العدد 1467 /23-6-2021

شكلت زيارة رئيس الحزب التقدمي اﻹشتراكي الى قائد الجيش جوزف عون خطوة لافتة ، في لحظة سياسية شائكة ومتشابكة . وقد تميزت هذه الخطوة في كونها مبادرة غير مسبوقة من طرف سياسي على جفاء تاريخي مع المؤسسة العسكرية ومع دورها السياسي الذي كان يبرز ويتقدم في أحيان كثيرة من التاريخ اللبناني الحديث . والذي يزيد من أهمية هذه الزيارة هي أنها تتم في ظل كلام متزايد عن دور إنقاذي مفترض للمؤسسة العسكرية في اﻷزمة المستعصية التي يمر بها حاليا لبنان .

وجنبلاط الذي يعيش هذه اﻷيام في " نوبة " تهدئة ، عاد الى اﻹنفتاح والليونة والمرونة إبتداء من ساحته الدرزية فهو على موعد يوم السبت المقبل مع غداء في دارة خلدة يجمعه باﻷمير طلال أرسلان ووئام وهاب من أجل مناقشة أمورا درزية داخلية . وهو قد رفع راية التسوية في الموضوع الحكومي الشائك الذي دخل شهره الثامن منذ تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة . وتوجه الى قصر بعبدا من أجل دفع هذه التسوية الى الولادة مؤكدا أنه ينفتح على تمثيل الدروز اﻵخرين في أي حكومة مفترضة . وقد خيمت العقلنة والرصانة على مواقف الزعيم الجنبلاطي إنطلاقا من النكبة التي حلت بالشعب اللبناني منذ 19 تشرين اﻷول 2019 فانهارت العملة الوطنية وفقدت قيمتها . وفقد الناس قيمة مداخيلهم وتبخرت مدخراتهم ، ورفع الدعم الحكومي عن الدواء والغذاء والوقود و ... وهاجر من تمكن من الهجرة وبات السياسيون عاجزين عن التحاور فيما بينهم بعدما فعل السحر اﻷحمر فعله بينهم وطارت التسوية الرئاسية المقدسة التي تم إجتراحها في صيف 2016 فأعادت العماد ميشال عون الى قصر بعبدا وأرجعت الشيخ سعد الحريري الى السراي الكبير .

... إنه وليد جنبلاط بخطواته الملائكية ينثر اﻹعتدال ويغرس بذور التهدئة السياسية ، ويتوجه نحو اليرزة متجاوزا كل الجفاء السابق مع المؤسسة العسكرية ، ومتخليا عن كل شعارات التحذير من مخاطر العسكرة التي " أضرت بالحريات العامة إبان المرحلة الشهابية وفعلت فعلها السيء في عهد الجنرال إميل لحود " . إنه وليد جنبلاط الذي يتحسس آلام الجماهير الغفورة المسحوقة المننتظمة في طوابير الذل أمام محطات الوقود ومتاجر البن والمستشفيات والمصحات والقنصليات اﻷجنبية . وهو الحامل في جعبته " حكمة أهل التوحيد وعرفان المشايخ اﻷجلاء في الخلوات البيضاء " ، المدرك أن الدور الترجيحي لبيضة القبان في السياسة اللبنانية تتطلب اﻹنفتاح والمرونة والليونة .

إنه وليد جنبلاط المتناغم مع التوجه الغربي الواضح بإيكال دور ما للمؤسسة العسكرية في ضبط الوضع اللبناني نتيجة الثقة العارمة التي تبديها اﻷطراف اللبنانية بالجيش اللبناني . وهو توجه غير معلوم إن كان سيصل في مداه اﻷكبر الى حدود جعل الرئاسة اﻷولى في عهدة المؤسسة العسكرية من جديد . وذلك بعدما تشجع البعض( اللبناني ) لهذا الخيار ،نتيجة قناعة راسخة بأن لا نجاة من زحف جبران باسيل نحو الرئاسة اﻷولى مع كل تكاليفها الباهظة إلا من خلال الجنرال جوزف عون . ويستكمل البعض هلوساتهم الرؤيوية ليقولوا بإنتخابات رئاسية مبكرة تفضي الى ترئيس قائد الجيش اللبناني في إطار السعي ﻹخراج البلاد مما هي فيه من كارثة تاريخية قد تهدد وحدة وجوده وكيانه السياسي القائم منذ الفاتح من سبتمبر لعام 1920( باﻹذن من الفاتح من سبتمبر 1969 تاريخ وصول العقيد معمر القذافي الى السلطة في ليبيا).

رأفة بسذاجتنا ، سامحونا على قرائتنا لزيارة وليد جنبلاط الى اليرزة بهذه الخفة ولنبدأ البحث في أبعاد هذه الزيارة برصانة وعمق وموضوعية . عذرا .

أيمن حجازي