غزة وقتل الشعب الفلسطيني وكذلك اللبناني، قد دغدغت وكشفت مشاعر الاجرام في كلٍ من الادارتين الاسرائيلية والاميركية..

ولكن هذه الممارسات والتصرفات وما نتج عنها من تضحيات، قد قدمت بشكلٍ او بأخر خدمة كبيرة لامتنا في كل مكان، اذ ان شعبنا قد اصبح يدرك اكثر ان هذا الكيان لا يمكنه ان يستمر ولا يجب ان يستمر، وهذا ما يخيف نتنياهو وقادة الكيان الذين اكدوا انهم يريدون ترسيخ السلام في المنطقة بالقوة وليس بالحوار ومعالجة الخلافات..

كما تأكد لشعبنا بان الولايات المتحدة ليست وسيطاً ولا يمكن ان تكون راعية سلام او شريكاً في التنمية وبناء الاوطان واحترام الانسان وتاريخه وجغرافيته وحريته الا بحدود ما يخدم الكيان الغاصب والمصالح الاميركية حصراً..

لقد شاهدنا مطالب الرئيس الاميركي بضم دولة كندا التي توازي الولايات المتحدة مساحةً الى بلاده، وبشراء جزيرة غرينلاند الدانمركية لما تحتويه من ثروات، ومطالبته ايضاً دولة اوكرانيا بالتنازل عن ثرواتها المعدينة مقابل دعمها في حربها مع روسيا.. او التدخل لوقف الحرب، وبدا بالفعل في التفاوض مع روسيا على مستقبل اوكرانيا وربما مستقبل اوروبا بكاملها..

الولايات المتحدة ترغب في التمدد والتوسع، وكذلك كما قال ترامب نفسه بأنه يرغب في توسيع دولة اسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني دول الجوار.. انه تطابق في الافكار والممارسات بين الدولتين..وربما مستقبلا وامام الانبطاح الاميركي امام الرغبات التوسعية الاسرائيلية، وخدمة الولايات المتحدة للسياسات الصهيونية في المحافل الدولية، قد نرى مطالبة اسرائيلية بضم الولايات المتحدة لاسرائيل حتى لا تبقى دولة صغيرة..؟؟

لذلك فإن مواجهة هذه الاستراتيجية السياسية التوسعية اصبح امرا حتمياً لا يمكن تجاهله..

حسان القطب