العدد 1550 /15-2-2023
أيمن حجازي

في موقف عاطفي وفي خطوة سياسية ، عاد الرئيس سعد الحريري عودة عابرة الى لبنان تمكن خلالها من تحقيق عدة أهداف هامة . وقد أطلقت هذه الأهداف في رسائل مشفرة وغير مشفرة الى الداخل والخارج ، القريب منه والبعيد على حد سواء . وكانت الرسالة الأبرز لهذه الزيارة تتعلق بإستمرار ودوام القوة الشعبية لسعد الحريري على الساحة اللبنانية في بعدها الطائفي الإسلامي السني وفي بعد العلاقات المميزة التي يحظى بها الرجل مع باقي المكونات المذهبية والطائفية اللبنانية الأخرى . وقد وضعت هذه الحقيقة أولا برسم الإدارة الحالية المتنفذة في الحكم السعودي الحالي بعد أن برز العديد من الثقوب السلبية التي خرقت العلاقات ما بين الجانبين منذ قيام التسوية الرئاسية بين سعد الحريري وميشال عون في خريف عام ٢٠١٦ ...

وكان من الطبيعي أن توضع وقائع هذه الزيارة برسم مائدة البحث الباريسي التي لم ترفع بعد ، والتي تضم الولايات المتحدة والأميريكية وفرنسا والمملكة العربية السعودية وقطر ومصر . وهي مائدة قد تكون شبيهة بمائدة اللجنة الثلاثية المنبثقة عن الجامعة العربية في عام ١٩٨٩ والتي واكبت الأزمة اللبنانية في تلك المرحلة ومهدت لقيام اتفاق الطائف الذي أوقف الحرب اللبنانية ولم ينهها . علما أن الولايات المتحدة الأميريكية كانت في خلفية المشهد الذي رسمته اللجنة العربية الثلاثية الطيبة الذكر قبل أربع وثلاثين عاما . ولا يخفى على أحد أن هذه المائدة الخماسية قد تشكل هيئة انتداب مشهودة للوضع اللبناني الحالي الذي يعاني من الويلات المتنوعة .

لقد سلطت زيارة الرئيس الحريري السريعة الى لبنان الضوء على شغور من نوع آخر وهو غير للشغور الرئاسي ، ألا وهو الشغور في الزعامة الاسلامية السنية والذي حصل بفعل استنكافي لجأ إليه الرئيس الحريري نتيجة ضغوطات داخلية وخارجية . ويعتقد البعض أن زيارة الحريري الى لبنان كانت مفعمة بالعواطف التي تلعب دورا كبيرا في الشارع السياسي اللبناني ، وهي عواطف عاصفة في بعض الأحيان ومزلزلة في أحيان أخرى . إلا أنها في كل الحالات ستكون محط اهتمام ودراسة وتوقف وتمعن من قبل الجهات الإقليمية والدولية التي تعتبر نفسها معنية بالشأن اللبناني . فضلا عن الجهات المحلية التي تعتبر على تماس مباشر بمعاني ومؤشرات هذه الزيارة - الحدث . فهل شكلت هذه الزيارة إنتصارا سياسيا للرئيس سعد الحريري ؟ بالتأكيد نعم . بمن في ذلك أطراف البيت الحريري الداخلي والمعني الأول بهذا الموضوع هو بهاء الحريري الذي يسعى الى امتلاك موطىء قدم سياسي تخوله الإستحواذ على بعض من ميراث والده الراحل الرئيس رفيق الحريري .

لم تكن زيارة الرئيس الحريري الى بيروت بذلك الهدوء المفترض ، فقد كان لهذه الزيارة وجه صاخب ومدو حين أشار الرجل الى أن بعض من يدعي الحفاظ على حقوق الطائفة السنية ... " حرق دينها " . فإلى أي جهة رشق سعد الحريري حصاه وحجارته ؟من الطبيعي ألا يقصد المفتي دريان ولا وليد البعريني ولا النائب قاسم هاشم على سبيل المثال . فهل كان المقصود أحدا في الإدارة السياسية السعودية المهتمة بالشأن اللبناني ؟ أم أن الأمر غير ذلك . وهل أن الرئيس الحريري لم يعد يحتمل قرار الحظر السعودي المفروض عليه وبات يعتبره قرارا ينطوي على حكم إعدام سياسي مقيت صدر بحقه ؟ وهو مضطر الى اللجوء الى هذا الإجراء الدفاعي الذي كانت الزيارة المشار اليها إحدى محطاته .

أيمن حجازي