العدد 1466 /16-6-2021

هل تم تظهير الصورة السياسية للصراع داخل ما يسمى بالسلطة اللبنانية في اﻵونة اﻷخيرة . وماذا يمكن أن يترتب على ذلك من مآلات في مسار اﻷزمة اللبنانية الحالية . فالمشهد بات محتدما بين الرئيس نبيه بري وقصر بعبدا ، والبيان اﻷخير لذلك القصر قد طلب من رئيس المجلس النيابي اﻹلتزام بالدستور الذي يحصر صلاحية تشكيل الحكومات في لبنان برئيسي الجمهورية والحكومة ولا دخل لرئيس السلطة التشريعية في عملية التشكيل . وقد طالب ذلك البيان أيضا باﻹلتزام بمضمون المادة 53 من الدستور وفي كافة بنودها . وقد حصل كل ذلك على هامش المبادرة التي أطلقها الرئيس بري لحل المشكلة الحكومية المستعصية منذ سبعة أشهر تاريخ تكليف الرئيس الحريري بتشكيل الحكومة .

إن المشكلة المستعصية تلك تخفي وراءها مشكلات كبرى تتعلق بما كان يضعه الرئيس بري كعنوان مستتر للخلاف مع التيار الوطني الحر والمتمثل بسعي هذا التيار ومؤسسه ورئيسه الى إعادة ما أمكن من نظام اﻹمتيازات الطائفية الذي كان سائدا قبيل الحرب اﻷهلية اللبنانية عام 1975 . وهذا ما يتأكد منخلال تتبع مقولات بعض أصحاب الطلات اﻹعلامية المتناثرة من كوادر التيار الوطني الحر ، والذين باتوا يغمزون من قناة التلاقي بين الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري كتجسيد للتفاهم السني - الشيعي في مواجهة المسيحيين عموما والموارنة خصوصا . و قد لا يقف هؤلاء أو بعضهم عند حدود النيل من تحالف بري - الحريري ، بل يتجاوزون كل ذلك وصولا الى حدود توجيه أصابع اﻹتهام الى حزب الله المرتبط مع التيار الوطني الحر بتفاهم سياسي شامل منذ أكثر من خمسة عشر عاما . وهذا ما يضفي طابعا طائفيا ( إسلاميا - مسيحيا ) على اﻷزمة السياسية الحالية التي تعصف بالبلاد منذ 19 تشرين أول 2019 . ويطرح مزيدا من المخاطر المحدقة بوحدة الوطن والكيان في عملية تكرار بائس لﻷجواء التي كانت تحدق بالبلد في عام 1975 .

هل انفلتت اﻷمور وباتت المواجهة بين الرئيسين بري وعون أكبر من المواجهة بين الرئيسين عون والحريري ؟ وماهو المصير الحقيقي لمبادرة الرئيس بري ؟ هل صحيح أن حزب الله قد افتقد قدراته التوسطية بين عين التينة وقصر بعبدا ؟ وهل تتجه الساحة الى مزيد من التباعد بين أطرافها الكبرى ، أم أن الفرج قادم والحلحلة ممكنة على قاعدة أن عصر المعجزات لم ينقضي وأن حصول واحدة من تلك المعجزات ليس أمرا مستحيلا .

كل ذلك لا يحجب حجم الكارثة اللبنانية التي تنتج مشاهدها المؤلمة في فقدان حليب اﻷطفال ، وإختفاء البنزين والمازوت والوقود ، وفي إضمحلال الطاقة الكهربائية الرسمية ، وفي تسلل اﻷدوية الى خارج حدود الوطن لجني مزيد من اﻷرباح و ... و ... و... وهل يؤدي كل ذلك الى علاجات لامركزية يمكن إجتراحها وفق مواصفات مناطقية وطائفية ومذهبية شتى . عندئذ ندرك أن العبقرية اللبنانية يمكن أن تبدع في كل المجالات . فبدلا من أن تكون الحروب العسكرية هي المدخل ﻹيجاد واقع تقسيمي ما ، يمكن لﻷزمات اﻹقتصادية والحياتية أن تشكل ذلك المدخل بفعل التباين في المعالجات اﻹنفرادية المستقلة للولايات اللبنانية المتحدة أو غير المتحدة .

أيمن حجازي