الحكومة وتحدّي العبور إلى السيادة وحصرية السلاح
كلمة الأمان العدد 1679 /3-9-2025

لعلّ الحكومة وضعت نفسها ومعها لبنان أمام تحدّي تنفيذ قرار حصرية السلاح المُتخذ في جلستي 5 و7 آب الماضي بعد رفض حزب الله بشكل أساسي، وربما المكوّن الشيعي معه سحب السلاح منه وحصره بيد الدولة وأجهزتها قبل تنفيذ الانسحاب الإسرائيلي من القرى الجنوبية المحتلة، وقبل الحصول على ضمانات بوقف الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب. لا جدال في أنّ من حقّ الحكومة التي تدير الدولة بوصفها سلطة تنفيذية اتخاذ قرار بحصرية السلاح بيد الأجهزة الأمنية والعسكرية، ولا جدال ولا نقاش في أنّ من حقّها ممارسة سيادتها على قرارها الوطني وعلى حدود الوطن، ولا جدال ولا نقاش في أنّ من حقّها اتخاذ القرار الذي تراه مناسباً طالما أنّها تتمتّع بثقة المجلس النيابي، وطالما أنّه دستورياً من ضمن صلاحياتها المنصوص عليها دستورياً. غير أنّ الحقّ والقانون والدستور شيء ومصالح الوطن والمواطنين وسياسة البلاد والعباد والإبحار بهما إلى برّ الأمان شيء آخر. بمعنى آخر، ما يمكن أن يكون صحيحاً ولا مشكلة فيه ولا غبار عليها بموجب القانون والدستور قد لا يكون كذلك بموجب السياسة والمصالح المتعلقة بالبلاد والعباد. ما يقود إلى هذا الكلام له علاقة بمجريات الأحداث والمتغيّرات التي حصلت خلال الأشهر الأخيرة أو على وجه الدقّة خلال العام 2024م في ضوء نتائج حرب كيان الاحتلال على لبنان. فكيان الاحتلال الإسرائيلي يتعامل مع هذه الحرب كما لو أنّه خرج منها منتصراً بشكل يعطيه الحقّ بفرض كلّ شروطه وبالتالي إخضاع لبنان وجعله منزوع الإرادة ومسلوب الحريّة، والحقيقة غير ذلك، لكنّها ليست انتصاراً مكتملاً لكيان الاحتلال؛ فلبنان صمد ولم يترك مجالاً للاحتلال للتوغّل داخل الأراضي اللبنانية إلى حيث يشاء ويشتهي، بل إنّ استهداف الاحتلال ظلّ قائماً حتى آخر لحظة قبل تنفيذ وقف إطلاق النار أو وقف "الأعمال العدائية"، وبالتالي فلا هزيمة كاملة لطرف، ولا نصراً ناجزاً أيضاً، وبذلك فإنّ استعجال نزع ورقة قوّة من يد المفاوض اللبناني ليس في صالح لبنان على الإطلاق، كما وأنّ الإبقاء على فوضى انتشار السلاح وعدم حصر المسؤولية في ذلك ليس في صالح لبنان أيضاً، وعليه فإنّ الحاجة أمام هذا التحدّي تصبح في كيفية الإفادة من كلّ قدرة وإمكانية يمكن أن تتوفّر للمفاوض اللبناني من أجل استخدامها في معركة تثبيت السيادة وحصرية قرار الحرب والسلم بيد الدولة، وحتى تظلّ البوصلة في اتجاه صحيح هو الاتجاه الذي يتموضع فيه المحتل. الحكومة اليوم أمام تحدّي تنفيذ قرار حصرية السلاح، وبالوقت ذاته أمام تحدّي الإفادة من السلاح ومن كلّ ذرّة قوّة متوفرة للبنان بوجه الأطماع الإسرائيلية، وبما لا يُظهر موقفها كما لو أنّها متماهية مع شروط الاحتلال أو شروط ومقترحات الوسيط الذي يتولّى الوساطة مع تبنّيه الواضح للطرف المقابل، ومن هنا فإنّ جلسة يوم الجمعة التي يُنتظر أن تستعرض فيها الحكومة مقترح قيادة الجيش لتنفيذ قرار حصرية السلاح هي جلسة في غاية الأهمية والدقّة، وتستوجب تحمّل المسؤولية تجاه لبنان واللبنانيين والمستقبل. على المقلب الآخر فإنّ تحدّي الحكومة ورفض قراراتها دون طرح البدائل المقنعة ليس فيه أدنى مصلحة وطنية، ولا حتى مصلحة لأصحابه، بل على العكس من ذلك لأنّه سيظهر كما لو أنّه بوجه بقيّة اللبنانيين، وهم بالمناسبة يشكّلون في أدنى تقدير قرابة 70% من الشعب اللبناني، وسيعطي فرصة للاحتلال لزيادة الشرخ والهوّة بين أبناء الوطن الواحد الذين يتشاركون التحدّيات والمخاطر؛ وعليه فإنّ إبداء القلق مشروع ومقبول وليس عليه أيّ تعليق أو رفض، بل على العكس فإنّ القلق ربما يساور أغلبية اللبنانيين جراء الأطماع الإسرائيلية والبرامج والخطط التي جرى الحديث عنها وتطال بقية المنطقة وليس لبنان فحسب، غير أنّ ما هو غير مشروع هو أن يتحوّل القلق والهاجس إلى أداة فتنة تطيح بالجميع. أمام هذا الواقع والمشهد المعقّد لبنان بحاجة إلى تفهّم وتفاهم بين الجميع لا يكون على حساب الوطن ولا على حساب أيّ من مكوّناته، فكما أنّ نزع عنصر قوّة من يد لبنان ليس فيه مصلحة للبنان واللبنانيين، وبالتالي فهو غير مقبول، كذلك فإنّ انتشار السلاح دون ضوابط ودون قواعد واستراتجية أمن قومي واضحة ومعروفة لكلّ اللبنانيين، ليس في مصلحة لأيّ منهم وبالتالي فهو غير مقبول أيضاً لأنّ الاحتلال سيبقى يتخذ من ذلك ذريعة وستبقى اعتداءاته متواصلة لا توفّر أحداً من اللبنانيين.

أيّام فارقة
كلمة الأمان العدد 1678 /27-8-2025

ينتظر لبنان في القريب القادم أيّاماً فارقة ستحدّد مصيره ومستقبله ربما لعقود قادمة من الزمن. فالضغوط الأمريكية عليه متواصلة ومستمرة على أكثر من مستوى وبأكثر من طريقة وأسلوب، والاعتداءات الإسرائيلية لم تتوقف يوماً على الرغم من اتفاق وقف الأعمال الحربية أو العدائية في تشرين الثاني من العام 2024، والحكومة والدولة باتت بين فكّي كماشة لإنقاذ الوضع، ضغوط أمريكية وشروط إسرائيلية لوقف الاعتداءات تتمثّل بشكل رئيسي وأساسي بمطلب نزع السلاح، خاصة سلاح الصواريخ والمسيّرات والتخلّص منه عبر تفجيره، ورفض من قبل حزب الله لهذا المطلب حتى لو كان ذلك سيؤدي إلى فتنة وحرب داخلية بين الدولة والحزب أو بين مكوّنات لبنانية مختلفة! وحجّة رفض تسليم السلاح في الحقيقة قويّة، فهي نقطة ومصدر قوّة بيد المفاوض اللبناني، وبالتالي يمكن استخدام هذه القوّة لتحسين شروط التفاوض ورفع المكتسبات! الحكومة كانت قد اتخذت قراراً بحصرية السلاح بيد الدولة، وكلّفت الجيش إعداد خطّة لتنفيذ هذا القرار وتقديمها قبل بداية أيلول المقبل على أن تأخذ الخطة بالاعتبار تنفيذ هذا القرار والانتهاء منه قبل نهاية العام الجاري؛ وحزب الله رفض بشكل قاطع تسليم سلاحه، ولكنه أبدى استعداده لنقاش ذلك في طار اعتماد لبنان خطة دفاعية تأخذ بعين الاعتبار المخاطر والأطماع والتهديدات الإسرائيلية، كما طالب بأن يكون ذلك في إطار اتفاق يأخذ بعين الاعتبار تنفيذ خطوات متزامنة أو خطوة مقابل خطوة من الطرف الآخر بعد انسحابه من الأراضي التي احتلها في الحرب الأخيرة، وهذا يعني أنّ القرار ليس مقفلاً بشكل محكم وكامل على رفض حصرية السلاح إنّما هناك مطالب وشروط لا بدّ من أخذها بالحسبان، وهذا بحدّ ذاته يشكّل فرصة جدّية وحقيقية يُبنى عليها للوصول إلى أرضية مشتركة يمكن أن تكون فرصة تمكّن لبنان من مواجهة الضغوط من ناحية والتهديدات والأطماع من ناحية ثانية. اليوم، الحقيقة لا يمكن القول إنّ شيئاً لم يتغيّر في المنطقة، فنتائج الحرب الأخيرة واضحة، وإن لم تكن حاسمة لناحية انتصار جهة أو فريق على جهة وفريق آخر؛ لقد نشأ عنها واقع جديد، وموازين جديدة، وقواعد جديدة يستلزم التعاطي معها آليات جديدة، وبناءً عليه فإنّ لبنان اليوم يختلف عن لبنان الأمس من دون أن يعني ذلك الاستسلام والانصياع لإرادة القوى الجديدة التي برزت وظهرت في المشهد اللبناني الجديد، وعليه لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار كلّ هذا المتغيّر الذي حصل. لبنان اليوم بحاجة إلى تحصين الوضع الداخلي فيه لتمكينه من مواجهة التحدّيات الجديدة، ويأتي في صدارة ذلك تمكين الدولة من القيام بدورها وواجبها ومسؤوليتها، من دون أن يعني ذلك التخلّي عن أيّة نقطة قوّة يمتلكها لبنان في مواجهة التحديّات الجديدة، وفي مقدمة ذلك سلاح وخبرة المقاومة في مواجهة الأطماع الإسرائيلية. غير أنّ ذلك يحتاج من طرفي المعادلة اللبنانية، سواء الحكومة والقوى التي تنادي بالسيادة وحصرية السلاح، أو القوى التي ترفض سحب السلاح وتريد الاحتفاظ به، هؤلاء جميعاً بحاجة إلى الوصول إلى الاقتناع بضرورة وأهمية الوصول إلى معادلة مشتركة يشعر فيها الجميع أنّ الدولة للجميع وليست لطرف دون غيره من الأطراف أو أنّها يمكن أن تنتقم من طرف من الأطراف لاحتكارها من طرف أو أطراف أخرى؛ وأنّ السلاح للدولة أيضاً، أو يمكن أن يكون جزءاً من رؤية وخطة أمن قومي ووطني يشارك في الدفاع عن الدولة ويواجه الأطماع أو التهديدات التي يمكن أن تأتي من أيّة جهة، هو سلاح لكلّ اللبنانيين ويعنيهم جميعاً، وليس سلاحاً لحزب دون غيره من القوى السياسية، أو لطائفة أو مذهب دون غيره من الطوائف والمذاهب، وهنا تحتاج المسألة إلى تشكيل قناعة مشتركة بضرورة الانكفاء قليلاً في الطروحات عند كلّ الأطراف، فلا الحديث عن التخوين ينفع، ولا الاتهام بالعمل لحساب دول في الإقليم ينفع، ولا التهديد بالدولة للانتقام من طرف لبناني ينفع، ولا التلويح باستخدام السلاح في الداخل ينفع، ولا أيّة مواجهة داخلية بين اللبنانيين تنفع، بل على العكس لا يستفيد منها إلا الاحتلال، وعليه فإنّنا نحن في لبنان بحاجة إلى اعتماد سياسة الخطوات المتزامنة فيما بيننا أيضاً وصولاً إلى تشكيل قناعة مشتركة أنّه بإمكاننا أن نؤسس دولة تكون ضامنة وراعية للجميع وليس فيها امتيازات لأحد على حساب أحد، ولعلّ التجارب أثبتت أهمية ذلك، وأثبتت أيضاً فشل الرهان على الخارج بعيداً كان أم قريباً. لكلّ ذلك فإنّ لبنان ينتظر أيّاماً فارقة في القريب القادم، وعلى اللبنانيين أن يحدّدوا المسارات التي سيسلكونها فإمّا أن يؤسّسوا دولة لهم جميعاً وضامنة للجميع، وإمّا أن يبقوا على لبنان ساحة لتصفية الحسابات بين المتصارعين في الإقليم وعليه.

خياران أمام اعتراف واحد
كلمة الأمان العدد 1677 /20-8-2025

لم يكن كشْف رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عن نواياه الدفينة حول إقامة "إسرائيل الكبرى" بين نهري النيل في مصر والفرات في العراق اعترافاً وحيداً وشيئاً جديداً، فهو قد رفع قبل نحو عامين خريطة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك تضمّنت حدود "إسرائيل" التي يتطلّع إليها وهي تمتد بين النهرين المذكورين؛ وهي في سياسته التدميرية التهجيرية التي يمارسها في قطاع غزة حيث كشف أكثر من مرّة أنّ هدفه هو طرد الفلسطينيين من القطاع إلى أصقاع الدنيا؛ وهو في ممارسة جنوده في الضفة الغربية والقدس حيث تتم مصادرة أراضي الفلسطينيين والسيطرة عليها بقوّة السلاح والاستيطان، وهو يريد تهجيرهم تدريجياً إلى أيّ مكان في العالم من أجل ضمّ الضفة إلى "إسرائيله" المنشودة. لقد كان نتنياهو هذه المرّة أكثر وضوحاً وصراحة في الحديث عن أهدافه التي خاض ويخوض العداون على غزّة والضفة ولبنان وسورية من أجلها، إنّها إقامة "إسرائيل الكبرى" من النيل إلى الفرات مسيطراً على أجزاء من هذه البلدان إضافة إلى مصر والسعودية والكويت والعراق، وبالتالي إخاضع المنطقة كلّها لقراره وهيمنته في بلورة لما يعتبره رؤية تاريخية روحانية مزعومة. ممارسة السياسة هذه المرّة بات على المكشوف، نزع نتنياهو قفّازاته وقناعه، وكشف عن الحقيقة التي كان يخفيها ذاك القناع وتلك القفازات، وقال على طريقته لدول المنطقة وعربها : أريد أرضكم وثرواتكم وعروشكم وأموالكم؛ أريد السيطرة على قراركم فأنا سيّدكم بعد الآن، فإمّا أن تخضعوا بالاستسلام، وإمّا أن تخضعوا بالإكراه، فلا خيار لكم بعد الآن. الحقيقة المُرّة أنّ نتنياهو وضع "زعماء" المنطقة أمام خيار صعب، فبعد اعترافه الأخير والكشف عن طموحه لضم منطقة ما بين النهرين إلى "دولته المزعومة"، لم يعد ممكناً خداع شعوب المنطقة وأحرارها بالحديث عن نوايا سلام وتسوية مع هذا الكيان الذي اغتصب فلسطين ويتطلع لاغتصاب ما حولها بشكل واضح، وبالتالي سقطت كلّ المشاريع والبرامج والمبادرات المطروحة لإبرام "السلام" التسوية مع هذا الكيان، وبات الحديث عن هذه الخيارات بعد هذا الاعتراف مشابهاً لما قامت به النعامة عندما دسّت رأسها في الرمال ظنّاً منها أنّ الصياد لا يراها، وأيّ حديث عن "السلام" والتسوية والتطبيع بعد هذا الاعتراف هو بمثابة الاعتراف بالعجز أمام تلك الرؤية "النتنياهونية" المزعومة إذا لم يكن بمثابة الخيانة والتواطؤ معها لانتزاع المنطقة من أهلها وشعوبها وحكوماتها. كلّ المنطقة العربية بعد اليوم أمام تحدّي الصمود أمام نوايا كيان الاحتلال ومشاريعه، بل كلّ العالم أيضاً أمام هذا التحدّي، وليس الدول التي وردت في خريطة "إسرائيل الكبرى" فقط، لأنّ هذا الكيان إنّما يتطلّع لإقامة هذه "الدولة الكبرى" حي تتحكّم بكلّ المنطقة خاصة أنّها تقع في مجال جغرافي حيوي واستراتيجي، وأكثر من ذلك فإنّ السيطرة عليها يشكّل المقدمة والمفتاح للسيطرة على منطقة الخليج كلّها، وعلى بلاد الشام، وصولاً إلى شمال أفريقياً، وهذه المنطقة في تعريف العلوم السياسية والعسكرية والاستراتيجية تشكّل قلب العالم، ومن يسيطر على قلب العالم يسيطر على العالم كلّه، ومن هنا فإنّ هذا التطلّع الإسرائيلي للسيطرة عليها لا يرتبط بمسألة تاريخية روحانية كما أوحى نتنياهو في حديثه عنها، إنّما يرتبط أساساً بتطلّعات مستقبلية تريد السيطرة والهيمنة على العالم كلّه وليس على المنطقة العربية وحدها. أمّا فرص وإمكانية تحقّق هذا التطلّع من عدمها بالنظر على تشابك المصالح الدولية بما فيها الأمريكية والأوروبية وغيرها فتلك قضية أخرى، ولكن يبقى المهم أن يأخذ زعماء المنطقة بزمام المبادرة لمواجهة هذه المخططات لإفشالها من أجلهم ومن أجل شعوبهم ودولهم، حيث سيكتب التاريخ واحدة من شهادتين: إمّا الصمود والشرف، وإمّا السقوط والاستسلام، فماذا تراهم سيختارون؟!

السلاح والسلام
كلمة الأمان العدد 1665 /28-5-2025

تركّز الحديث في الأيام والأسابيع الأخيرة على مسألتي السلاح والسلام. مسألة السلاح بحيث يتم سحبه أو نزعه أو تنظيمه أو إلغاؤه أو ألخ من الصيغ؛ والسلام على اعتبار أنّه لا خيار أمام الشعوب والأنظمة والحكومات والأمم في المرحلة الحالية سوى الجنوح نحو السلام كما لو أنّه الخيار الوحيد المتبقّي. في مسألة السلاح هناك اختلاف على تفسير ما ورد في اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي لناحية السلاح جنوب الليطاني وشمال الليطاني، حتى أنّ هناك تباين داخل لبنان ذاته بين من يعتبر أنّ السلاح شمال الليطاني مشمول بالاتفاق ولا بدّ من سحبه ونزعه والإبقاء فقط على السلاح الشرعي القانوني المتمثل بسلاح الجيش وقوى الأمن الداخلي وبقية الأجهزة الرسمية المرتبطة بالدولة، وما سوى ذلك لا يُعدّ سلاحاً شرعياً بل على العكس هو سلاح "ميليشاوي" كما يسمّيه البعض؛ في مقابل من يعتبر أنّ سلاح المقاومة هو أيضاً سلاح شرعي لأنّه خلال فترة طويلة من غياب الدولة كان هو الذي يحمي البلد من اعتداءات العدو، وبالتالي فهو بحاجة إلى صيغة تنظّم بقاءه ودوره تماماً كما بقية الأجهزة العسكرية والأمنية التي تقوم بدورها ضمن الضوابط والمساحات المكلّفة بها. البعض في الداخل يريد نزع أو سحب السلاح تحت عنوان فرض سيادة الدولة على كلّ أراضيها وعلى قرارها الوطني، ويرى أنّ السلاح خارج إطار الدولة بات يشكّل تهديداً للوطن والمواطنين أمام اعتداءات الاحتلال وهمجيته؛ والبعض الآخر يعتبر أنّ السلاح كان في فترة من الفترات ضمانة وهو الذي فرض معادلات معيّنة لصالح الوطن، وبالتالي فإنّ التخلّي عنه وتسليمه سيضعف الوطن في مواجهة الأطماع الإسرائيلية وسيجعله من دون مخالب في التصدّي لها وإفشالها، وبالتالي فإنّ هذا البعض يرفض التنازل عن السلاح وتسليمه، ويرى فيه ضمانة للوطن وأيضاً لأصحاب هذا الخيار في الدفاع عن الوطن، وإلاّ سيكونون لقمة سائغة على طاولة الأعداء. وفي مسألة السلاح يدخل أيضاً ملف السلاح الفلسطيني في مخيمات اللاجئين الفلسطينيي، وقد وُضع على ما يبدو على نار حامية بعد زيارة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى لبنان. والحقيقة أنّ السلاح الفلسطيني في المخيمات لا يختلف أساساً عن الأسلحة الفردية المتواجدة في أيّ بيت لبناني، فهو ليس ثقيلاً بالمعنى المستخدم في اللغة العسكرية، وهو ليس "فالتاً" كما يتمّ تصويره بل تماماً كالسلاح في البيوت اللبنانية، وأنّ حالة المخيمات تشبه إلى حد كبير وبعيد حالة أيّ بلدة أو مدينة لبنانية لناحية تطبيق القوانين والأنظمة عليها. أمّا في موضوع السلام، فإنّ الاحتلال لا يريده ويعمل على إفشال أيّة صيغة أو طرح أو محاولة لإنهاء الصراع وإرساء السلام في المنطقة. لقد طرح القادة العرب في قمة بيروت في العام 2002 مبادرة الأرض مقابل السلام، ورفضها الاحتلال وطواها بفعل الأمر الواقع الذي فرضه في فلسطين والجولان المحتلين. ومن قبل ذلك دخلت السلطة الفلسطينية والأردن وقبلهما مصر في اتفاقات تسوية وسلام، غير أنّها لم تفضِ إلى شيء يذكر. ما زالت مصر والأردن في مرمى الخطر الإسرائيلي، وما زالت السلطة والشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس يدفعان الأثمان ولم تحصل السلطة من خلف السلام إلاّ على السراب، بل كشف الاحتلال عن نواياه وعن خططه لطرد الفلسطينيين حتى من أرض 48 التاريخية، حتى أنّ الحكومة الإسرائيلية الحالية تريد طرد الفلسطينيين إلى المملكة العربية السعودية لأنّ مساحتها كافية لاستيعابهم وثروتها كافية للصرف عليهم كما لو أنّ القضية مسألة مساحة ومال! السلام مطلب العرب قبل أن يكون مطلب أي طرف آخر، ولكن السلام الحقيقي الذي يعطي أصحاب الحقوق حقوقهم، وليس السلام الذي يتحوّل إلى استسلام يفرض على الشعوب والأنظمة التنازل عن كلّ شيء، وتحكّم الاحتلال بكلّ شيء بعد ذلك. بناء عليه فإنّ مقاربة مسألتي السلاح والسلام مرتبطة ببعضها البعض، والتمسّك بالسلاح هو في الحقيقة من أجل صناعة السلام الحقيقي، فلا يستعجلّن أحد تسليم السلاح حتى يضمن تأمين السلام.

إلى متى استباحة لبنان والمنطقة؟!
كلمة الأمان العدد 1661 /30-4-2025

ما يجري في هذه المرحلة من أحداث وما يُطلق من مواقف هو استباحة واضحة للمنطقة العربية دون أيّ اعتبار لاتفاقات مبرمة، ولا لسيادة دول، ولا لقانون دولي، ولا لحقوق إنسان؛ ما يجري هو تكريس لمنطق القوّة والبلطجة، وفرض الهيمنة على الدول والحكومات، والتحكّم بمصير الشعوب وخيراتها وثرواتها وليس أكثر من ذلك ولا أقلّ. خلال الأيّام الماضية أغار الطيران الحربي الإسرائيلي على منشأة مدنية خالية ومفتوحة (هنكار) في الضاحية الجنوبية لبيروت فدمّرها ودمّر ما حولها وأحال الحياة في جوارها إلى جحيم تحت حجّة وذريعة أنّها منشأة عسكرية لحزب الله تهدّد الأمن الإسرائيلي، والجميع يعلم أنّ هذا الزعم ليس سوى الحجّة لتوجيه رسالة سياسية للبنان لإرغامه على الخضوع للشروط الإسرائيلية التي تريد أن تكتسب "الحقّ" بالتصرّف الحرّ في لبنان. والحقيقية أنّ هذه الغارة العدوانية الجبانة ليست سوى استباحة لسيادة لبنان وحقّه وأمنه واستقراره وحياة أهله، في ظلّ صمت وسكوت حتى من الذين رعوا اتفاق وقف إطلاق النار الأخير بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي. خلال الأسابيع الأخيرة أيضاً أغار الطيران الإسرائيلي على العديد من القرى والبلدات الجنوبية وصولاً إلى مشارف بيروت حيث اغتال الأستاذ الجامعي الدكتور حسين عطوي، ومن قبله اغتال أحد الشخصيات الفلسطينية في وسط مدينة صيدا ليلاً، في استباحات لا تُعدّ ولا تُحصى دون أيّ اعتبار لشيء! ولم تقف حدود الاستباحة عند لبنان بل امتدت أيضاً إلى سورية حيث شنّ الطيران الإسرائيلي العديد من الغارات على مناطق متفرقة في سورية فضلاً عن الخروقات والاستباحات الحدودية في منطقتي القنيطرة وجبل الشيخ وحتى في أطراف محافظة درعا، وجرت هذه الاستباحات منذ اللحظة الأولى لإسقاط النظام السابق واستلام السلطة من قبل الحكومة السورية الجديدة، المنهمكة أصلاً في ترتيب الوضع السوري وفرض الاستقرار واستعادة النظام العام وهيبة الدولة. لقد حصلت هذه الاستباحات من دون إقامة أيّ اعتبار للقوانين الدولية ولا الشرائع ولا المواثيق ولا المعاهدات ولا غيره من الأمور. ناهيك عن استباحات غزة وقطاعها المدمّر حيث لم تعد الطائرات الحربية الإسرائيلية تجد ما تدمّره، فراحت تقصف بالصواريخ الكبيرة حتى الخيام التي تأوي النازحين. خلال الأيام الأخيرة خرج الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بموقف يتماهى مع استباحات كيان الاحتلال للمنطقة، فصرّح ترامب وطالب بعدم دفع رسوم عبور للسفن الأمريكية، التجارية والحربية، خلال مرورها في قناة السويس في مصر، زاعماً أنّ الأمريكيين ساهموا في شق وبناء هذه القناة؛ وكان ترامب من قبل أعلن عن بيع غزة، وضم كندا وغرينلاند، وقناة بنما، وربما يعلن غداً ويطالب بضمّ شرق الجزيرة العربية وجنوب العراق وغرب إيران، هذه المناطق الغنيّة بالنفط والغاز؛ أو ربما يعلن عن المطالبة بأرز لبنان ومرجان البحر الأحمر وغيرها وغيرها من الأمور. إنّها استباحة كاملة وواضحة لكل شيء كما لو أنّ هذا العالم ليس له قانون وليست فيه مبادئ ولا مواثيق تنظّم شؤونه وتحفظ حقوق الشعوب والدول. إنّها شريعة الغاب التي يأكل فيها القوّي الضعيف، ولكن إلى متى هذه الاستباحة والتسلّط على حقوق الناس وأمنها واستقرارها؟! إنّ هذا النهج لا يقود إلّا إلى مزيد من الغضب والاحتقان الذي يمكن أن ينفجر بوجه أصحابه في أيّ وقت. إنّ هذا النهج لن يسهم في صناعة السلام المزعوم الذي يدّعيه صنّاع القرار في عواصم العالم، بل سيفضي إلى ثورة واصطفافات دولية ستقود العالم إلى حروب جديدة هو بالغنى عنها. آن لشعوب المنطقة وحكوماتها أن تدرك أنّ هذا القادم من خارجها يستهدفها جميعاً. هذه الاستباحة لا تفرّق بين شعب وشعب ولا بين حكومة وحكومة ولا بين حكومة وشعب؛ إنّها استباحة تريد أن تلتهم الجميع دون استثناء، ولذلك فإنّ المنطق يقول إنّها يجب أن تضع خلافاتها جانباً لمواجهة هذه الهجمة الشرسة وهذا التغوّل الذي لا حدود لها، وإلاّ فإنّ الجميع سيكونون ضحيته وعندها لا ينفع الوقوف على الأطلال لأنّه لن تبقى أطلال.

هل تقع الحرب الكبرى؟
كلمة الأمان العدد 1658 /9-4-2025

بلغ التصعيد والتوتّر ذروته خلال الأيام الأخيرة على مستوى المنطقة العربية، بل على مستوى العالم أيضاً. فالولايات المتحدة الأمريكية بقيادة الرئيس ترامب تريد أن تنتهي من الملف النووي الإيراني، بل تريد فرض وإحكام السيطرة على المنطقة ونفطها وغازها وثرواتها ومقدراتها لمئة عام قادمة أو أكثر أو أقل. وكيان الاحتلال الإسرائيلي، القاعدة العسكرية المتقدمة لأمريكا، يريد أن يكون شريكاً كاملاً وأساسياً في هذه العملية، والحديث عن الملف النووي الإيراني والتهديد بضربه ليس سوى الشمّاعة التي يجري التعليق عليها، والتلطّي خلفها بهدف استكمال المخطط الذي تحدّث عنه نتنياهو في أواخر أيلول/ سبتمبر من العام 2024 عندما اغتال زعيم حزب الله في لبنان، وقال يومها إنّه سيغيّر النظام في لبنان ومنه في المنطقة بشكل عام. ترامب أرسل رسالة عبر سلطنة عُمان إلى الإيرانيين وأعطاهم فيها مهلة شهرين لتسوية ملفات: النووي، والصواريخ، والنفوذ في المنطقة، وإلاّ الضربة العسكرية؛ وأرفق ذلك باستعدادات عسكرية حقيقية حيث حرّك طائرات استراتيجية وبوارج وحاملات طائرات إلى المناطق المحيطة بإيران وإن كانت تقع على بعد آلاف الأميال عن الأراضي الإيرانية. وكيان الاحتلال الإسرائيلي استأنف عدوانه على قطاع غزة وأطاح باتفاق وقف إطلاق النار وإطلاق الأسرى، كما عاود اعتداءاته على لبنان وسورية بهدف تقويض أيّة مساعي وجهود يمكن أن يقوم بها أيّ طرف تؤثّر لاحقاً على تحركاته فيما لو اعتزمت الولايات المتحدة توجيه ضربة لإيران. عملياً الكيان الإسرائيلي تولّى عملية تسديد الضربات المستمرة لحلفاء إيران بهدف منعهم من التحرك المجدي والفعّال في حال قرّرت الولايات المتحدة توجيه الضربة. والقيادتان العسكريتان الأمريكية والإسرائيلية عقدتا سلسلة اجتماعات مطوّلة قبل أيام قليلة قد تكون بهدف وضع اللمسات الأخيرة على أيّ تحرك عسكري جدّي وحقيقي تجاه إيران. وبالطبع فقد ردّت إيران على الرسالة وعلى التهديدات وعلى التحركات برسالة جوابية وبتهديدات مضادة وبتحركات ميدانية، ولكن الجميع بات يدرك أنّها لم تعد بمستوى التهديدات والتحركات والتهديدات التي كانت تمتلكها من قبل تلقّي حلفاء إيران في المنطقة الضربة القويّة خلال العام الماضي. هل تقع الحرب الكبرى؟ ليس بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية وكيان الاحتلال الإسرائيلي فحسب؟! بل حتى بين دول أخرى في المنطقة والعالم ستجد نفسها معنيّة بالدخول فيها أو الانزلاق إليها، خاصة في ظلّ الحرب الأخرى التي يشنّها ترامب على مختلف دول العالم والمعروفة بـ "حرب الجمارك" التي يفرض فيها ترامب المزيد من الجمارك على الدول الأصدقاء والأعداء لأميركا على حد سواء. ترامب يتقن لعبة الذهاب في مفاوضاته إلى حافة الهاوية، كما يتقن سياسة رفع سقف المطالب والشروط للحصول على المكاسب بأقل الأثمان. وإيران ليست أقلّ خبرة من ترامب في هذا المضمار بل تكاد تكون سيّدة من أتقن هذه السياسة وأدّاها، ولذلك فإنّها لم تصدّ دعوة ترامب للمفاوضات، ولم ترفض شروطه ومطالبه مرّة واحدة، بل على العكس بدأت رحلة تفكيك هذه الشروط، وتمييع المطالب على أمل أن تتجنّب المواجهة المكلفة لأنّها فقدت الكثير من عناصر قوّتها، وأن تحتفظ بدور وحضور وإن كان لا يرقى ولا يصل إلى نصف ما كان عليه قبل شهور وليس سنوات. أمّا كيان الاحتلال، خاصة بقيادة نتنياهو ولاعتبارات عديدة، فإنّه معني بشكل جدّي بتوجيه ضربة عسكرية لإيران تضع حدّاً للملف النووي، ولمسألة الصواريخ والنفوذ في المنطقة لأنّ من شأن ذلك أن يُطلق يد كيان الاحتلال في المنطقة بشكل كامل. ماذا عن مفاوضات يوم السبت بين الولايات المتحدة وإيران في عُمان؟ التقديرات تشير إلى أنّ ترامب لا يريد حرباً بل يريد التزاماً إيرانياً بشروطه ومطالبه؛ وإيران لا تريد حرباً أيضاً بل تريد النجاة من هذه المصيدة والخروج منها بأقل الأضرار، فالحفاظ على الدولة في هذه المرحلة، بالنسبة لهم، أهم بكثير من نشر الثورة، ولذلك قد تقدّم إيران تنازلات غير منتظرة أو متوقّعة لتفادي الضربة العسكرية مع الحفاظ على الصوت العالي والمرتفع في مواجهة أميركا، ولعلّ مسؤوليها بدأوا يتحدثون عن الاستعداد لتقديم بعض التنازلات في سياق تفريغ القوّة العسكرية الأمريكية من مضمونها. تبقى الخشية من أمر آخر وهو أن يكون "الطبل والزمر في مكان والعرس في مكان آخر"، بمعنى أن تكون الخشية من حرب كبرى مع إيران فإذا بها تكون حروب موضعية على حساب دول وشعوب أخرى في المنطقة أولهم العرب والأتراك.

الرهان على الحماية الدوليّة!
كلمة الأمان العدد 1657 /26-3-2025

استمر الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه على الشعبين اللبناني والفلسطيني على الرغم من اتفاقي وقف إطلاق النار في لبنان وفلسطين. ففي لبنان لم يتوقف الاحتلال عن ممارساته العدوانية ولو ليوم واحد منذ الاعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار وانسحابه من الجنوب؛ فهو لم يوقف إطلاق النار وظلّت مسيّراته تغير على اللبنانيين تحت حجّة وذريعة أنّهم قاموا بأعمال تشكّل خطراً على الاحتلال، ولم ينسحب من كلّ الأراضي اللبنانية بل ثبّت احتلاله لخمس تلال حاكمة على أقلّ تقدير في الجنوب، ورفض الانسحاب منها على الرغم من مناشدات الحكومة اللبنانية لرعاة وقف إطلاق النار التدخّل من أجل إقناعه بالانسحاب. وفي غزة الوضع ليس أفضل حالاً فقد استمر الاحتلال بعدوانه على الشعب الفلسطيني الأعزل، وقتل في ليلة واحدة من الغارات الحربية التي شنّتها الطائرات أكثر من خمسماية فلسطيني في المخيمات والمباني السكنية وحتى في المشافي ومناطق الإيواء؛ وهو مستمر بجريمته يومياً حيث يسقط كلّ يوم عشرات الشهداء، حتى أنّه استهدف بشكل مباشر بإحدى غاراته مبنى للصليب الأحمر الدولي غير آبه بما يمكن أن ينتج عن ذلك، لأنّه بكل بساطة أمن أيّ عقاب، وعلم أنّ الحديث عن مجتمع دولي، وعن قانون دولي يُطبّق على الضعفاء والفقراء وغير أولي القوّة، أمّا هو وأسياده ورعاته فهم المجتمع الدولي، وهم من صنع القانون الدولي، وقد صنعوه لخدمتهم ليس لإقامة العدالة وإنصاف المظلومين في هذا العالم. يخرج بيننا من يراهن على المجتمع الدولي والأمم المتحدة والقانون الدولي من أجل حمايتنا من غطرسة الاحتلال وممارسته، ويدعو إلى تجريد مجتمعنا من كلّ عناصر وأسباب القوّة التي يمكن أن تشكّل توازناً، ولو بالحدّ الأدنى، يجعلنا نشعر بالأمن والاستقرار النسبي، ويطالبنا بالخضوع لإرادة الاحتلال والتغاضي عن ممارساته واللجوء إلى المجتمع الدولي وقانونه ومنظماته، ونحن أمام أمثلة شاخصة لعجز المجتمع الدولي عن القيام بأدنى دور ومسؤولية في حماية المدنيين، وفي تأمين حقوقهم التي أقرها هو نفسه، وفي الضرب بيد من حديد على أيدي العابثين بالاتفاقات التي تمّ التوقيع عليها برعاية ووساطة المجتمع الدولي، فهل أمّن هذا المجتمع الحماية والرعاية والعناية للمدنيين؟ ها هو الاحتلال الإسرائيلي يرتكب المجازر بحق الفلسطينيين واللبنانيين، ويخرق الاتفاقات في فلسطين ولبنان وحتى في سورية، ويهدّد أمن مصر والأردن والخليج العربي، دون أن يقيم أيّ اعتبار للمجتمع الدولي والقانون الدولي! ها هو الاحتلال الإسرائيلي يريد أن يفرض قانونه الخاص الذي يسمح له بتسيّد المنطقة على حساب أهلها وشعوبها، فأين المجتمع الدولي، والقانون الدولي، والأمم المتحدة؟! بصراحة الرهان على كلّ هؤلاء لا يسمن ولا يغني من جوع، وليس سوى عملية خداع لشعوبنا التي تُساق إلى المقصلة الإسرائيلية سوقاً. قد يقول قائل: وما هو البديل في ظلّ موازين القوى القائمة والمائلة لصالح الاحتلال ورعاته؟ ويضيف: هل من خيار آخر متاح غير الرهان على المجتمع الدولي وقانونه؟ نعم هناك، خيار المواجهة ولو بالحدّ الأدنى من دون إهمال أيّة وسيلة أخرى تشكّل ضغطاً ولو جزئياً وبسيطاً على الاحتلال ومنها المجتمع الدولي وأدواته، ولكن من دون إسقاط خيار المواجهة كلّياً. وإذا كان خيار المواجهة في مرحلة من المراحل صعباً ومكلفاً فهذا لا يعني الاستغناء والتخلّي عن أدوات القوّة بشكل كامل، فهذه الأدوات، على بساطتها وبدائيتها، شكّلت لنا ذات يوم فرصة حقيقة تمتّعنا فيها بشيء من الاستقرار وشعرنا معها بشيء من العزّة والكرامة والقوّة، فقد كان أهل الجنوب يعيشون في قراهم الحدودية المحاذية إلى الشريط الحدودي دون خوف أو قلق، وكان أهالي غزة يشعرون بالثقة والعزّة ومواجهة الاحتلال على الرغم من الحصار الجائر والظالم الذي كان وما زال مفروضاً عليهم. أمام الواقع الذي نعيشه ونراقبه ونتابعه، وأمام عجز وفشل المجتمع الدولي حيث تحوّل هذا العالم إلى ما يشبه الغابة التي تسودها شريعة القوّي الذي يأكل الضعيف، لا يمكن الرهان على هذا المجتمع ولا على قانونه، ولا يمكن إسقاط عناصر القوّة المتبقية في أيدينا، نحن أبناء هذه الأرض وهذا الشرق، كما لا يمكن الذهاب إلى مواجهات مفتوحة من دون حسابات دقيقة، بل العمل وفق هذه الحسابات وصولاً إلى حصول متغيّر يسمح بإعادة الأمور إلى نصابها والحقوق إلى أهلها.

الهروب إلى الأمام باستغلال الدماء!
كلمة الأمان العدد 1656 /19-3-2025

استفاق الناس في المنطقة العربية على جريمة ومجزرة جديدة اقترفها العدو الإسرائيلي بحقّ أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة عندما غدر بالمدنيين الآمنيين وتسلّلت طائراته الحربية وسط الظلام ليلة الاثنين - الثلاثاء لتلقي حمماً من النار والحديد على الفلسطينيين وهم ينامون مع أبنائهم في تلك الخيم التي لم يعرفوا سبيلاً للحصول عليها وهي بالكاد تأويهم من برد الشتاء. أغار عليهم وأعمل فيهم صواريخه الثقيلة والكبيرة مخلّفاً أكثر من أربعمئة شهيد من الأطفال والنساء والعزّل، وليأتي بعد ذلك المجرم ويتحدّث عن أنّ ذلك ليس سوى مجرد بداية فحسب. ارتكتب الاحتلال جريمته تحت ذريعة وحجّة إطلاق سراح الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية، وقتل هذا العدد الكبير من الشهداء، فهل يحقّ للأسرى أن يعيشوا بنعيم وحريّة ولا يحقّ للفلسطينيين أن يعيشوا بالحدّ الأدنى من مقوّمات الحياة الكريمة؟! هل أنّ حياة الأسرى الإسرائيليين أثمن من حياة الفلسطينيين؟! يبدو أنّ ذلك مقبولاً عند ما يُعرف ويُسمّى بـ "المجتمع الدولي" والأمم المتحدة، وإلاّ كيف يسمح هذا "المجتمع" الذي يتغنّى بحقوق الإنسان بهذه الجرائم الفظيعة ولا يُحاسِب عليها؟! الحقيقة أنّ الاحتلال الذي ارتكتب هذه المجزرة الجديدة وقتل هذا العدد من الشهداء عبّر كما كلّ مرّة عن نواياه تجاه شعوب المنطقة بشكل عام، وكشف مرّة جديدة، لمن لم يكتشف بعد، عن وجهه القبيح، وحجم وكميّة الحقد والكراهية التي يحملها في قليه تجاه العرب والمسلمين من أبناء الأرض، فضلاً عن إقراره بالفشل الذريع في كلّ ما قام به لتحقيق أهداف حربه وعدوانه على غزّة، وما المجزرة الأخيرة إلاّ حالة تعبير عن إنكار و"هروب إلى الأمام" بعد إخفاقه في الضغط على المقاومة الفلسطينية لدفعها لتقديم تنازلات تقضي على مستقبل الشعب الفلسطيني، ولكسر إرادة هذا الشعب الذي وقف إلى جانب مقاومته على الرغم من حجم الثمن الذي دفعه جراء هذا الصمود والموقف. المجزرة هي حالة "هروب إلى الأمام"؟! نعم ذلك، بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى، وهي استغلال رخيص لدماء الفلسطينيين من أجل تحقيق أهداف سياسية خاصة وشخصية لقادة كيان الاحتلال وهو ما صرحّت به ما تُسمى عندهم بـ "المعارضة"، وقد ظهر ذلك من خلال عودة السياسي المتطرف، إيتمار بن غفير، إلى الحكومة وهو الذي كان يشترط استئناف الحرب والعدوان على غزة من أجل العودة إلى الحكومة. في مقلب آخر من حدود لبنان الشرقية والشمالية تجري حالة هروب أخرى إلى الأمام ولكن بشكل مختلف وعناصر مختلفة. قبل أيام فُتحت الجبهة الشرقية مع الجيش العربي السوري وحصلت اشتباكات وتبادل لإطلاق النار عبر الحدود سقط فيها عدد من أفراد الجيش السوري. جرى تبادل الاتهامات بالمسؤولية عن هذه المواجهات والاشتباكات. الفاعل من الجانب السوري معروف ولا ينكر عمله، وهو الجيش والقوات المسلحة السورية. أمّا من الجانب اللبناني فالمشهد مختلف، الجيش اللبناني ليس عنصراً أساسياً في المشهد، بل يعمل على ضبط الوضع من خلال الإجراءات الميدانية من ناحية والاتصالات السياسية مع الحكومة السورية من ناحية ثانية. الفاعل من الجانب اللبناني غير معروف حتى الآن؛ حزب الله نفى مسؤوليته عمّا يجري، والحديث يجري عن عشائر تارة، وعن رعاة ماشية تارة أخرى، وعن مهرّبين وفلول للنظام السوري مرّة ثالثة، "والطاسة" يظنّ البعض أنّها "ضائعة" ولكن الحقيقة يعرفها الجميع ولا تحتاج إلى دليل، فهي من الأشياء التي "دليليها منها وفيها". الحقيقة أنّ هناك ممارسة لحالة إنكار و"هروب إلى الأمام" تماماً كما في حالة غزّة، بعد الفشل والإخفاق وعدم الاعتراف بالواقع الجديد، والذهاب نحو خلط الأوراق حتى لو أدّى ذلك إلى إحراق "البصرة" بما فيها ومن فيها. هناك من يريد أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء، وهي لن تعود، لأنّها بعكس الطبيعة وبعكس نواميس الحياة، ولذلك قد تكون الأثمان كبيرة وضخمة، وقد يكون المستقبل ثقيلاً على الجميع. على كلّ حال، حالات الهروب إلى الأمام لا تلغي الحقائق ولا تُخرج من الأزمات، هي مجرد أوهام يعيشها أصحابها إلى حين، ولكنّهم لاحقاً يدفعون بسببها أثماناً طائلة وكبيرة جدّاً، ولكنّهم لا يدركون.

هل تجاوزت المنطقة فصول التقسيم والانفصال؟
كلمة الأمان العدد 1655 /12-3-2025

أعمال الفوضى والتخريب، بل ربّما محاولة الانقلاب أو الانفصال الفاشلة التي قام بها فلول النظام السوري السابق في منطقة الساحل السوري باءت بالفشل الذريع وولّت إلى غير رجعة، بل على العكس من ذلك فقد كانت سبباً مباشراً لفكفكة عُقد كانت ما تزال تعيق انطلاق قطار نهضة سورية الحديثة، حيث كان من نتائج ذاك الفشل لتلك المحاولة توقيع اتفاق بين الحكومة السورية بدمشق و"قوات سورية الديمقراطية" في شمال شرق البلاد بحيث تنخرط هذه القوات مدنياً وعسكرياً واجتماعياً وسياسياً في الدولة السورية الجديدة، وينتهي بذلك كلّ حديث عن انفصال أو تقسيم، وتخضع بذلك كلّ الجغرافيا السورية لسيادة وسيطرة الحكومة في دمشق. كما كان من نتائج فشل تلك المحاولة الاتفاق مع وجهاء محافظة السويداء من أبناء الطائفة الدرزية على الانضمام الكامل إلى الدولة بعدما كانت فكرة الانفصال أو على أقلّ تقدير فكرة "الفدرلة" تراود عقول البعض من أبناء المحافظة في مقابل تمسّك قسم كبير منهم بالدولة ومرجعيتها. هل يمكن القول في ضوء ما حصل حتى الآن إنّ فكرة الانفصال والتقسيم سقطت في سورية، وبالتالي في كلّ المنطقة؟ لا شكّ أنّ النوايا التي ظهرت خلال الفترة الأخيرة بالانفصال والتقسيم أصيبت بخيبة كبيرة، سواء لدى أطراف في الداخل أو في سياسات حكومات الخارج، وليس في سورية فحسب بل في بقية دول المنطقة، لكنّ ذلك لا يعني أنّها انتهت وتلاشت للأبد، فأصحاب تلك النوايا في الداخل ما زالوا حاضرين في المشهد، وتلك النوايا لدى بعض راسمي السياسات في الخارج لم تتغيّر بعد، غير أنّ الواقع الحالي لم يعد يسمح لهم بتحويل تلك النوايا إلى أمر واقع حقيقي، وبالتالي فقد باتت هناك صعوبة كبيرة حالياً في الذهاب إلى خيارات التقسيم والانفصال، وقد كان للموقف الرسمي والشعبي السوري دور أساسي في إفشال ذلك في سورية وفي المنطقة كما جرى الإشارة إلى ذلك من قبل. الصراع في المنطقة وعليها لن ينتهي، خاصة وأنّ ساحات أخرى ملتهبة بشكل كبير كما في فلسطين، وهي متصلة بمختلف الساحات الأخرى التي تشهد شدّاً وجذباً، والتداخلات الإقليمية والدولية كبيرة وواسعة ومتشعبة؛ ويريد بعضها إحكام السيطرة على المنطقة بشكل كامل وإخضاعها لهيمنته وجبروته، ويريد بعضها الآخر استغلالها لمصالحه الخاصة وفي إطار تكريس دوره في المنطقة أو حماية مصالحه أو استخدامها كورقة للتفاوض من أجل الكسب والبيع والشراء؛ ويريد بعضها الثالث تقسيمها وتقزيمها من أجل أن يسهل هضمها والتحكّم بثرواتها وأبنائها. بمعنى آخر فإنّ منطقتنا العربية التي تقع في قلب العالم، وتطلّ على أغلب الممرّات البحرية التي تتحكّم بالتجارة الدولية البحرية، وترقد على ثروات نفطية وغازية هائلة لا غنى للعالم عنها، اليوم هي مسرح الأحداث والغنيمة التي يتقاتل عليها الآخرون ويحاولون استغلالها ونهبها. إنّ الحاجة باتت اليوم ماسّة جدّاً لتفاهم وتفهّم وتكامل عربي وإسلامي في المنطقة يحميها من اللصوص العالميين، الذين يخطّطون لها ويكيدون لشعوبها وحكوماتها على حدّ سواء، وقد آن الآوان للخروج من الحسابات الضيّقة ومشاريع الهيمنة والتوسّع تحت أي عنوان، فرقاب الجميع باتت تحت المقصلة، والاستهداف لا يستثني أحداً على الإطلاق، ولعلّ في وضوح سياسات الرئيس الأمريكي الذي تحدّث عن تهجير أهل غزّة إلى مصر والأردن، وحديث رئيس وزراء كيان الاحتلال الإسرائيلي عن إلقاء الفلسطينيين في السعودية، ما يكشف كل النوايا الدفينة للمشاريع التي تريد النيل من منطقتنا وأمتنا؛ وعليه فإنّ التكامل والتفاهم والتفهّم مطلوب للتصدّي لكل من يريد النيل من هذه الأمّة. وبالعودة إلى ما جرى في سورية خلال الأحداث الأخيرة في الساحل، فإنّ بعض الدول لم تستوعب بعد الأحداث والتطوّرات والمعادلات الجديدة التي نشأت؛ ربما تريد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وهي لن تعود، وربما تريد الدخول من جديد في رهانات خاسرة جرّت عليها خسائر فادحة وكبيرة، وهذه الرهانات لن تجدي نفعاً لأنّها معاكسة لمنطق الطبيعة، وبالتالي فإنّ الخسائر ستكون أكبر بكثير، هذه الدولة عليها أن تتصالح مع نفسها، ومع محيطها العربي الإسلامي حتى تنتمي إلى منظومة التفاهم والتفّهم والتكامل التي تحفظ المنطقة لشعوبها وأبنائها وتقطع الطريق على أيّ استغلال من خارجها. في ضوء إفشال السوريين لمحاولة تقسيم المنطقة بدءاً من سورية، هناك فرصة تاريخية للجميع للم الشمل وقطع الطريق على كلّ السياسات التي تريد أن تتحكّم بالمنطقة وتعمل على نهبها.

رهانات خاسرة !
كلمة الأمان العدد 1654 /5-3-2025

الأيام القليلة الماضية كانت حافلة بالتصريحات والمواقف الإسرائيلية التي يهدف كيان الاحتلال من خلالها إلى فرض رؤيته على المنطقة على اعتبار أنّه حقّق إنجازات كبيرة، سيّما في لبنان، بعد عدوانه على هذا البلد، وبعد إسقاط نظام الأسد في سوريا وشعور رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، بأنّ الفراغ الذي تعيشه الشام يسمح له بفرض هذه الرؤية، خاصة وأنّه شنّ سلسلة من الغارات الحربية منذ الثامن من كانون الأول / ديسمبر 2024 على المواقع والأسلحة الاستراتيجية التي كانت بحوزة النظام المخلوع حتى لا تقع بأيدي الحكم الجديد، ولم يلق أيّ ردّ مناسب لأنّ أولويات الحكم الجديد الآن هي ترسيخ الأمن والاستقرار الداخلي لأبناء الشعب السوري. يخشى نتنياهو الحكم الجديد في سوريا لأنّه يحمل فكرة تحرّرية لأبناء هذا البلد، وربما لأبناء المنطقة لاحقاً، ويدرك نتنياهو أنّ خدمات النظام السابق انتهت إلى غير رجعة، وبالتالي فإنّ خشية نتنياهو تتعاظم مع كل يوم يمضي ويستقر فيه الحكم الجديد، ولذلك يحرص على العمل من أجل عدم تمكين هذا الحكم من الاستقرار، بل الذهاب أبعد من ذلك ناحية تقسيم سوريا إلى كيانات طائفية أو عرقية متنازعة ومتقاتلة، ولتكريس هذا الأمر أعطى الأوامر لجيشه بالتقدّم في الناحية السورية من جبل الشيخ، والدخول في بعض مناطق جنوب سوريا في القنيطرة ودرعا، وصرّح بأنّه لا يسمح بالاعتداء على "الدروز" تحديداً في "السويداء" أو حتى في "جرمانا" بريف دمشق، وأنّه سيكون الحامي لهم. الحقيقة أنّ نتنياهو لا يريد سوى مصالحه الشخصية الخاصة، ولا يستطيع أن يحمي نفسه فضلاً عن أن يحمي غيره، فها هو قد دمّر غزّة، ولكن لم يحقّق أيّ هدف من أهدافه فيها، ولم ولن يجرؤ مستوطن واحد أن يعود إلى مستوطنات الغلاف، ولا يثق مستوطن واحد بما يقوله نتنياهو أو يتعهّد به. ألم يفعّل قانون "هنيبعل" لقتل الجنود الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية كي يتخلّص منهم؟! هل فكّر بحمايتهم؟ هل فكّر بالعمل لإطلاق سراحهم بطرق تحفظ حياتهم؟! لم يفعل أيّ من هذا، بل على العكس أراد التخلّص منهم للتخلّص من ضغط أهلهم وذويهم. فهل المتخلّي عن جنوده الذين يقاتلون في الميدان دفاعاً – كما يعتقدون عن دولتهم –سيحمي ويحفظ غيرهم؟! إنّ كلّ ما يقوله أو يقوم به نتنياهو أو حتى كيانه المزعوم ليس سوى استخدام مكوّنات أبناء المنطقة من الدورز وغيرهم بهدف تحقيق مصالحه الشخصية أولاً وقبل كلّ شيء، ومن ثمّ أهداف كيانه في الهيمنة والسيطرة على المنطقة والاستبداد بها، وهو ما أشار إليه وحذّر منه الزعيم الوطني والعروبي وليد بك جنبلاط. والحقيقة الثانية أنّ كيان الاحتلال الإسرائيلي الذي يريد أن يرمي أهل غزّة والضفة الغربية وربما الداخل الفلسطيني من خلال خططه وبرامجه ومشروع يهودية الدولة، خارج فلسطين، لن يستقدم إلى دولته المزعومة أيّ مكوّن آخر، ولن يمنح حصانة لأيّ مكوّن آخر، بل على العكس من ذلك سيستعدي العرب حتى أولئك الذين كانوا يسيرون معه في ركاب التطبيع، لأنّهم بدأوا يستشعرون خطره عليهم، وبالتالي لن تكون مشاريعه سهلة التحقّق ولن تكون الأبواب مشرّعة أمامها. إنّ كلّ رهانات الاحتلال على استخدام بعض مكوّنات سوريا أو المنطقة بشكل عام لتكون في خدمة مشاريعه وخططه ستفشل وستكون خاسرة وخائبة. إنّ المستوطنين في فلسطين لم يعد لديهم ثقة بالاستمرار وبالبقاء في هذه الأرض المقدّسة، وبالتالي فإنّ قدرته على حماية غيره هي سراب بسراب، وهي من ضروب المقامرة التي تحاول أن تستغل بعض المكوّنات المذهبية والعرقية في المنطقة لصالح مشاريعها الخاصة ومن ثم التخلّي عنها عند أول منعطف. أمّا بعض الرؤوس الحامية والمراهنة على دعم الاحتلال، أو حتى على دعم داعم الاحتلال في واشنطن، فإنّي أحيلكم إلى مشهد لقاء الرئيس ترامب بالرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلنسكي، الذي كان عاصفاً وصل به الحدّ قيام ترامب بتوجيه صفعة قوّية من يده اليمنى إلى خد ورقبة الرئيس الأوكراني، هل شاهدتم المشهد؟! ألا تخشون أن يصيبكم بعض الذي أصاب زيلنسكي الحليف الأبرز والأقوى لواشنطن؟! إلى أولئك في سوريا أو في جبل لبنان من الذين يستنجدون بالإسرائيلي أو يراهنون عليه أو يظنّون أنّه سيحميهم؛ لا تراهنوا على فرس خاسرة، لا تراهنوا على مقامر مستعد للتخلّي عن كلّ شيء أمام مصالحه الخاصة، لا تغترّوا بقوّة وجبروت سلاح الطيران، فإنّه وإن دمّر لكنّه لا يحسم الحرب، وحده الميدان هو الذي يحسم وسيظل لأهل الأرض، لا تخطئوا التقدير وتُوقِعوا بأهلكم في الهلاك، فالمنطقة ما زالت تتسع للجميع، ودوركم وحقّكم محفوظ فلا تتخلّوا عنه وكونوا شركاء في بناء سورية ولبنان والمنطقة لتكون لكلّ أبنائها، والكيّس من اتعظ بغيره.

12345678910...