العدد 1462 /19-5-2021

طويت صفحة الإعتذار عن عدم تشكيل الحكومة من قبل الرئيس سعد الحريري والتي شكلت في حينه خطوة إحتجاج على موقف فرنسي ما في إطار معالجة المعضلة اللبنانية ، وإحتجاج مواز عاتب على الموقف السعودي من الرئيس الذي مضى على تكليفه ما يداني التسعة أشهر دون أن تحدث الولادة . وعاد الصراع الى وسائله التقليدية قبل أن يعمد رئيس الجمهورية ميشال عون الى خطوة مخاطبة المجلس النيابي كي يشكو له تلكؤ الرئيس الحريري في مهمات التأليف وفق رؤية الرئاسة اﻷولى وفريقها السياسي . وقد وصل اﻷمر بهذا الفريق الى القول بأن الحريري بات عبئا على الوضع اللبناني بعد أن شاع الكلام المنسوب الى جهات سعودية أبلغت مفاوضين سوريين أن الرياض زاهدة بالرئيس الحريري وليست متحمسة ﻹستمراره في تولي الرئاسة الثالثة في بلاد اﻷرز .

وقد أكمل الفريق المواجه للرئيس الحريري خطواته الهجومية من خلال رسم سيناريو متكامل ﻹستبدال الحريري بالرئيس نجيب ميقاتي الذي قيل أنه قد حظي على توافق إقليمي ما . قبل أن يلجأ ميقاتي الى نفي صحة هذا السيناريو جملة وتفصيلا وتجديد دعمه للرئيس سعد الحريري . ويجمع الدستوريون على ان توجه الرئيس ميشال عون الى المجلس النيابي لفتح ملف تكليف الرئيس الحريري ، خطوة ضعيفة لا تمتلك أية قوة قانونية أو دستورية في ظل غياب أي نص دستوري يقيد الرئيس المكلف بمهلة زمنية للتأليف . وهذا ما يجعل الرئاسة اﻷولى تخوض من خلال التوجه الى المجلس النيابي غمار معركة سياسية ذي طابع معنوي ليس إلا . وان رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي سيقوم بواجبه في عرض الرسالة على أعضاء الهيئة العامة في المجلس النيابي ليس متوافقا مع الرئيس عون في موضوع التشكيل الحكومي وفي غيره من الموضوعات السياسية المطروحة . وهو بالتالي لن يمنح هذه الرسالة الرئاسية أي قوة إضافية قد تحتاج إليها في هذا الفرز السياسي الحاد التي تشهده الساحة اللبنانية . في هذه اﻷثناء وقع وزير الخارجية في حكومة تصريف اﻷعمال شربل وهبي في هفوة بدت كبيرة استدعت حملة استنكارات وتهجمات من قبل خصوم العهد والمختلفين معه ، وذلك عندما اتهم وهبي المملكة العربية السعودية ودول الخليج بدعم وجود داعش في العراق وسوريا ولبنان . وقد أدى ذلك الى تنصل قصر بعبدا وأجوائه مما قاله وزير خارجية تصريف اﻷعمال . وقد وصل اﻷمر بأحد النواب العونيين المقربين من قصر بعبدا (الياس أبو صعب )في هذا الموضوع الى حدود الدعوة الصريحة بتنحي شربل وهبي على طريق تنحي ناصيف حتي (وزير الخارجية السابق ) من قبل . وقد أثار كل ذلك عاصفة هوجاء أتهم فيها عهد الرئيس ميشال عون والتيار الوطني الحر بتخريب علاقات لبنان مع السعودية ودول الخليج في وقت يبدو فيه لبنان بأمس الحاجة الى هذه العلاقة طالما أن أهل الحل والعقد في لبنان ما زالوا يراهنون على إنقاذ لبنان من خلال المساعدات والقروض الخارجية .

من جهتهم السعودية اﻹمارات العربية المتحدة والكويت والبحرين استدعوا السفراء اللبنانيين في عواصمهم ليبلغوهم إستنكار دولهم لما صدر على لسان الوزير شربل وهبي . وأرجا السفير السعودي في لبنان وليد البخاري موعدا كان محددا من قبل مع مجلس اﻷعمال اللبناني السعودي . وترافق كل ذلك مع سلسلة مواقف محلية لبنانية مؤيدة وداعمة للسعودية ، حيث تصدر الموقف الرئيس سعد الحريري في محاولة من قبله ﻹحتلال الموقع اﻷول في الدفاع عن المملكة دون أن يعني ذلك أن خطوته قد تم تلقفها من قبل القادة السعوديين كما يتمنى . ومن جهته حاول رئيس حزب " القوات اللبنانية " سمير جعجع ان يتقدم الصفوف معددا مآثر المملكة التي كان أولها ( وفق جعجع ) دعم السعودية ترشيح بشير الجميل لرئاسة الجمهورية اللبنانية صيف 1982 إثر اﻹجتياح الصهيوني لﻵراضي اللبنانية . وكأن رئيس حزب "القوات" يسعى الى إستحضار رمزية بشير الجميل في تأمين الحشد الدفاعي عن المملكة العربية السعودية.

وهكذا يتبين لنا أكثر وأكثر حجم إستحضار القادة اللبنانيين للقوى الخارجية في مجريات السياسة المحلية بما يفوق رغبة وطاقة تلك القوى ( في كثير من اﻷحيان ) في التدخل بالشؤون اللبنانية .

أيمن حجازي