العدد 1455 /31-3-2021

في ستينات القرن الماضي كان لبنان واقعا في الفضاء اﻹقليمي والدولي في فلك التفاهم الجزئي اﻷميركي - المصري . وفي سبعينات القرن الماضي كان هذا الوطن في فلك التفاهم اﻷميركي - السوري الذي ترجم من خلال دخول الجيش السوري الى لبنان في عام 1976. وقد تم تجديد هذا التفاهم عند عودة الجيش الشقيق الى بيروت في شباط 1987 . وقد تم تحديث هذا التفاهم في 13 تشرين اﻷول 1990 حيث استمرت مفاعيله حتى خريف عام 2004 تاريخ صدور قرار مجلس اﻷمن الدولي 1559الذي نص على خروج القوات السورية من لبنان . حينها وقع لبنان خارج إطار أي تفاهم اقليمي أو دولي ووقع البلد في حالة عدم توازن أطاحت كان من نتائجها واقعة 14 شباط 2005 التي تحولت الى زلزال ما زالت تداعياته مستمرة حتى هذه الساعة .

وبعد تجاذب كبير وقاس لثلاث سنوات ولدت معادلة السين سين التي انطوت على تفاهم ضمني بين المملكة السعودية وسوريا لرعاية الوضع اللبناني وحماية التسوية السياسية التي حصلت في الدوحة في أيار2008 . ولكن هذه المعادلة لم تعمر كثيرا وتدهورت حالتها مع بداية عام 2011 وإسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري حين عاد التجاذب الحاد بين اﻷطراف اللبنانية . وقد تزامن كل ذلك مع إنتفاضات الربيع العربي التي وصل رذاذها الى سورية حيث اشتعلت الحرب الضارية لسنوات عديدة .

في صيف 2016 حصلت التسوية الرئاسية برعاية فرنسية واضحة وبإستنكاف سعودي عن الولوج المباشر في تأمين التغطية اﻹقليمية لهذه التسوية شريطة عدم تخريبها . حينها قيل أن السعودية تلتزم الحياد اﻹيجابي حيال تسوية مرحلية تأتي بالعماد ميشال عون الى سدة الرئاسة اﻷولى سدا للفراغ الرئاسي وتعيد الرئيس الحريري الى سدة الرئاسة الثالثة . في ظل رسوخ وثبات للرئيس نبيه بري في سدة الرئاسة الثانية (عين الحسود تبلى بالعمى) .

 ويمكننا الحديث هنا عن المظلة الفرنسية لهذه التسوية التي استندت الى دينامية إيجابية في العلاقات الفرنسية - السعودية ، وفي العلاقات الفرنسية - اﻷميريكية ، وفي العلاقات الفرنسية - اﻹيرانية ، وحتى في العلاقات الفرنسية - المصرية . وكانت هذه المظلة قادرة على حماية التسوية الرئاسية المشار إليها ، وعلى حماية الرئيس سعد الحريري في 2017 و إطلاق سراحه وإعادته الى أرض الوطن . ولعل التسوية الرئاسية سقطت إثر 17 تشرين اﻷول 2019 اي أنها عمرت ثلاث سنوات بحلوها ومرها ، ثم تفرق العشاق ولم يعودوا الى ودهم السابق على الرغم من مرور خمسة أشهر على تكليف الرئيس الحريري بتأليف الحكومة . والواضح اﻵن أن المشكلة في شقها الدولي واﻹقليمي تنطوي على حقيقة أن المظلة الفرنسية لوحدها لم تعد تفي بالغرض وأن باريس تحتاج الى شريك أو شركاء في الساحة الدولية واﻹقليمية . وهذا لا يعني بأي حال من اﻷحوال أن البعد المحلي الداخلي لﻷزمة اللبنانية الحالية غير موجود . وعلى العكس فإن العامل المحلي في الأزمة الحالية في هذه المرحلة أكبر بكثير من العامل المحلي الذي كان قائما في مراحل سابقة . وهنا تبدو الساحة منفتحة على إثارات شائكة تطال الصلاحيات الرئاسية ذي البعد الطائفي والمذهبي ، واﻷعراف الدستورية المتشعبة المكملة والمفسرة للنصوص الدستورية ، وكافة التوازنات الداخلية المضطربة التي تهدد مصير كثير من المرجعيات السياسية والطائفية الكثيرة فضلا عن اﻹستحقاقات الدستورية المزدحمة و المتوجبة في العام المقبل . وهي اﻹنتخابات الرئاسية في خريف العام المقبل واﻹنتخابات النيابية والبلدية المتداخلة زمنيا في ربيع العام المقبل أيضا .

حيال الضعف الذي يعتري المظلة الدولية الفرنسية للوضع اللبناني ، توجه المسؤولون الفرنسيون بشكل معلن نحو الشركاء اﻷوربيين ... وقبل ذلك نحو اﻹدارة اﻷميريكية الجديدة في واشنطن . وتوجهوا في كواليسهم الديبلوماسية نحو السعودية وإيران المطلوب منهما عدم التصادم على الساحة اللبنانية إفساحا في المجال أمام القابلة الفرنسية كي تجري عملية ولادة سليمة للحكومة اللبنانية الموعودة .

كل هذه السفسطة السياسية يتم إسقاطها وطعنها في الصميم عندما يهمس البعض أن الكيان اللبناني بات مهددا في وجوده وأن الدعوة الى مؤتمر دولي قد تشهد عملية إخراج لتعديلات جوهرية في بنية الكيان اللبناني ، وأن الرئيس ميشال عون هو آخر رئيس جمهورية للبنان الموحد ...

ما أثقل التشاؤم والمتشائمين

أيمن حجازي