العدد 1539 /30-11-2022
أيمن حجازي

في خطوة لافتة أعلن الوزيرين عباس التربية وزياد مكاري مطالبتهما بإنعقاد مجلس الوزراء ، بما يعاكس شبه التعهد الذي أطلقه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي خلال مشاركته في القمة العربية الأخيرة التي انعقدت في الجزائر . وقد تضمن شبه التعهد المشار اليه بعدم انعقاد مجلس الوزراء تهدئة "للخواطر القلقة" التي كانت تحذر من وضع اليد على الموقع الرئاسي المسيحي الأكبر في الدولة اللبنانية . وقد انضم الى الوزيرين الحلبي ومكاري وزير الصحة فراس الأبيض والنائب بلال عبدالله ونقيب أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون الذين طالبوا بإنعقاد مجلس الوزراء لتأمين حاجات صحية ملحة ...

ومنذ اللحظة الأولى لإنطلاق شبه التعهد المشار اليه كان الوهن الدستوري ظاهر عليه حيث لا تبرز أية إشارة واضحة في الدستور اللبناني تحول دون انعقاد مجلس الوزراء في حالة الشغور الرئاسي . وهذا ما كان واضحا في كل حالات الشغور الرئاسي التي حصلت في نهاية في نهاية عهد الرئيس إميل لحود وفي نهاية عهد الرئيس ميشال سليمان ، وحتى في الفترة التي تلت نهاية عهد الرئيس أمين الجميل حيث كانت حكومتي الرئيس سليم الحص والعماد ميشال عون تعقدان اجتماعات دائمة ومستمرة . وتبدو الحاجة العملية كبيرة لإنعقاد جلسات للحكومة ، لإعتبارات قانونية بحتة ولموجبات البحث والتمحيص والتدقيق في أي شأن من الشؤون الحكومية المطروحة . بعيدا عن الأهواء العصبية التي دفعت الى محاولة البعض احباط العملية الدستورية الطبيعية التي تقضي بتسلم مجلس الوزراء لصلاحيات ومهام الرئاسة الأولى وفق ما تقتضيه وتتطلبه العملية القانونية المنصوص عليها في الدستور اللبناني بعد الطائف وقبله . وكادت محاولات الإحباط تلك أن تؤدي بشكل طبيعي الى فراغ دستوري وسلطوي مدمر يفاقم أزمات اللبنانيين وآلامهم ومعاناتهم المتشعبة ، ويسقط البلاد في الفوضى الدستورية الحقيقية الذي لوح بها رئيس التيار الوطني الحر قبل نهاية ولاية الرئيس ميشال عون بشهور . ومع تقدم التطورات اللبنانية السلبية التي نشهدها في فترة الشغور الرئاسي يكتشف اللبنانيون فداحة الخطأ الدستوري والسياسي المرتكب من جراء إطلاق تعهد الجزائر أو شبه التعهد المشار اليه .

إن المتوجب اليوم هو إنكباب الحكومة على معالجة ما أمكن من المشكلات المستعصية التي تعصف بالحياة اليومية للمواطن اللبناني ، في الوقت الذي ينبغي أن تتحرك فيه القوى السياسية المعنية بالوصول الى بر الأمان في الموضوع الرئاسي العالق والمعلق منذ الحادي والثلاثين من تشرين أول الماضي . ولكن الواقع السياسي الحالي السائد في لبنان يشي بمعطيات مختلفة جدا عما سلف من متوجبات وطنية وانسانية كبرى ، تحت وطأة الخضوع للحسابات السياسي الضيقة البعيدة عن كل الشعارات التي ترفع في الساحات والميادين والمنابر وعلى الشاشات الفضائيةوالمحلية العريضة . ويسجل في هذا الموسم الرئاسي المزدحم تلاشي واضمحلال مفاعيل الحديث عن السيادة الوطنية اللبنانية من خلال اندفاع العديد من القوى السياسية وزعمائها الطامحين نحو عواصم القرار والتأثير والتوسط . فباريس والدوحة والرياض وموسكو عواصم مقصودة إن لم يكن من المرشحين والطامحين ... فمن الذين يطمحون لأن يصبحوا من صانعي الرؤساء ومستشاريهم المقربين في قابل الأيام . أما العاصمة الكبرى والسيدة الأولى على الكرة الأرضية ممثلة بالولايات المتحدة الأميريكة فإنها تتواضع وترسل الرسل الى زعمائنا وقادتنا حتى لا تتعبهم . وهي غالبا لا تؤمن إجابات واضحة على أسئلة هؤلاء أو أولئك ، وتحيلهم الى الوكيل الأوروبي ممثلا بالرئيس الفرنسي الذي يعاني ما يعاني في عمليات إقناع ولي العهد السعوديبالطروحات التي يمكن أن تلتزم بالهدوء النسبي الذي لا يلبي طموحات اصحاب الرؤوس الحامية في الوطن اللبناني الحبيب .

أيمن حجازي