هل دخلت المنطقة مرحلة الحرب المفتوحة؟!
كلمة الأمان العدد 1622 /24-7-2024

أكثر من تسعة أشهر متواصلة من العدوان الصهيوني على قطاع غزة والضفة الغربية في فلسطين، وعلى جنوب لبنان، ارتكبت فيها قوات الاحتلال مجازر لا عدّ ولا حصر لها بهدف إخافة الشعب الفلسطيني وتهجيره من أرضه، وإرهاب الشعب اللبناني حتى يخضع لهيمنتها وشروطها، غير أنّ ذلك لم يحصل ولم تتمكن تلك القوات المحتلة من تهجير الشعب الفلسطيني، ولا إخافة الشعب اللبناني، فالصمود مستمر، والمعركة مستمرة بضراوة وقد اعترف قادة الاحتلال بخسارتهم لها، كما اعترفوا بحجم الخسائر المادية والبشرية والمعنوية التي لحقت بهم خلال هذه المعركة، حتى راحوا يبحثون عن مخرج أو طريقة تحفظ لهم كيانهم المزعوم، فحاولوا وما يزالون توسيع رقعة الحرب المجنونة لتشمع مناطق أخرى وتتحوّل إلى حرب واسعة ومفتوحة تعيد خلط الأوراق في المنطقة بشكل كامل، وتتيح بذلك للاحتلال الخروج من النفق الذي أدخل نفسه فيه. فهل بتنا في ضوء النوايا الإسرائيلية، وفي ضوء التطوّرات الميدانية التي تحمل كلّ يوم شيئاً جديداً، هل بتنا واقعاً أمام حرب مفتوحة تتوسّع بالتدرّج شيئاً فشيئاً؟ لعلّ أبرز حدث شهدته المنطقة وجبهات القتال خلال الأيام الأخيرة، وضجّت به الدنيا، كان استهداف جماعة "أنصار الله" الحوثية في اليمن مدينة "تل أبيب" في الأراضي الفلسطينية المحتلة بطائرة مسيّرة أطلقوا عليها إسم "يافا" تيمّناً بالمدينة المعروفة في كيان الاحتلال باسم "تل أبيب". وقد وصلت الطائرة فعلاً عبر مسار غير معروف حتى الآن إلى المدينة وسقط على مبنى قريب جداً من منشآت حكومية، وتركت خوفاً وقلقاً واسعين في كيان الاحتلال ولدى مستوطنيه حيث عُدّ وصول الطائرة المسيّرة إلى هدفهاً خرقاً أمنياً كبيراً وفشلاً ذريعاً لكل منظومات التصدّي لمثل هذه الخروقات. كما أظهر وصول المسيّرة إلى الهدف القدرة على استهداف أيّ ميدنة أو هدف عسكري أو استراتيجي في كيان الاحتلال بسهولة ويسر وبدون كلفة عالية، وهذا ما من شأنه إسقاط قوة الدفاع الإسرائيلية، فضلاً عن تشجيع المستوطنين على الرحيل من فلسطين حيث أنّهم سيشعرون أنّهم باتوا يعيشون في مكان غير آمن حتى لو كانوا داخل فلسطين وعمقها. وفي مقابل ذلك ردّت قوات الاحتلال على هذا النشاط لجماعة "الحوثي" اليمنية، فاستهدفت مقرات ومراكز حيوية في مدينة "الحديدة" وفي مناطق أخرى بواسطة طائراتها الحربية التي سلكت أيضاً مساراً غير معروف حتى الآن، وبذلك شعر الجميع أنّ هذا التطوّر يدفع الحرب إلى مزيد من التوسّع وانخراط عناصر وقوى جديدة فيها، وفي هذا الإطار أكّد الناطق باسم جماعة "أنصار الله" الحوثية اليمنية، محمد عبد السلام، أنّ الاعتداء الإسرائيلي عليهم لن يردعهم عن مساندة الشعب الفلسطيني، وأنّ هذا العدوان على مدينة "الحديدة" بمثابة إعلان من قوات الاحتلال على توسيع الحرب، وهم مستعدون لها، وتعهّد عبد السلام بالردّ على العدوان الإسرائيلي. هي أذاً الحرب المفتوحة والواسعة تأخذ بالتوسّع والانتفاح التدريجي يوماً بعد يوم، خاصة وأنّ الطرف الإسرائيلي يعيش أزمة حقيقية على مستوى الحرب حيث تشكّلت قناعة عند أغلبية الإسرائيليين بخسارتهم لها؛ وعلى مستوى الداخل الإسرائيلي حيث بات أغلب الإسرائيليين يشعرون أنّ فلسطين لم تعد مكاناً آمناً بالنسبة لهم، ولذلك نجد أنّ أكثر من ستمئة ألف مستوطن غادروا الأراضي الفلسطينية بشكل نهائي منذ انطلاق معركة "طوفان الأقصى"، والرقم سيرتفع أكثر مع استمرار الحرب دون أفق لها. في حين أنّ الجانب الفلسطيني بات أكثر اطمئناناً للمستقبل على الرغم من فداحة الثمن الذي دفعه بفعل الجرائم الإسرائيلية المنظّمة والبشعة. الأخطر في الأيام المقبلة أن تسير عجلة المعارك بشكل أكثر سرعة نحو الحرب الواسعة المفتوحة بعد عودة رئيس حكومة كيان الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، من الولايات المتحدة الأمريكية حيث يعوّل هناك على تأمين دعم عسكري ومالي لحربه على فلسطين ولبنان وبقية المنطقة، فإذا ما تأمّن له هذا الدعم في لحظة انعدام التوازن الأمريكي بسبب الانتخابات الرئاسية الأمريكية وما يرافقها من أمور، بسبب الضوضاء التي تعيشها أميركا على خلفية هذه الانتخابات، فإنّ شهية نتنياهو على توسيع الحرب ستدفع إلى حماقات جديدة لدى الاحتلال لدفع كلّ المنطقة إلى المجهول علّ ذلك يشكّل طوق النجاة لنتنياهو وكيانه الذي بات سقوطه وانهياره قاب قوسين أو أدنى.

عاشوراء .. مناسبة جمع ونصرة المظلوم!
كلمة الأمان العدد 1621 /17-7-2024

حلّت خلال الأسبوع الجاري ذكرى مناسبة استشهاد الحسين بن علي رضي الله عنهما في كربلاء بالعراق، وكان ذلك في اليوم العاشر من محرّم. وقد شكّلت هذه الواقعة محطّة فارقة في تاريخ العالم الإسلامي خاصة وأنّ الشهيد فيها هو سبط النبي (صلى الله عليه وسلّم) وسيّد شباب أهل الجنّة، وقد كان سبب شهادته أنّه خرج مصلحاً وباذلاً لجهده من أجل إعادة الأمور إلى نصابها لناحية تأمين سبل الاستقرار والعدالة على مستوى الأمّة، فكانت شهادته في هذا السبيل؛ سبيل الجمع لا القسمة، وسبيل نصرة المظلوم وأقامة العدالة وتأمين الاستقرار لا الاستيلاء على السلطة لمجرد السيطرة على الملك والجاه والدنيا. لجأت مجموعات من المسلمين إلى إحياء معاني هذه المناسبة كلٌّ على طريقته ووفق ظروفه، ولكنّ الجميع متفق على المعاني الأساسية التي تتلخّص بشكل عام برفع الظلم والاضطهاد والعمل لنصرة المظلوم والمستضعف. وكلّ ما يخرج عن هذه المعاني لا يعود يمتّ إلى المناسبة والذكرى بصلة. خلال العقدين الأخيرين جهدت أطراف عديدة داخلية وخارجية وعبر برامج منظّمة على إشعال فتيل الفتنة بين مكوّنات البلد والمنطقة، وخاصة المسلمين منهم، لما لمثل هذه الفتنة من تأثير سلبي على دور المنطقة ومكوّناتها، وكجزء من محاولات تلك الأطراف وضع اليد بشكل كامل وطويل الأمد على مقدرات وخيرات وثروات منطقتنا بهدف إخضاعها والتحكّم بها. ولعلّ ذلك تجلّى بشكل واضح قبل سنوات بما سُمّي بـ "مشروع صفقة القرن". اليوم، المنطقة وفي ظلّ العدوان الإسرائيلي الهمجي والواسع الذي يستهدف قطاع غزّة وجنوب لبنان، والمدعوم والمُغطّى غربياً من أغلب الدول، والذي يستهدف الشعب الفلسطيني بوجوده وبقائه، ويستهدف المنطقة بدورها وقيمتها، ويستهدف الأمّة بمقدساتها، تأتي هذه المناسبة الذكرى لتشكّل نقطة جمع لمكوّنات المنطقة والأمّة، بهدف مواجهة هذا المشروع الغربي الاستئصالي الذي يستهدف الجميع دون استنثاء، لأنّه مشروع يريد أن يفرض هيمنته وسيطرته وسطوته على الجميع، ويحوّل أبناء المنطقة إلى حالة من العبودية المقنّعة، وبالتالي فإنّ المطلوب أن يصطفّ الجميع، بغضّ النظر عن توجهاتهم الدينية والفكرية والسياسية، لمواجهة هذا العدوان، وبهدف رفع الظلم الذي سيلحق بالجميع من ناحية، وبهدف الوصول إلى نقطة يجتمع عليها الجميع تكون نقطة انطلاق لإصلاح الواقع القائم المشبع بالاصطفافات المختلفة من ناحية، والمحكوم بالفساد المستشري في ناحية ثانية، في حين أنّ من معاني الذكرى أن يجتمع الناس من أجل تعزيز معاني الحقّ والحريّة والعدالة الضامنة لأمن المجتمع واستقراره بحيث لا يكون فيه مظلوم ولا ظالم مستبد. بهذا المعنى فإنّ الجميع مدعو للتفكير بهذا الاتجاه، وإدارة حوار داخل، حتى مع النفس، من أجل الخروج من منطق الفئويات الضارة، وعقلية الانعزال، أو تفكير السطو والاستبداد على حياة ومستقبل الآخرين تحت أي عنوان من العناوين. وإلّا فإنّ الذكرى والمناسبة تبقى قاصرة عمّا أراده صاحبها عندما خرج ينشد ويريد الإصلاح في أمّة جدّه من أجل خيرية وصلاح هذه الأمّة.

صمّام أمان بين محورين!
كلمة الأمان العدد 1620 /10-7-2024

منذ اللحظة الأولى لمعركة "طوفان الأقصى" والعدوان الصهيوني على قطاع غزة انخرط لبنان بشكل مباشر في مواجهات ما تزال مستمرة على الجبهة الجنوبية للبنان مع فلسطين المحتلة انطلاقاً من دعم الشعب الفلسطيني في معركته باعتباره يدافع عن الأمّة العربية كلّها في هذه المعركة خاصة بعدما انكشفت نوايا الاحتلال في توسيع مناطق سيطرته من أجل إقامة "إسرائيل الكبرى" من نهر النيل في مصر إلى نهر الفرات في العراق شاملة جزءاً من الأراضي السعودية والكويت؛ وباعتبار درء مخاطر العدوان عن لبنان بشكل استباقي قبل أن يتفرّد العدو بتوجيه ضربة للبنان فيما لو تمكّن من القضاء على المقاومة الفلسطينية وتصفية القضية الفلسطينية. وبالنظر إلى الانقسام القائم في لبنان حيال الملفات الداخلية اللبنانية، وعلى الرغم من شبه الإجماع اللبناني على دعم الشعب الفلسطيني في معركته والتضامن معه بشكل واسع، غير أنّ الموقف اللبناني تباين واختلف حيال الآليات والوسائل التي يعبّر بها عن دعم الشعب الفلسطيني. ففريق رأى أنّ تفعيل المقاومة المسلّحة وإشغال الاحتلال في شمال فلسطين يشكّل أهم وأبرز وسيلة تخفّف عن الشعب الفلسطيني وتستنزف الاحتلال وتجعله ينزل على شروط المقاومة الفلسطينية وبذلك يأمن لبنان شرّ الاحتلال ويشغله عن القيام بأيّ عدوان واسع يطال الداخل اللبناني. وفريق آخر رأى أنّ الدعم يكون عبر مواقف التضامن الإعلامية وأحياناً السياسية إذا لم يترتّب عليها مسؤولية أمام الإسرائيلي أو أمام المجتمع الدولي، وهؤلاء اعترضوا على استخدام الأراضي اللبنانية في الجنوب منطلقاً لشنّ عمليات على قوات الاحتلال باعتبار أنّ ذلك يمكن أن يجرّ لبنان إلى قلب المعركة. وأمام هذين الموقفين تمايز اللبنانيون بين من انضمّ إلى هذا ومن انضمّ إلى ذاك، وبرز في هذا الجانب انحياز معظم المرجعيات والشخصيات والقوى الإسلامية السّنّية إلى جانب خيار دعم الشعب الفلسطيني في معركته هذه بكلّ السبل الممكنة والمتاحة بما في ذلك العمل المسلّح أو المقاومة بغضّ النظر عن الأثمان والنتائج التي يمكن أن تترتّب على ذلك، وبرز هذا الاتجاه في مواقف مفتي الجمهورية ومفتي المناطق، وفي أداء رئيس الحكومة، وفي تفعيل الجماعة الإسلامية لجناحها العسكري المقاوم (قوات الفجر)، وفي مواقف واضحة لكلّ القوى والشخصيات في الساحة السُنّية بدعم الشعب الفلسطيني. وهنا وجد هؤلاء أنفسهم بين محورين أو تيّارين يحاول كلّ منما أن يأخذ هذا المكوّن وشخصياته وقواه ومرجعياته إلى جانبه. فالمحور الداعم للقضية الفلسطينية بالسلاح وبكل أشكال الدعم أراد أن يكون هذا المكوّن بكلّ تلاوينه ضمن هذا المحور على اعتبار أنّ القضية الفلسطينية المركزية هي الميزان الذي يقاس عليه في هذه المرحلة، وبالتالي فإنّ انخراط هذا المكوّن في هذا المحور يعزّز فرص نصر المقاومة الفلسطينية ووقف الحرب. في مقابل ذلك أراد محور آخر لهذا المكوّن أن لا ينخرط في أي دعم مادي محسوس للشعب الفلسطيني والاكتفاء بالدعم الإعلامي فحسب، وانطلق هذا المفريق من اعتبار أنّ لبنان سيكون في خطر في حال توسّع المواجهات مع العدو وتحوّلها إلى حرب مفتوحة وواسعة، وبالتالي فليس للبنانيين شأن في الدعم المادي المحسوس سيّما بالسلاح والمقاومة. والحقيقة أنّ هذا المكوّن لا يمكنه أن يتجاهل دعم الشعب الفلسطيني بأي شكّل من أشكال الدعم خاصة وأنّ النوايا الإسرائيلية بالنيل من لبنان بات واضحة ومكشوفة، وبالتالي لم يرَ بأساً في الانخراط بالعمل المقاوم والمسلّح لدعم الشعب الفلسطيني. وفي موازاة ذلك لا يمكن لهذا المكوّن أيضاً أن يتجاهل ضرورة الحفاظ على لبنان وطناً ومساحة تتسع لكلّ اللبنانيين على قاعدة الشراكة الكاملة غير المنقوصة، وعلى قاعدة المواطنة والحقوق والواجبات، وبالتالي فإنّهم معنيّون بشكل رئيسي في طمأنة الشركاء من دون أن يشكّل ذلك معوّقاً أمام الواجب الانساني والوطني والأخلاقي والإسلامي تجاه الشعب الفلسطيني، ومن دون أن يكون أداء هذا الواجب ذريعة لإسقاط الكيان اللبناني وتفسّخه وانهياره، وبهذا الاعتبار اتخذ هذا المكوّن موقفاً زانه بميزان أدق من ميزان الذهب بحيث يظلّ يتمّ فيه الحفاظ على أداء الواجب ضمن القدرة والاستطاعة بموازاة بالحفاظ على الصيغة والنظام القائم على الشراكة الكاملة بين كلّ اللبنانيين، وبهذا الموقف شكّل هذا المكوّن صمام أمام للبنان كما كان على مرّ العقود الماضية.

سُنّة لبنان.. حارِسُو القضايا القومية وحامِلُو هَمّ الدولة ومُفْتوهم رموز الأصالة والانفتاح
كلمة الأمان العدد 1619 /3-7-2024

"سُنّة لبنان"، والأصحّ "مسلمو لبنان" لم يتخلّفوا يوماً عن القيام بدورهم وواجبهم الإسلامي والقومي والوطني والانساني تجاه إخوانهم في الدين أو العروبة أو الوطنية أو حتى الانسانية لأنّهم تربّوا على القيم الأصيلة التي ترفض الظلم، وتكره الغدر والخيانة، وتأبى الخضوع والانقياد، وتؤمن بالوفاء، وتحافظ على العهد، وتئد الفتنة في مهدها، وترفع السيف وراية الجهاد بوجه كلّ غازٍ معتدٍ، وتمدّ يد التعاون لكلّ صديق مخلص، وتفتح القلب لكلّ شريك مؤمن بالشراكة الجادّة النافعة التي تعود بالخير على الجميع من دون استثناء. "سُنّة لبنان" كانوا حارسي القضايا القومية العربية وما زالوا؛ وقفوا إلى جانب فلسطين منذ اللحظة الأولى لغدر الصهانية والدول التي حمتهم ووفّرت لهم سبل بناء كيانهم المزعوم، فانضموا منذ ما قبل العام 1948 إلى العمق العربي في مساعدة الشعب الفلسطيني، ثمّ لاحقاً وقف رموزهم من أمثال معروف سعد ورشيد كرامي والمفتي الشهيد الشيخ حسن خالد وغيرهم سدّاً منيعاً بوجه كلّ من حاول النيل من القضايا العربية والقومية. وقفوا إلى جانب ثورة الشعب الجزائري للتخلّص من الاحتلال الفرنسي، فأمدوا هذا الشعب بما توفّر لديهم من أسباب القوّة حتى أنّ بعض نسائهم كنّ يتبرّعن بحلّيهن من أجل ثورة الجزائريين. وفي العصر الأخير وقفوا إلى جانب الشعب السوري وثورته في تجلّ واضح لموقفم الدائم في القيام بواجبهم في حراسة القضايا القومية والعربية. "سُنّة لبنان" كانوا حاملي لواء بناء الدولة والنهوض بها والدفاع عنها وحمايتها ودفعوا لأجل ذلك أثماناً باهظة بدءاً مما قبل الاستقلال مع عبد الحميد كرامي، مروراً بعهد الاستقلال مع رياض الصلح، وصولاً إلى ما بعد الحرب الأهلية المشؤومة مع رفيق الحريري. وما زالوا إلى اليوم يؤمنون بالدولة وبأنّها الملاذ الآمن للجميع، ويريدونها دولة لكلّ اللبنانيين، بل أكثر من ذلك دولة تحتضن الوافدين إليها ليعيشوا في كنفها بأمن وسلام وعدالة دونما أيّ اعتبار لجنس أو لون. و"سُنّة لبنان" مثّلوا خلال هذا التاريخ الطويل عنواناً للاعتدال والانفتاح والعيش المشترك مع بقية الشركاء في الوطن، ولم يعرفوا يوماً تطرّفاً أو تقوقعاً أو انعزالاً، وإذا ما بدر من أحدهم ذلك تجد أنّهم أول من يباشر بالمعالجة، وأذكر في هذا السياق كيف بادر الأمين العام السابق للجماعة الإسلامية في لبنان، المستشار الشيخ فيصل مولوي، إلى تنظيم مؤتمر إسلامي جامع في فندق "فينيسيا" في بيروت في العام 2007، وأصدر المؤتمر الذي جمع أكثر من 300 شخصية اعتبارية، وثيقة حرّمت العنف والتطّرف وشكّلت غطاءً للجيش اللبناني في حربه على المجموعات المسلحة التي نادت بالتطرّف ولجأت إلى العنف واتخذت من مخيم نهر البارد حصناً لها. بهذا المعنى والاعتبار قام "سُنّة لبنان" بدورهم وواجبهم تجاه القضايا القومية العربية والإسلامية والانسانية، بموازاة قيامهم بواجبهم تجاه بناء الدولة محلّياً حتى يستقرّ الأمر والأمن لجميع أبنائها، وما زالوا يقومون بهذا الدور والواجب في الاتجاهين من دون أن يكون في ذلك أيّ خلل أو تناقض. وأمّا لناحية الموقف الأخير من حرب الإبادة الصهيونية المرتكبة بحقّ الشعب الفلسطيني، والتي تحرك لها الضمير الشعبي العالمي عندما عرف حقيقة العدوان والجريمة المرتكبة بحقّ الفلسطينيين، فإنّ "سُنّة لبنان" بالاعتبارات الآنفة الذكر تحركوا على المستويات كافة من أجل القيام بواجبهم الإسلامي والقومي والانساني للتخفيف عن الشعب الفلسطيني. هذا الشعب الذي تحرك لأجله أصحاب الضمائر الحيّة في واشنطن ونيويورك ولندن وباريس ومدريد وغيرها من المدن فيما يريد البعض لـ "سُنّة لبنان" أن يلوذوا بالصمت وكأنّ شلال الدم الفلسطيني يجري في غير جوارهم؛ يريد لهم أن يدسّوا رؤوسهم بالتراب كالنعامة وكأنّ الأطماع الصهيونية التي باتت واضحة وضوح الشمس لا تريد أن تلتهم وطنهم ولبنانهم إذا ما انتهت من التهام فلسطين لا قدّر الله!! إنّ الشيء الطبيعي جدّاً أن يبادر "سُنّة لبنان"، بل جميع اللبنانيين، إلى دعم ومساعدة الشعب الفلسطيني لأنّه يدافع في هذه المعركة اليوم عن العمق العربي والإسلامي في بلاد الشام وفي الخليج وفي شمال أفريقيا؛ وإنّ الشيء الطبيعي أن يكون مُفتو "سُنّة لبنان" في مقدمة وطليعة المدافيعن والمنافحين عن كلّ مظلوم فكيف إذا كان المظلوم هو الشعب الفلسطيني، والظالم هي الصهيونية الطامعة بخيرات وثروات العرب وبلادهم؟! فهذا ديدن هؤلاء المُفتين الذين شربوا الأصالة وارتووا منها، وتربّوا على مبادىء الدين الحنيف، ويعرفون دورهم وواجبهم بشكل جيّد لا يحتاجون فيه لا إلى نصيحة ولا إلى مناشدة. ولم يكن غريباً على مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان هذا الموقف المشرّف في دعم قضية الشعب الفلسطيني، ولا حتى في احتضان الشهداء من أبناء رعيته الذين ارتقوا في درب تقديم الدعم والإسناد للشعب الفلسطيني، فالدار التي يرأسها معروفة بتاريخها ومواقفها المشرّفة التي ترفع رأس اللبنانيين والأمة جمعاء؛ كما وأنّ مواقف إخوانه مفتي المناطق لا تقلّ أصالة وكرامة عن موقف صاحب السماحة، وهي تجسد التعبير الحقيقي والوجدان والضمير الذي يختلج قلوب كل صاحب وجدان وضمير. وأنّ هذه المواقف لا تتعارض أبداً مع مبدأ ومنطق قيام الدولة والنهوض بمؤسساتها، أو مع فكرة الهيمنة عليها أو الذهاب إلى الدويلة بدلاً منها؛ فمفتي الجمهورية، والمفتون، ومعهم كلّ "سُنّة لبنان" على تنوّعهم وأفهامهم، وعدد غير قليل من اللبنانيين يتمسّكون بالدولة وبمؤسساتها لأنّها الأساس في فكرة التزام القضايا القومية والانسانية. وأمّا الحديث عن استغلال لـ "سُنّة لبنان" من قبل أطراف معيّنة دولية أو إقليمية أو حتى عربية، فهذا ما دحضه التاريخ عندما حاول أقرب الأقربين أن يمارس هذا الاستغلال والاحتواء ولم يفلح بذلك، لأنّ "سُنّة لبنان" يتمتعون بمقدار كاف من الحكمة والمعرفة والتجربة التي لا تسمح لا لصديق ولا لعدو استغلالهم أو التأثير عليهم أو سوقهم في اتجاهات لا يريدونها. بهذه الاعتبارات سيظلّ "سُنّة لبنان" حارسي القضايا القومية، وحاملي لواء النهوض بالدولة، وسيظلّ مُفتوهم رمز الأصالة والكرامة والانفتاح والضامن لبقاء القيم الإسلامية العربية التي ميّزتهم بالريادة والقيادة والمسؤولية.

خيار دعم فلسطين مادياً ومعنوياً
كلمة الأمان العدد 1618 /26-6-2024

أكّد اللبنانيون على دعم الشعب الفلسطيني في مواجهته لآلة القتل الإسرائيلية خاصة في ظلّ الهمجية التي تقود بها حكومة الاحتلال العدوان على غزة أو حتى على الضفة الغربية، غير أنّ المسلمين في لبنان كان لهم موقف متقدّم في دعم الشعب الفلسطيني ومقاومته، وتجلّى ذلك بشكل واضح من خلال الانخراط المباشر في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي من خلال جبهة الجنوب، خاصة وأنّ نوايا الاحتلال الإسرائيلي باتت واضحة في استهداف لبنان أيضاً بالعدوان وتغيير معالمه الجغرافية، وقد كشف الاحتلال عن هذه النوايا من خلال الخرائط الجديدة لـ "إسرائيل" التي أرداها من نهر النيل في مصر إلى نهر الفرات في العراق شاملة إجزءاً من الأراضي السعودية والكويت أيضاً، ولبنان في صلب هذه الخريطة؛ بمعنى آخر إنّ النوايا الإسرائيلية تعمل لضمّ لبنان بشكل كامل إلى خريطة "إسرائيل" الكبرى. وانطلاقاً من هذا المعطى الذي بات واضحاً، انخرط المسلمون في لبنان بشكل مباشر في مواجهة الاحتلال على قاعدتين أساسيتين: إفشال مخططات ونوايا الاحتلال تجاه لبنان، ودعم الشعب الفلسطيني والتخفف من معاناته. هذا الخيار في الدفاع عن لبنان ونصرة الشعب الفلسطيني لم يكن موقف القوى الحزبية والسياسية والشعبية في لبنان فحسب، بل حتى انخرطت في هذا الموقف المرجعيات الإسلامية رسمية ودينية بشكل واضح لإدراكها أنّ الصمت أو الحياد لن ينقذ لبنان ولن يخفّف من معاناته ولن يجعله بمنأى عن نوايا ومخططات الاحتلال. لقد رسمت مواقف مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان التي أطلقها في أكثر من مناسبة وفي بيانات المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى المسار الذي سلكه الشارع الإسلامي تجاه القضية الفلسطينية، وهو مسار واضح بتأييدها ودعمها بكافة السبل المتاحة بما في ذلك خيار الجهاد والبندقية، وقد تجلّى هذا الموقف بشكل واضح في كلمة مفتي البقاع الشيخ علي الغزّاوي خلال تشييع الشهيد أيمن غطمة في بلدة "لالا" البقاعية ممثلاً مفتي الجمهورية حيث أكّد على أنّنا لن نرشّ الأرز والورد على الاحتلال، فإمّا أن يخرج من أرضنا وإمّا سنقاومه بالبندقية، وقد رفع بندقية كانت معه أمام المشيّعين في أوضح تعبير عن احتضان خيار الجهاد ورفض المساس بالمجاهدين، ولا أدري إن كان هذا الفعل جاء ردّاً على بعض المواقف التي صدرت ووصفت ما يجري من جنوب لبنان من مواجهات مع الاحتلال بأنّها عمليات "إرهابية". كما وأنّ موقف المرجعية الرسمية لم يكن أقلّ وضوحاً في دعم الشعب الفلسطيني والوقوف إلى جانبه ورفض كل أشكال العدوان بحقّه، وقد تجلّى ذلك أيضاً في العديد من المواقف التي أدلى بها رئيس الحكومة وأكّد فيها على أنّ الجهود المبذولة للوصول إلى تهدئة في جبهة الجنوب مرتبطة بوقف العدوان على غزة. أمّا على صعيد الاحتضان الشعبي لخيار الجهاد ودعم الشعب الفلسطيني، فقد أعاد أهل البقاع وخلال أقل من شهر التأكيد عليه بعد أن شكّلت الحشود الشعبية في تشييع الشهداء في عكار أبرز تجلّيات الاحتضان الشعبي لخيار الجهاد، فجاء تشييع الشهيد أيمن غطمة من منطقة البقاع الأوسط حتى مسقط رأسه عند طرف البقاع الغربي في بلدة "لالا" ليوكّد على أنّ البقاعيين كانوا وما زالوا مع خيار الجهاد لدعم الشعب الفلسطيني، وليؤكّدوا أيضاً على احتضانهم للمجاهدين والشهداء فخرجت البلدات البقاعية كافة لاستقبال موكب الشهيد ولتقول نحن على العهد لأمتنا في وقوفنا إلى جانب كلّ مظلوم في هذا العالم. ربما يقول البعض إنّ هذا سيعرّض لبنان لمزيد من المخاطر والتداعيات، والسؤال : هل لبنان بمنأى عن المخاطر والتداعيات في ظلّ النوايا الإسرائيلية التي باتت واضحة ومكشوفة ولا تحتاج إلى دليل؟! هل الصمت والحياد سينقذ لبنان من بين أنياب الوحش الإسرائيلي الذي يريد أن يلتهم المنطقة؟!

حول قرار مجلس الأمن وقف النار في غزّة!
كلمة الأمان العدد 1617 /12-6-2024

وأخيراً وبعد دخول العدوان على غزة شهره التاسع، وبعد أن أيقنت الولايات المتحدة أنّ قوات الاحتلال فشلت في إحراز أي هدف من أهدافها في غزة، وبعد هذا الكمّ الهائل من المجازر بحقّ الأطفال والنساء والشيوخ، وبعد تدمير البنية التحتية والفوقية لمدينة غزّة وبقية القطاع، تقدّمت الولايات المتحدة هي نفسها بمشروع قرار أمام مجلس الأمن لوقف النار في غزة، فيما كانت قد أفشلت عشرات المحاولات التي بذلتها دول عربية وصديقة لوقف النار في غزّة وتجنيب المدنيين وأهالي القطاع هذا الدمار والخراب الذي ألحقته بهم آلة القتل الإسرائيلية وكان آخر هذا الفصول المجزرة التي ارتكبتها هذه القوات في مخيم النصيرات وذهب فيها أكثر من مئتي شهيد ومئات الجرحى تحت عنوان تحرير أربعة أسرى من أسرى قوات الاحتلال والمستوطنين الذين سقطوا بأيدي المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر من العام 2023. لكن، هل فعلاً أقتنعت الولايات المتحدة بوقف إطلاق النار؟! أم ترى أنّها تريد أن ترخج بوجه أبيض بعد هذا الكمّ الهائل من المجازر وأعداد الضحايا والشهداء؟! هل فعلاً تريد أن تضع حدّاً للحرب والعدوان أم ترى تريد أن تلجأ إلى طرق ووسائل وأساليب أخرى من أجل خداع المقاومة الفلسطينية وإلحاق الهزيمة بها والأذى بالشعب الفلسطيني؟! وهل فعلاً تريد الولايات المتحدة و ضع حدّ لأوزار الحرب أم ترى تريد إدارتها كسب ثقة الناخبين الأمريكيين في معركة الرئاسة القادمة إذ أنّ المشهد الحالي بات يشكّل كابوساً على هذه الإدارة لناحية النتائج المرجوّة والمتوقعة لتلك الانتخابات؟! لا يبدو أنّ الولايات المتحدة تتحرك في ملف إنهاء الحرب والعدوان على غزة من منطلق أخلاقي ينسجم على أقلّ تقدير مع المبادىء التي تحملها، ولكنّها تتحرك بدافع مصلحي بعدما تبيّن لها عجز وفشل الاحتلال في سحق المقاومة الفلسطينية وبالتالي تصفية القضية الفلسطينية والتمدّد على حسابها في المنطقة. فعلى الرغم من المجازر التي ارتبكتها وما تزال قوات الاحتلال، وعلى الرغم من إفشال حكومة هذا الكيان لكل المبادرات التي قدّمتها الولايات المتحدة نفسها لوقف النار في غزة في وقت سابق وإطلاق سراح الأسرى، وعلى الرغم من الزيارات المتكرّرة لمسوؤليين كثر في الإدارة الأمريكية إلى المنطقة واستعطافهم نتنياهو لقبول وقف النار وقبول المبادرة الأمريكية، وبعد رفض دائم لكل الصيع التي قدّمها الوسطاء، يأتي وزير الخارجية الأمريكي ليحمّل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) مسؤولية أي فشل لتطبيق قرار مجلس الأمن القاضي بوقف إطلاق النار، فيما يعفي "إسرائيل" من أيّة مسؤولية مع أنّها كانت هي التي تعطّل دائماً أي مسعى لإنهاء الحرب وإطلاق سراح الأسرى. لذا يبدو أنّ الولايات المتحدة وحتى من خلال قرار مجلس الأمن الذي قدّمته ورعته وأمّنت له سبل الوصول إلى قرار أممي، بعدما كانت أفشلت بالفيتو كل المساعي والمشاريع السابقة بهذا الاتجاه، تريد الولايات المتحدة أن تنجز تحت عنوان قرار مجلس الأمن ما لم تستطع قوات الاحتلال الإسرائيلي إنجازه في ميدان القتال، ولذلك يهدّد ويحمّل مسؤولية الإخفاق لحماس مسبقاً. قرار مجلس الأمن الخاص بغزّة والداعي إلى وقف لإطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى وانسحاب قوات الاحتلال وإعادة الإعمار جاء بصيغ مبهمة وحمّالة أوجه ومعاني، وبالتالي فإنّ من حقّ الشعب الفلسطيني ومقاومته أن يطلب إيضاحات، بل وضمانات بخصوص هذه العناوين قبل الشروع في أي عمل تنفيذي، وإلاّ فإنّ الركون إلى هذا القرار باعتباره أممياً لا يحمل أيّة ضمانة حقيقة لأيّ عنوان من العناوين المدرجة في متنه. صحيح أنّ الشعب الفلسطيني وغزة دفعت الكثير من الأثمان، ولكن هذا ربع الشوط الأخير الذي يحتاج إلى القليل من الصبر حتى يخضع الطرف الآخر بشكل كامل، فلولا أنّ الاحتلال بات يعيش العقدة والأزمة الفعلية في حربه على غزّة لما تبرّع الأمريكي بإصدار قرار من مجلس الأمن. إنّ هذا وحده يعكس حجم الحاجة عند هذا الطرف لوقف النار، ولكن لا بدّ أن يدفع الثمن والتعويض أيضاً قبل أن يهدأ له بال.

حول فرص انتخاب رئيس للجمهورية
كلمة الأمان العدد 1616 /5-6-2024

الأسبوع الماضي زار المبعوث الفرنسي، جان إيف لودريان، بيروت والتقى عدداً كبيراً من المعنيين بشأن انتخاب رئيس جديد للجمهورية ولكنّه - وكما أوحى - كان مستمعاً أكثر منه مقترحاً لأفكار تساعد على الخروج من الأزمة سوى ما تسرّب من حديث عن مقاربته لطرح خيار ثالث غير الخيارين المطروحين وهما : سليمان فرنجية أو جهاد أزعور. وخلال اليومين الأخيرين زار وزير الخارجية الإيرانية بالوكالة علي باقر كنّي لبنان والتقى أيضاً عدداً من المسؤولين اللبنانيين، وليس من عادة الدبلوماسيين الإيرانيين الحديث عن شأن أو أمر داخلي لبناني وإن كانوا يقاربون الملفات الداخلية اللبنانية بحكم اهتمامهم بما يجري في المنطقة. لقد أكّد كنّي على وقوف إيران إلى جانب لبنان، وكأنّه أراد أن يقول في ظلّ الوضع المتطوّر على جبهة جنوب لبنان إنّ إيران ما زالت على موقفها الداعم للمقاومة والمدافع عنها، وإنّ أيّ توسيع للحرب تجاه لبنان يعني إيران بشكل أساسي. وبالعودة إلى فرص انتخاب رئيس للجمهورية في المرحلة المقبلة فإنّه من الواضح تماماً أنّ الأفق لا يبشّر بالخير في هذا المجال. فالأمور ما تزال معقّدة، ومترابطة بإرادة من الفاعلين أو من غير إرادة منهم، والجميع بات ينتظر نتائج ما ستؤول إليه الأمور والأوضاع في فلسطين، بل ربما في المنطقة. الأولوية الآن لدى الأطراف الأساسية الفاعلة هي في فلسطين وما سيتقرّر بعد الحرب والعدوان، وأمّا انتخابات الرئاسة في لبنان فهي بالنسبة لتلك القوى الفاعلة، محلية أم إقليمية أم دولية ليس لها أولوية، خاصة وأنّ الأمور تسير في لبنان بالحدّ الأدنى المقبول والمتعارف عليه. وبالتالي لا حاجة بنظر أولئك إلى أي تغيير في الشكل الحالي سوى إذا كان جزءاً من تغيير شامل في قواعد وأشكال كثيرة، وهذا حتى اللحظة غير مطروح لدى أيّ فريق أو طرف. هل يمكن أنّ يؤثّر هذا المشهد بهذه الكيفية على لبنان. بالطبع يمكن أن يؤثّر غير أنّ تأثيره لن يكون كبيراً بحيث يغيّر مشهد لبنان كلّياً. أمّا الحديث عن تغيير في الهيكل والنظام والكيان فهذا لا يمكن أن يحدث إلاّ نتيجة تغييرات كبرى على مسرح المنطقة بشكل عام بل ربما على المسرح الدولي، وهذا إلى الآن غير قائم أو مطروح حالياً، وبالتالي إن حصل أيّتغيير فهو سيكون نتيجة التغييرات الكبرى التي ستشمل المنطقة بغض النظر عن المشهد الذي سيكون قائماً في أيّ مكان منها. مشكلة لبنان الأساسية ليست في انتخاب رئيس من عدمها على أهمية ملء هذا الموقع الأول الشاغر. مشكلة لبنان أنّه ارتضى أن يكون جزءاً من الأدوات الفاعلة بأيدي اللاعبين الإقليميين والدوليين فيما رفض أبناؤه أن يكون لهم رؤيتهم الخاصة التي تجعلهم نظراء لكلّ الفاعلين من المنطقة، وهم يملكون الأدوات لذلك لكنّهم لا يريدون.

ما بعد إسرائيل!
كلمة الأمان العدد 1615 /29-5-2024

ربما يستغرب البعض العنوان، "ما بعد إسرائيل". نعم يسغرب البعض ذلك لأنّه لم تدر في خُلْد البعض منّا فكرة انتهاء وزوال "إسرائيل" على اعتبار أنّها دولة تملك من جبروت الآلة العسكرية والدعم الغربي المفتوح ما يحفظ بقاءها واستمرارها على حساب العرب وفي مقدمهم الفلسطينيين. غير أنّ الفلسطينيين قلبوا المعادلة، وغيّروا مسار الأحداث، وما لم يكن متوقعاً يوماً بات في حكم الواقع حالياً، وما لم يكن يصدّقه عقل بات واضحاً أمام أعيننا وليس عقولنا فحسب. في معركة "طوفان الأقصى" سدّدت المقاومة الفلسطينية ضربة قاضية لكيان الاحتلال الإسرائيلي في أبرز مفصلين له. الهجرة اليهودية إلى فلسطين حيث صارت معاكسة لأنّ فلسطين لم تعد بيئة آمنة لهم. والقلعة العسكرية القوية التي كانت تحمي مصالح الغربيين إجمالاً باتت بحاجة إلى حمايتهم وتواجدهم المباشر في المنطقة. إذاً فقدت "إسرائيل" الدور الوظيفي الذي أُنشئت من أجله وهو استيعاب اليهود واستخدامهم، وكقاعدة وقلعة عسكرية للغرب تكون بمثابة العصا الغليظة التي تؤدّب بها أيّ نظام أو دولة أو قوّة في المنطقة تخرج عن الطوع الغربي الذي تمثّله أميركاً حالياً. وعندما تفقد "إسرائيل" الدور الوظيفي لها، فإنّ راعيها أو مُنشئها سيعمل على إعادة هذا الدور لها، وهو ما أشار إليه الرئيس الأمريكي خلال زيارته للمنطقة بعد معركة طوفان الأقصى إذ قال يومها " لو لم تكن إسرائيل موجودة لأوجدناها". بمعنى آخر سنعمل على إعادة دورها الذي تصدّع بضربة "طوفان الأقصى". وقد حاولت "إسرائيل" وبغض نظر، بل بدعم غربي وأمريكي مفتوح، استعادة هذا الدور من خلال العدوان الهمجي على قطاع غزة، ومن خلال حرب الإبادة الجماعية الواضحة بحق الشعب الفلسطيني، ولكنّها على الرغم من قسوتها وجبروتها وارتكابها لأبشع أنواع المجازر لم تتمكّن من استعادة هذا الدور بفضل بطولات المقاومة الفلسطينية من ناحية، وصمود الشعب الفلسطيني واحتضانه لمقاومته ومجاهديه من ناحية ثانية على مدى قرابة ثمانية أشهر من العدوان المفتوح الذي لم يوفّر حجراً ولا بشراً ولا شجراً في غزة. بهذا المعنى نعم يحقّ لنا أن نطرح "ما بعد إسرائيل"!. عندما انتهى دور "إسرائيل" الوظيفي؛ وعندما فشلت هي ورعاتها في استعادة هذا الدور، فإنّ النقاش والبحث بدأ يدور في أروقة عواصم العالم المؤثّرة في مشهد المنطقة، "ماذا بعد إسرائيل؟". أو بمعنى آخر، كيف يكون شكل المنطقة بعد "إسرائيل"؟. ولعلّ الغرب عموماً قد شرع في النقاش والبحث عن إجابة لهذا السؤال، بل ربما يكون قد شرع في تنفيذ برامج وخطط كانت مجهّزة لديه لهذه اللحظة لأنّه بخبرته بالمنطقة كان يدركها ويحضّر نفسه لها. على مقلبنا نحن في المنطقة، سيّما القوى التي ساهمت في صناعة نتائج "طوفان الأقصى" أن تبدأ أيضاً النقاش والبحث عن إجابة للسؤال ذاته، حتى لو بدا للبعض أنّ هذا الأمر سابق لأوانه، فتداعيات ونتائج معركة "طوفان الأقصى" قد تكون أسرع مما نتخيّل، وأكبر مما نتوقّع، والمستقبل لمن يستقرئه لا لمن ينتظره.

حول مسألة اللاجئين السوريين إلى لبنان
كلمة الأمان العدد 1613 /15-5-2024

تبرز بين الفينة والأخرى مسألة اللاجئين السوريين إلى لبنان على خلفيات متعدّدة ومختلفة، وكان آخرها هذه المرّة تورّط عدد من السوريين بجريمة اختطاف ومقتل الناشط في حزب القوات اللبنانية، باسكان سليمان، حيث انطلقت دعوات تحريضية استهدفت اللاجئين رافقها اعتداءات على بعضهم في بعض المناطق، وإجراءات بلدية في بعض البلديات استهدفت التضييق عليهم، فضلاً عن إطلاق دعوات لترحيلهم وإبعادهم وتحميلهم مسؤولية الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وربما حتى السياسية التي يعيشها لبنان وفي ذلك بكلّ تأكيد تجنّ عليهم وإن كانت بعض الأمور تحتاج إلى معالجة جدّية وحقيقية لوضع حدّ للاستغلال الرخيص في هذا الملف. ليس هناك رقم دقيق لعدد اللاجئين السوريين في لبنان. فهناك المسجّلون كلاجئين لدى وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وهناك الذين دخلوا إلى لبنان بصورة قانونية، وهناك الذين دخلوا بشكل غير قانوني ولم يتسجّلوا لدى وكالة اللاجئين، وربما هؤلاء هم أغلبية السوريين في لبنان. ويذهب البعض إلى القول إن عدد السوريين في لبنان من هذه الفئات يتخطّى مليون ونصف مليون سوري، فيما يعتبر البعض أن عدد اللاجئين المسجّلين منهم لا يتجاوز ثمانمئة ألف تقريباً. إلى ذلك يتوزّع الوجود السوري في لبنان على اختلافه بين مخيمات مضبوطة، ومخيمات عشوائية، وانتشار واسع في الأرياف والمدن اللبنانية في كل لبنان تقريباً. ويتلقى اللاجئون مساعدات مباشرة من جمعيات مختصة، ومساعدات غير مباشرة من خلال الحكومة ومؤسساتها كما في حالات التعليم الصحّة، فيما يعمل أغلبهم في أعمال تتنوّع ما بين الأعمال الحرّة والزراعية والخدمات وحتى التجارة، وبعض هذه الأعمال مرخّص من قبل الحكومة اللبنانية، وبعضها غير مرخصّ ويجري خارج القانون. ويتخلّف العديد من السوريين عن دفع الضرائب المتوجبة عليهم تجاه الدولة، بينما يقوم بعضهم بالأعمال المختلفة ومن ثمّ يقوم بترحيل جزء كبير من الأموال التي يتقاضاها إلى الداخل السوري، في حين ينتقل بعضهم ما بين لبنان وسوريا بكل أريحية وحريّة، وهذا يشكّل ضغطاً في مكان ما على الداخل اللبناني، خاصة أولئك الذين يعملون خارج القانون ويحوّلون أموالهم إلى سوريا، أو أولئك الذين لا يعملون ولكنّهم يستهلكون مقدرات لبنان من دون أن يكونوا مسجّلين لدى مفوضة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وبالتالي فالحكومة لا تتقاضى عنهم أيّة مساعدات. إنّ كل ذلك لا يستدعي إطلاق حملات تشويه وشيطنة وترهيب، وتحميل اللاجىء السوري مسؤولية ما آلت إليه الأمور في لبنان، بل يستدعي تحمّل المسؤولية تجاه ذلك من خلال اعتماد خطة واضحة وشفّافة بعيداً عن منطق التشفّي أو الانتقام أو العنصرية، وهذا ما يستدعي فرز الملف على أساس اللاجىء الحقيقي الذي له الحقّ الانساني في الحماية والرعاية. والعامل الذي يجب أن يحصل على الموافقات القانونية للقيام بأي عمل يجيزيه القانون. والقسم الثالث الذي دخل بشكل غير قانوني، ويعمل بشكل غير قانوني، ويتنقّل بين لبنان وسوريا بشكل قانون أو بشكل غير قانوني، وهذا القسم يإمكانه أن ينتقل إلى سوريا إلى المناطق التي يديرها النظام أو تلك التي تديرها المعارضة، وهذا يحتاج ربما إلى تنسيق يجب أن تقوم به الحكومة بأيّة طريقة مشروعة لا تضرّ بمصلحة لبنان، والشروع بخطوات تنفيذية لإعادة هؤلاء، وتظيم عمل الداخلين قانونياً، وحماية ورعاية الخائفين فعلياً من الانتقام في حال إعادتهم. وأمّا الحديث عن فتح البحر أمام مغادرة السوريين لبنان إلى أوروبا فإنّه ليس حلّاً لأنّ ذلك قد يعني موت هؤلاء في البحر أو ربما إعادتهم من الأماكن التي يمكن أن يصلوا إليها، أو حتى تشتيت العائلات وفصل الأبناء عن عائلاتها بهدف اسغلالهم وتغريبهم، وبالتالي فإنّ هذا الحلّ لا يراعي لا المسألة القانونية ولا الإنسانية. كما وأنّ سياسة الضغط والتضييق على السوريين في لبنان ليس حلّاً أيضاً إذ أن الضغط والتضييق قد يولّد في أيّة لحظة انفجاراً كبيراً لا يمكن تداركه. وعليه فإنّ الحلّ الأمثل والأهم هو المشار إليه آنفاً في فرزهم والتعامل معهم على الأسس التي دخلوا بسببها. ملف اللاجئين السوريين في لبنان يجب أن يتمّ إخراجه من الاستغلال السياسي وإبقاؤه ضمن التعامل القانوني الانساني وصولاً إلى حلول تكون في مصلحة لبنان من ناحية ومصلحة اللاجئين من ناحية ثانية. د. وائل نجم

اتفاق التهدئة .. الاحتلال يُحشر في الزاوية
كلمة الأمان العدد 1612 /8-5-2024

مساء الإثنين (6/5/2024) فاجأت حركة حماس قيادة كيان الاحتلال الإسرائيلي بإعلانها عن قبول العرض التي تضمّنه المقترح المصري بخصوص التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى، وهو ما شكّل ضربة قوية لرئيس حكومة الاحتلال الذي كان يراهن على رفض حماس وبالتالي التذرّع بذلك لاقتحام مدينة رفح عند الحدود المصرية، وهو الذي أعلن مراراً رفضه لوقف العدوان على غزة لأنّه يدرك أنّ اللحظة التي سيقف فيها العدوان سيُفتح النقاش في مصيره سواء إنهاء حياته السياسية أو الذهاب به إلى السجن. راهن نتنياهو مراراً على استمرار العدوان على الرغم من قناعة أغلب قيادة الاحتلال أنّ الحرب على غزة فشلت فشلاً ذريعاً، ولكنّه مع ذلك ظلّ متمسّكاً باستمرار الحرب. حماس بقبولها المقترح الذي أخذ بأغلب مطالبها بما في ذلك الهدنة المستدامة طيلة فترة تنفيذ الاتفاق وهو على ثلاث مراحل فترة كلّ مرحلة منها 42 يوماً، وهو ما يعني عملياً وقف الحرب، لأنّ استئناف الحرب بعد قرابة 4 أشهر ليس أمراً سهلاً على قيادة الاحتلال لأنّ أموراً وظروفاً كثيرة ستتغير بكل تأكيد خلال هذه الفترة. لقد ظهر نتنياهو على حقيقته أمام العالم، أمام حلفائه ولا سيّما في أميركا التي تعيش إدارتها أزمة أمام تراجع شعبية الرئيس في الوسط الأمريكي؛ أمام الرأي العام الإسرائيلي سيّما أهالي الأسرى الذين تأكّدوا أنّ نتنياهو لا يريد إعادة أبنائهم بقدر ما يريد النجاة بنفسه؛ وأمام الدول الإقليمية التي ترتبط بكيانه بعلاقات تطبيع أو تلك التي تقود وساطة لإنهاء الحرب. لقد بات كيان الاحتلال محشوراً في زاوية بعد قبول حماس الاتفاق المعروض عليها على الرغم من أنّه قد لا يلبّي كلّ مطالبها، ولكّنه يكشف حقيقة هذا الكيان الفاشي. لقد خسر الاحتلال معركته الميدانية أمام المقاومة الفلسطينية عندما فشل في تحقيق أي هدف من أهدافه، كما خسر معركته الدبلوماسية في المفاوضات عندما فاجأته حماس بقبولها العرض المقدّم، وخسر أيضاً روايته أمام العالم عندما تحوّل العالم من داعم له إلى معراض لعملياته في رفح، ولعلّ مشهد طلاب الجامعات الأمريكية الغاضب والرافض للجريمة الإسرائيلية أوضح مشهد لخسارة الرواية الإسرائيلية لمكانتها. لكنّ قبول حماس للاتفاق المعروض عليها لا يعني نهاية الحرب، فنتنياهو الذي بات محاصراً ومحشوراً في الميدان وفي الداخل الإسرائيلي وعلى مستوى العالم، والعارف أنّ نهاية الحرب تعني نهاية حياته السياسية ولذلك فهو مستعد للمغامرة بأيّ شيء بل بكلّ شيء في سبيل البقاء والاستمرار، ولذلك فهو قد يجازف سواء بمحاولة دخول مدينة رفح الفلسطينية، أو بالتحوّل إلى الجبهة الشمالية مع لبنان لفتح ملف جديد وجبهة جديدة يلوذ بها من المساءلة والمحاكمة. ولكنّه في كلا الحالين سيكون في مواجهة المقاومة من ناحية وحلفائه من ناحية ثانية والرأي العام الإسرائيلي من ناحية ثالثة، وفي مواجهة قوى إقليمية لا تريد إغضاب أمريكا من ناحية أخرى. الاحتلال بات محشوراً في الزاوية، والحرب التي بدأها قبل سبعة أشهر وهو مدعوم من العالم بات اليوم فيها مكشوفاً من الجميع وليس أمامه سوى النزول على شروط الشعب الفلسطيني وفي مقدمها حق إقامة دولته المستقلة ولو على جزء من أرض فلسطين التاريخية. د. وائل نجم

12345678910...