العدد 1652 /19-2-2025

عماد كركص

يبدو أن الانفراجات قد أخذت مسارها ضمن ملف المفاوضات بين الإدارة السورية في دمشق من جهة، و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) وذراعها السياسية "الإدارة الذاتية" لشمالي وشرقي سورية، بالإضافة إلى الجناح السياسي "مجلس سوريا الديمقراطية" (مسد) من جهة أخرى، إذ تعكس التصريحات في اليومين الماضيين أجواء إيجابية نحو حلحلة الكثير من العقد بينهم. وكان قائد "قسد" مظلوم عبدي، قد هنأ أول من أمس الاثنين، أحمد الشرع بمناسبة توليه رئاسة البلاد، معرباً عن دعمه لتعزيز التواصل بين جميع السوريين. ودعا عبدي الشرع لزيارة مدن شمال شرقي سورية، في خطوة تهدف إلى تعزيز الحوار والتواصل بين مختلف مكونات الشعب، مؤكداً التزام "قسد" بإخراج جميع المقاتلين غير السوريين من صفوفها، ومشدداً على أن الهدف هو تشكيل جيش سوري بهوية وطنية.

وعقب ذلك، تم الكشف أمس الثلاثاء عن اجتماع عقد بين القوى المسيطرة على شمالي وشرقي سورية، وهي "قسد" و"مسد" و"الإدارة الذاتية"، أسفر عن سلسلة من الاتفاقات حول التنسيق مع الحكومة السورية في دمشق، وتخلله إعطاء "قسد" موافقتها على الانخراط بالجيش السوري الجديد، الذي تقوم وزارة الدفاع في الحكومة الحالية على بنائه وهيكلته، ما يعني انزياح العقبة الأبرز في المفاوضات بين دمشق والقوى المسيطرة على شمال شرقي سورية، ويفتح على التفاهم على الملفات المتبقية، لا سيما تلك المتعلقة بالنواحي السياسية والمدنية والإدارية.

دمج "قسد" في الجيش السوري

وقال القيادي في "قسد" محمد حبيب، لـ"العربي الجديد"، إنه تم الاتفاق خلال الاجتماع على "دمج المؤسسات العسكرية والأمنية ضمن مؤسسات الدولة، حيث تم الاتفاق على دمج قوات سوريا الديمقراطية والمؤسسات الأمنية التابعة للإدارة الذاتية ضمن هيكلية الجيش السوري، بهدف توحيد الجهود وتعزيز القوة الوطنية". ولفت إلى أنه تم الاتفاق كذلك على "ضرورة انسحاب جميع المقاتلين غير السوريين من صفوف قوات سوريا الديمقراطية ومنطقة شمالي وشرقي سورية، في خطوة لتعزيز السيادة الوطنية والاستقرار"، لافتاً إلى أن القوى الثلاث اتفقت على "إعادة تفعيل المؤسسات المدنية والخدمية التابعة للدولة في شمالي وشرقي سورية، لضمان تقديم الخدمات الأساسية وتحسين مستوى المعيشة للسكان". وأشار حبيب إلى أنه تم الاتفاق على "تكثيف الاجتماعات والتنسيق مع الحكومة في دمشق لتعزيز التعاون حول القضايا الوطنية، بالإضافة إلى الاتفاق على تسهيل عودة النازحين والمهجرين إلى مدنهم وقراهم، مع ضمان توفير الظروف الملائمة لحياتهم"، مشدداً على أن القوى الثلاث اتفقت على "التأكيد على أهمية وحدة الأراضي السورية، وأن انضمام القوات المحلية إلى الجيش السوري سيعزز قدرته على حماية الوطن".

وحول آليات تنفيذ البنود التي تم الاتفاق عليها، أشار حبيب إلى أنه "تم تشكيل لجان مشتركة من كافة الأطراف، لوضع خطط وآليات تنفيذية لضمان تطبيق البنود بشكل فعال". ولفت إلى أن "هذه الاتفاقات تأتي في إطار الجهود الرامية لتعزيز الوحدة الوطنية وتحقيق الاستقرار والسلام في البلاد". وأشار إلى أنه "بعد التغيرات التي حصلت على الساحة السورية، قدمت منطقة شمال شرقي سورية رؤية واضحة للتعاون منذ البداية، فكانت زيارة الجنرال مظلوم عبدي ولقاؤه الرئيس أحمد الشرع في مطار الضمير العسكري (نهاية العام الماضي)، والتي حصل فيها التفاهم على مناقشة كل الأمور المتعلقة بالشأن السوري، وكان لا بد من استكمال هذه الخطوات، لذلك حصل هذا الاجتماع بين القوى الرئيسية في المنطقة".وحول الصيغة المتفق عليها لانضمام "قسد" إلى الجيش السوري، علماً أنه كانت هناك رؤيتان مختلفتان، الأولى بأن يكون الانضمام ككتلة وهذا طرح "قسد" والثانية ضمن الهيكلية المتبعة مع جميع الفصائل (الدمج والإحلال) التي طرحتها دمشق، أشار حبيب إلى أن "تلك الصيغ ستناقش مع الإدارة الجديدة للبلاد، وسنصل الى الحلول التي تحفظ أمن واستقرار شرق الفرات وسورية عموماً".

وأضاف أن "فكرة التخلي أو حل قوات سوريا الديمقراطية لا تعود بالنفع على المستوى الوطني، أما فكرة الانضمام والدمج في وزارة الدفاع فهي أفضل، إذ إن هذه القوات بما هي جزء من الجيش السوري ستعتبر قوة حقيقية، وتشكل فارقاً إيجابياً تعود فوائده على الجميع". وحول ما تم طرحه في اجتماع القوى في شمال شرق سورية، وآلية نقله إلى دمشق والتفاهم عليه، لفت حبيب إلى أنه "تمت مناقشة هذه القضايا أثناء لقاء عبدي والشرع بوصفها عناوين رئيسية للبحث والاتفاق مستقبلاً. وخلال اللقاء كانت الأجواء ودية يسودها التفاهم، واتفق الطرفان على ضرورة تشكيل لجان معنية للبحث فيها ومتابعتها، وعلى ذلك دعا مظلوم الرئيس أحمد الشرع لزيارة المنطقة.

كما ندعو اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني لزيارة المحافظات الشرقية، لوضع خطة عمل ميداني تساهم في إيجاد حلول للأمور العالقة". وعما إذا تم الاتفاق على جدول زمني لتنفيذ الاتفاقات، أشار حبيب إلى أن "الأمر متروك للجان التحضيرية للبحث في الأطر الزمنية المناسبة، وسنبذل كل طاقتنا للإسراع في تنفيذ البنود التي يتم طرحها ومناقشتها". وأكد حبيب، رداً على سؤال عما إذا كان هناك تحفظات ومطالب لشمال شرقي سورية لا تزال عالقة مع دمشق، أنه "ليس لدينا أي تحفظات مسبقة، ومن الطبيعي أن يكون لدينا مطالب لدى حكومة دمشق، وستطرح للنقاش على طاولة الحوار، ونطمئن شعبنا أن هناك رغبة لدى الجميع بإنجاح الحوار، وستكون النتائج مرضية لكل السوريين".

إرادة للاتفاق مع دمشق

وفي حين تحدث حبيب، عن ترتيب الاتفاقات من الناحية العسكرية، فإن الأسئلة ستكون مطروحة، حول انخراط أجهزة "الإدارة الذاتية" الكردية، التي يقودها "حزب الاتحاد الديمقراطي" ضمن مؤسسات الدولة السورية. وأشار رئيس مكتب العلاقات العامة في "حزب الاتحاد الديمقراطي" سيهانوك ديبو إلى أن "هناك إرادة كافية لإنجاز اتفاق مع دمشق على أساس الشراكة وتحقيق جمهورية سورية جديدة، تتأسس فيها الهوية الوطنية الجامعة، ومسألة الانتماء". وقال، لـ"العربي الجديد"، إن "النظام الداخلي لحزبنا، الاتحاد الديمقراطي، يؤكد على ذلك، وهو حزب سوري بطبيعة الحال، ويناضل من أجل حل الأزمة السورية والقضايا الديمقراطية، وفي مقدمتها القضية الكردية في سورية، وفق العهود والمواثيق الدولية، في إطار وحدة البلاد".

وأضاف: "حزبنا جزء مهم وله دور ريادي في الإدارة الذاتية، وسيدعم مسألتان متداخلتان تعدان ترياق الحل السوري، ومدخل سلامة البلد واستقراره، إضافة إلى مسائل أخرى مهمة، أبرزها النظر إلى الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية كجزء من النظام الإداري السوري العام، وتفاعل المؤسسات والهيئات المعنية مع الوزارات التي تقابلها، كما أننا ندعم كذلك انخراط "قسد" والمؤسسات الأمنية في مؤسسة الجيش السوري والأجهزة الأمنية، وفق صيغ وآليات يتم التوافق عليها من قبل المعنيين". وأشار ديبو إلى أنه "يجب عدم إغفال النظر للقضية الكردية قضيةً وطنية سورية، يجب تضمينها كمواد دستورية محصنة، وعلى هذا الأساس نحن الأكراد جزء من شعب سورية ويجب تحقيق فعل المشاركة في إدارة الدولة ووزارتها بشكل كامل وتكاملي، وليس ضمن نظام محاصصة وتطييف". يشار إلى أن "الإدارة الذاتية لشمال شرقي سورية"، التي يهيمن عليها حزب الاتحاد الديمقراطي، تأسست في العام 2013 لإدارة المناطق التي سيطرت عليها "وحدات حماية الشعب الكردية"، والتي أصبحت في 2015 الثقل الرئيسي لـ"قسد"، لتحكم نحو ثلث مساحة سورية في منطقة يشكل العرب غالبية سكانها، وتعد الأهم في البلاد لغناها بالثروات الزراعية والنفطية.