العدد 1688 /5-11-2025
محمد أمين
تجري داخل وزارات الخارجية والداخلية والدفاع
السورية، عمليات إعادة كوادر كانت انشقت عن النظام السابق خلال سنوات الثورة، في
محاولة يبدو الهدف منها الاستفادة من الخبرات لهيكلة هذه الوزارات السيادية بشكل
يتناسب مع المرحلة الجديدة التي تمر البلاد، وكما المساهمة في إدارة مؤسسات الدولة
على نحو أكثر مهنية وتشاركية، خصوصاً أن إعادة المنشقين تأتي بعد أحداث أثرت على
السلم الأهلي في سورية.
إعادة المنشقين إلى السلك الدبلوماسي
وشملت عملية إعادة المنشقين وزارة الخارجية، إذ
وقّع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، الاثنين الماضي، قرار إعادة العشرات من
الدبلوماسيين بينهم سفراء وقناصل وموظفون إداريون إلى عملهم، في خطوة تهدف إلى
"تفعيل دورهم في مرحلة بناء سورية الجديدة"، وفق هذه الوزارة التي تشهد
منذ إبريل/نيسان الماضي، إعادة هيكلة لرسم مشهد دبلوماسي مختلف عن ذاك الذي كان
قائماً إبان نظام بشار الأسد. وأثنى الشيباني خلال اجتماعه مع عدد من هؤلاء
الدبلوماسيين على دورهم في كشف "جرائم النظام البائد"، مشيراً إن
الحكومة تتطلع إلى بناء دولة "يشعر جميع أبنائها بالأمان والانتماء، وتقوم
على الشراكة الحقيقية والتكامل في علاقاتها الإقليمية والدولية".
وأعادت وزارة الخارجية خلال تلك الفترة عدداً من
السفراء إلى الإدارة المركزية، ولكنها لم تعيّن حتى اللحظة أي سفير جديد ما خلا
سفير سورية في الأمم المتحدة، إذ عيّنت في أغسطس/آب الماضي، إبراهيم علبي وهو محام
وناشط حقوقي، بديلاً لسفير النظام السابق قصي الضحاك. وعُيّن قبل أيام عبد اللطيف
الصباغ، قنصلاً سورية في دبي، وهو من الدبلوماسيين الذين كانوا انشقوا عن النظام
السابق عندما كان سفير سورية لدى الإمارات ما بين عامي 2009 و2011.
واعتبر الدبلوماسي أحمد شبيب (وهو أحد الذين
أعيدوا إلى السلك الدبلوماسي)، في حديث مع "العربي الجديد"، أن إعادة
المنشقين الدبلوماسيين "انعكاس لسياسة الحكومة السورية في الانفتاح على
الكفاءات الثورية وجبر الضرر، والاستفادة من خبرات دبلوماسيي الثورة التي
اكتسبوها، سواء خلال عملهم في وزارة الخارجية أو من خلال عملهم مع مؤسسات الثورة
ونشاطاتهم في إطار المجتمع المدني". ورأى أنها "خطوة في سياق تعافي
وطننا من مخلفات حقبة الأسد المجرم"، مضيفاً أن "هذه الخطوة تأخذ
أهميتها من الاستفادة من احتكاك وتبادل الخبرة وتقاسم المهام بين الدبلوماسيين
الجدد والدبلوماسيين الذين اختاروا الوقوف مع الشعب السوري في محنته وعانوا من
ملاحقات وظروف هجرة ولجوء قاسية". وفي رأيه فإن الدبلوماسيين العائدين
"مدعوون للعمل على الفور"، مضيفاً أنه "بعد المباشرة (في العمل)
سيتم التكليف بالعمل في الإدارة المركزية أو السفارات حسب حاجة الوزارة".
وتندرج خطوة إعادة المنشقين إلى عملهم في سياق
توجه حكومي للاستفادة من الخبرات والكوادر الذين كان لهم موقف مناهض للنظام
السابق، وأعلنوا انشقاقهم عنه. وقد انشق عن ذلك النظام، خصوصاً خلال العامين
الأولوين من الثورة، عدد كبير من الضباط وصف الضباط في الجيش والمؤسسات الأمنية،
وضباط الشرطة والدبلوماسيين، بعضهم انخرط في العمل المعارض سواء العسكري أو
السياسي والأمني.
المنشقين العسكريين
من جهته أعلن وزير الداخلية السوري أنس خطاب قبل
أيام، نيّة الوزارة إعادة المئات من ضباط الشرطة الحقوقيين، الذين كانوا منشقين عن
نظام الأسد، مشيراً إلى أن لجنة مكلفة بهذه المهمة أجرت مقابلات خلال الأشهر
الماضية مع أكثر من 260 ضابطاً من الموجودين داخل البلاد "جاهزين للعودة إلى
العمل". وأوضح أن اللجنة بصدد رفع مقترح لإعادة توزيع الضباط ضمن المسارات
التي "تصب في مصلحة العمل وتتماشى مع متطلبات المرحلة". وأشار إلى أن
وزارة الداخلية تعمل في المرحلة المقبلة على "تعزيز الكوادر البشرية
والارتقاء بجودة العمل عبر الاستفادة من أصحاب الخبرة، وتدريب العاملين من الرجال
والسيدات على مختلف الاختصاصات، عبر خطط مدروسة ومتطورة".
وفي السياق، أعلنت وزارة الدفاع، في أغسطس الماضي،
أنها أعادت نحو ثلاثة آلاف ضابط منشق عن النظام السابق من مختلف الاختصاصات
العسكرية، إلى العمل، بعد إجراء مقابلات معهم من قبل لجنة مختصة. وكان رئيس إدارة
شؤون الضباط في وزارة الدفاع، محمد منصور، قال حينها لوسائل إعلام محلية إنه
"لا توجد قيود أو شروط لعودة الضباط في ظل المرحلة الراهنة من تأسيس وبناء
الجيش العربي السوري"، مشيراً إلى حاجة هذا الجيش "إلى جميع الكوادر
العسكرية الوطنية بمختلف اختصاصاتها والكفاءات الأكاديمية". وأكد أن وزارة
الدفاع قررت صرف رواتب شهرية لكل ضابط (منشق)، يُسجَّل ضمن قيودها، حتى في حال عدم
تعيينه في تشكيلات الجيش العربي السوري.
وبحسب أحد الضباط الذين أعيدوا للعمل (فضّل عدم
ذكر اسمه للتحدث بحرّية)، لم يعيّن الضباط العائدون إلى العمل حتى اللحظة
"بأماكن قيادية أو مناصب مؤثرة في الوزارة أو في الجيش"، موضحاً أنه
"تم توزيع الضباط بشكل رئيسي على الهيئات والإدارات والكليات التعليمية (هيئة
التدريب - إدارة الإشارة - إدارة التسليح - إدارة المدفعية - الكلية الحربية -
كلية المدفعية ...)، وحُصر عملهم بنواح إدارية وتدريبية فقط". وفي رأيه فإن
الضباط المنشقين "لديهم خبرات واسعة تسهم في حال الاستفادة منها في إعادة
بناء الجيش السوري بشكل احترافي".
ويُنظر إلى توجه الإدارة السورية الحالية إلى
إعادة العسكريين سواء في الدفاع أو الداخلية على أنه خطوة متأخرة، تبرز خللاً ظهر
في أداء الوزارتين خلال الفترة الماضية، أدى إلى تهديد السلم الأهلي في أكثر من
منطقة في البلاد. ولكن الباحث في مركز "جسور" للدراسات، وائل علوان، رأى
في حديث مع "العربي الجديد"، أن تأخر هذه الخطوة مرده "انهيار
الدولة بشكل شبه كامل بعد إسقاط نظام الأسد في ديسمبر/ كانون الأول الماضي".
وأضاف أن حكومة تسيير الأعمال ومن ثم الحكومة الانتقالية، نفذت عمليات إحصاء
وتدقيق بالعاملين في مؤسسات الدولة، مشيراً إلى أنه "كان من المتوقع وصول
الدولة إلى لحظة تدعو فيها العاملين السابقين في مؤسسات الدولة، لا سيما الأمنية
والعسكرية، للعودة". وهناك العديد من العسكريين والسياسيين والموظفين، وفق
علوان، والذين انشقوا عن النظام السابق "عادوا للعمل خلال الأشهر
الماضية"، مضيفاً: "لكن اليوم هناك توجه حكومي ودعوة للجميع للعودة إلى
أعمالهم بعد ضبط المشهد".
وكانت وزارتا الدفاع والداخلية، بحسب علوان، في
حالة انهيار كامل خلال الفترة التي أعقبت إسقاط النظام، فضلاً عن أن الحالة
الفصائلية كانت سمة بارزة قبل دمج الفصائل في المؤسسة العسكرية. وفي اعتقاده فإن
توجه وزارة الدفاع ليس "الحد من صلاحيات ونفوذ الضباط المنشقين المعادين إلى
الجيش"، مضيفاً أن "هناك عوامل موضوعية تحكم توزيع هؤلاء على المفاصل
(في الوزارة)، كالخبرة والسن". وأوضح أن "عددا كبيرا من الضباط المنشقين
باتوا اليوم في عمر ربما لا يسمح لهم بالعمل ضمن القطعات العسكرية، لذا قررت
الوزارة الاستفادة منهم في مسائل إدارية وتدريبية".