الردّ الإيراني بين القناعات والضرورات
كلمة الأمان العدد 1632 /2-10-2024

وجّه الحرس الثوري الإيراني وبشكل مفاجىء ضربة صاروخية استهدفت قواعد عسكرية إسرائيلية، جويّة واستخبارية، في معظم الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقال إنّ هذه الضربة تأتي ثأراً لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنيّة، في طهران، واغتيال أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، في بيروت، وردّاً على المجازر الإسرائيلية بحقّ أطفال غزة ولبنان، وهدّد الحرس بضرب البنية التحتية لدولة الاحتلال فيما لو تجرّأت وردّت على الضربة الصاروخية. دحض الحرس الثوري كلّ الشكوك والنوايا التي اتهمته واتهمت إيران بالتقاعص عن الردّ أو الثأر على كلّ الاغتيالات والجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال، وأراد من خلال الضربة استعادة قوّة الردع التي انتشى بها نتنياهو بعد الجرائم الأخيرة، وألقى الحرس الكرة في الملعب الإسرائيلي لناحية تطوّر الأمور والانزلاق بالمنطقة إلى حرب إقليمية واسعة تغيّر فعلاً وجه المنطقة بشكل كامل. والحقيقة أنّ رئيس وزراء كيان الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، سعى جاهداً في ضوء فشله في تحقيق أيّ من أهدافه في عدوانه على غزة، سعى إلى إعادة خلط الأوراق في المنطقة، والعمل بشكل حثيث لإدخالها في حرب واسعة تشترك فيها قوى إقليمية ودولية وفي طليعتها الولايات المتحدة الأمريكية، لأنّه كان وما زال يعتبر أنّ الحلّ والخلاص الوحيد له شخصياً، ولكيانه المأزوم هو في إشعال هذه الحرب وإعادة خلط الأوراق، فهل انزلقت إيران إلى تحقيق رغبة نتنياهو في إشعال حرب إقليمية واسعة من خلال إطلاق الصواريخ على القواعد العسكرية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة؟ في ضوء الأحداث والتطوّرات خلال الشهرين الماضيين، إيران وجدت نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما، إمّا أن تظلّ معتصمة بالصمت وبالتالي فإنّ كرة النار ستظلّ تتدحرج صوبها آكلة من رصيدها، وصولاً إلى تجريدها من مكامن قوّتها المتمثّلة بحلفائها في المنطقة، وبذلك ستتحوّل لاحقاً إلى نمر من دون أنياب، وتصبح لقمة سائغة للوحش الإسرائيلي، وبذلك تخسر حلفاءها وتخسر نفسها لاحقاً أيضاً؛ وإمّا أن تذهب إلى الحرب علّها توقفها وتعيد هي أيضاً خلط الأوراق من جديد بما يحافظ على قوّتها وردعها، خاصة وأنّ إيران تدرك أيضاً أنّ الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد حرباً في المنطقة تشغلها وتصرفها عن اهتمامها الأساسي في أوكرانياً حيث يتأهّب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ويتحيّن الفرصة لانشغال أميركا بأيّ ملف من أجل اجتياح أوكرانيا وحتى أوروبا؛ وكذلك الصين التي تتحيّن الفرصة أيضاً لانشغال أميركا من أجل فرض وقائع جديدة في بحر الصين الجنوبي حيث تحتدم المواجهة مع واشنطن بشكل غير معلن. أمام ذلك قرّرت إيران الذهاب إلى خطوة الردّ الصاروخية الجادّة، لأنّها باتت ضرورة للحفاظ على قوّة إيران ودورها الإقليمي، ولأنّها خطّ الدفاع الأول عن طهران؛ وكذلك فإنّ إيران جادّة أيضاً في تهديدها بضرب البنية التحتية الإسرائيلية في حال ردّ كيان الاحتلال على الضربة الصاروخية حيث أنّ منطق الأمور بالنسبة لإيران لم يعد يحتمل الصمت والانتظار. بهذا الاعتبار باتت المنطقة الآن مفتوحة على كلّ الخيارات وتنذر بحرب واسعة ومدمّرة تعيد خلط الأوراق ورسم الخرائط من جديد بالفعل، إلاّ إذا عادت وعلت لغة التسويات وتقدّمت على التهديدات، وهذا لن يكون إلاّ حال استشعار الجميع حجم الخسائر التي يمكن أن يتكبّدها كلّ منهم ولا يبدو أنّ ذلك سيكون بسيطاً وسهلاً ومقنعاً في وقت قريب. بيروت في 2/10/2024

هل اشتعلت الحرب المفتوحة؟
كلمة الأمان العدد 1631 /25-9-2024

تصاعدت بشكل غير مسبوق المواجهات على جبهة جنوب لبنان مع شمال فلسطين المحتلة لتشمل أغلب الأراضي اللبنانية حيث نفّذت قوات الاحتلال الإسرائيلي آلاف الغارات الجويّة على مناطق في جنوب لبنان وفي البقاع وفي الضاحية مخلّفة دماراً كبيراً في الممتلكات والبنى التحتية ومئات الشهداء وآلاف الجرحى. فيما ردّ حزب الله بقصف مناطق في عمق الأراضي الفلسطينة المحتلة قرب حيفا وحتى في تل أبيب، غير أنّه ركّز في الردّ على اختيار وانتقاء المواقع والقواعد العسكرية دون أن تطال أو تضع المستوطنين في دائرة الهدف لأنّ الحزب لا يريد أن يحوّل المعركة إلى معركة مفتوحة، ولا يريد أن يعطي رئيس حكومة الاحتلال فرصة بتحويل المواجهة التي كانت منضبطة بقواعد واضحة تحفظ توازن الردع، إلى حرب واسعة تتورّط فيها دول أخرى في المنطقة وتتحوّل تدريجياً إلى حرب إقليمية بل وربما حرب دولية كبرى. قوات الاحتلال الإسرائيلي تتدرّج بشكل يومي في تصعيد الموقف وفي أخذ المنطقة إلى مواجهة أكبر وأوسع، وهي تعتبر أنّ خلاص كيان الاحتلال لا تكون في ضوء فشله في حربه على غزة سوى بتوريط المنطقة بحرب واسعة ومفتوحة تكون ضامناً لبقاء هذا الكيان لأنّ بقاء كيان الاحتلال مرهون بشكل واضح بمصالح الدول الغربية وفي مقدمها الولايات المتحدة الأمريكية، غير أنّ كيان الاحتلال أراد من خلال التدرّج في التصعيد محاولة فرض واقع معيّن على حزب الله يدفعه إلى الاستسلام والنزول على شروط إسرائيل ومطالبها، فإذا ما نزل على شروطها فإنّها عند ذلك تواصل عملية الضغط وتزيد من الشروط من دون الذهاب إلى حرب مفتوحة، وإذا ما ظلّ متمسّكاً بموقفه ورفض الاستسلام فإنّ كيان الاحتلال سيزيد الضغط في الميدان تدريجياً وصولاً إلى حرب واسعة ومفتوحة على مصراعيها، وبهذا المعنى فإنّه يمكن القول إنّ الحرب التي يشهدها لبنان حالياً لم ترق بعد إلى درجة الحرب المفتوحة والواسعة وإنْ كانت تأخذ منحى التدرّج بهذا الاتجاه يوماً بعد يوم. هل يمكن أن يستمر هذا المشهد لفترة زمينة طويلة؟ وما هي خيارات حزب الله في لبنان حيال ذلك؟ بات واضحاً أنّ حزب الله استوعب الضربة المؤلمة التي لم يكن يتوقعها بتفجير أجهزة "البايجر" بأيدي منتسبيه، واسترد زمام المبادرة بشكل بدا واضحاً من خلال ضرب مدينة تل أبيب بصاروخ سكود بعيد المدى حمل رسالة واضحة للاحتلال بأنّه قادر على توسيع رقعة المواجهة واستهداف البنى المدنية كما يفعل الاسرائيلي، وبالتالي فإنّ هذا المشهد لا يمكن أن يستمر بهذا الشكل الذي تقوم فيه حكومة الاحتلال بتوجيه الضربات للمدنيين اللبنانيين، وتحديد قواعد جديدة للاشتباك، دون أن يشرع في توجيه ضربات تعيد رسم القواعد من جديد، وعليه فإنّ المشهد سيذهب في وقت قريب إلى رسم قواعد جديدة تحافظ على توازن الردع، وهذا الشكل سيكون بمثابة استنزاف لكلا الطرفين لأسباب خاصة بكلّ منهما؛ وإمّا أن تتصاعد المواجهات وتأخذ شكلاً أكثر دموية وهذا يعني أنّ فتيل الحرب المفتوحة سيكون سريعاً بحيث يأخذ المنطقة إلى هذه الحرب. لبنان والمنطقة ومعهما العالم يقفون على حافة لحظة قد تنزلق بهم جميعاً إلى حرب إقليمية ويمكن أن تكون دولية كبرى، ولن يوقف هذه الحرب ولن يحول دونها في ضوء المعطيات القائمة حالياً سوى تراجع الاحتلال عن خططه وبرامجه والقبول والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني بالتحرر وإقامة دولته المستقلة، ويبدو أنّ ذلك بعيد عن التفكير الإسرائيلي حالياً في ضوء الدعم المفتوج غربياً لهذه القاعدة العسكرية المتقدّمة. بيروت في 25/9/2024

عن استهداف أجهزة الاتصال بييجر في لبنان
كلمة الأمان العدد 1630 /18-9-2024

عدوان جديد شنّه العدو الصهيوني على لبنان وهذه المرّة بشكل مختلف كلّياً عن المرّات السابقة، واستهدف فيه بالتفجير أجهزة الاتصال اللاسلكية المعروفة باسم "بييجر" والتي يحملها بشكل أساسي منتسبو حزب الله العاملون في قطاعات مختلفة عسكرية وأمنية ومدنية على أنواعها، وربما يحمله أيضاً مدنيون آخرون سيّما الذين يعملون في الحقل الطبّي وعلى وجه التحديد الأطباء منهم في المستشفيات، حيث يُعتبر الجهاز مثالياً في عمليات التواصل والاتصال بين إدارات المستشفيات والأطباء العاملين معها. وقد أدّى هذا العدوان الجديد والمفاجىء إلى استشهاد عدد من المستهدفين، وإلى جرح قرابة ثلاثة آلاف آخرين منهم، وقد غصّت بهم المستشفيات في أنحاء لبنان كافة. الحكومة التي كانت مجتمعة أثناء حصول عملية العدوان بتفجير أجهزة الاتصال اتهمت العدو الصهيوني بالوقوف خلفه، وحمّلته المسؤولية الكاملة عن هذا العدوان، واعتبرته مسّاً بالسيادة اللبنانية وتجاوزاً لكلّ الأعراف والمواثيق والقوانين الدولية وفقاً لما أشار إليه وزير الإعلام بعد انتهاء جلسة الحكومة. وكذلك فعل حزب الله، المستهدف الأساسي بالعملية، حيث اتهم العدو الصهيوني بالوقوف خلفها، وتوعّد الحزب بالقصاص من العدو. وجرياً على عادته في الكثير من المرّات، فإنّ العدو الصهيوني لم يعترف بشكل رسمي بالعملية، ولم يكشف ولم يصرّح إذا ما كان هو يقف خلفها، مع إشارته ضمنياً إلى مسؤوليته عنها، لمعرفته الأكيدة أنّ التصريح بالمسؤولية عنها يعني دفع الثمن بشكل عاجل أو غير عاجل. وعن تنفيذ العملية فإنّ الخبراء في هذا المجال يشيرون إلى احتمالين اثنين في طريقة تنفيذها. الأول وهو أن تكون أجهزة المخابرات التي نفّذت العملية قد علمت مسبقاً باستخدام حزب الله على نطاق واسع لهذه الأجهزة، وعلمت أيضاً بالشحنة التي طلبها حزب الله واستلمها على ما تقول بعض الروايات قبل حوالي خمسة أشهر، وعلمت كذلك المصدر الذي ورّد هذه الشحنة إلى حزب الله، فقامت هذه المخابرات بتفخيخ هذه الأجهزة أثناء التصنيع عبر عملاء لها يعملون في مصانع إنتاج هذه الأجهزة، أو من خلال تنسيق ذلك مع أجهزة مخابرات أخرى صديقة؛ أو ربما عمدت هذه المخابرات إلى استبدال الشحنة المرسلة من الشركة المصنّعة أثناء شحنها إلى لبنان، بشحنة مزيّفة من أجهزة الاتصال المطلوبة والمفحّخة دون معرفة شاحنيها، وقد وصلت الشحنة المزيفة إلى الحزب وتمّ توزيع الأجهزة على العاملين والمنتسبين، ومن ثمّ جرى تفجيرها بواسطة تقنية معيّنة تمّ زرعها أيضاً في الأجهزة. وبالطبع هذه عملية معقّدة وتحتاج إلى دقّة كبيرة في التنفيذ والمتابعة. وإمّا الطريقة الثانية فهي أن تكون الجهة المنفّذة قد نفّذت العملية عن طريق تقنية معيّنة أرسلت فيها إلى أجهزة الاتصال المستهدفة موجة مغناطسية أو كهربائية أو من خلال برمجة معيّنة فجّرت بطارية الليثيوم المغذّية للجهاز بالكهرباء. وهذا احتمال وارد أيضاً، خاصة وأنّ بعض الخبراء يكشفون عن رمز سرّي لهذه الأجهزة يمكّن الشركة المصنّعة من تفجير الجهاز عند فقدانه أو عند انتفاء الحاجة إليه. والحقيقة أنّ كلا الاحتمالين أو الطريقتين في التنفيذ يُعدّ ويُعتبر إنجازاً للمنفّذين، وهم مخابرات العدو الصهيوني، وفقاً للاتهام الرسمي والحزبي في لبنان. غير أنّ هذا الانجاز هو بحد ذاته جريمة مفضوحة ترقى إلى حدّ الإبادة الجماعية، خاصة وأنّ العملية استهدفت كل أجهزة الاتصال "بييجر" وكلّ من يحملها بغض النظر إذا كان منتمياً لحزب الله وعاملاً في أحد مؤسساته، أو كان بعيداً عن الحزب غير أنّه يعمل في مؤسسات تستخدم تقنية الاتصال هذه. والواضح أنّ عدد الجرحى كبير جدّاً وبينهم أطفال ونساء وأطباء وخلاف ذلك. والحقيقة الثانية أنّ العدو الصهيوني في عدوانه على لبنان وفي جريمته المستمرّة في غزة وفلسطين، لا يميّز بين عسكري ومدني، بين مواطن ومواطن، بين طبيب ومقاتل، وأحد الأدلة على ذلك عندما استهدف منتصف شهر رمضان الماضي مركزاً للإسعاف في بلدة الهبارية في جنوب لبنان مرتكباً مجزرة واضحة بحقّ المسعفين حيث ارتقى في المجزرة سبعة مسعفين بصاروخ أطلقته طائرة حربية على مركز إسعافي وسط البلدة من دون أدنى اعتبار لا للمركز ولا للمدنيين المحيطين به. والحقيقة الثالثة هي أنّ هذه العملية قرصنة واعتداء على لبنان وسيادته ومواطنيه دونما أيّ اعتبار لقانون أو سيادة أو حياد يدعو إليه البعض، ومن هنا فإنّ مخططات ونوايا هذا العدو لا تُؤمن، وعليه فإنّ اعتبار البعض أنّ الانكفاء عن مواجهة هذا العدو تجعل لبنان في مأمن من شرّه ليس صحيحاً ولا يمتّ إلى الواقع بصلة، بل على العكس من ذلك تجعل هذا العدو يستقوي أكثر على لبنان وأهله، ويمنحه فرصة ارتكاب أفضع الارتكابات بحقّ اللبنانيين عند كل منعطف لا يجد فيه نفسه راضٍ عنهم. صحيح أنّ العدو سجّل إنجازاً في هذه العملية، ولكنّ الصحيح أنّها ليست نهاية المعركة، فهذا العدو ما يزال يعيش المأزق نفسه، وما زال يعيش المعاناة ذاتها، وعملية انهيار الثقة فيه وبه مستمرة في الداخل الصهيوني وفي الخارج، فما فعلته فيه معركة "طوفان الأقصى" لن يتعافى منه سريعاً، بل ربما لن يتعافى منه أبداً، لأنّه يدرك أنّ هذا الطوفان كان المسمار الأخير في نعشه الذي سيسقط وإلى الأبد.

دول الطوق ووظيفة الدفاع عن فلسطين
كلمة الأمان العدد 1629 /11-9-2024

منذ أن احتلت بريطانيا فلسطين ومنحت "حق" إقامة دولة قومية لليهود فيها وقع على عاتق الشعب الفلسطيني واجب الدفاع عن أرضه والتمسّك بها حتى آخر رمق، ومنع سقوطها ابتداءً بأيدي الصهاينة، والعمل على تحريرها بعد تواطؤ بريطانيا ودول العالم على تسليمها للصهاينة وإقامة ما يُسمّى بـ "دولة إسرائيل" على أرضها، وقد أدّى الشعب الفلسطيني وما يزال دوره وواجبه في هذا الإطار مقدّماً مئات آلاف الشهداء والجرحى، فضلاً عن حملات التهجير والتنكيل التي مورست بحقّهم في محاولة لمسح الذاكرة الفلسطينية وإلغاء فلسطين منها. ومنذ اللحظة الأولى لإعلان ما سُمّي بـ "دولة إسرائيل" وقع على عاتق الدول والشعوب العربية والإسلامية واجب نصرة الشعب الفلسطيني وتقديم كلّ مستلزمات الصمود والجهاد للقيام بدوره وواجبه، وصولاً إلى واجب الانخراط معه في مجاهدة المحتلين ليس على قاعدة المنيّة، ولكن على قاعدة الوجوب الديني والشرعي والقومي والإنساني، ولا سيّما دول الطوق وشعوبها، أيّ الدول التي تحيط بفلسطين وهي : مصر، الأردن، سوريا، ولبنان، دون أن يعفي ذلك بقيّة الدول والشعوب العربية والإسلامية من هذا الوجوب ولكن بمقدار ربما يكون أقلّ في بعض الأحيان والظروف، وربما يكون أكثر في أحيان وظروف أخرى. وحيث أنّ الشعب الفلسطيني يتعرّض منذ قرابة أحد عشر شهراً لحملة إبادة جماعية تستهدف القضاء عليه أو تهجيره من أرضه في غزة والضفة الغربية وبقيّة الأراضي الفلسطينية، وحيث أنّه قد صمد وسطّر أروع وأبهى صور الصمود والبسالة في مواجهة آلة الاحتلال الضخمة والمجرمة والمجرّدة من كلّ إنسانية؛ وحيث أنّه قدّم عشرات آلاف الشهداء، ومئات آلاف الجرحى، وملايين المشرّدين والنازحين، وما زالت الجريمة مستمرة بحقّه، فإنّ من أوجب واجبات الدول العربية والإسلامية وشعوبها النهضة لمساعدة ونصرة الشعب الفلسطيني، ولا سيمّا دول الطوق وشعوبها، خاصة وأنّ المشروع الصهيوني، وكما بات واضحاً للعيان، يستهدف أيضاً هذه الدول وشعوبها تهجيراً وتشريداً وسيطرة على مقدراتها وثرواتها وقضاءً على تطلعات شعوبها وأملهم بمستقبل أفضل لأبنائهم. لا أريد أن أتحدث عن واجب الحكومات والأنظمة، فأكثرها تعيش حالة العجز والتردّي، وهذا ليس تبريراً لها، ولكنّ "الضّرب بالميّت حرام". ولكنّي أريد أن ألفت إلى دور الشعوب في نصرة الشعب الفلسطيني، وفي مشاركته صناعة المستقبل لهذه المنطقة، لأنّه علينا أن نتذكّر أنّ هذا الشعب أسقط أسطورة هذا الكيان المزعوم، وأنهى جبروته في السابع من أكتوبر من العام 2023 عندما حطّم رجال المقاومة الفلسطينية أسطوة جيش الاحتلال ومرّغوا أنفه بالتراب، وما هذه الجريمة الصهيونية المستمرة إلاّ لأنّهم أدركوا زوال كيانهم قريباً. وبالعودة إلى دور الشعوب، فإنّ الشعب اللبناني قام بواجبه، أو بجزء من واجبه على أقلّ تقدير في مساعدة ونصرة الشعب الفلسطين من خلال استنزاف قوات الاحتلال وإشغالها عن العمل بشكل مريح في عدوانه على غزة وعلى الضفة الغربية، وبغضّ النظر عن حجم النتائج التي ترتّبت على هذه المشاركة اللبنانية، غير أنّها مشاركة أبرأت الذمّة وما تزال. قبل أيام نفّذ جندي سابق في الجيش الأردني وأحد أبناء أكبر العشائر الأردنية عملية جريئة واستشهادية على معبر الكرامة بين الأردن والضفة الغربية، وقتل بمسدسه الحربي ثلاثة جنود صهاينة انتقاماً للأطفال والنساء الشهداء في فلسطيني اللذين ارتقوا بآلة القدر الصهيونية. نفّذ هذا الجندي البطل هذه العملية وهو يدرك تماماً أنّه لن يعود منها إلاّ شهيداً، وقد استقبلته عشيرته بطلاً مغاورً أدّى دوراً كبيراً، وصنع مكانة عالية لعشيرته وللأردن أيضاً، وفتح باباً للشباب الأردني للقيام بهذا الواجب المقدّس، خاصة وأنّ أطماع القادة الصهاينة لم تعد خافية بالأدرن وأهله وخيراته. وفي مصر أيضاً جرى تداول أنباء عن تبادل إطلاق النار عند الحدود في سيناء بين جنود مصريين وجنود الاحتلال الإسرائيلي، وهذا دلالة أخرى على مدى غضب الشعوب العربية والإسلامية لما يجري بحقّ الشعب الفلسطيني على مرآى ومسمع من العالم، وقد تكون هذه بداية التحركات المصرية الشعبية لنصرة الشعب الفلسطيني ليس عبر التظاهرات فقط حول السفارة الإسرائيلية وإنّما عبر الضغط المباشر والقوّة الوحيدة التي تفهمها "إسرائيل". بهذا المعنى فإنّ دول الطوق على مستوى الحكومات الشعوب مطالبة بزيادة الضغط على هذا الكيان وعلى داعميه للتخفيف عن الشعب الفلسطيني، ومن أجل ضمان الأمن القومي لهذه الدول أيضاً بعدما صارت النوايا الإسرائيلية واضحة، ولعلّه إذا كانت لا تملك الإمكانية للمواجهة المباشرة خوفاً من داعمي كيان الاحتلال، فلعلّ في غضّ الطرف والنظر عن مبادرات الشعوب فهي كفيلة بصناعة رعب حقيقي في هذا الكيان سيكون كفيلاً بطرد المستوطنين منه إلى حيث جاؤوا وبهذا ستنتهي هذه الأسطورة وستضمن هذه الدول وشعوبها أمنها القومي المهدد بـ "إسرائيل" على الدوام. د. وائل نجم

حتّى أنت يا بايدن!
كلمة الأمان العدد 1628 /4-9-2024

وأخيراً وبعد قرابة أحد عشر شهراً نطق الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بكلمة حمّل فيها رئيس حكومة كيان الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مسؤولية إفشال مفاوضات ووقف إطلاق النار وإطلاق الأسرى، وحتى إسقاط كل المبادرات الأمريكية تحديداً للوصول إلى هذا الهدف. لقد نطق بايدن وقال : "إنّ نتنياهو لا يقوم بما يكفي للتوصل لمثل هذا الاتفاق". بمعنى آخر فإنّ بايدن خفّف قدر الإمكان من مسؤولية نتنياهو على إفشال الاتفاقات والنكوث بما تمّ التوصّل إليه في لحظة من اللحظات. ولكن لسان حال نتنياهو قال أو ربما يقول : "حتى أنت يا بايدن". حتى أنت انقلبت على تعهداتك ومواقفك السابقة بدعمي ودعم "إسرائيل"!!. والحقيقة أنّ بايدن لم ينقلب على دعم هذا الكيان الغاصب الذي أوغل في دماء الفلسطينيين والعرب بشكل عام؛ بل على العكس من ذلك فقد وفّر كلّ أسباب الدعم المالي والعسكري والسياسي والإعلامي لهذا العدوان الواسع والهمجي الذي قتل عشرات آلاف الفلسطينيين، وجرح وشرّد مئات الآلاف منهم، ودمّر البنية التحتية والفوقية في غزة، والآن يمارس الفعل ذاته في الضفة الغربية في محاولة لتهجير الفلسطينيين من هاتين المنطقتين وصولاً إلى الانتقال بهذا الكيان من هذا الشكل القائم حالياً إلى دولة يهودية صافية عرقياً ودينياً. الحقيقة أنّ ما يقوم به نتنياهو هو ما يريده بايدن والإدارة الأمريكية، ولكنّ لكلّ منهما أسلوبه الخاص في تحقيق الأهداف التي يريدانها. نتنياهو يريدها بالقوّة المفرطة والمدمّرة لاعتبارات خاصة به، وبايدن يريدها بالهدوء الذي لا يترك أثراً للجريمة خلفه لاعتبارات خاصة به أيضاً، أو ربما يريد تحقيقها بغير يده بل عن طريق يد أخرى هي يد نتنياهو. بهذا المعنى بايدن شريك كامل مع نتنياهو في هذه الجريمة بحقّ الإنسانية والبشرية، وما التصريح الذي صدر عنه قبل أيام وأشار فيه إلى أنّ نتنياهو لا يقوم بما يكفي للوصول إلى اتفاق هو من باب ذرّ الرماد في العيون، وإيهام الرأي العام العربي والغربي بأنّ الولايات المتحدة الأمريكية غير مسؤولة عن الجرائم، ولا عن مقتل الأفراد الأمريكيين في الأسر، وأنّ نتنياهو هو المسؤول عن ذلك. كما وأنّه يريد أن يخدع شركاءه العرب بأنّه وسيط نزيه وعادل في هذه الحرب المجنونة التي يقوم بها الإسرائيلي بتمويل وتسليح كاملين من إدارة بايدن. وهنا يبرز السؤال البديهي، إذا كان بايدن يخدع العالم والعرب بهذه المواقف والتصاريح البعيدة عن الواقع والمناقضة له، فلماذا يصدّق حلفاؤه العرب هذه الأكاذيب والأوهام؟ ولماذا لا يقومون بردّة فعل حقيقية وجدّية تضع حدّاً لهذه السخرية الأمريكية بأمة المليار؟! ولماذا هذا الانكفاء العربي وإدارة الظهر لغزّة وهم الذين يعلمون أنّها خطّ الدفاع الأول عن المنطقة كلّها؟! آن الآوان للخروج بموقف عربي واضح وواحد يضع حدّاً للصلف الأمريكي قبل المجزرة الإسرائيلية لأنّه لولا ذاك الصلف لما حصلت تلك المجزرة.

إفشال المفاوضات يعني استمرار الحرب
كلمة الأمان العدد 1627 /28-8-2024

لم يعد ما يجري على أرض فلسطين سواء في غزّة حيث الإبادة الجماعة مستمرة ضمن سياسة ومنهجية تعتمدها قوات الاحتلال الإسرائيلي برعاية ودعم دولي وعجز وصمت عربي، أو في الضفة الغربية حيث نتابع التصعيد الكبير في ممارسات الاحتلال ضد الفلسطينيين وصولاً إلى استعمال الطيران الحربي أحياناً في مواجهة المنتفضين بوجه ممارسات الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني فيما نتنياهو مصرّ على إفشال كل محاولة للوصول إلى تهدئة وإلى وقف إطلاق النار، والتي كان آخرها قبل أيام مفاوضات القاهرة غير المباشرة والتي لم يكن حضها أوفر أو أحسن من مفاوضات الدوحة قبل أسابيع والتي تعثّرت أيضاً وفشلت بسبب التعنّت الإسرائيلي الذي يتجلّى في مواقف نتنياهو، ولكنّه في حقيقته يمثّل موقف أغلب القيادات الإسرائيلية. أفشل نتنياهو كل محاولات الوصول إلى وقف لإطلاق النار، وأصرّ على مواصلة الحرب بهدف استعادة الأسرى وإنهاء حماس في غزة كما يدّعي ويزعم، غير أنّه في الحقيقة قتل الأسرى الإسرائيليين بسلاحه الحربي ولم يحرّر واحداً منهم، وجذّر حضور حماس، ليس في الساحة الفلسطينية في غزة فحسب، بل في عموم فلسطين وخارجها، بل حتى بين الشعوب العربية والإسلامية التي باتت تنظر إلى الحركة على أنّها أيقونة وليست شيئاً عادياً. فلماذا يفعل نتنياهو ذلك مع أنّه بإمكانه استعادة الأسرى عبر المفاوضات، وبإمكانه أيضاً أن يؤثّر على حضور حماس عندما لا يجعلها تخرج إلى الناس بصورة المظلوم والمستهدف والرافع لراية الأمّة. نتنياهو والذين معه وخلفه لا يخوضون حرباً من أجل استعادة الأسرى أو من أجل القضاء على حماس، كلاً. إنّهم يخوضون حرباً من أجل السيطرة على فلسطين والقضاء على القضية الفلسطينية كمقدمة للهيمنة الكاملة والشاملة على كل المنطقة. هذا ما يريده نتنياهو ومن يقف خلفه، ولذلك فإنّ المفاوضات غير جادّة، لأنّ رعاية المفاوضات من قبل الطرف الأمريكي غير جادة، وهو الطرف الذي يريد أن يستحوذ على المنطقة ويفرض سيطرته عليها لمئة عام مقبلة. وبهذا الاعتبار أوكل إلى نتنياهو مهمّة إفشال المفاوضات في كل مرّة يتمّ فيها الوصول إلى تفاهمات ولو بالحدّ الأدنى. الشيء الوحيد المقبول لوقف إطلاق النار في عقل نتنياهو ومن يقف خلفه هو أن يرفع المقاومون والمفاوضون راية الاستسلام وينزلوا على شروطه حتى لو كان الحكم فيها هو الاعدام لهم، والسبي لذريتهم، والتسلّط على أموالهم وثرواتهم حتى لو كانت شخصية أو عامة، وهذا لن يحصل حتى لو استمرت الحرب لشهور أخرى، وحتى لو كان الثمن أضعاف ما دُفع لأنّه سيكون، بكلّ تأكّيد، أقلّ من ثمن الاستسلام ورفع الراية البيضاء. نتنياهو وفريقه ومن يقف خلفه يرتكب المجازر بحق المدنيين؛ هذا صحيح وضمن الخطة الموضوعة للضغط من أجل الإخضاع. ولكن الصحيح أيضاً أنّ جيشه يعيش حالة استنزاف يومية حيث يدفع ثمناً باهضاً من أرواح جنوده وضباطه فضلاً عن الخسائر المادية التي لا تقلّ قيمة عن خسائر الشعب الفلسطيني. المعركة إذاً معركة صمود من أجل البقاء، وفي هذه المعركة لا يمكن الحديث عن أثمان، لأنّ البقاء هو أغلى الأثمان. أمّا بالنسبة لجوار فلسطين، القريب منه والبعيد، فإنّ نتائج ما يجري في فلسطين سينعكس على كلّ المنطقة، القريب منها والبعيد. هذه معركة ليس فيها مكان للحياد؛ الحياد فيها يعني الانسحاب وترك تقرير مصير ومستقبل المنطقة للطامعين بها المستعدين لشعوبها، وهذا لا يمكن أن يكون في مصلحة أبناء المنطقة على الإطلاق، ولذلك فإنّ الجميع مدعو للانخراط فيها على قاعدة المشاركة في صناعة مستقبلها وقرارها، وهنا تحضر أوراق قوّة كثيرة لأبناء المنطقة على تنوّعهم من أجل حفظ منطقتهم لهم وعدم تركها للغرباء. إفشال المفاوضات يعني استمرار الحرب لكنّه لا يعني تقرير النتيجة، فالميدان ما زال يزخر بالكثير من الطاقات والمفاجآت وما زال يختزن الكثير من نقاط القوّة، وما على أهل المنطقة وشعوبها سوى الثقة بقدرتهم على تحقيق الأحلام وصناعة المستقبل الواعد لهم ولأبنائهم.

انقطاع الكهرباء وتفكّك الدولة !
كلمة الأمان العدد 1626 /21-8-2024

على مدى أكثر من أسبوع يعيش لبنان في ظلام دامس لولا مولدات الاشتراك الخاصة لتي تحوّلت إلى مافيا تبتز اللبنانيين بأسعار الكهرباء التي تزوّد المواطنين بها، وتبتزّهم أيضاً بالأوقات التي تزودهم بها حيث لا قواعد ولا ضوابط في أغلب الأحيان، "وهلّي مش عاجبو يشيل شريطه". ولولا نظام الطاقة الشمسية التي لجأ إليها الكثير من المواطنين مع أنّ كلّفتها ليست قليلة، فضلاً عن المشكلات التي أوجدتها خاصة في المدن حيث تنافس سكان البنايات على أسطح هذه البنايات لتركيب ألواح الطاقة الشمسية، والمساحات في أغلب الأحيان تكون صغيرة، وحاجة الناس تكون في أغلب الأحيان كبيرة ومحكومة بالطمع وحب الاستئثار، وهي دوّامة كبيرة من المشكلات التي لا تنتهي فصولاً هذا فضلاً عن أنّ نظام الطاقة الشمسية لا يلبّي كلّ حاجة المواطن من الكهرباء، وهو بالكاد يؤمّن الحاجة الضرورة للإنارة وبعض الحاجيات الأخرى في أحسن الأحوال، ناهيك عن أنّ الكثير من الناس لا تملك الإمكانيات المالية الكافية لتركيب هذا النظام. وبالعودة إلى انقطاع الكهرباء الكامل عن كلّ لبنان وعلى مدار الساعة، فإنّ أحداً في الجهات الرسمية المسؤولة لم يقدّم حتى الآن إجابة واضحة ومقنعة عن سبب هذا الانقطاع. تارة السبب هو تاخّر شحنة المحروقات العراقية من دون ذكر سبب التأخير إن كان تخلّفاً بالدفع للجهات العراقية للمستحقات المالية ثمن هذه المحروقات أم غير ذلك. وتارة حديث عن توقف بعض معامل الانتاج، وتارة حول أمور أخرى، وفي النهاية لا كهرباء في كلّ لبنان، حتى في مرافقه الأساسية كالمطار والمرفأ والمؤسسات الحيوية الأخرى. من الواضح أنّ كل جهة من الجهات المعنية حكومية أو غير حكومية تتهرّب من المسؤولية، وكل طرف يلقي باللائمة على الجهة الأخرى. لا يريد أيّ منها أن يتحمّل المسؤولية عن هذه الكارثة بما تعنيه الكلمة من معنى، لأنّ الكهرباء اليوم هي حاجة ضرورية للناس كحاجتهم للمياه التي لا تقلّ المعاناة معها عن المعاناة مع الكهرباء، وكحاجتهم للدولة ذاتها! رئاسة الحكومة طلبت من التفتيش المركزي فتح تحقيق بالموضوع، ولو سلّمنا جدلاً أنّ التحقيق سيأخذ مجراه الطبيعي المعروف، هل سنصل إلى معرفة المسؤول؟! وهل سيحاسب هذا المسؤول عن هذه المشكلة الدوّامة التي ما زلنا نعاني منها منذ عقود مع أنّه قد صرف عليها مئات ملايين الدولارات دون جدوى؟! المشكلة الحقيقية أنّ أزمة انقطاع الكهرباء بهذا الشكل الفاضح وفي عزّ موسم الصيف وحرارته المرتفعة، هذا علماً أنّ الكهرباء الخاصة بالدولة لا تغذّي المدن والبلدات في أحسن الأحوال أكثر من أربع ساعات في الأربع والعشرين ساعة، كشفت حجم الترهّل في هذه الدولة، وحجم اللامبالاة لدى المسؤولين، وأقول حتى لدى الشعب الذي سمح بهذه السرقة الموصوفة عندما قبل أن يجري رفع تسعيرة الكهرباء ورفع قيمة الاشتراك إلى أسعار جنونية قياساً بحجم الدخل والرواتب، ولم يحرّك ساكناً بل اكتفى بالانصياع إلى ما قرّره المسؤولون في هذا السياق، واكتفى بالشكوى والتذمّر على منصات التواصل الاجتماعي، وها هو اليوم يدفع الثمن والضريبة، يدفعها عندما يدفع الرسوم المرتفعة على الاشتراك مع كهرباء الدولة، والكهرباء في حالة انقطاع دائم أو شبه دائم في أغلب الأحيان؛ ويدفعها عندما تتحكّم به مافيات المولدات الخاصة وتفرض عليه ما تريد من قيمة مالية مقابل تزويده بالكهرباء. إنّ هذه المشكلة اليوم تعكس حجم التفكّك الذي وصلنا إليه على مستوى الدولة، إذ أنّ هذه المادة الحيوية بالنسبة للمواطنين وبالنسبة لمؤسسات الدولة أيضاً، لا تعرف الدولة لها حلّاً، ولا تعرف الدولة أسباب المشكلة، وإذا ما عرفت فهي عاجزة عن المحاسبة، وإذا ما حاسبت فهي عاجزة عن وضع الحلول والخروج من تحت سيطرة المافيات. ببساطة الدولة اليوم، أو ما تبقّى منها يدار عبر المافيات أو عبر نظام المافيات، وهو يعكس حجم فقدان أمل الناس بالدولة وهو أخطر ما في المسألة، لأنّ ذلك سيدفعهم للتخلّي عنها يوماً بعد يوم تماماً كما هو الحال في أزمة الكهرباء حيث تخلّى الناس عن كهرباء الدولة لصالح كهرباء المافيات أو الطاقة الشمسية البديلة، والخطر أن يتخلّى الناس غداً عن الدولة لصالح حكم المافيات مرغمين، أو لصالح صيغة تفرّق الناس عن بعضها وهو ما سينقل الخصام إلى كل بيت.

في دلالة قصف تل أبيب بالصواريخ في اليوم 313 للعدوان
كلمة الأمان العدد 1625 /14-8-2024

يوم الثلاثاء الماضي في الثالث عشر من شهر آب 2024 والمصادف لليوم 313 للعدوان الوحشي الإسرائيلي على قطاع غزّة، وعلى الرغم من كلّ التدمير والمجازر التي ارتكبها الاحتلال بحق الفلسطينيين مدنيين ومقاومين وبنية تحتية وفوقية وغيره، وعلى الرغم من انتشار دبابات وآليات وجنود الاحتلال في الكثير من مناطق القطاع المحاصر، وعلى الرغم من الطائرات الحربية والمروحية والمسيّرة التي لا تغادر سماء القطاع، فقد خرجت المقاومة الفلسطينية ولا نعرف من أين، واستهدفت مدينة "تل أبيب" التي تُعرف بعاصمة كيان الاحتلال، بصاروخين من طراف "M90" على ما أعلنت القسّام، واعترف جيش الاحتلال بوصول صاروخ وزعم أنّه سقط في البحر قبالة ساحل المدينة، فيما زعم أن الصاروخ الثاني لم يتجاوز الحدود. ماذا يعني أنّ تقوم المقاومة الفلسطينية بعد كل هذا الوقت الطويل (313 يوماً) من العدوان الذي استبيحت فيه غزة مدينة ومحافظات ومساحات زراعية وبنية تحتية وفوقية استباحة كاملة، وكل هذا التدمير الذي ليس له نظير في الحروب السابقة، ربما حتّى في الحربين العالميتين، ثمّ تطلق صاروخين من العيار الثقيل وبعيد المدى من بين الآليات العسكرية الإسرائيلية نحو عاصمة الكيان المحتل؟! إنّ هذا يعني أولاً أنّ هذه المقاومة وهذا الشعب الذي يحتضنها متمسكان بحقّهما بالوجود والبقاء، ويرفضان الاحتلال بكل أشكاله، ويتطلعان إلى التحرير والحرية وبناء دولة فلسطينية تكون فيها السيادة للشعب الفلسطيني. إنّ هذا يعني أنّ المقاومة الفلسطينية ما زالت بخير، وتمسك بزمام الميدان على الرغم من كلّ الجراح التي أصيب بها الشعب الفلسطيني، فالاحتلال يستقوي على المدنيين العزّل ويرتكب بحقّهم المجازر من أجل إخضاع المقاومين. إنّ هذا يعني أنّ المقاومة مستمرة في جهادها وكفاحها ولن ترفع الراية البيضاء ولن تخضع لشروط الاحتلال فهذه معركة بقاء أو زوال. معركة تحرير أو تصفية القضية الفلسطينية والهيمنة على كل شعوب المنطقة. إنّ هذا يعني أنّ المقاومة الفلسطينية ما زالت تخبىء للاحتلال المزيد من المفاجآت التي لا نعرف عنها شيئاً. وأنّ قدرتها على النهوض من بين الأنقاض والركام أسرع ممّا يتخيّل أو يتصوّر الاحتلال. إنّ هذا يعني أنّ رجال المقاومة الفلسطينية ربما هم من طينة غير طينة البشر، فماذا يعني أن يخرج مطلقو الصواريخ بين آليات الاحتلال ويوجّهون صواريخهم البعيدة المدى لتسقط في أهدافها؟! هؤلاء ليسوا بشراً عاديين؛ أنظمة وحكومات بقدّها وقديدها وحديدها وعسكرها ترتجف من جنود الاحتلال وهم بدورهم لا يجرؤ أحدهم على الخروج أمام رجّال القسّام! إنّ هذا يعني أنّه ليس هناك مكان آمن للمستوطنين لا الأمس ولا اليوم ولا غداً. ليس أمامهم سوى الرحيل والركوب في أول طائرة من مطار بن غوريون نحو البلدان التي وفدوا منها. هناك ربما تكون الأمور أكثر أماناً وأمناً بالنسبة لهم. إنّ هذا يعني أنّ الذي لم يحسمه الاحتلال بآلته العسكرية الجبّارة والمزوّدة بكل تقنيات العالم الحديث ودعمه خلال أيام وأسابيع كما كان معتاداً في حروبه، لن يحسمه بعد مرور هذه الأشهر الطويلة، وأنّ الهدف الذي لم يحقّقه عند الغارة الأولى لن يستطيع أن يحقّقه بعد أن بات جنود الاحتلال أهدافاً سهلة لبنادق المقاومة الفلسطينية. الأهم في كل ذلك أن يصدّق بعض أبناء جلدتنا أنّ مقاومة فلسطين ما زالت بخير على الرغم من كلّ الجراح، وأنّها تدافع عن حياض المنطقة كلّها، وتمنع بصمودها تحقيق الأطماع التي تريد إلتهام المنطقة بثرواتها وشعوبها دونما اعتبار لأيّ حقّ أو قانون أو شرعية.

الردّ المعلّق إلى حين!
كلمة الأمان العدد 1624 /6-8-2024

الأسبوع الماضي خرقت حكومة الاحتلال الإسرائيلي قواعد الاشتباك المعمول بها أو التي فرضت نفسها اعتباراً من الثامن من أكتوبر / تشرين الأول 2023، وذلك عندما أغارت الطائرات الحربية والمسيّرة الإسرائيلية على مبنى سكني في الضاحية الجنوبية لبيروت، فقتلت فيه مدنيين إضافة إلى القيادي العسكري في حزب الله، فؤاد شكر. وأيضاً عندما اغتالت "إسرائيل" رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنيّة، في العاصمة الإيرانية طهران، من دون أن تعلن عن ذلك، أو أن تتبنّاه بشكل رسمي. توعّد حزب الله على لسان أمينه العام، السيّد حسن نصرالله، بالردّ على ضرب الضاحية واغتيال أحد قادته العسكريين، ولم يكشف عن طبيعة الردّ، ولا عن زمانه ومكانه، واكتفى نصرالله بالقول : "إنّ الردّ آتٍ، وبيننا وبينكم الأيام والليالي والميدان". إذاً هناك التزام من الحزب بالردّ على الاحتلال الإسرائيلي الذي اقترف هذه الجريمة. وفي طهران جاء التعهّد بالردّ على كيان الاحتلال الذي اتُهم بالوقوف على خلف اغتيال هنيّة، من أعلى سلطة في إيران؛ جاء التعهّد من السيّد علي الخامنئي الذي يمثّل أعلى هرم القيادة والسلطة في إيران. وذلك لأنّ جريمة الاغتيال تُعدّ اعتداءً على سيادة الدولة الإيرانية فضلاً عن اغتيال أبرز حلفاء الجمهورية الإيرانية. غير أنّ طبيعة الردّ الإيراني ظلّت أيضاً مبهمة وغير معروفة زماناً ومكاناً وكيفية. وحتى في اليمن حيث دخلت جماعة "أنصار الله" الحوثية ضمن محور المقاومة إلى جانب إيران وحزب الله وبقية أعضاء المحور، فقد تعهّد أيضاً زعيم الجماعة، السيّد عبد الملك الحوثي، بالردّ على ممارسات كيان الاحتلال، خاصة بعد ضرب مدينة الحديدة اليمنية على البحر وتدمير بنية تحتية فيها. العالم إذاً ينتظر ردّاً على أفعال وجرائم "إسرائيل" من ثلاث جبهات على أقلّ تقدير: إيران، لبنان، واليمن. ومن دون معرفة إذا ما كان هذا الردّ سيكون واحداً ومتزامناً ومنسّقاً بين جميع أعضاء المحور، أو سيختار كلّ عضو في المحور زمان الردّ ومكانه وكيفيته! وهنا لا بدّ من التنويه إلى التالي: الردّ على ممارسات الاحتلال الأخيرة لا يأتي في سياق الانتقام من الاحتلال على الجرائم المرتكبة، وإنْ كان الانتقام جزءاً من الأهداف المطلوب حتى يشرب الاحتلال من الكأس ذاتها. الردّ يأتي في سياق استعادة قاعدة توازن الردع التي كان معمولاً بها. بمعنى آخر الهدف الأساسي من الردّ على الاغتيالات وضرب قواعد الاشتباك، هو بإعادة الوضع إلى التوازن الذي كان قائماً بحيث يكون "الإسرائيلي" مكبّل لا يمكنه أن يلجأ إلى الاغتيالات وإلى الضرب كيفما شاء وإينما شاء وساعة شاء، بل يكون خاضعاً لقواعد ردع تمنعه من التحرك بحريّة وتحدّ من قدرته وقوته على البطش وارتكاب الجرائم، وهي واحدة من أبرز المزايا التي تجعل الكيان الإسرائيلي يعيش حالة ضعف وتقهقر وتراجع، لأنّه طيلة الفترة السابقة من عمره، أي طيلة قرابة سبعة عقود من الصراع معه، كان يتمّع بمزيّة تجعله يفرض ما يريد ويحقّق الأهداف التي يريد من خلال تفرّده بسياسة الردع التي كان يحرص عليها أشدّ الحرص، فإذا به يفقدها بشكل كامل أو شبه كامل اعتباراً من يوم السابع من أكتوبر / تشرين الأول 2023 عندم سقطت هيبة كيان الاحتلال الإسرائيلي ومُرّغت بالوحل، وعندما فقد الاحتلال قوة الردع التي كان يتمتّع بها. إنّ كلّ الجرائم التي ارتكبها الإسرائيلي طيلة الشهور العشرة الماضية من معركة "طوفان الأقصى" كان هدفها الأساسي استعادة قوة الردع وهيبة الكيان، وكلّ مساعي الاحتلال بهذا الاتجاه سقطت وانتهت، وبالتالي فإنّ الاحتلال بات اليوم مردوعاً بدل أن يكون رادعاً. بهذا المعنى فإنّ الردّ المعلّق إلى حين هو جزء أساسي من سياسة استعادة الردع والحفاظ عليه، لأنّه يمثّل حالة استنزاف لكيان الاحتلال على العديد من المستويات ولعلّ أبرزها وأهمّها انعدام الثقة بقدرة جيش الاحتلال على حماية هذا الكيان ومستوطنيه. غير أنّ هذا الردّ المعلّق إلى حين إذا ما تلاشى وتراجع تأثيره تحت ظرف الوقت والوقائع الجديدة التي يمكن أن يفرضها الإسرائيلي فإنّه سيتحوّل إلى نقطة ضعف ستكون في صالح الاحتلال وتمنحه فرصة لمزيد من ارتكاب الجرائم والاغتيالات التي تكرّسه شرطياً للمنطقة يفرض فيها وعليها أجندته التي يريدها. بيروت في 7/8/2024

بين مجدل شمس والضاحية وطهران هل تتوسّع الحرب على لبنان؟
كلمة الأمان العدد 1623 /31-7-2024

عصر السبت الماضي سقط صاروخ من دون سابق إنذار على بلدة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل أدّى إلى سقوط عدد من الضحايا المدنيين من أبناء البلدة، وإلى حالة خوف وقلق من انزلاق المنطقة إلى حرب مفتوحة وواسعة بين إسرائيل وحزب الله في لبنان؛ ويرجع السرّ في ذلك إلى صدور اتهام مباشر من قبل إسرائيل لحزب لله بقصف البلدة المذكورة بشكل مباشر وإيقاع هذا العدد من الضحايا وهم من أبناء طائفة الموحدين الدروز. بالطبع سارع حزب الله إلى نفي هذه المزاعم الإسرائيلية لأنّه يدرك مراميها الخبيثة ومنها محاولة توسيع عدوانه على لبنان فحسب، وبذلك يكون الإسرائيلي قد أخذ المنطقة والحرب الدائرة فيها إلى مكان آخر. ومساء الثلاثاء شنّت الطائرات الحربية والمسيّرة الإسرائيلية غارة استهدفت عمق الضاحية الجنوبية تبيّن لاحقاً أنّها استهدفت أحد القيادايين في حزب الله وقد اعترف الحزب لاحقاً باستشهاده في الغارة. وهذه تجاوز لكل الخطوط الحمر ولكل قواعد الاشتباك المعمول بها بين الأطراف المتقاتلة، ويمكن أن يجرّ المنطقة إلى حرب واسعة وكبيرة، وهو أمر يتوقف حالياً على سلوك الحزب مع الملف، خاصة وأنّ المسألة باتت الآن، اعتداء على قلب الضاحية وعمقها حيث معقل الحزب، واغتيال شخصية قيادية بارزة ومهمّة فيه. ثمّ بعد ساعات قليلة استهدفت "إسرائيل" رئيس المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنيّة، بغارة في قلب العاصمة الإيرانية طهران ما أدّى إلى استشهاده، وهذا تطوّر بالغ الخطورة، وكاسر لكل قواعد العمل والاشتباك والحرب، فاغتيال هنيّة في طهران فيه إعلان حرب واضحة على إيران. صحيح أنّ "إسرائيل" لم تتبنّى العملية بشكل واضح، ولكنّ الجميع يدرك أنّها خلفها ولو حصل ذلك بمساعدة من دول أخرى. ماذا يريد نتنياهو من كلّ هذه الأحداث والمحاولات؟ ببساطة يريد استمرار الحرب على قاعدة خلط الأوراق كافة في المنطقة ومحاولة توريط الولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى من أجل نقاذ كيانه الذي يتهاوى أمام ضربات المقاومة الفلسطينية في غزة، وأمام تصاعد أعمال المقاومة والانتفاضة في الضفة الغربية، وأمام حرب المشاغلة والاستنزاف في الجبهة الشمالية مع جنوب لبنان. نتنياهو وغيره من قادة الكيان المحتل يدركون جيداً أنّه لا خلاص لكيانهم إلاّ من خلال توريط تلك الدول الداعمة لهم والمتكفّلة أمنهم والدفاع عنهم؛ وجيشهم لم يحرز أيّ إنجاز حقيقي في حربه وعدوانه على غزة سوى التدمير، ولذلك فإنّ الفكاك من هذا الفخ الغزّاوي وإلقاء طوق نجاة لهذا الكيان الهشّ ليس سوى في توريط الدول الكبرى بحرب واسعة، ولذلك لجأ ويلجأ نتنياهو إلى القيام بأي عمل استفزازي أو دموي أو خارج القواعد بهدف إخضاع الطرف الآخر ( المقاومة في فلسطين ولبنان) وفرض الاستسلام والشروط عليها، أو جرّها لحرب واسعة تستدعي التدخّل الأمريكي والأوروبي الضامن لأمن ووجود "إسرائيل". لكلّ ذلك فإنّ إمكانية توسّع الحرب على لبنان قائمة وحظوظها مرتفعة حالياً، وسيظلّ نتنياهو ينفخ في هذا المرجل حتى لحظة الغليان، لكنّه يجهل أنّ هذا الغليان سيكون طوفاناً جديداً يقتلع كيانه من المنطقة. بيروت في 1/8/2024

12345678910...