العدد 1644 /25-12-2024
يوسف أبو وطفة
أظهرت صور حديثة نُشرت لمدينة رفح الفلسطينية على
الحدود مع الأراضي المصرية، دماراً هائلاً في المباني والبنية التحتية، ونجم ذلك
عن العدوان البري الذي بدأته قوات الاحتلال الإسرائيلي في السابع من مايو/أيار
الماضي وقالت في بدايته إنه عملية عسكرية محدودة الأهداف. وخلال الأيام الأولى من
العملية البرية في رفح أغلق الاحتلال معبر رفح البري ومعبر كرم أبو سالم التجاري
حيث يرتبط الأول بالحدود مع مصر والثاني مع الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948،
ما شكّل خنقاً لشريان الحياة للفلسطينيين في غزة. وحرم إغلاق المعبر مئات الآلاف
من الفلسطينيين من السفر لتلقي العلاج أو حتى تدفق المساعدات الإنسانية التي تصل
للقطاع، ما انعكس بالسلب على حياة نحو مليوني نازح فلسطيني بعد شهور من العملية
البرية في رفح.
وقبيل العملية البرية في رفح وفي الفترة من
يناير/كانون الثاني 2024 حتى مايو الماضي، ظلت الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين
نتنياهو تلوّح بورقة اجتياح رفح، فيما كان الرئيس الأميركي جو بايدن يعلن وإدارته
رفضهم دعم العملية تحت غطاء أنها تشكل خطراً على المدنيين الفلسطينيين حيث كان
هناك قرابة مليون نازح منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
اللافت أن حركة حماس أعلنت في السادس من مايو 2024 موافقتها على مقترح قطري ـ مصري
بشراكة أميركية على مقترح وقف إطلاق النار، غير أن الاحتلال قرر المضي قدماً في
العملية العسكرية البرية تحت ادعاء ضرورتها للسيطرة على محور صلاح الدين
(فيلادلفي) والزعم بأنه يشكل شريان حياة للمقاومة من خلال تهريب الأسلحة والأموال
عبره.
ومع دخول العملية العسكرية شهرها الثامن على
التوالي، فإن الاحتلال لم ينشر إلا صوراً لأنفاق تهريب ثبت أنها قديمة متعطلة منذ
سنوات، لا سيما مع تدمير السلطات المصرية أغلبها في الفترة ما بين نهاية 2013 وحتى
عام 2015. وإلى جانب ذلك، فقد كان الحديث الإسرائيلي في الأيام الأولى للعملية
العسكرية في رفح منصباً على التلويح بأنها محدودة ولن تتوسع أو تطاول التجمعات
السكنية، غير أن العملية تواصلت في أطول عملية برية تشهدها الحرب في غزة مقارنة مع
ما جرى في بقية المدن والمحافظات في القطاع التي كانت تشهد عمليات توغل وانسحاب.
في المقابل، صمت العالم عما جرى في العملية العسكرية، لا سيما واشنطن التي كانت
تروج للعملية العسكرية سواء عبر بايدن أو وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن
وغيرهم من المسؤولين في وزارة الدفاع.
العملية البرية في رفح
وتسبّبت العملية البرية في رفح بنزوح جديد لمئات
الآلاف من الفلسطينيين نحو مناطق في مدينة خانيونس جنوبي القطاع ودير البلح في
المنطقة الوسطى وغيرها من المناطق، في ظل منع الاحتلال عودة النازحين من الشمال
ومدينة غزة إلى مناطقهم خلال الوقت الراهن. وشهدت رفح خلال الشهور الثمانية عمليات
تدمير كبرى أتت على مساحات واسعة من المدينة التي كان يقطنها نحو 360 ألف نسمة
يتركزون في المناطق الغربية والوسطى منها فيما تعتبر المناطق الشرقية منها أقل
كثافة من الناحية الديمغرافية.
وعلى الرغم من تركز العملية البرية في بداية الأمر
في المناطق الشرقية للمدينة مثل مناطق زلطة وحي السلام وحي الجنينة والبرازيل
وغيرها، إلا أنها امتدت لتشمل المناطق الكبرى التي تشهد تجمعات سكنية مثل مخيم
يبنا والشابورة ومنطقة العودة ودوار النجمة بالإضافة إلى تل السلطان والحي السعودي
والياباني الموجودة في المنطقة الغربية للمدينة. وأظهر الكثير من الصور ومقاطع
الفيديو وصور الأقمار الصناعية التي التُقطت للمدينة عمليات التدمير الواسعة التي
أتت على البنية التحتية، إذ عمد الاحتلال إلى إحراق وتدمير البنية التحتية لمعبر
رفح البري بالإضافة لمستشفى الشهيد أبو يوسف النجار والمستشفى الكويتي التخصصي علاوة
عن عمليات التدمير اليومية.
وبشكل شبه يومي يقوم جنود الاحتلال بعمليات نسف
تطاول الأجزاء الغربية من المدينة، لا سيما في منطقة تل السلطان، إلى جانب عمليات
القصف المدفعي العشوائية للمناطق الشرقية من رفح، فيما لا تتوقف الاشتباكات مع
المقاومة الفلسطينية حيث قُتل عشرات الجنود الإسرائيليين في كمائن قاتلة نفذتها
الأذرع العسكرية للمقاومة الفلسطينية. وشهدت المدينة في أكتوبر الماضي العثور على
جثمان قائد حركة حماس يحيى السنوار بعد اشتباك وقع في حي تل السلطان غرب مدينة رفح
حيث لم يكن جنود الاحتلال يعلمون بوجوده في المنطقة خلال الاشتباك الميداني الذي
دار. وبالتوازي مع ذلك، تشهد المدينة عمليات توسعة في محور صلاح الدين مع مصر من
خلال تأهيل الطرق أمام المركبات العسكرية الإسرائيلية وربطها بالداخل المحتل
لتسهيل حركة جنود الاحتلال بين غزة والأراضي المحتلة عام 1948. في المقابل، عمدت
المقاومة لتنفيذ الكمائن القاتلة التي تعتمد على عنصر "اقتل واهرب" عبر
"زمر" قتالية محدودة العدد كما حصل أخيراً في حي الجنينة حيث عرضت
المقاومة ثلاثة كمائن متتابعة استهدفت آليات ودبابات عسكرية وجنودا للاحتلال أوقعت
قتلى وجرحى في صفوف الجنود الإسرائيليين.
تدمير ممنهج في رفح
وعن ذلك، قال رئيس بلدية رفح أحمد الصوفي إن
العملية العسكرية في رفح تتواصل للشهر الثامن على التوالي بعدما روّج الاحتلال
الإسرائيلي كثيراً إلى أنها عملية برية محدودة وهو ما قبلت به الإدارة الأميركية
في تلك الفترة. وأضاف الصوفي لـ"العربي الجديد" أن التوقعات كانت بألا
تستمر هذه العملية أكثر من شهر أو شهرين على الأكثر في ظل الموقع الدولي الرافض
لها في تلك الفترة والقبول بمحدوديتها، إلا أنها تتواصل وتتسع بشكل تدميري. وأوضح
رئيس بلدية رفح أن الاحتلال ينتهج التدمير في مختلف مرافق الحياة في مدينة رفح
خصوصاً البنية التحتية حيث جرى تدمير خزانات المياه، بالإضافة للشبكات الخاصة بها
والمقدرات الحيوية كمقر بلدية رفح ومستشفى أبو يوسف النجار والسوق المركزي وسوق
السبت الشعبي التاريخي الذي كان يميز المدينة. ولفت الصوفي إلى أن التدمير
الممنهج، الذي كشفته الصور ومقاطع الفيديو التي التقطها جنود الاحتلال ونشروها عبر
منصات التواصل الاجتماعي بالإضافة لصور الأقمار الصناعية، طاول مساحة كبير من
المدينة.
وأشار إلى أن هذه المساحة التي تم تدميرها
وتجريفها بالكامل لن تجعل من مدينة رفح قابلة للحياة، إذ لا يستطيع ثلاثمائة ألف
نسمة العيش في مكان ضيق ومساحة صغيرة جداً، وتُعتبر المدينة بالأصل صغيرة فيما
ازدادت هذه المساحة بعد العملية العسكرية صغراً. وتحدث نتنياهو في أكثر من مناسبة
عن ضرورة الاستمرار في التواجد في المحور الذي يفصل رفح عن الأراضي المصرية، في
الوقت الذي يرفض فيه المستوى الرسمي المصري أي وجود إسرائيلي في محور صلاح الدين
أو معبر رفح، ويصر على الانسحاب قبل تشغيل المعبر. من جهته، قال الكاتب والباحث في
الشأن السياسي محمد الأخرس إن السياق الذي جاءت فيه عملية رفح البرية كان مغايراً
لبقية المناطق، حيث كانت محور خلاف كبير في السياسة الدولية والإقليمية وبين
واشنطن والاحتلال الإسرائيلي. وأوضح الأخرس لـ"العربي الجديد" أن
نتنياهو نظر للعملية في رفح على أنها عملية حاسمة ستحدد اتجاه الحرب وأنه لا يمكن
الوصول للنصر المطلق بدون هزيمة "حماس" في رفح، وكذلك كان ينظر لها
باعتبارها نقطة محورية مرتبطة بمستقبل القطاع.
وبيّن الباحث السياسي أن نتنياهو رأى في السيطرة
على المحور الحدودي بعد العملية البرية في رفح شيئاً ضرورياً حيث سيطر على معبر
رفح الذي يعتبر الممر البري الوحيد بين القطاع والعالم الخارجي ما يعني أنه عودة
لاحتلال القطاع. ولفت إلى أن ما جرى ظهرت انعكاساته السياسية بشكل واضح في مفاوضات
اتفاقات وقف إطلاق النار، علاوة عن الأزمة التي تسبب فيها رفض الاحتلال لاتفاق
الثاني من يوليو/تموز 2024 حيث كان من أهم أسباب رفضه التصميم على البقاء في محور
صلاح الدين. وأعرب عن اعتقاده أن هذا السبب هو الأبرز والأهم من ناحية الأهمية
التي تكتسبها العملية البرية في مدينة رفح، وهو ما يظهر في أن كل مسارات المفاوضات
على أن الانسحاب من المحور الحدودي مع مصر هو من أهم النقاط الخلافية.
أما عن الموقف الدولي حول العملية البرية في رفح
فبيّن الأخرس أن نتنياهو استطاع طيلة الفترة الماضية أن يحيد عوامل الضغط
الإقليمية والدولية بالاعتماد على التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة وفرضه
للحقائق على الأرض. ورأى أن التراجع الدولي مرتبط بالموقف الكلي أصلاً الذي كان
منذ بداية الحرب دون المستوى المأمول فلسطينياً وعربياً، وهو ما يجعل الحرب مستمرة
إلى الآن دون توقف أو جدية من الاحتلال في وقفها. وبحسب الأخرس فإن وتيرة المعارك
في رفح طوال الشهور الثمانية الماضية تعكس أن المقاومة الفلسطينية لا تزال قادرة
على استنزاف الاحتلال من خلال توازن يقوم على حفاظها على مقدراتها البشرية
ومقدراتها العسكرية. وأكد أن قضية الانسحاب من المحور الحدودي ستبقى من أكثر
القضايا تعقيداً في مسار المفاوضات بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال، مع ضرورة
استحضار أن هذا الملف يمثل مشكلة مصرية إسرائيلية.