كلمة الأمان
العدد 1647 /15-1-2025
سريعاً تمّ انتخاب قائد الجيش، جوزيف عون، رئيساً للبنان يوم الخميس الماضي في التاسع من كانون الثاني الجاري بموافقة 99 نائباً من أصل 128 نائباً أعضاء المجلس النيابي وألقى الرئيس المنتخب خطاب القسم الذي كان واضحاً صريحاً وشاملاً.
وسريعاً أيضاً حصلت الاستشارات النيابية الملزمة وتمّ تكليف السفير نوّاف سلام تشكيل حكومة العهد الأولى على الرغم من اعتراض ضمني من الثنائي الشيعي حيث جرى الحديث عن غدر حصل بحقّهما، وقد لوّح الثنائي بمقاطعة الحكومة المنتظرة، وبالتأكيد عدم منحها الثقة في المجلس النيابي وهو ما يمكن أن يفتح معركة حول ميثاقية الحكومة.
هذه الاعتراضات والمواقف وضعت العهد الجديد برئاسة جوزيف عون أمام تحدّ جديد يُضاف إلى سلسلة التحدّيات التي تنتظره، غير أنّها تحدّيات يمكن تحويلها إلى فرص ليكون لبنان جديداً مختلفاً عن لبنان السابق، ولعلّ ذلك هو التحدّي الأبرز والأساسي.
لقد كان الرئيس جوزيف عون واضحاً في خطاب القسم حيث أكّد على جملة عناوين أبرزها سيادة الدولة على كلّ أراضيها واحتكارها للسلاح دون غيرها، واستقلال القضاء ومكافحة الفساد المغطّى من الطبقة السياسية، وتطبيق القرارات الدولية وفي مقدّمها القرار 1701 ومتفرعاته ذات الصلة؛ كما تماهت كلمة رئيس الحكومة المكلّف، نوّاف سلام، بعد تكليفه تشكيل الحكومة مع خطاب القسم، وأكّدت على المعاني التي وردت في الخطاب، وهذا بحدّ ذاته من التحدّيات المهمّة أمامهما وإذا ما تمكّنا من تنفيذ الخطاب وما ورد فيه سيكون ذلك بمثابة قيامة ثانية للبنان، ولكن تبقى العبرة بالتنفيذ لا بالخطابات.
تحدّي لبنان الجديد هو أن تنتهي حقبة الصيف والشتاء تحت سقف واحد، ومواطنين درجة أولى لا تطبق عليهم القوانين ولهم ميزات حمل السلاح ومخالفة القوانين وغيرها، ومواطنين درجة ثانية يمكن أن يتهموا بالإرهاب وإثارة الفوضى وتهديد السلم الأهلي لمجرد موقف سياسي يمكن أن يتخذوه، وبالتالي يقبعون في أقبية السجون لسنوات دون محاكمات؛ ان تنتهي حقبة الاستقواء على الدولة ومؤسساتها وعلى قواها الأمنية والعسكرية وعلى بقية اللبنانيين، وأن تنتهي أيضاً حقبة تعطيل المؤسسات الدستورية وشلّها لأبسط الأسباب كما حصل مراراً في تشكيل الحكومات أو في انتخاب الرؤساء؛ وأن تنتهي حقبة المحاصصة والزبائنية التي رهنت البلد وربطت مصالح المواطنين بالمنظومة الحاكمة فتمّ إضعاف الدولة لصالح القوى الحزبية والطائفية التي تحكّمت بقراراها. ببساطة إذا ما جرى تنفيذ خطاب القسم ورؤية الحكومة المنتظرة دونما تدخّلات من الخارج أو إملاءات منه، سنكون أمام دولة المواطنة التي ستكون عنوان لبنان الجديد.
التحدّي كبير أمام رئيسي الجمهورية والحكومة، والأمل كبير أيضاً، وهناك فرصة حقيقية لانتشال لبنان من واقعه المتردّي وحالة التشظي التي عاشها لسنوات، بل ربما لعقود، ليكون دولة المواطنة والمواطنية التي ينتظرها الجميع بما في ذلك الذين لم يكتشفوا أهمية ذلك بعد.
|
كلمة الأمان
العدد 1646 /8-1-2025
يتطلّع اللبنانيون إلى جلسة مجلس النوّاب المقرّرة يوم التاسع من كانون الثاني الجاري والمخصّصة لانتخاب رئيس للجمهورية بعد فراغ وشغور في سدّة الرئاسية دخل عامه الثالث، وبعد إفشال قرابة 12 جلسة للانتخاب عبر الانسحاب من الجلسات وإفقادها النصاب القانوني وبالتالي استمرار الفراغ.
لا شيء يوحي بأنّ الجلسة المقرّرة الخميس ستيكون مصيرها مصير الجلسات السابقة، وكذلك لا شيء يشي أنّها ستفضي إلى انتخاب رئيس أيضاً. الأجواء المحيطة بالجلسة والتي تسبقها ضبابية وغير واضحة، لا بخصوص مصير الجلسة وإمكانية الانسحاب منها وبالتالي إسقاط نصابها القانوني، ولا لناحية الشخصية التي يمكن أن تكون في نهايتها الرئيس العتيد المنتظر.
لا شيء قطعي حتى الساعة بالنسبة للقوى السياسية المحلية والكتل النيابية التابعة لها، أمّا بالنسبة للقوى الدولية التي دخلت على خط الوساطة من أجل المساعدة، والتي لا تظهر على أنّها تتدخّل في الشأن الرئاسي اللبناني، غير أنّه من الواضح أنّ بعضها يريد قائد الجيش جوزيف عون رئيساً، وبعضها يريد مدير عام الأمن العام إلياس البيسري رئيساً، وبعضها لا يريد الاثنين إنّما يرغب في إيصال شخصية مدنية من دون أن يفصح عن ذلك، بينما تريد قوى إقليمية أخرى خارج دول الوساطة سليمان فرنجية رئيساً.
بالنسبة للكتل النيابية فهي في حيرة من أمرها، تقول شيئاً وتريد شيئاً مختلفاً. رئيس المجلس النيابي وكتلتته النيابية يقول إنّه يريد سليمان فرنجية ولكنه لا يمانع وصول قائد الجيش غير أنّه يقول إنّ وصوله إلى سدّة الرئاسية يحتاج إلى تعديل دستوري. كتلة الوفاء للمقاومة تريد فرنجية ولا تضع فيتو على قائد الجيش ولكّنها لا تسهّل وصوله. وكذلك القوات اللبنانية لا تمانع وصول قائد الجيش غير أنّها تخفي رفضها بطلب ترشيحه وموافقة الثنائي الشيعي عليه. وحده التيار الوطني الحر، أو ما بقي منه كتلته يرفضون انتخاب قائد الجيش.
الأسماء الأخرى المطروحة أقل فرصة بالوصول ولكنّ ذلك لا يعني انعدامها. فاللواء إلياس البيسري يحظى بموافقة الثنائي الشيعي المضمر، وكذكك التيار الوطني الحر، ولكنه لا يحظى بموافقة القوات وقوى أخرى. وهو يحتاج وفق رأي دستوري إلى 86 صوتاً تماماً كقائد الجيش العماد جوزيف عون، فيما يرى رأي دستوري آخر أنّه بحاجة إلى 65 صوتاً، ويبدو من السهل تأمينها فيما لو انعدت فرص قائد الجيش بشكل نهائي.
هناك أسماء أخرى لها فرصة موازية ومكافئة لفرصة البيسري كما في ترشيح جهاد أزعور ونعمة افرام أو غيرهما، وفرص هذه الأسماء المطروحة تتوقف على مسار الجلسة واتجاهات الكتل النيابية فيها في ربع الساعة الأخير.
الشيء الثابت حتى الآن أنّ المسألة الأولى تتصل بالمحافظة على نصاب الجلسة إذا لم يصار إلى انتخاب رئيس من الدورة الأولى، فعندها يمكن انتخاب رئيس في الدورة الثانية بـ 65 صوتاً.
الأمر الثاني يتصل بحصول قائد الجيش العماد جوزيف عون على 86 صوتاً في الجلسة الأولى ليصبح رئيساً وهذا يتوقف على اتفاق كتلة الرئيس برّي ومعها كتلة حزب الله على ترشيح عون وموافقة القوات على ذلك حيث اشترطت هذا الأمر لدعمه وفق بيان رسمي وألقت بذلك الكرة في ملعب كتلتي أمل وحزب الله. وفي حال لم يتمّ ذلك فإن حظوظ القائد بالرئاسية تتراجع بشكل كبير جداً.
الأمر الثالث إذا ما ذهبت الأمور إلى الدورة الثانية لانتخاب رئيس فإنّ فرص أزعور والبيسري وافرام تكاد تكون متوازية، وتتوقف على تصويت الكتل الرمادية. أمّا في حال قرّرت بعض الكتل الانسحاب من الجلسة وإسقاط نصابها القانوني كما في المرّات السابقة، فإنّ الأمر عندها سيكون مختلفاً وسندخل في أتون تواصل الفراغ، ولكن هذه المرّة قد تكون القوى المعطلّة للانتخاب غير تلك التي عطّلت الانتخاب طيلة الفترة الماضية.
المجلس النيابي والكتل النيابية يوم الخميس على المحك، فإمّا أن تسير العملية الانتخابية واللعبة الديمقراطية وفق المجرى الطبيعي لكل عملية ديمقراطية انتخبابية، وإمّا أن يتواصل الفراغ ومعه الانهيار ومعه يدخل الوطن في أتون المجهول الذي قد يكون من نتائجه فقدان الكيان اللبناني.
|
كلمة الأمان
العدد 1644 /25-12-2024
سريعاً وكعادته قطع وليد جنبلاط الحواجز وعبر نحو دمشق حيث السلطة الجديدة المنبثقة من ثورة الشعب السوري ومعاناته، وهناك وجد جنبلاط نفسه في قصر الشعب حيث غابت الدولة الأسدية التي استحوذت على السلطة والحكم طيلة أكثر من نصف قرن من الزمن، وحضرت الدولة الشرعية (نسبة إلى أحمد الشرع) ولأنّها تمثّل بالحدّ الأدنى ثورة الشعب السوري بانتظار أن تكتمل المرحلة الانتقالية ويتمّ تأسيس دستور جديد، وسلطة جديد منبثقة عن الشعب عبر صناديق الاقتراع لتعزيز شرعيتها وسطلتها على كلّ السوريين.
في قصر الشعب قدّم جنبلاط التهنئة للقيادة الجديدة على إنجاز الهدف الكبير الذي تطّلع الشعب السوري، وأوصى بتحويل ملف الحكّام السابقين إلى المحاكمة، وحتى الدولية، والإبقاء على السجون كما هي حتى تظلّ شاهدة على حقبة من الاستبداد والجريمة المنظمة التي لا ينبغي أن تنساها الأجيال.
وفي قصر الشعب سمع جنبلاط من الشرع أنّ السلطة الجديدة على مسافة من كلّ اللبنانيين، وتريد للبنان الخير والاستقرار والازدهار، ولا تريد أن تتدخّل بشؤونه بل ستحترم سيادته وأمنه واستقراره.
لقد أكّد جنبلاط مرّة أخرى وجديدة أنّه زعيم وطني من الطراز الأول، فهو سبق القيادات الرسمية للدولة اللبنانية إلى دمشق ليفتح طريقاً من أجل علاقات لبنانية سورية تقوم على الاحترام والتعاون، علماً أنّه لا يشغل حالياً أيّ موقع رسمي، بينما تتلكأ الجهات الرسمية حتى الآن في طرْق أيّ باب من أجل تأمين علاقات سورية لبنانية تحفظ أمن واستقرار البلدين ومصالحهما.
وبالتأكيد فإنّ لبنان الذي يرتبط بسوريا بحدود طويلة من الجهتين الشرقية والشمالية، وبعلاقات اجتماعية وأسرية واسعة ومتشعبة، وبتاريخ مشترك من التحدّيات والأهداف والمشتركات، هو بحاجة اليوم إلى ترتيب العلاقة مع السلطة والحكم الجديد في سورية، خاصة وأنّ المرحلة الماضية كانت مرحلة يمكن القول فيها إنّ حلفاء النظام المخلوع كان لهم الكلمة الفصل في السلطة في لبنان، وبالتالي فإنّ البقاء على تلك الحالة سيفقد لبنان الكثير من الخير والمصالح التي ينبغي العمل عليها مع الحكم الجديد.
لقد حملت كلمات القائد العام للإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، رسائل إيجابية عديدة وكثيرة تجاه اللبنانيين، بمن فيهم أولئك الذين انخرطوا في مواجهات وقتال دفاعاً عن النظام المخلوع، فهو تحدث عن علاقة ومسافة واحدة مع كل اللبنانيين ولم يستثن أحداً، وهو تحدّث عن احترام سيادة ومن واستقرار لبنان، ما احترم اللبنانيون أمن وسيادة واستقرار سورية، وهو تحدّث عن طموح لتطوير سورية ولبنان معاً، ولم يتحدّث عن قطيعة أو حساب عن الماضي.
الكرة الآن في ملعب الحكومة اللبنانية، وعليها أن تبادر إلى فتح هذه العلاقة من جديد والعمل على تطويرها، والإفادة من الأجواء الإيجابية المطروحة دون إبطاء، فهذه الدول العربية الشقيقية قد أرسلت وفودها إلى دمشق لترتيب علاقاتها مع أنّ بعضها ليس له حدود مع سورية، بينما نحن وسورية بيننا التاريخ والجغرافيا والمصالح.
أمّا على المستوى الشعبي فإنّ القوى التي انخرطت في قتال الشعب السوري أمام فرصة تاريخية أيضاً لجسر الهوّة وطي صفحة الماضي والانخراط في تسويات ومصالحات حقيقية تعيد ربط ما انقطع غير أنّ ذلك قد يحتاج إلى قرار جريء بتقييم المرحلة الماضية، والاعتراف بثقلها، والتوجّه بنيّة صادقة نحو بناء مستقبل يسوده الأمان والثقة.
|
كلمة الأمان
العدد 1642 /11-12-2024
وحقّق الشعب السوري المجاهد ما كان يتطلّع إليه، وما بذل في سبيله الدماء الزكيّة السخيّة، ونال حريّته بعد إسقاط أعتى نظام عرفته المنطقة، بل ربما العالم في التاريخ الحديث. حقّق الشعب السوري نصره على النظام المخلوع على الرغم من كلّ الدعم والتأييد من منظومات الفساد والاستبداد العالمية، ومن المؤامرات التي اشترك فيها أحياناً الأشقاء والأقرباء أكثر مما شارك فيها الأعداء والخصوم.
لقد سطّر الشعب السوري أروع أنواع الانتصارات بإسقاطه النظام الذي ظلّ جاثماً على صدر السوريين لأكثر من نصف قرن من الزمن، كانت سياسته فيها البطش والتنكيل والإجرام بحق الشعب الذي يعشق الحريّة والكرامة والعزّة.
لقد خرج الشعب السوري في العام 2011 يطالب بإصلاحات بسيطة توفّر له الحدّ الأدنى من الحرية والكرامة والعيش الرغيد، فإذا بالنظام الذي لا يعرف سوى البطش والإجرام واللجوء إلى العنف والقوّة يبطش بالشعب السوري ويرتكب بحقذه ابشع وأروع أنواع البطش لإرهابه وتخويفه وإسكاته وإخضاعه وصولاً إلى استخدام الأسلحة الكيماوية المحرّمة دولياً بحقّه، مدعوماً من كلّ قوى الشرّ في العالم التي إمّا ساعدته تحت عناوين وذرائع مختلفة، وإمّا تغاضت عن أفعاله وإجرامه، وإمّا سهّلت له سبل الإجرام، وإمّا أمّنت له الحماية من العقاب، وإمّا أنّها منعت إسقاطه بألف طريقة وطريقة. لقد أمن ذاك النظام المخلوع العقاب فأسأ التعامل والتصرّف، بل أجرم بحقّ شعبه من دون أن يخشى المحاسبة، والأنكى من ذلك ذهب يروّج مقولته الشهيرة أنّه يواجه حرباً كونية عالمية لأنّه يقف موقفاً مشرّفاً من قضية الأمّة المركزية فلسطين، وتحت هذا الشعار ارتكب مجازره وإجرامه.
غير أنّ الشعب السوري الذي دفع فاتورة عالية من دماء أبنائه، ومن تهجيرهم في أصقاع الأرض، ومن اعتقال عشرات الآلاف منهم في معتقلات الموت كما تكشّف أخيراً بعد إسقاط النظام، أصرّ على المواجهة، ورضي أن يدفع الضريبة، ضريبة التحرّر من هذا الظلم، فأعدّ وجهّز ووضع الخطط والبرامج والتفاصيل الدقيقة لما بعد إسقاط النظام، واغتنم بعد ذلك اللحظة المناسبة ووجّه الضربة القاضية والقاسمة للنظام ولداعميه، فأسقاطه في عشرة أيام كانت كفيلة بنقل سوريا من ضفة إلى أخرى، وكانت كفيلة بتصفية مشاريع عديدة للنيل من الشعب السوري ومصالحه، حتى أنّ كلّ الذين كانوا يقفون خلف النظام ويدعمونه بدأوا يرقصون على أشلائه ويقدّمون أوراق الاعتماد لدى قادة الثورة السورية.
أمّا الحقيقة الأخرى التي انكشفت أيضاً فهي في حماية وحراسة هذا النظام على مدى خمسين عاماً لكيان الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يقلّ إجراماً، فما إنّ تمكّنت فصائل الثورة من تحرير دمشق حتى شرعت قوات الاحتلال الإسرائيلي في قصف ما سمّته الأسلحة الاستراتيجية، ومن بينها الوثائق، حتى لا تقع بأيدي الثوّار وتكون مصدر قوّة لسورية الجديدة.
التحدّي الأساسي الآن أمام السوريين بعد إسقاط النظام هو في بناء دولة حديثة يكون فيها القانون هو الحاكم، وتكون فيها المحاسبة هي الأساس، دول لكلّ السوريين ليس فيها امتيازات سوى على أساس الكفاءة وخدمة سورية. دولة تحتضن قضايا الأمة فعلاً لا شعاراً، وتمارس العدالة الانتقالية وليس الانتقائية.
وأمّا بقية شعوب المنطقة فإنّ الدرس السوري كفيل بإعادة الأمل لهم، وشحذ هممهم من أجل التخلّص من كلّ أنواع الاستبداد والاحتلال لبناء منطقة تسودها العدالة كما كانت على مرّ العصور.
|
كلمة الأمان
العدد 1641 /4-12-2024
مفاجئاً كان هجوم فصائل المعارضة السورية على مدينة حلب والسطيرة عليها في وقت قياسي حتى أنّ بعض المراقبين والمحلّلين أطلقوا على معركة "ردع العدوان" بـ "طوفان حلب" تيمناً وتشبّهاً بمعركة "طوفان الأقصى" التي فاجأت بها فصائل المقاومة الفلسطينية الاحتلال الإسرائيلي.
|
كلمة الأمان
العدد 1638 /13-11-2024
جمعت الريّاض قادة الدول العربية والإسلامية في قمّة غير عادية ضمن ظروف وأوضاع غير عادية تمرّ بها أغلب دول العالمين العربي والإسلامي، خاصة العدوان الصهيوني المتمادي على قطاع غزة والضفة الغربية في فلسطين وعلى لبنان، حيث يرتكب العدوان أبشع أنواع الجرائم والإبادة بحق الفلسطينيين واللبنانيين.
القمّة غير عادية كما أُطلق عليها، ولكن هل القرارات التي خرجت عنها غير عادية بحيث أنّها ستوقف العدوان على فلسطين ولبنان؟! أو ستضع حدّاً له؟
البيان الختامي للقمّة أدان العدوان ورفضه، وطالب الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بالتدخل لوضع حدّ له، وشدّد على الحلّ السلمي على قاعدة إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس، وطالب بإدخال مساعدات إنسانية للأطفال والنساء، ولم يخرج البيان بشكل عام عن هذه العبارات التي لم تحمل للأسف أي قرار فعلي ميداني يجعل الاحتلال يعيد النظر بعدوانه، بل على العكس من ذلك ربما شعر أنّ بإمكانه مواصلة ارتكاب المزيد من المجازر طالما أنّ القمّة لم تتخذ قراراً رادعاً، وطالما أنّ الأمم المتحدة عاجزة عن فعل شيء، والمجتمع الدولي متواطىء إلى أبعد حدّ مع العدوان بل يزوّده بالمال والسلاح.
ربما انتظر أطفال غزة ولبنان من القادة العرب والمسلمين أن يتخذوا قراراً صارماً وقاطعاً يوقف العدو عن غيّه، بل ويحاسبه على ما اقترفت يداه. يسأل هؤلاء الأطفال: عدد المسلمين في العالم أكثر من مليار ونصف مليار مسلم، ومساحة العالم الإسلامي تصل إلى حوالي 37 مليون كيلومتر مربع، والثروات المكنوزة في باطن هذا العالم أكثر من أن تُعدّ وتُحصى: من النفط والغاز إلى المواد الخام الأخرى على أنواعها، إلى المياه، إلى الموقع الجغرافي المتحكّم بكلّ طرق التجارة البريّة والبحريّة والجويّة، إلى الشعوب المسلمة التي ستكون مستعدة لدفع أغلى الأثمان من أجل غزة ولبنان، بل من أجل الإنسان، وهي التي آمنت واعتقدت أنّ "المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص". يسأل الأطفال: هل ينقص القادة المال؟ أم السلاح؟ أم الطاقة البشرية؟ أم ماذا؟ أم ينقصهم القرار السياسي الجريء الذي ينقذ الأطفال من هذه المحرقة والمجزرة التي تلتهم كلّ يوم مزيداً منهم ومن النساء، ويدمّر كلّ يوم مزيداً من البيوت المدن والقرى، ويحرق كلّ يوم مزيداً من الأرض. يقول أطفال غزة ولبنان: ألم يسمع القادة أنّ رئيس حكومة الاحتلال ومن على منصّة المجمتع الدولي الذي يناشدونه، قال ذات يوم إنّه يريد أن يغيّر الشرق الأوسط لصالحه ويقيم فوقه دولته المزعومة "إسرائيل الكبرى"؟! أم أنّهم يرتضون لأنفسهم أن يكونوا في موقع التابع له فيما لو تمكّن من ذلك؟!
شكراً لهم على تجشّم عناء السفر من قصورهم إلى الريّاض، ولكن ليس الإدانة ما كان ينتظره أهالي غزة ولبنان فحسب، بل كانوا ينتظرون قراراً يشبه قرار الملك فيصل رحمه الله على سبيل المثال عندما لوّح باستخدام سلاح النفط واستخدمه؛ أو كالقرار الذي اتخذه الشهيد الرئيس محمد مرسي عندما قال : لن نترك غزّة وحدها وأرسل رئيس حكومته هشام قنديل مع عدد من الوزراء يومها إلى غزة وأوقف العدوان.
على كلّ حال، قرار إدانة العدوان أفضل من السكوت، و"على قدْر أهل العزم تأتي العزائم"، وغداً سيكتب التاريخ وسيُصنّف الناس بين من يستحق أن يدخل التاريخ من بابه الواسع، وبين من سيخرج من التاريخ من بابه الواسع أيضاً. أمّا أطفال غزة وفلسطين ولبنان فيكفيهم عزيمة أولئك الرجال أولي العزم والبأس الذين يكتبون التاريخ ولا يدخلونه فحسب، ويصنعون المستقبل ولا ينتظرونه، وعلى أمل أن يكون مستقبلاً مشرقاً لأطفال فلسطين ولبنان والعالم أجمع.
|
كلمة الأمان
العدد 1637 /6-11-2024
تعيش المنطقة العربية حالة من الركود غير المسبوق مع أنّها تقف اليوم على مفترق طرق يمكن أن يحدّد مصيرها ومستقبلها لنصف قرن أو أكثر من الزمان.
فالنوايا الإسرائيلية بتغيير النظام في المنطقة العربية، بمعنى إخضاع هذه المنطقة للهيمنة والسيطرة الإسرائيلية بات واضحاً ولا يحتاج إلى كبير دليل، ولكن هذا قد يتطلّب إجراء تعديلات سياسية وجغرافية وديمغرافية حتى يتمّ إنجازه وقد اتضح ذلك أكثر من خلال تصريحات بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية حين أعلن بعد تحقيق بعض الإنجازات التكتيكية في حربه على لبنان عن اعتزامه تغيير النظام في هذا البلد كمقدّمة لتغيير نظام المنطقة كلّها؛ وكذلك مت صرّح به وزير ماليته سموتريتش من فرنسا عن نيّة إقامة "إسرائيل الكبرى" الممتدة بين نهري النيل في مصر والفرات في العراق، شاطباً من الخريطة كلّاً من: فلسطين، سوريا، الأردن، وأجزاء من تركيا، مصر، السعودية، الكويت، السودان والعراق.
على الرغم من اتضاح أهداف ونوايا الحرب الإسرائيلية في المنطقة، غير أنّ العرب على مستوى الأنظمة والحكومات وحتى الشعوب ما زالوا وكأنّهم غير معنيين بما يجري، أو كأنّ الذي يجري إنّما يجري على كوكب آخر، أو كأنّ الذي يجري لن يطالهم بشيء! والسؤال، هل للعرب، وهنا أتحدث عن الحكومات والأنظمة تحديداً، هل لهم مصلحة بأن تصبح إسرائيل سيّدة المنطقة المطلقة التي تأمر فتُطاع؟
رئاسة نتنياهو لحكومة إسرائيل لن تدوم إلى الأبد، بل الرجل يمكن أن يمثل أمام القضاء الإسرائيلي في أول لحظة لتوقّف الحرب؛ والفاعلون الرئيسيون في إسرائيل اليوم هم المنتمون إلى التيارات القومية والدينية المتطرّفة التي ترى في الناس التي تملأ المحيط الجغرافي مجرد "غوييم" (حيوانات بشرية خُلقت لخدمتهم)، وحشرات يمكن الدوس عليها في أيّة لحظة دونما أن يهتزّ ضمير أو وجدان لديهم إن وُجد!. ومستقبل إسرائيل السياسي وكما يبدو من خلال نتائج الانتخابات على مدى العقود الأخيرة يقع بيد هؤلاء المتطرّفين أكثر فأكثر، وبالتالي فإنّهم سيكونون صنّاع القرار في دولة إسرائيل المستقبل، والقادة الذين يتخذون القرارات فيها، وهنا لنا أن نتخيّل كيف سيدير "بن غفير" و"سموتريتش" وأضرابهم من المتطرفين القومين والدينيين "إسرائيل الكبرى" فيما لو تمّ لهم السيطرة وإخضاع ما بين النيل والفرات! هل سيكون لأحد من العرب قيمة بنظرهم وهم الذين سيجدون أنفسهم في أعلى قمّة القوّة والزهو؟! هل سيتركون للملوك والرؤساء والأمراء فرصة للتمتّع بالمال والثروات؟ أم ترى يرونهم كما يرون بقية الشعوب العربية "غوييم"؟! وبالتالي لا يستحقّون هذا الاستمتاع بالثروة والسلطة والملك فيعملون على مصادرة أموال وثروات الرؤساء والملوك والأمراء وكل مَن وما يقع تحت يديهم؟
غريب جدّاً حالة الركود التي يعيشها العرب في هذه الأيّام أمام هذه التحدّيات، فالمستهدف أمنهم ومنطقتهم وثرواتهم وأنظمتهم وقواهم الحيّة الشعبية، وكلّ شيء يشي بأنّ له قيمة، ومع ذلك تستمر حالة الركود والركون!!
إنّ ما يجب أن يدركه الجميع أنّهم كلّهم سيكونون ضحايا هذا الاستهداف وهذه المشاريع والخطط الخبيثة والخطيرة، وعليه فإنّ مقاومة غزّة ولبنان اليوم، وبغض النظر عن الموقف من المقاتلين فيها، هي بحقّ مقاومة تدافع عن مصير الأمّة والمنطقة حتى لا تقع بأيدي بن غفير وسمتوتريتش ونتنياهو وأمثالهم، وحتى لا يتحوّل عموم الناس فيها إلى مجرد حيوانات تستحق الموت والدهس كما قال يوماً وزير الجيش الإسرائيلي يوآف غالانت عن أهل غزة.
آن لزمن الركود أن ينتهي، وآن لزمن الحضور أن يبدأ وذلك من خلال إعادة النظر بكلّ شيء. ما زال بيد العرب إمكانيات وفرص لقلب الطاولة على رؤوس كل الطامعين بهم، وأمّا استمرار حالة الركود فسيعني وقوع المنطقة لعقود جديدة بيد أخبث الناس، وحينها لن ينفع البكاء على أطلال القصور والممتلكات.
بيروت في 6/11/2024
|
كلمة الأمان
العدد 1636 /30-10-2024
بات الجميع يعلم ويدرك أنّ الاحتلال الإسرائليي كان يبيّت نيّة سوء وشرّ إلى لبنان من غير انخراط المقاومة في معركة إسناد غزّة، وهو ما كشفه الاحتلال بنفسه وعلى لسان مسؤوليه عندما تحدّثوا أنّهم أعدّوا العدّة كاملة ووضعوا الخرائط والخطط من أجل توجيه ضربة قاسمة للمقاومة وبالتالي إخضاع لبنان، ولعلّ فيما أعلنه وزير الطاقة الإسرائيلي يكفي لكشف هذه النوايا المبيّتة قبل معركة طوفان الأقصى وقبل انخراط المقاومة فيها وذلك عندما تحدّث عن نيّته تغيير اتفاقية الغاز مع لبنان في إشارة إلى اتفاق ترسيم الحدود البحرية وحقل كاريش وحقل رقم 9 الواقعين على طرفي الحدود.
ثمّ وبعد اندلاع المعارك وتمكّن قوات الاحتلال من إحراز بعض الإنجازات التكتيكية التي تمثّلت بشكل أساسي باغتيال أمين عام حزب الله وبعض القيادات في الحزب، كشف الاحتلال مرّة جديدة عن نواياها، وهذه المرّة على لسان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي انتشى بالإنجازات وقال إنّه يعتزم تغيير النظام في لبنان ومنه تغيير النظام في المنطقة كلّها (الشرق الأوسط)، وطلب من المقاومة ومن لبنان الخروج ورفع الرايات البيضاء رايات الاستسلام.
الميدان هو الذي جعل الاحتلال يتراجع عن أهدافه وشروطه ودفعه إلى البحث الجدّي عن وقف الحرب والعمل لتحقيق ما يريده بالدبلوماسية بعد فشله في الميدان والحرب.
فبعد انطلاق المعركة البريّة عند الحدود حيث حشد الاحتلال خمس أو ست فرق عسكرية من أجل اجتياح الجنوب أو على أقل تقدير منطقة جنوب الليطاني، وفي ضوء المواجهة الشرسة والتصدّي الكبير والبطولي لمحاولات الاحتلال، وبعد انقضاء ثلاثة أسابيع على هذه المحاولات حيث لم يتمكّن الاحتلال من السيطرة الكاملة حتى ولو على قرية حدودية واحدة، بل على العكس تحوّلت هذه القرى إلى مقبرة لجيش الاحتلال حيث اعترف بسقوط العديد من القتلى والجرحى من جنوده بشكل يومي في المعركة البريّة، وسُجّل أول فشل له في جبهة جنوب لبنان. وبعد حديث الاحتلال عن تدمير البنية العسكرية الصاروخية لحزب الله بشكل شبه كامل، رأينا كيف أنّ صواريخ المقاومة طالت وبشكل ممنهج ويومي عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة حيث القواعد العسكرية والحسّاسة للاحتلال، وتابعنا كيف تمكّنت القوّة الجوية في المقاومة من استهداف منزل رئيس وزراء الاحتلال في مدينة قيساريا بطائرة مسيّرة وأصابت نافذة غرفة نومه، وكيف تمكّنت أيضاً من إصابة قاعة الطعام في قاعدة عسكرية أساسية قرب تل أبيب أثناء تناول الجنود للطعام ما أدّى إلى مقتل بعضهم وجرح العشرات. في ضوء هذا الصمود الميداني، والإنجازات الميدانية التي حقّقتها المقاومة طيلة شهر كامل من المواجهة البريّة والمفتوحة، بدأنا نرى كيف أنّ الاحتلال بدأ يتراجع عن شروطه وأهدافه، وبدأ يتخبّط في أدائه سوى في استهداف المدنيين لإخضاع المقاومة فاتّبع الاحتلال سياسة الإغارة على المدن والبلدات القريبة من الحدود والبعيدة عنها بذريعة أنّها تشكّل مخازن أسلحة لحزب الله.
الميدان دفع الإدارة الأمريكية التي كانت تدير ظهرها لما يجري، بل كانت شريكة حقيقية فيه، لإرسال مبعوثها الخاص إلى لبنان من أجل البحث في تطبيق القرار الأممي 1701 فحسب، بعد أن كانت متماهية مع أهداف وشروط الاحتلال في اللحظات الأولى للمعركة. كما وأنّ حديث قادة الاحتلال السياسيين والعسكريين باتت تركّز على إعادة سكان المستوطنات وإبعاد حزب الله عن الحدود فحسب دون الحديث عن القضاء على حزب الله ولا تغيير النظام في لبنان أو في المنطقة، حتى أنّ رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي أعلن أنّ الجيش أنجز ما عليه في الجبهة الشمالية وبإمكان المستوى السياسي التفاوض بخصوص الوضع. الميدان والصمود في الميدان وحده الذي أرغم الاحتلال وأعوانه وداعميه على التراجع، وأي تراجع في الميدان سيكون كفيلاً بعودة الاحتلال وداعميه إلى شروطهما السابقة.
على هذا الأساس يمكن القول إنّ ما يضمن مستقبل لبنان وحقوقه وثرواته ليس المجتمع الدولي ولا وعود الاحتلال أو داعميه، ما يحفظ ويضمن مستقبل لبنان وحقوقه وثرواته الميدان وسيظلّ الميدان، وعليه فإنّ لبنان الرسمي والشعبي مطالب اليوم وغداُ بالوقوف خلف الميدان لضمان مستقبل لبنان.
بيروت في 30/10/2014
|
كلمة الأمان
العدد 1632 /2-10-2024
وجّه الحرس الثوري الإيراني وبشكل مفاجىء ضربة صاروخية استهدفت قواعد عسكرية إسرائيلية، جويّة واستخبارية، في معظم الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقال إنّ هذه الضربة تأتي ثأراً لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنيّة، في طهران، واغتيال أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، في بيروت، وردّاً على المجازر الإسرائيلية بحقّ أطفال غزة ولبنان، وهدّد الحرس بضرب البنية التحتية لدولة الاحتلال فيما لو تجرّأت وردّت على الضربة الصاروخية.
دحض الحرس الثوري كلّ الشكوك والنوايا التي اتهمته واتهمت إيران بالتقاعص عن الردّ أو الثأر على كلّ الاغتيالات والجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال، وأراد من خلال الضربة استعادة قوّة الردع التي انتشى بها نتنياهو بعد الجرائم الأخيرة، وألقى الحرس الكرة في الملعب الإسرائيلي لناحية تطوّر الأمور والانزلاق بالمنطقة إلى حرب إقليمية واسعة تغيّر فعلاً وجه المنطقة بشكل كامل.
والحقيقة أنّ رئيس وزراء كيان الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، سعى جاهداً في ضوء فشله في تحقيق أيّ من أهدافه في عدوانه على غزة، سعى إلى إعادة خلط الأوراق في المنطقة، والعمل بشكل حثيث لإدخالها في حرب واسعة تشترك فيها قوى إقليمية ودولية وفي طليعتها الولايات المتحدة الأمريكية، لأنّه كان وما زال يعتبر أنّ الحلّ والخلاص الوحيد له شخصياً، ولكيانه المأزوم هو في إشعال هذه الحرب وإعادة خلط الأوراق، فهل انزلقت إيران إلى تحقيق رغبة نتنياهو في إشعال حرب إقليمية واسعة من خلال إطلاق الصواريخ على القواعد العسكرية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة؟
في ضوء الأحداث والتطوّرات خلال الشهرين الماضيين، إيران وجدت نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما، إمّا أن تظلّ معتصمة بالصمت وبالتالي فإنّ كرة النار ستظلّ تتدحرج صوبها آكلة من رصيدها، وصولاً إلى تجريدها من مكامن قوّتها المتمثّلة بحلفائها في المنطقة، وبذلك ستتحوّل لاحقاً إلى نمر من دون أنياب، وتصبح لقمة سائغة للوحش الإسرائيلي، وبذلك تخسر حلفاءها وتخسر نفسها لاحقاً أيضاً؛ وإمّا أن تذهب إلى الحرب علّها توقفها وتعيد هي أيضاً خلط الأوراق من جديد بما يحافظ على قوّتها وردعها، خاصة وأنّ إيران تدرك أيضاً أنّ الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد حرباً في المنطقة تشغلها وتصرفها عن اهتمامها الأساسي في أوكرانياً حيث يتأهّب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ويتحيّن الفرصة لانشغال أميركا بأيّ ملف من أجل اجتياح أوكرانيا وحتى أوروبا؛ وكذلك الصين التي تتحيّن الفرصة أيضاً لانشغال أميركا من أجل فرض وقائع جديدة في بحر الصين الجنوبي حيث تحتدم المواجهة مع واشنطن بشكل غير معلن.
أمام ذلك قرّرت إيران الذهاب إلى خطوة الردّ الصاروخية الجادّة، لأنّها باتت ضرورة للحفاظ على قوّة إيران ودورها الإقليمي، ولأنّها خطّ الدفاع الأول عن طهران؛ وكذلك فإنّ إيران جادّة أيضاً في تهديدها بضرب البنية التحتية الإسرائيلية في حال ردّ كيان الاحتلال على الضربة الصاروخية حيث أنّ منطق الأمور بالنسبة لإيران لم يعد يحتمل الصمت والانتظار.
بهذا الاعتبار باتت المنطقة الآن مفتوحة على كلّ الخيارات وتنذر بحرب واسعة ومدمّرة تعيد خلط الأوراق ورسم الخرائط من جديد بالفعل، إلاّ إذا عادت وعلت لغة التسويات وتقدّمت على التهديدات، وهذا لن يكون إلاّ حال استشعار الجميع حجم الخسائر التي يمكن أن يتكبّدها كلّ منهم ولا يبدو أنّ ذلك سيكون بسيطاً وسهلاً ومقنعاً في وقت قريب.
بيروت في 2/10/2024
|
كلمة الأمان
العدد 1631 /25-9-2024
تصاعدت بشكل غير مسبوق المواجهات على جبهة جنوب لبنان مع شمال فلسطين المحتلة لتشمل أغلب الأراضي اللبنانية حيث نفّذت قوات الاحتلال الإسرائيلي آلاف الغارات الجويّة على مناطق في جنوب لبنان وفي البقاع وفي الضاحية مخلّفة دماراً كبيراً في الممتلكات والبنى التحتية ومئات الشهداء وآلاف الجرحى. فيما ردّ حزب الله بقصف مناطق في عمق الأراضي الفلسطينة المحتلة قرب حيفا وحتى في تل أبيب، غير أنّه ركّز في الردّ على اختيار وانتقاء المواقع والقواعد العسكرية دون أن تطال أو تضع المستوطنين في دائرة الهدف لأنّ الحزب لا يريد أن يحوّل المعركة إلى معركة مفتوحة، ولا يريد أن يعطي رئيس حكومة الاحتلال فرصة بتحويل المواجهة التي كانت منضبطة بقواعد واضحة تحفظ توازن الردع، إلى حرب واسعة تتورّط فيها دول أخرى في المنطقة وتتحوّل تدريجياً إلى حرب إقليمية بل وربما حرب دولية كبرى.
قوات الاحتلال الإسرائيلي تتدرّج بشكل يومي في تصعيد الموقف وفي أخذ المنطقة إلى مواجهة أكبر وأوسع، وهي تعتبر أنّ خلاص كيان الاحتلال لا تكون في ضوء فشله في حربه على غزة سوى بتوريط المنطقة بحرب واسعة ومفتوحة تكون ضامناً لبقاء هذا الكيان لأنّ بقاء كيان الاحتلال مرهون بشكل واضح بمصالح الدول الغربية وفي مقدمها الولايات المتحدة الأمريكية، غير أنّ كيان الاحتلال أراد من خلال التدرّج في التصعيد محاولة فرض واقع معيّن على حزب الله يدفعه إلى الاستسلام والنزول على شروط إسرائيل ومطالبها، فإذا ما نزل على شروطها فإنّها عند ذلك تواصل عملية الضغط وتزيد من الشروط من دون الذهاب إلى حرب مفتوحة، وإذا ما ظلّ متمسّكاً بموقفه ورفض الاستسلام فإنّ كيان الاحتلال سيزيد الضغط في الميدان تدريجياً وصولاً إلى حرب واسعة ومفتوحة على مصراعيها، وبهذا المعنى فإنّه يمكن القول إنّ الحرب التي يشهدها لبنان حالياً لم ترق بعد إلى درجة الحرب المفتوحة والواسعة وإنْ كانت تأخذ منحى التدرّج بهذا الاتجاه يوماً بعد يوم.
هل يمكن أن يستمر هذا المشهد لفترة زمينة طويلة؟ وما هي خيارات حزب الله في لبنان حيال ذلك؟
بات واضحاً أنّ حزب الله استوعب الضربة المؤلمة التي لم يكن يتوقعها بتفجير أجهزة "البايجر" بأيدي منتسبيه، واسترد زمام المبادرة بشكل بدا واضحاً من خلال ضرب مدينة تل أبيب بصاروخ سكود بعيد المدى حمل رسالة واضحة للاحتلال بأنّه قادر على توسيع رقعة المواجهة واستهداف البنى المدنية كما يفعل الاسرائيلي، وبالتالي فإنّ هذا المشهد لا يمكن أن يستمر بهذا الشكل الذي تقوم فيه حكومة الاحتلال بتوجيه الضربات للمدنيين اللبنانيين، وتحديد قواعد جديدة للاشتباك، دون أن يشرع في توجيه ضربات تعيد رسم القواعد من جديد، وعليه فإنّ المشهد سيذهب في وقت قريب إلى رسم قواعد جديدة تحافظ على توازن الردع، وهذا الشكل سيكون بمثابة استنزاف لكلا الطرفين لأسباب خاصة بكلّ منهما؛ وإمّا أن تتصاعد المواجهات وتأخذ شكلاً أكثر دموية وهذا يعني أنّ فتيل الحرب المفتوحة سيكون سريعاً بحيث يأخذ المنطقة إلى هذه الحرب.
لبنان والمنطقة ومعهما العالم يقفون على حافة لحظة قد تنزلق بهم جميعاً إلى حرب إقليمية ويمكن أن تكون دولية كبرى، ولن يوقف هذه الحرب ولن يحول دونها في ضوء المعطيات القائمة حالياً سوى تراجع الاحتلال عن خططه وبرامجه والقبول والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني بالتحرر وإقامة دولته المستقلة، ويبدو أنّ ذلك بعيد عن التفكير الإسرائيلي حالياً في ضوء الدعم المفتوج غربياً لهذه القاعدة العسكرية المتقدّمة.
بيروت في 25/9/2024
|