العدد 1607 /27-3-2024
أمجد ياغي
يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي إحراق المنازل التي
لم يدمرها القصف في المنطقة الشمالية المحاصرة من قطاع غزة، مع زيادة التركيز في
الفترة الأخيرة على أحياء وسط مدينة غزة.
يعتمد الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية العدوان
سياسة تدمير المنازل، سواء بالقصف الجوي أم المدفعي، أم عبر القنابل الحارقة،
وخلال عمليته العسكرية المستمرة للأسبوع الثاني على التوالي في مدينة غزة، يتعمد
حرق منازل منطقة محيط مجمع الشفاء الطبي، والذي جرى تدمير كل مرافقه تقريباً.
واقتحم جنود الاحتلال العديد من المنازل القريبة
من المجمع الطبي، وأفرغوها من السكان عبر إعدام عدد منهم، واعتقال بعضهم الآخر،
كما أجبروا بقية السكان على النزوح إلى المناطق الجنوبية، ثم استخدم جيش الاحتلال
القنابل الحارقة والمتفجرات لحرق آلاف الوحدات السكنية وفق رصد المكتب الإعلامي
الحكومي في غزة ومؤسسات حقوقية.
وأكد عدد من العائلات التي نزحت من منطقة محيط
مجمع الشفاء الطبي أن الجيش الإسرائيلي اقتحم المنازل بعد أن أحكم سيطرته على
المنطقة، وقاموا بتفتيشها، كما فصل النساء والأطفال عن الرجال، وطلبوا من النساء
التوجه مع أطفالهن إلى جنوبي القطاع، قبل أن يشعلوا النار في المنازل، ومن بينها
منزل يعود إلى عائلة السيد، وآخر تملكه عائلة أبو رمضان.
تقول نسمة السيد (26 سنة) لـ"العربي
الجديد": "في يوم الخميس 21 مارس/آذار، اقتحم أكثر من 50 جندياً
إسرائيلياً منزلنا الواقع إلى الشمال من مجمع الشفاء، وكانوا يطلقون النار
عشوائياً، وكان ذلك قبل موعد الإفطار لأنهم يعرفون أن العائلات تتجمع في المنازل
في هذا الوقت من أجل كسر الصيام. حطموا الأبواب ودخلوا، واعتقلوا جميع الرجال
الموجودين في المنزل، ثم طردوا النساء والأطفال إلى الخارج، وكان أحد الجنود يتحدث
بعربية مكسّرة، وأمرنا بالمغادرة إلى الجنوب، ثم أحرقوا المبنى، وعندما شاهدنا
نبكي بسبب إحراق المنزل، عاد الجنود، وأجبرونا على متابعة السير إلى الجنوب".
وصلت السيد مع أفراد من عائلتها إلى مدينة دير
البلح، وكان عددهم نحو 20 من النساء والأطفال. تضيف: "حرقوا المنزل فور أن
غادرناه. كنت نازحة من حي الكرامة في شمالي القطاع إلى هذا المنزل الذي يملكه
أقاربنا، وكانت قريبتي مالكة المنزل تبكي بحرقة وهي تنظر إلى المنزل المحترق،
وتكرر (راح البيت. كل شيء راح)، لكنهم أجبرونا على مواصلة السير في حين كان الدخان
يتصاعد".
تتابع: "كنا محاصرين منذ فترة، لكننا كنا
نرفض التهجير إلى الجنوب، لكنهم أجبرونا على ذلك، واعتقلوا الكثير من أفراد
عائلتنا، وقد أحرقوا العديد من المنازل القريبة، وكان بالقرب منا منزل تم إحراق
الطوابق السفلية منه، وكان سكانه يصرخون، ولا نعلم مصيرهم حتى الآن".
وكرر الاحتلال جريمة إحراق منازل الغزيين في مناطق
شمال القطاع منذ بداية العدوان، وتفقّد عدد ممن عادوا إلى مناطقهم بعد انسحاب جيش
الاحتلال منها منازلهم المحترقة، خصوصاً في بلدة بيت حانون، وأجزاء من بلدة بيت
لاهيا، كما استخدم الاحتلال المحال التجارية وعدداً من المنازل لأغراض عسكرية،
وعثر أصحابها فيها على آثار استخدامها للراحة والمبيت والتعذيب والاعتقال.
في منطقة السوق ببلدة بيت حانون، أحرق الاحتلال
مبنى مكوناً من أربعة طوابق تملكه عائلة الكفارنة، وكان من بين المباني القليلة
التي لم يطاولها التدمير عبر القصف. ويؤكد عبد الرحيم الكفارنة (58 سنة) أن
الاحتلال أحرق كامل المبنى الذي يضم منزله ومنازل أشقائه.
كان الكفارنة أحد النازحين في شمالي قطاع غزة،
ورغم أن عائلته نزحت إلى المنطقة الوسطى، قرر مع شقيقه البقاء، وكانا يتنقلان بين
عدة أماكن نزوح في الشمال، وعندما انسحب الاحتلال من بيت حانون في أواخر
يناير/كانون الثاني الماضي، عادا لتفقد المنازل، ليصدمهما حجم الدمار الذي أحدثه
الحريق في المبنى الذي "كان لونه قبل العدوان برتقالياً وبيج، وأصبح أسودَ
كالفحم" حسب وصفه.
يقول الكفارنة: "لا أعرف لماذا يريدون
تعذيبنا بهذه الطريقة، لكن الحريق غير طبيعي، ويبدو أنهم يستخدمون مادة حارقة قوية
تتأثر بها الخرسانة. لا توجد ملامح للمنزل، والكثير من الجيران أخبروني أن جنود
الاحتلال كانوا موجودين فيه قبل حرقه، وكان القناصة يعتلون الأسطح، وعثرت على
معلبات متفحمة في الداخل، وأعتقد أنهم حولوه إلى ثكنة عسكرية، وبعد أن قرروا
الانسحاب، أحرقوه".
في مدينة خانيونس، استخدم الاحتلال العديد من
المنازل، واستغل قناصته نوافذ بعضها للقيام بعمليات إعدام النازحين ميدانياً أثناء
محاولتهم الهرب إلى الجنوب، وكان من بينهم أطفال.
كان قناص إسرائيلي موجوداً داخل منزل يونس الفرا
في منطقة البلد بالقرب من أحد أهم شوارع منطقة وسط خانيونس، وشاهد الفرا أثناء
محاولة الهرب من القصف القناص يعتلي المنزل، ويطلق النار على من يحاولون عبور
الشارع. بعد أيام، أخبره أحد أقاربه بوجود حريق في منزله، وعندما انسحب الاحتلال
من المنطقة، سارع إلى المنزل ليجده محروقاً بالكامل.
يقول يونس: أحرق الاحتلال الأثاث الجديد الذي
اشتريته قبل نحو شهرين من بدء العدوان في أغسطس/آب الماضي، وبعض المقتنيات التي
كنت أحرص عليها، مثل خزانة والدتي الراحلة، وهي من خشب الخيزران، وكذلك غرفة
أطفالي، وأعرف أنهم عبثوا بمحتويات الشقة قبل حرقها، ونثروا الأثاث فيها، وقد وجدت
بعضاً منه محروقاً بالقرب من النوافذ".
يضيف: "استخدم جنود الاحتلال الأثاث في تغطية
النوافذ حتى يخفوا وجودهم في الشقة، وقد لاحظت أسرة أطفالي المحروقة التي نقلوها
إلى الصالون ليغلقوا بها النافذة الكبيرة حين يقومون بإعدام المواطنين وقنصهم.
دمروا كل ذكرياتي في المنزل وحولوه إلى مكان بشع، ورغم حزني على حرق المنزل، لكني
حزين أكثر لأنهم استخدموه في قتل الناس، وقد استخدموا عدداً من منازل مدينة خانيونس
للغرض نفسه، وكانوا يحرقون بعضها قبل مغادرتها، ويفجرون بعضها الآخر، والعديد من
منازل أصدقاء لي في شرقي مدينة خانيونس تم إحراقها، كأنهم يريدون الانتقام منا
فيها، أو أنهم يحاولون إخفاء الأدلة على الجرائم التي ارتكبت داخل تلك المنازل،
وقد عثرت على عدد من بقايا القنابل الحارقة في الشقة قبل أن أقرر النزوح إلى مدينة
رفح".
ويؤكد مدير المكتب الإعلامي الحكومي، إسماعيل
الثوابتة، أنّ جيش الاحتلال أحرق آلاف الوحدات السكنية متعمداً، وأن المكتب رصد
إحراق أكثر من 3 آلاف وحدة سكنية خلال شهر فبراير/شباط الماضي وحده، لكن العدد
تزايد كثيراً بعد إحراق عشرات المنازل في محيط مجمع الشفاء الطبي.
ويوضح الثوابتة: "رصدنا تدمير العديد من
المنازل وحرقها منذ الشهر الأول من العدوان الإسرائيلي، خصوصًا في المناطق
الشمالية التي اقتحمها الاحتلال، وهذه الجرائم كانت تتم وفق تعليمات وأوامر مباشرة
من قيادة جيش الاحتلال للجنود بإشعال النيران في المباني السكنية بالكامل، والكثير
من المنازل يتم إحراقها باستخدام القنابل الحارقة، ما يجعلها غير صالحة للسكن على
الإطلاق".
ويشدد على أن "أعداد المنازل المحترقة على
أرض الواقع أكثر مما تم الإبلاغ عنه، وبناءً على المعطيات والرصد، فقد دمر
الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 60 في المائة من منازل قطاع غزة، ما بين تدمير كلي،
وإصابتها بأضرار بالغة تجعل من الصعب ترميمها، وتظهر صور الأقمار الصناعية حجم
الدمار الكبير، خصوصاً في محافظة شمال القطاع التي دمرت 70 في المائة من منازلها".
يضيف الثوابتة: "واضح تماماً أن قوات
الاحتلال تحرق المنازل انتقاماً من الغزيين، وبهدف إلحاق أكبر الأضرار الممكنة بمن
تبقوا على قيد الحياة، وهي تصدر ما فعلته على اعتبار أنه نصر، كما تحاول إخفاء
الأدلة التي تثبت استخدام تلك المنازل المدنية لأغراض عسكرية، بدليل أنهم فجروا
عدداً من المباني التي استخدموها لتعذيب مئات المواطنين، خصوصاً في شرقي مدينة
غزة. أجبر الاحتلال عشرات آلاف الغزيين على النزوح القسري بزعم أنه يريد الحفاظ
على أرواحهم، لكنه قبل التهجير، اعتقل الآلاف وعذبهم، ثم حرق منازلهم".