هل تقع الحرب الكبرى؟
كلمة الأمان العدد 1658 /9-4-2025

بلغ التصعيد والتوتّر ذروته خلال الأيام الأخيرة على مستوى المنطقة العربية، بل على مستوى العالم أيضاً. فالولايات المتحدة الأمريكية بقيادة الرئيس ترامب تريد أن تنتهي من الملف النووي الإيراني، بل تريد فرض وإحكام السيطرة على المنطقة ونفطها وغازها وثرواتها ومقدراتها لمئة عام قادمة أو أكثر أو أقل. وكيان الاحتلال الإسرائيلي، القاعدة العسكرية المتقدمة لأمريكا، يريد أن يكون شريكاً كاملاً وأساسياً في هذه العملية، والحديث عن الملف النووي الإيراني والتهديد بضربه ليس سوى الشمّاعة التي يجري التعليق عليها، والتلطّي خلفها بهدف استكمال المخطط الذي تحدّث عنه نتنياهو في أواخر أيلول/ سبتمبر من العام 2024 عندما اغتال زعيم حزب الله في لبنان، وقال يومها إنّه سيغيّر النظام في لبنان ومنه في المنطقة بشكل عام. ترامب أرسل رسالة عبر سلطنة عُمان إلى الإيرانيين وأعطاهم فيها مهلة شهرين لتسوية ملفات: النووي، والصواريخ، والنفوذ في المنطقة، وإلاّ الضربة العسكرية؛ وأرفق ذلك باستعدادات عسكرية حقيقية حيث حرّك طائرات استراتيجية وبوارج وحاملات طائرات إلى المناطق المحيطة بإيران وإن كانت تقع على بعد آلاف الأميال عن الأراضي الإيرانية. وكيان الاحتلال الإسرائيلي استأنف عدوانه على قطاع غزة وأطاح باتفاق وقف إطلاق النار وإطلاق الأسرى، كما عاود اعتداءاته على لبنان وسورية بهدف تقويض أيّة مساعي وجهود يمكن أن يقوم بها أيّ طرف تؤثّر لاحقاً على تحركاته فيما لو اعتزمت الولايات المتحدة توجيه ضربة لإيران. عملياً الكيان الإسرائيلي تولّى عملية تسديد الضربات المستمرة لحلفاء إيران بهدف منعهم من التحرك المجدي والفعّال في حال قرّرت الولايات المتحدة توجيه الضربة. والقيادتان العسكريتان الأمريكية والإسرائيلية عقدتا سلسلة اجتماعات مطوّلة قبل أيام قليلة قد تكون بهدف وضع اللمسات الأخيرة على أيّ تحرك عسكري جدّي وحقيقي تجاه إيران. وبالطبع فقد ردّت إيران على الرسالة وعلى التهديدات وعلى التحركات برسالة جوابية وبتهديدات مضادة وبتحركات ميدانية، ولكن الجميع بات يدرك أنّها لم تعد بمستوى التهديدات والتحركات والتهديدات التي كانت تمتلكها من قبل تلقّي حلفاء إيران في المنطقة الضربة القويّة خلال العام الماضي. هل تقع الحرب الكبرى؟ ليس بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية وكيان الاحتلال الإسرائيلي فحسب؟! بل حتى بين دول أخرى في المنطقة والعالم ستجد نفسها معنيّة بالدخول فيها أو الانزلاق إليها، خاصة في ظلّ الحرب الأخرى التي يشنّها ترامب على مختلف دول العالم والمعروفة بـ "حرب الجمارك" التي يفرض فيها ترامب المزيد من الجمارك على الدول الأصدقاء والأعداء لأميركا على حد سواء. ترامب يتقن لعبة الذهاب في مفاوضاته إلى حافة الهاوية، كما يتقن سياسة رفع سقف المطالب والشروط للحصول على المكاسب بأقل الأثمان. وإيران ليست أقلّ خبرة من ترامب في هذا المضمار بل تكاد تكون سيّدة من أتقن هذه السياسة وأدّاها، ولذلك فإنّها لم تصدّ دعوة ترامب للمفاوضات، ولم ترفض شروطه ومطالبه مرّة واحدة، بل على العكس بدأت رحلة تفكيك هذه الشروط، وتمييع المطالب على أمل أن تتجنّب المواجهة المكلفة لأنّها فقدت الكثير من عناصر قوّتها، وأن تحتفظ بدور وحضور وإن كان لا يرقى ولا يصل إلى نصف ما كان عليه قبل شهور وليس سنوات. أمّا كيان الاحتلال، خاصة بقيادة نتنياهو ولاعتبارات عديدة، فإنّه معني بشكل جدّي بتوجيه ضربة عسكرية لإيران تضع حدّاً للملف النووي، ولمسألة الصواريخ والنفوذ في المنطقة لأنّ من شأن ذلك أن يُطلق يد كيان الاحتلال في المنطقة بشكل كامل. ماذا عن مفاوضات يوم السبت بين الولايات المتحدة وإيران في عُمان؟ التقديرات تشير إلى أنّ ترامب لا يريد حرباً بل يريد التزاماً إيرانياً بشروطه ومطالبه؛ وإيران لا تريد حرباً أيضاً بل تريد النجاة من هذه المصيدة والخروج منها بأقل الأضرار، فالحفاظ على الدولة في هذه المرحلة، بالنسبة لهم، أهم بكثير من نشر الثورة، ولذلك قد تقدّم إيران تنازلات غير منتظرة أو متوقّعة لتفادي الضربة العسكرية مع الحفاظ على الصوت العالي والمرتفع في مواجهة أميركا، ولعلّ مسؤوليها بدأوا يتحدثون عن الاستعداد لتقديم بعض التنازلات في سياق تفريغ القوّة العسكرية الأمريكية من مضمونها. تبقى الخشية من أمر آخر وهو أن يكون "الطبل والزمر في مكان والعرس في مكان آخر"، بمعنى أن تكون الخشية من حرب كبرى مع إيران فإذا بها تكون حروب موضعية على حساب دول وشعوب أخرى في المنطقة أولهم العرب والأتراك.

الرهان على الحماية الدوليّة!
كلمة الأمان العدد 1657 /26-3-2025

استمر الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه على الشعبين اللبناني والفلسطيني على الرغم من اتفاقي وقف إطلاق النار في لبنان وفلسطين. ففي لبنان لم يتوقف الاحتلال عن ممارساته العدوانية ولو ليوم واحد منذ الاعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار وانسحابه من الجنوب؛ فهو لم يوقف إطلاق النار وظلّت مسيّراته تغير على اللبنانيين تحت حجّة وذريعة أنّهم قاموا بأعمال تشكّل خطراً على الاحتلال، ولم ينسحب من كلّ الأراضي اللبنانية بل ثبّت احتلاله لخمس تلال حاكمة على أقلّ تقدير في الجنوب، ورفض الانسحاب منها على الرغم من مناشدات الحكومة اللبنانية لرعاة وقف إطلاق النار التدخّل من أجل إقناعه بالانسحاب. وفي غزة الوضع ليس أفضل حالاً فقد استمر الاحتلال بعدوانه على الشعب الفلسطيني الأعزل، وقتل في ليلة واحدة من الغارات الحربية التي شنّتها الطائرات أكثر من خمسماية فلسطيني في المخيمات والمباني السكنية وحتى في المشافي ومناطق الإيواء؛ وهو مستمر بجريمته يومياً حيث يسقط كلّ يوم عشرات الشهداء، حتى أنّه استهدف بشكل مباشر بإحدى غاراته مبنى للصليب الأحمر الدولي غير آبه بما يمكن أن ينتج عن ذلك، لأنّه بكل بساطة أمن أيّ عقاب، وعلم أنّ الحديث عن مجتمع دولي، وعن قانون دولي يُطبّق على الضعفاء والفقراء وغير أولي القوّة، أمّا هو وأسياده ورعاته فهم المجتمع الدولي، وهم من صنع القانون الدولي، وقد صنعوه لخدمتهم ليس لإقامة العدالة وإنصاف المظلومين في هذا العالم. يخرج بيننا من يراهن على المجتمع الدولي والأمم المتحدة والقانون الدولي من أجل حمايتنا من غطرسة الاحتلال وممارسته، ويدعو إلى تجريد مجتمعنا من كلّ عناصر وأسباب القوّة التي يمكن أن تشكّل توازناً، ولو بالحدّ الأدنى، يجعلنا نشعر بالأمن والاستقرار النسبي، ويطالبنا بالخضوع لإرادة الاحتلال والتغاضي عن ممارساته واللجوء إلى المجتمع الدولي وقانونه ومنظماته، ونحن أمام أمثلة شاخصة لعجز المجتمع الدولي عن القيام بأدنى دور ومسؤولية في حماية المدنيين، وفي تأمين حقوقهم التي أقرها هو نفسه، وفي الضرب بيد من حديد على أيدي العابثين بالاتفاقات التي تمّ التوقيع عليها برعاية ووساطة المجتمع الدولي، فهل أمّن هذا المجتمع الحماية والرعاية والعناية للمدنيين؟ ها هو الاحتلال الإسرائيلي يرتكب المجازر بحق الفلسطينيين واللبنانيين، ويخرق الاتفاقات في فلسطين ولبنان وحتى في سورية، ويهدّد أمن مصر والأردن والخليج العربي، دون أن يقيم أيّ اعتبار للمجتمع الدولي والقانون الدولي! ها هو الاحتلال الإسرائيلي يريد أن يفرض قانونه الخاص الذي يسمح له بتسيّد المنطقة على حساب أهلها وشعوبها، فأين المجتمع الدولي، والقانون الدولي، والأمم المتحدة؟! بصراحة الرهان على كلّ هؤلاء لا يسمن ولا يغني من جوع، وليس سوى عملية خداع لشعوبنا التي تُساق إلى المقصلة الإسرائيلية سوقاً. قد يقول قائل: وما هو البديل في ظلّ موازين القوى القائمة والمائلة لصالح الاحتلال ورعاته؟ ويضيف: هل من خيار آخر متاح غير الرهان على المجتمع الدولي وقانونه؟ نعم هناك، خيار المواجهة ولو بالحدّ الأدنى من دون إهمال أيّة وسيلة أخرى تشكّل ضغطاً ولو جزئياً وبسيطاً على الاحتلال ومنها المجتمع الدولي وأدواته، ولكن من دون إسقاط خيار المواجهة كلّياً. وإذا كان خيار المواجهة في مرحلة من المراحل صعباً ومكلفاً فهذا لا يعني الاستغناء والتخلّي عن أدوات القوّة بشكل كامل، فهذه الأدوات، على بساطتها وبدائيتها، شكّلت لنا ذات يوم فرصة حقيقة تمتّعنا فيها بشيء من الاستقرار وشعرنا معها بشيء من العزّة والكرامة والقوّة، فقد كان أهل الجنوب يعيشون في قراهم الحدودية المحاذية إلى الشريط الحدودي دون خوف أو قلق، وكان أهالي غزة يشعرون بالثقة والعزّة ومواجهة الاحتلال على الرغم من الحصار الجائر والظالم الذي كان وما زال مفروضاً عليهم. أمام الواقع الذي نعيشه ونراقبه ونتابعه، وأمام عجز وفشل المجتمع الدولي حيث تحوّل هذا العالم إلى ما يشبه الغابة التي تسودها شريعة القوّي الذي يأكل الضعيف، لا يمكن الرهان على هذا المجتمع ولا على قانونه، ولا يمكن إسقاط عناصر القوّة المتبقية في أيدينا، نحن أبناء هذه الأرض وهذا الشرق، كما لا يمكن الذهاب إلى مواجهات مفتوحة من دون حسابات دقيقة، بل العمل وفق هذه الحسابات وصولاً إلى حصول متغيّر يسمح بإعادة الأمور إلى نصابها والحقوق إلى أهلها.

الهروب إلى الأمام باستغلال الدماء!
كلمة الأمان العدد 1656 /19-3-2025

استفاق الناس في المنطقة العربية على جريمة ومجزرة جديدة اقترفها العدو الإسرائيلي بحقّ أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة عندما غدر بالمدنيين الآمنيين وتسلّلت طائراته الحربية وسط الظلام ليلة الاثنين - الثلاثاء لتلقي حمماً من النار والحديد على الفلسطينيين وهم ينامون مع أبنائهم في تلك الخيم التي لم يعرفوا سبيلاً للحصول عليها وهي بالكاد تأويهم من برد الشتاء. أغار عليهم وأعمل فيهم صواريخه الثقيلة والكبيرة مخلّفاً أكثر من أربعمئة شهيد من الأطفال والنساء والعزّل، وليأتي بعد ذلك المجرم ويتحدّث عن أنّ ذلك ليس سوى مجرد بداية فحسب. ارتكتب الاحتلال جريمته تحت ذريعة وحجّة إطلاق سراح الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية، وقتل هذا العدد الكبير من الشهداء، فهل يحقّ للأسرى أن يعيشوا بنعيم وحريّة ولا يحقّ للفلسطينيين أن يعيشوا بالحدّ الأدنى من مقوّمات الحياة الكريمة؟! هل أنّ حياة الأسرى الإسرائيليين أثمن من حياة الفلسطينيين؟! يبدو أنّ ذلك مقبولاً عند ما يُعرف ويُسمّى بـ "المجتمع الدولي" والأمم المتحدة، وإلاّ كيف يسمح هذا "المجتمع" الذي يتغنّى بحقوق الإنسان بهذه الجرائم الفظيعة ولا يُحاسِب عليها؟! الحقيقة أنّ الاحتلال الذي ارتكتب هذه المجزرة الجديدة وقتل هذا العدد من الشهداء عبّر كما كلّ مرّة عن نواياه تجاه شعوب المنطقة بشكل عام، وكشف مرّة جديدة، لمن لم يكتشف بعد، عن وجهه القبيح، وحجم وكميّة الحقد والكراهية التي يحملها في قليه تجاه العرب والمسلمين من أبناء الأرض، فضلاً عن إقراره بالفشل الذريع في كلّ ما قام به لتحقيق أهداف حربه وعدوانه على غزّة، وما المجزرة الأخيرة إلاّ حالة تعبير عن إنكار و"هروب إلى الأمام" بعد إخفاقه في الضغط على المقاومة الفلسطينية لدفعها لتقديم تنازلات تقضي على مستقبل الشعب الفلسطيني، ولكسر إرادة هذا الشعب الذي وقف إلى جانب مقاومته على الرغم من حجم الثمن الذي دفعه جراء هذا الصمود والموقف. المجزرة هي حالة "هروب إلى الأمام"؟! نعم ذلك، بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى، وهي استغلال رخيص لدماء الفلسطينيين من أجل تحقيق أهداف سياسية خاصة وشخصية لقادة كيان الاحتلال وهو ما صرحّت به ما تُسمى عندهم بـ "المعارضة"، وقد ظهر ذلك من خلال عودة السياسي المتطرف، إيتمار بن غفير، إلى الحكومة وهو الذي كان يشترط استئناف الحرب والعدوان على غزة من أجل العودة إلى الحكومة. في مقلب آخر من حدود لبنان الشرقية والشمالية تجري حالة هروب أخرى إلى الأمام ولكن بشكل مختلف وعناصر مختلفة. قبل أيام فُتحت الجبهة الشرقية مع الجيش العربي السوري وحصلت اشتباكات وتبادل لإطلاق النار عبر الحدود سقط فيها عدد من أفراد الجيش السوري. جرى تبادل الاتهامات بالمسؤولية عن هذه المواجهات والاشتباكات. الفاعل من الجانب السوري معروف ولا ينكر عمله، وهو الجيش والقوات المسلحة السورية. أمّا من الجانب اللبناني فالمشهد مختلف، الجيش اللبناني ليس عنصراً أساسياً في المشهد، بل يعمل على ضبط الوضع من خلال الإجراءات الميدانية من ناحية والاتصالات السياسية مع الحكومة السورية من ناحية ثانية. الفاعل من الجانب اللبناني غير معروف حتى الآن؛ حزب الله نفى مسؤوليته عمّا يجري، والحديث يجري عن عشائر تارة، وعن رعاة ماشية تارة أخرى، وعن مهرّبين وفلول للنظام السوري مرّة ثالثة، "والطاسة" يظنّ البعض أنّها "ضائعة" ولكن الحقيقة يعرفها الجميع ولا تحتاج إلى دليل، فهي من الأشياء التي "دليليها منها وفيها". الحقيقة أنّ هناك ممارسة لحالة إنكار و"هروب إلى الأمام" تماماً كما في حالة غزّة، بعد الفشل والإخفاق وعدم الاعتراف بالواقع الجديد، والذهاب نحو خلط الأوراق حتى لو أدّى ذلك إلى إحراق "البصرة" بما فيها ومن فيها. هناك من يريد أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء، وهي لن تعود، لأنّها بعكس الطبيعة وبعكس نواميس الحياة، ولذلك قد تكون الأثمان كبيرة وضخمة، وقد يكون المستقبل ثقيلاً على الجميع. على كلّ حال، حالات الهروب إلى الأمام لا تلغي الحقائق ولا تُخرج من الأزمات، هي مجرد أوهام يعيشها أصحابها إلى حين، ولكنّهم لاحقاً يدفعون بسببها أثماناً طائلة وكبيرة جدّاً، ولكنّهم لا يدركون.

هل تجاوزت المنطقة فصول التقسيم والانفصال؟
كلمة الأمان العدد 1655 /12-3-2025

أعمال الفوضى والتخريب، بل ربّما محاولة الانقلاب أو الانفصال الفاشلة التي قام بها فلول النظام السوري السابق في منطقة الساحل السوري باءت بالفشل الذريع وولّت إلى غير رجعة، بل على العكس من ذلك فقد كانت سبباً مباشراً لفكفكة عُقد كانت ما تزال تعيق انطلاق قطار نهضة سورية الحديثة، حيث كان من نتائج ذاك الفشل لتلك المحاولة توقيع اتفاق بين الحكومة السورية بدمشق و"قوات سورية الديمقراطية" في شمال شرق البلاد بحيث تنخرط هذه القوات مدنياً وعسكرياً واجتماعياً وسياسياً في الدولة السورية الجديدة، وينتهي بذلك كلّ حديث عن انفصال أو تقسيم، وتخضع بذلك كلّ الجغرافيا السورية لسيادة وسيطرة الحكومة في دمشق. كما كان من نتائج فشل تلك المحاولة الاتفاق مع وجهاء محافظة السويداء من أبناء الطائفة الدرزية على الانضمام الكامل إلى الدولة بعدما كانت فكرة الانفصال أو على أقلّ تقدير فكرة "الفدرلة" تراود عقول البعض من أبناء المحافظة في مقابل تمسّك قسم كبير منهم بالدولة ومرجعيتها. هل يمكن القول في ضوء ما حصل حتى الآن إنّ فكرة الانفصال والتقسيم سقطت في سورية، وبالتالي في كلّ المنطقة؟ لا شكّ أنّ النوايا التي ظهرت خلال الفترة الأخيرة بالانفصال والتقسيم أصيبت بخيبة كبيرة، سواء لدى أطراف في الداخل أو في سياسات حكومات الخارج، وليس في سورية فحسب بل في بقية دول المنطقة، لكنّ ذلك لا يعني أنّها انتهت وتلاشت للأبد، فأصحاب تلك النوايا في الداخل ما زالوا حاضرين في المشهد، وتلك النوايا لدى بعض راسمي السياسات في الخارج لم تتغيّر بعد، غير أنّ الواقع الحالي لم يعد يسمح لهم بتحويل تلك النوايا إلى أمر واقع حقيقي، وبالتالي فقد باتت هناك صعوبة كبيرة حالياً في الذهاب إلى خيارات التقسيم والانفصال، وقد كان للموقف الرسمي والشعبي السوري دور أساسي في إفشال ذلك في سورية وفي المنطقة كما جرى الإشارة إلى ذلك من قبل. الصراع في المنطقة وعليها لن ينتهي، خاصة وأنّ ساحات أخرى ملتهبة بشكل كبير كما في فلسطين، وهي متصلة بمختلف الساحات الأخرى التي تشهد شدّاً وجذباً، والتداخلات الإقليمية والدولية كبيرة وواسعة ومتشعبة؛ ويريد بعضها إحكام السيطرة على المنطقة بشكل كامل وإخضاعها لهيمنته وجبروته، ويريد بعضها الآخر استغلالها لمصالحه الخاصة وفي إطار تكريس دوره في المنطقة أو حماية مصالحه أو استخدامها كورقة للتفاوض من أجل الكسب والبيع والشراء؛ ويريد بعضها الثالث تقسيمها وتقزيمها من أجل أن يسهل هضمها والتحكّم بثرواتها وأبنائها. بمعنى آخر فإنّ منطقتنا العربية التي تقع في قلب العالم، وتطلّ على أغلب الممرّات البحرية التي تتحكّم بالتجارة الدولية البحرية، وترقد على ثروات نفطية وغازية هائلة لا غنى للعالم عنها، اليوم هي مسرح الأحداث والغنيمة التي يتقاتل عليها الآخرون ويحاولون استغلالها ونهبها. إنّ الحاجة باتت اليوم ماسّة جدّاً لتفاهم وتفهّم وتكامل عربي وإسلامي في المنطقة يحميها من اللصوص العالميين، الذين يخطّطون لها ويكيدون لشعوبها وحكوماتها على حدّ سواء، وقد آن الآوان للخروج من الحسابات الضيّقة ومشاريع الهيمنة والتوسّع تحت أي عنوان، فرقاب الجميع باتت تحت المقصلة، والاستهداف لا يستثني أحداً على الإطلاق، ولعلّ في وضوح سياسات الرئيس الأمريكي الذي تحدّث عن تهجير أهل غزّة إلى مصر والأردن، وحديث رئيس وزراء كيان الاحتلال الإسرائيلي عن إلقاء الفلسطينيين في السعودية، ما يكشف كل النوايا الدفينة للمشاريع التي تريد النيل من منطقتنا وأمتنا؛ وعليه فإنّ التكامل والتفاهم والتفهّم مطلوب للتصدّي لكل من يريد النيل من هذه الأمّة. وبالعودة إلى ما جرى في سورية خلال الأحداث الأخيرة في الساحل، فإنّ بعض الدول لم تستوعب بعد الأحداث والتطوّرات والمعادلات الجديدة التي نشأت؛ ربما تريد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وهي لن تعود، وربما تريد الدخول من جديد في رهانات خاسرة جرّت عليها خسائر فادحة وكبيرة، وهذه الرهانات لن تجدي نفعاً لأنّها معاكسة لمنطق الطبيعة، وبالتالي فإنّ الخسائر ستكون أكبر بكثير، هذه الدولة عليها أن تتصالح مع نفسها، ومع محيطها العربي الإسلامي حتى تنتمي إلى منظومة التفاهم والتفّهم والتكامل التي تحفظ المنطقة لشعوبها وأبنائها وتقطع الطريق على أيّ استغلال من خارجها. في ضوء إفشال السوريين لمحاولة تقسيم المنطقة بدءاً من سورية، هناك فرصة تاريخية للجميع للم الشمل وقطع الطريق على كلّ السياسات التي تريد أن تتحكّم بالمنطقة وتعمل على نهبها.

رهانات خاسرة !
كلمة الأمان العدد 1654 /5-3-2025

الأيام القليلة الماضية كانت حافلة بالتصريحات والمواقف الإسرائيلية التي يهدف كيان الاحتلال من خلالها إلى فرض رؤيته على المنطقة على اعتبار أنّه حقّق إنجازات كبيرة، سيّما في لبنان، بعد عدوانه على هذا البلد، وبعد إسقاط نظام الأسد في سوريا وشعور رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، بأنّ الفراغ الذي تعيشه الشام يسمح له بفرض هذه الرؤية، خاصة وأنّه شنّ سلسلة من الغارات الحربية منذ الثامن من كانون الأول / ديسمبر 2024 على المواقع والأسلحة الاستراتيجية التي كانت بحوزة النظام المخلوع حتى لا تقع بأيدي الحكم الجديد، ولم يلق أيّ ردّ مناسب لأنّ أولويات الحكم الجديد الآن هي ترسيخ الأمن والاستقرار الداخلي لأبناء الشعب السوري. يخشى نتنياهو الحكم الجديد في سوريا لأنّه يحمل فكرة تحرّرية لأبناء هذا البلد، وربما لأبناء المنطقة لاحقاً، ويدرك نتنياهو أنّ خدمات النظام السابق انتهت إلى غير رجعة، وبالتالي فإنّ خشية نتنياهو تتعاظم مع كل يوم يمضي ويستقر فيه الحكم الجديد، ولذلك يحرص على العمل من أجل عدم تمكين هذا الحكم من الاستقرار، بل الذهاب أبعد من ذلك ناحية تقسيم سوريا إلى كيانات طائفية أو عرقية متنازعة ومتقاتلة، ولتكريس هذا الأمر أعطى الأوامر لجيشه بالتقدّم في الناحية السورية من جبل الشيخ، والدخول في بعض مناطق جنوب سوريا في القنيطرة ودرعا، وصرّح بأنّه لا يسمح بالاعتداء على "الدروز" تحديداً في "السويداء" أو حتى في "جرمانا" بريف دمشق، وأنّه سيكون الحامي لهم. الحقيقة أنّ نتنياهو لا يريد سوى مصالحه الشخصية الخاصة، ولا يستطيع أن يحمي نفسه فضلاً عن أن يحمي غيره، فها هو قد دمّر غزّة، ولكن لم يحقّق أيّ هدف من أهدافه فيها، ولم ولن يجرؤ مستوطن واحد أن يعود إلى مستوطنات الغلاف، ولا يثق مستوطن واحد بما يقوله نتنياهو أو يتعهّد به. ألم يفعّل قانون "هنيبعل" لقتل الجنود الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية كي يتخلّص منهم؟! هل فكّر بحمايتهم؟ هل فكّر بالعمل لإطلاق سراحهم بطرق تحفظ حياتهم؟! لم يفعل أيّ من هذا، بل على العكس أراد التخلّص منهم للتخلّص من ضغط أهلهم وذويهم. فهل المتخلّي عن جنوده الذين يقاتلون في الميدان دفاعاً – كما يعتقدون عن دولتهم –سيحمي ويحفظ غيرهم؟! إنّ كلّ ما يقوله أو يقوم به نتنياهو أو حتى كيانه المزعوم ليس سوى استخدام مكوّنات أبناء المنطقة من الدورز وغيرهم بهدف تحقيق مصالحه الشخصية أولاً وقبل كلّ شيء، ومن ثمّ أهداف كيانه في الهيمنة والسيطرة على المنطقة والاستبداد بها، وهو ما أشار إليه وحذّر منه الزعيم الوطني والعروبي وليد بك جنبلاط. والحقيقة الثانية أنّ كيان الاحتلال الإسرائيلي الذي يريد أن يرمي أهل غزّة والضفة الغربية وربما الداخل الفلسطيني من خلال خططه وبرامجه ومشروع يهودية الدولة، خارج فلسطين، لن يستقدم إلى دولته المزعومة أيّ مكوّن آخر، ولن يمنح حصانة لأيّ مكوّن آخر، بل على العكس من ذلك سيستعدي العرب حتى أولئك الذين كانوا يسيرون معه في ركاب التطبيع، لأنّهم بدأوا يستشعرون خطره عليهم، وبالتالي لن تكون مشاريعه سهلة التحقّق ولن تكون الأبواب مشرّعة أمامها. إنّ كلّ رهانات الاحتلال على استخدام بعض مكوّنات سوريا أو المنطقة بشكل عام لتكون في خدمة مشاريعه وخططه ستفشل وستكون خاسرة وخائبة. إنّ المستوطنين في فلسطين لم يعد لديهم ثقة بالاستمرار وبالبقاء في هذه الأرض المقدّسة، وبالتالي فإنّ قدرته على حماية غيره هي سراب بسراب، وهي من ضروب المقامرة التي تحاول أن تستغل بعض المكوّنات المذهبية والعرقية في المنطقة لصالح مشاريعها الخاصة ومن ثم التخلّي عنها عند أول منعطف. أمّا بعض الرؤوس الحامية والمراهنة على دعم الاحتلال، أو حتى على دعم داعم الاحتلال في واشنطن، فإنّي أحيلكم إلى مشهد لقاء الرئيس ترامب بالرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلنسكي، الذي كان عاصفاً وصل به الحدّ قيام ترامب بتوجيه صفعة قوّية من يده اليمنى إلى خد ورقبة الرئيس الأوكراني، هل شاهدتم المشهد؟! ألا تخشون أن يصيبكم بعض الذي أصاب زيلنسكي الحليف الأبرز والأقوى لواشنطن؟! إلى أولئك في سوريا أو في جبل لبنان من الذين يستنجدون بالإسرائيلي أو يراهنون عليه أو يظنّون أنّه سيحميهم؛ لا تراهنوا على فرس خاسرة، لا تراهنوا على مقامر مستعد للتخلّي عن كلّ شيء أمام مصالحه الخاصة، لا تغترّوا بقوّة وجبروت سلاح الطيران، فإنّه وإن دمّر لكنّه لا يحسم الحرب، وحده الميدان هو الذي يحسم وسيظل لأهل الأرض، لا تخطئوا التقدير وتُوقِعوا بأهلكم في الهلاك، فالمنطقة ما زالت تتسع للجميع، ودوركم وحقّكم محفوظ فلا تتخلّوا عنه وكونوا شركاء في بناء سورية ولبنان والمنطقة لتكون لكلّ أبنائها، والكيّس من اتعظ بغيره.

جلسة مناقشة البيان الوزاري .. نسمع جعجعة ولا نرى طحيناً!
كلمة الأمان العدد 1653 /26-2-2025

الجميع يدرك أنّ حكومة الرئيس نوّاف سلام ستنال ثقة المجلس النيابي لسبب بسيط وهو أنّها صورة مصغّرة عن المجلس النيّابي لأنّها تشكّلت وفق منطق المحاصصة بين القوى السياسية الممثّلة في المجلس النيّابي، ولذلك داعي للقلق لناحية الثقة التي سيمنحها المجلس للحكومة، وقد رأينا على سبيل المثال لا الحصر أنّ أكثر القوى السياسية والنيّابية ديها حساسية من الحكومة ورئيسها، وهي كتلة الوفاء للمقاومة، أعلن رئيسها النائب محمد رعد أنّ الكتلة تمنح الحكومة الثقة انسجاماً واحتراماً لوجود ممثلين لكتلة الوفاء للمقاومة في الحكومة، وعلى هذا المثال يمكن القياس مع الكتل النيّابية الأخرى المشاركة في الحكومة بطريقة من الطرق. على هذا الأساس ليس هناك هلع أو خوف لدى الرئيس سلام ووزرائه من حجب الثقة عن الحكومة، حتى أنّه عندما سمع رئيس تكتل لبنان القوي، جبران باسيل، يحجب ثقة التكتل عن الحكومة، ويصرّح بندمه لأنّه سمّاه لرئاسة الحكومة، لم يأبه الرئيس سلام لهذا القول وأشار بيده إلى أنّه لا يبالي بما يقوله رئيس التكتّل. وإذا كانت ثقة المجلس النيّابي للحكومة مضمونة، وإذا كانت القوى السياسية النيّابية المشاركة في الحكومة ستمنحها الثقة، فلماذا كلّ هذا الوقت والضجيج والمواقف العالية السقف والنبرة التي يصرّح بها بعض النوّاب من الذين يختمون كلمتهم أمام المجلس وأمام الرأي العام اللبناني بمنح الثقة للحكومة؟! لماذا كل هذا القلق الذي ينشرونه في أوساط الرأي العام اللبناني ثم بعد ذلك يمنحون الحكومة الثقة؟! لقد تحوّل منبر المجلس النيابي إلى منصة للمزايدات وحتى الكذب على الرأي العام اللبناني وخداعه بتصريحات ومواقف زائفة سرعان ما تتبخّر في نهاية الكلمات، وليس لها هدف إلاّ تشويش الرأي العام وإلهائه وصرف اهتمامه عن القضايا الأساسية الحقيقية. بل تحوّل منبر المجلس إلى فرصة لمخاطبة الرأي العام اللبناني بهدف اختطافه من جديد على أبواب الانتخابات البلدية في أيّار المقبل، والانتخابات النيابية في أيّار من العام 2026، حتّى صحّ القول في كلّ ما يجري في المجلس النيابي "نسمع جعجعة ولا نرى طحيناً"، بمعنى هناك قرقعات وأصوات عالية وتصريحات كبيرة ولكن ترجمتها العملية تساوي صفراً. آن الآوان للنوّاب والكتل النيّابية أن تحترم عقل الرأي العام، وآن للرأي العام أن يستوعب ويعي ما يجري لأنّ ذلك لا يخرج عن إطار المسرحيات التي لا تسمن من جوع. أمّا البيان الوزاري للحكومة فإنّه لم يخرج عن إطار المعهود والكلام المسعول والملغوم، ولم يأتِ بأيّ جديد مختلف عن بيانات الحكومات السابقة، ولذلك فإنّ البيان الوزاري جاء عامّاً لا يختلف عليه اثنان، غير أنّه لم يدخل في التفاصيل والآليات التي سيعتمدها لتطبيق ما يعد به وما يتحدث عنه، وهنا يبقى البيان الوزاري دون مستوى المطلوب في نظام ديمقراطي برلماني يُفترض أن يحاسب فيه المجلس النيابي الحكومة، وأن يمنحها أو يحجب عنها الثقة ابتداءً. جلسة مناقشة البيان الوزاري على مدى يومين لا يخرج عن إطار لزوم ما لا يلزم، فلا الثقة تُمنح أو تُحجب على أساس هذا البيان، ولا المحاسبة والمحاكمة تتمّ وفقاً لما التزم به، ولا السياسات التي تحكم بها الحكومة البلد متوفّرة ومتواجدة فيه، ولذلك فإنّ هذه الجلسة هي من متمّمات الديكور الديمقراطي الذي يضفي على العملية نكهة تجعل الناس تتقبّل ما يجري حتى لو كانت مخدوعة فيه.

في مساعي تشيكل الحكومة!
كلمة الأمان العدد 1650 /5-2-2025

نقترب من مرور شهر على تكليف القاضي نوّاف سلام تشكيل حكومة العهد الأولى، والرجل ما زال يدور في دائرة مفرغة، وما أن يسرّب بعض المقرّبين منه من نوّاب التغيير أنباءً عن قرب إعلان الحكومة حتى يعود الرجل إلى المربع الأول ويكتشف اللبنانيون أنّ ما جرى الحديث عنه سراب بسراب. لقد وعد الرئيس المكلّف بتشكيل حكومة في أسرع وقت وخلال أسبوع أو أسبوعين على أبعد تقدير ومن أصحاب الكفاءات التي تروق له وحده ربما، فإذا به يجد أنّ "روما من فوق غير روما من تحت"، لقد اكتشف الرجل حجم التعقيدات في المشهد اللبناني، وحجم التناقضات في مسرح السياسة اللبنانية، ربما لأنّه عاش أغلب وقته خارج لبنان، وبالتالي فهو لا يعرف الكثير من الأشياء والأمور وحجم القوى وتأثيرها في لبنان، فإذا به يكتشف كلّ يوم جديد شيئاً جديداً يجعله يعيد حساباته في تشكيل الحكومة، وبالتالي يعود إلى المربع الأول. لقد تحدّث رئيس الحكومة المكلّف عن مسألة المداورة في توزيع الحقائب الوزارية في إشارة في حينه إلى رفضه أن تكون وزارة المالية تحديداً حكراً على الطائفة الشيعية دون غيرها من الطوائف، فإذا به يعود عن مبدا المداورة ويعلّل ذلك ويقبل أن تكون هذه الحقيبة من حصّة الطائفة الشيعية، وهذا ليس أمراً عيباً أو خرقاً للدستور أو القانون، إنّما هو تراجع الرئيس المكلّف عن حديث تحدّث به، بل أكثر من أن يعطي هذه الحقيبة للطائفة الكريمة إنّما نزل على شروط الثنائي بأن تكون من نصيب النائب السابق ياسين جابر، وقد نُقل أنّ الرئيس نبيه برّي قال للرئيس المُكلّف لدى ثلاثة أسماء لحقيبة المالية هم: ياسين جابر وياسين جابر وياسين جابر. لقد تحدّث الرئيس المكلّف عن مسألة أصحاب الاختصاص من غير الحزبيين وخارج منطق ومبدأ المحاصصة، فإذا به يعود عن ذلك، ويقبل منطق وجود حزبيين في الحكومة على قاعدة أنّها حكومة تكنوسياسية، أي من اصحاب الاختصاص والسياسة على حد سواء، وصولاً إلى أنّ الأحزاب بدأت ترسل لها أسماء مرشحيها الحزبيين لهذه الوزارة أو تلك. تحدّث الرئيس المكلّف عن معايير واحدة عند اختيار الوزراء بغض النظر عن أيّ شيء آخر، فإذا به يطبّق ذلك في مكان ويخرج عنه في مكان آخر، بمعنى أنّه يُخضع بعض الأسماء المرشحة لهذه المعايير ولا يُخضع غيرها، وبالتالي فقد أطاح بمبدأ المعايير التي طرحها هو نفسه. أمّا على صعيد تمثيل السُنّة في الحكومة فقد راح يتصرّف كما لو أنّ السُنّة ليس لهم نوّاب يمثّلونهم، كما لو أنّه ليس لديهم قوى سياسية شعبية يثقون بها، كما لو أنّه ليس لديهم مرجعية كبرى على قدّ الوطن، كما لو أنّهم طارئين على البلد، ولذلك ارتفعت الصرخة السنّية بوجهه بدءاً من نوّاب العاصمة إلى نوّاب الشمال عموماً إلى القوى السياسية بشكل عام. لقد راح الرئيس المكلّف يفقد البيئة التي يُفترض أن يمثّلها في بلد يقوم نظامه السياسي على احترام حضور المكوّنات ودورها من دون أن يعني ذلك التخلّي عن الانتماء الوطني والعمل لصالح الوطن وحمْل همومه والعمل على إخراجه من الدوّامة التي يعيش فيها. تشكيل الحكومة أمام مأزق حقيقي اليوم في ضوء طريقة مقاربة مسار التشكيل، وهذا يشكّل إضاعة للفرصة القائمة حالياً من أجل الإفادة من الدعم العربي والدولي لإخراج لبنان من أزمته، وآن الأوان لطريقة أخرى أكثر فهماً واستيعاباً تضع مصلحة لبنان فوق كل اعتبار. بيروت في 5/2/2025

طوفان العودة يكرّس حقّ العودة ويكسر مشاريع التهجير!
كلمة الأمان العدد 1649 /29-1-2025

لافتاً كان مشهد عشرات آلاف الغزّاويين يعودون مشياً على الأقدام من رفح وخان يونس وجنوب قطاع غزّة إلى مدينة غزّة وشمال القطاع في اللحظة الأولى التي تمّ فيها فتح معبر "نتساريم" وانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي منه. لقد بدا المشهد طوفاناً بشرياً هائلاً يجرف في طريقه كلّ شيئ، حتى أنّ كيان الاحتلال الإسرائيلي قيادة وجيشاً ومستوطنين صُدموا من هذا المشهد الأسطوري الذي أكّد بما لا يدع مجالاً للشكّ أنّ هزيمة هذا الشعب مستحيلة، خاصة وأنّه يعود إلى أرضه وبلداته ومنازله وهو يدرك مسبقاً أنّها مهدّمة مجرّفة قد سوّاها الاحتلال بالأرض، ومع ذلك يصرّ على العودة وبنائها من جديد وأفضل مما كانت. وفي جنوب لبنان كاد المشهد يكون مماثلاً. فقد عاد أهالي قرى الحافة الحدودية إلى قراهم المدمّرة بعد انقضاء مهلة الستين يوماً على الرغم من معرفتهم أنّ قوات الاحتلال ما تزال جاثمة على أرضهم وفوق ركام منازلهم، وعلى الرغم من معرفتهم أنّ هذه العودة قد تعرّض حياتهم للخطر، وهو ما حصل بالفعل عندما أطلقت قوات الاحتلال النار على العائدين العزّل فأردت منهم بضعاً وعشرين شهيداً مدنياً ذنبهم الوحيد أنّهم أردوا العودة إلى بيوتهم وقراهم وأرزاقهم. مشهدان متلازمان ومتماثلان في جنوب فلسطين وفي جنوب لبنان أكّدا ما لا يدع مجالاً للشكّ أنّ إرادة الانتصار عند الشعبين اللبناني والفلسطيني حاضرة على الدوام، وأنّ التمسّك بالحقّ لا يمكن أن يتراجع أو أن يطمس الحقيقة ويجعل الحقّ في غياهب النسيان. هذا الطوفان البشري الهادر كرّس حقّ العودة للشعب الفلسطيني إلى فلسطين، وحقّ الجنوبيين بالعودة إلى قراهم في المنطقة الحدودية، وأسقط إلى غير رجعة أوهام الاحتلال الإسرائيلي بالقضاء على حقّ العودة، وتصفية القضية الفلسطينية، كما أفشل أو سيفشل لاحقاً أوهام الاحتلال بتنفيذ مخططاته بترحيل وتهجير الفلسطينيين من قطاع غزّة إلى مصر أو إلى أيّ مكان في العالم، وأبناء الضفة الغربية إلى الأردن، وأبناء جنوب لبنان إلى الداخل اللبناني أو إلى أيّ مكان في العالم. لقد زرع هذا الطوفان الجديد، شكلاً ومضموناً، في رؤوس المحتلين الصهاينة شكّاً سيكبر يوماً بعد يوم في إمكانية البقاء في فلسطين أو في إمكانية استمرار احتلالها، فما مات حقّ وراءه مطالب، وبعد معركة "طوفان الأقصى" لم يعد في قاموس الفلسطينيين ولا حتى اللبنانيين ولا حتى الشعوب العربية قاطبة معنى للهجرة والتهجير، فما بعد "طوفان الأقصى" و "طوفان العودة" تحرير وعودة إلى كلّ ديار فلسطين. أمّا عنّا نحن في لبنان، فإنّ مشهد "طوفان العودة" يجب أن يعزّز الثقة عندنا ولدينا أنّ فزّاعة التوطين التي كانت حاضرة على الدوام ليست سوى خدعة أثارها المشبوهون لإيقاع الشكّ والخلاف والفرقة بين اللبنانيين والفلسطينيين كما لو أنّ الفلسطيني استسلم ورفع الراية البيضاء وتخلّى عن وطنه وأرضه في فلسطين، وبالتالي فإنّ هذا المشهد الأسطوري بما تعنيه الكلمة يجب أنْ يعزّز القناعة عندنا أنّ فكرة التوطين لا مكان لها في قاموس الفلسطيني، لا في لبنان، ولا في أيّ مكان، بل سيعمل هذا الفلسطيني إلى شدّ الرحال من جديد إلى فلسطين حتى تعود إلى أهلها وناسها. وأمّا عن نيّة الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترمب، الذي صرّح بأنّه طلب من الأردن ومصر وغيرها من البلدان استقبال المزيد من الفلسطينيين من أبناء غزة تحت عنوان إنساني، فقد جاء الردّ عليه بهذا الطوفان الهادر الذي أكّد لكل الدنيا والعالم أنّ شبراً من غزة وفلسطين، يقيم عليه الفلسطيني خيمته، أثمن من كل بقاع العالم، وأنّ إرادة البقاء أقوى من كل سياسات التهجير والإقصاء.

تحدّيات تنتظر العهد الجديد
كلمة الأمان العدد 1647 /15-1-2025

سريعاً تمّ انتخاب قائد الجيش، جوزيف عون، رئيساً للبنان يوم الخميس الماضي في التاسع من كانون الثاني الجاري بموافقة 99 نائباً من أصل 128 نائباً أعضاء المجلس النيابي وألقى الرئيس المنتخب خطاب القسم الذي كان واضحاً صريحاً وشاملاً. وسريعاً أيضاً حصلت الاستشارات النيابية الملزمة وتمّ تكليف السفير نوّاف سلام تشكيل حكومة العهد الأولى على الرغم من اعتراض ضمني من الثنائي الشيعي حيث جرى الحديث عن غدر حصل بحقّهما، وقد لوّح الثنائي بمقاطعة الحكومة المنتظرة، وبالتأكيد عدم منحها الثقة في المجلس النيابي وهو ما يمكن أن يفتح معركة حول ميثاقية الحكومة. هذه الاعتراضات والمواقف وضعت العهد الجديد برئاسة جوزيف عون أمام تحدّ جديد يُضاف إلى سلسلة التحدّيات التي تنتظره، غير أنّها تحدّيات يمكن تحويلها إلى فرص ليكون لبنان جديداً مختلفاً عن لبنان السابق، ولعلّ ذلك هو التحدّي الأبرز والأساسي. لقد كان الرئيس جوزيف عون واضحاً في خطاب القسم حيث أكّد على جملة عناوين أبرزها سيادة الدولة على كلّ أراضيها واحتكارها للسلاح دون غيرها، واستقلال القضاء ومكافحة الفساد المغطّى من الطبقة السياسية، وتطبيق القرارات الدولية وفي مقدّمها القرار 1701 ومتفرعاته ذات الصلة؛ كما تماهت كلمة رئيس الحكومة المكلّف، نوّاف سلام، بعد تكليفه تشكيل الحكومة مع خطاب القسم، وأكّدت على المعاني التي وردت في الخطاب، وهذا بحدّ ذاته من التحدّيات المهمّة أمامهما وإذا ما تمكّنا من تنفيذ الخطاب وما ورد فيه سيكون ذلك بمثابة قيامة ثانية للبنان، ولكن تبقى العبرة بالتنفيذ لا بالخطابات. تحدّي لبنان الجديد هو أن تنتهي حقبة الصيف والشتاء تحت سقف واحد، ومواطنين درجة أولى لا تطبق عليهم القوانين ولهم ميزات حمل السلاح ومخالفة القوانين وغيرها، ومواطنين درجة ثانية يمكن أن يتهموا بالإرهاب وإثارة الفوضى وتهديد السلم الأهلي لمجرد موقف سياسي يمكن أن يتخذوه، وبالتالي يقبعون في أقبية السجون لسنوات دون محاكمات؛ ان تنتهي حقبة الاستقواء على الدولة ومؤسساتها وعلى قواها الأمنية والعسكرية وعلى بقية اللبنانيين، وأن تنتهي أيضاً حقبة تعطيل المؤسسات الدستورية وشلّها لأبسط الأسباب كما حصل مراراً في تشكيل الحكومات أو في انتخاب الرؤساء؛ وأن تنتهي حقبة المحاصصة والزبائنية التي رهنت البلد وربطت مصالح المواطنين بالمنظومة الحاكمة فتمّ إضعاف الدولة لصالح القوى الحزبية والطائفية التي تحكّمت بقراراها. ببساطة إذا ما جرى تنفيذ خطاب القسم ورؤية الحكومة المنتظرة دونما تدخّلات من الخارج أو إملاءات منه، سنكون أمام دولة المواطنة التي ستكون عنوان لبنان الجديد. التحدّي كبير أمام رئيسي الجمهورية والحكومة، والأمل كبير أيضاً، وهناك فرصة حقيقية لانتشال لبنان من واقعه المتردّي وحالة التشظي التي عاشها لسنوات، بل ربما لعقود، ليكون دولة المواطنة والمواطنية التي ينتظرها الجميع بما في ذلك الذين لم يكتشفوا أهمية ذلك بعد.

هل تأخذ الديمقراطية مجراها في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية؟
كلمة الأمان العدد 1646 /8-1-2025

يتطلّع اللبنانيون إلى جلسة مجلس النوّاب المقرّرة يوم التاسع من كانون الثاني الجاري والمخصّصة لانتخاب رئيس للجمهورية بعد فراغ وشغور في سدّة الرئاسية دخل عامه الثالث، وبعد إفشال قرابة 12 جلسة للانتخاب عبر الانسحاب من الجلسات وإفقادها النصاب القانوني وبالتالي استمرار الفراغ. لا شيء يوحي بأنّ الجلسة المقرّرة الخميس ستيكون مصيرها مصير الجلسات السابقة، وكذلك لا شيء يشي أنّها ستفضي إلى انتخاب رئيس أيضاً. الأجواء المحيطة بالجلسة والتي تسبقها ضبابية وغير واضحة، لا بخصوص مصير الجلسة وإمكانية الانسحاب منها وبالتالي إسقاط نصابها القانوني، ولا لناحية الشخصية التي يمكن أن تكون في نهايتها الرئيس العتيد المنتظر. لا شيء قطعي حتى الساعة بالنسبة للقوى السياسية المحلية والكتل النيابية التابعة لها، أمّا بالنسبة للقوى الدولية التي دخلت على خط الوساطة من أجل المساعدة، والتي لا تظهر على أنّها تتدخّل في الشأن الرئاسي اللبناني، غير أنّه من الواضح أنّ بعضها يريد قائد الجيش جوزيف عون رئيساً، وبعضها يريد مدير عام الأمن العام إلياس البيسري رئيساً، وبعضها لا يريد الاثنين إنّما يرغب في إيصال شخصية مدنية من دون أن يفصح عن ذلك، بينما تريد قوى إقليمية أخرى خارج دول الوساطة سليمان فرنجية رئيساً. بالنسبة للكتل النيابية فهي في حيرة من أمرها، تقول شيئاً وتريد شيئاً مختلفاً. رئيس المجلس النيابي وكتلتته النيابية يقول إنّه يريد سليمان فرنجية ولكنه لا يمانع وصول قائد الجيش غير أنّه يقول إنّ وصوله إلى سدّة الرئاسية يحتاج إلى تعديل دستوري. كتلة الوفاء للمقاومة تريد فرنجية ولا تضع فيتو على قائد الجيش ولكّنها لا تسهّل وصوله. وكذلك القوات اللبنانية لا تمانع وصول قائد الجيش غير أنّها تخفي رفضها بطلب ترشيحه وموافقة الثنائي الشيعي عليه. وحده التيار الوطني الحر، أو ما بقي منه كتلته يرفضون انتخاب قائد الجيش. الأسماء الأخرى المطروحة أقل فرصة بالوصول ولكنّ ذلك لا يعني انعدامها. فاللواء إلياس البيسري يحظى بموافقة الثنائي الشيعي المضمر، وكذكك التيار الوطني الحر، ولكنه لا يحظى بموافقة القوات وقوى أخرى. وهو يحتاج وفق رأي دستوري إلى 86 صوتاً تماماً كقائد الجيش العماد جوزيف عون، فيما يرى رأي دستوري آخر أنّه بحاجة إلى 65 صوتاً، ويبدو من السهل تأمينها فيما لو انعدت فرص قائد الجيش بشكل نهائي. هناك أسماء أخرى لها فرصة موازية ومكافئة لفرصة البيسري كما في ترشيح جهاد أزعور ونعمة افرام أو غيرهما، وفرص هذه الأسماء المطروحة تتوقف على مسار الجلسة واتجاهات الكتل النيابية فيها في ربع الساعة الأخير. الشيء الثابت حتى الآن أنّ المسألة الأولى تتصل بالمحافظة على نصاب الجلسة إذا لم يصار إلى انتخاب رئيس من الدورة الأولى، فعندها يمكن انتخاب رئيس في الدورة الثانية بـ 65 صوتاً. الأمر الثاني يتصل بحصول قائد الجيش العماد جوزيف عون على 86 صوتاً في الجلسة الأولى ليصبح رئيساً وهذا يتوقف على اتفاق كتلة الرئيس برّي ومعها كتلة حزب الله على ترشيح عون وموافقة القوات على ذلك حيث اشترطت هذا الأمر لدعمه وفق بيان رسمي وألقت بذلك الكرة في ملعب كتلتي أمل وحزب الله. وفي حال لم يتمّ ذلك فإن حظوظ القائد بالرئاسية تتراجع بشكل كبير جداً. الأمر الثالث إذا ما ذهبت الأمور إلى الدورة الثانية لانتخاب رئيس فإنّ فرص أزعور والبيسري وافرام تكاد تكون متوازية، وتتوقف على تصويت الكتل الرمادية. أمّا في حال قرّرت بعض الكتل الانسحاب من الجلسة وإسقاط نصابها القانوني كما في المرّات السابقة، فإنّ الأمر عندها سيكون مختلفاً وسندخل في أتون تواصل الفراغ، ولكن هذه المرّة قد تكون القوى المعطلّة للانتخاب غير تلك التي عطّلت الانتخاب طيلة الفترة الماضية. المجلس النيابي والكتل النيابية يوم الخميس على المحك، فإمّا أن تسير العملية الانتخابية واللعبة الديمقراطية وفق المجرى الطبيعي لكل عملية ديمقراطية انتخبابية، وإمّا أن يتواصل الفراغ ومعه الانهيار ومعه يدخل الوطن في أتون المجهول الذي قد يكون من نتائجه فقدان الكيان اللبناني.

12345678910...