العدد 1422 / 22-7-2020
ايمن حجازي

تتقدم الأزمات اللبنانية المتنوعة خطوات الى الأمام في ميادينها السياسية والإقتصادية والإجتماعية والأمنية ، وتنفتح على آفاق تصعيدية جمة, ويحار المرء من أيها يبدأ . وقد يصح القول أنها أزمة واحدة بجوانب مختلفة تداخل فيه المحلي مع الإقليميي ، والصحي مع الإقتصادي والمعيشي ، لتتبلور مشاهد لبنانية بدأت في نهاية الصيف الماضي مع ملاحقة بنك الجمال من قبل الولايات المتحدة الأميريكية ما أدى الى تصفيته ، وتلاها بعد ذلك بأيام حرائق هائلة طالت غابات لبنانية عدة, وتركزت في جبل لبنان وأصابت "الشجر المسيحي" دون غيره من الأشجار وفق تقويم النائب ماريو عون في ذلك الحين.

ثم انطلقت ثورة السابع عشر من تشرين الأول الماضي ، بشرارة القرار الذائع الصيت لوزير الإتصالات السابق محمد شقير الذي فرض ستة آلاف ليرة على الواتس آب اللبناني الشهير ما هدد سلامة الإتصالات والمواصلات بين أبناء الوطن الواحد فهبوا منتفضين ثائرين متحررين من قيود الرق والإقطاع والعبودية ... في ذلك الوقت لم ينقسم الشارع اللبناني ، بل أفسح قسم منه المجال للقسم الآخر كي ينفس إحتقانه الأجش الذي أطلق الصيحات الهادرة والصرخات العالية في وجه الطبقة السياسية كلها مع حفظ حق كل فئة من الفئات اللبنانية في إستثناء زعيمها من تهم الفساد والرشاوى وإساءة إستعمال السلطة ، وبقي الشارع الآخر منكمشا على نفسه لا يرد صاع الصاعين كما هي العادة . ومع مرور الأيام والأسابيع من عمر الثورة والثوار بدأ التحلل يضرب أطنابه صفوف "الثورة" فانقسم الشارع من جديد الى ثورات متعددة تعكس إنقسام الإنقسامات التي أصابت الطيف اللبناني الطائفي والمذهبي وأودت بالعديد من الإعتبارات السياسية الجامعة التي شكلت عناصر قوة في بداية الإنتفاضة - الثورة المشار اليها . ثم جاءت جائحة الكورونا كي توجه ضربة مؤلمة لحركة السابع عشر من تشرين الأول ، ولتعطي المبرر لبعض الجهات السياسية التي رغبت بالخروج من صفوف الثورة بعد أن كانت من دعائمها في البدايات.

وقد شكلت الكورونا قارب نجاة لأولئك المنخرطين في صفوف الثورة والذين رغبوا في عدم إكما الطريق من قوى التلاعب في المواقف بين المعارضة والموالاة ، وبين السلطة والثورة . وقد أدى الخروج من الإجراءات المتخذة في مواجهة الكورونا في بداية حزيران الماضي ، الى إحراج البعض الذي بات مدعواً الى إستئناف العمليات الثورية الشارعية التي جاءت هزيلة في ذلك الحين . وكانت هذه العمليات مفعمة بالقبيح من السقطات الفتنوية المذهبية ، وبألوان مختلفة من عمليات التخريب الممنهج للعديد من المناطق التجارية في وسط بيروت ، بالإضافة الى الخشونة والتصادم مع الجيش اللبناني في طرابلس والجية وجل الديب.

في هذا الوقت تمكنت حكومة الرئيس حسان دياب (التي تشكلت إبان إحتدام الثورة خلفاً لحكومة الرئيس سعد الحريري ) من الصمود والبقاء على قيد الحياة بعدما نجحت وأفلحت نسبياً في مواجهة جائحة كورونا ما أدى الى أقل قدر ممكن من الخسائر بالمقارنة مع ما أصاب دول العالم القريبة والبعيدة.

مع إعادة فتح الإقتصاد وإعادة فتح المطار وعودة المغتربين ، عادت جائحة الكورونا وبقوة أكبر مما كانت عليه في مراحلها الأولى ، ولكن الثورة - الإنتفاضة عادت بقوة أقل مما كانت عليه في خريف العام الماضي وشتاء العام الحالي ، أما الأزمة الإقتصادية والمالية فباتت تضربنا بقوة أكبر من قوة الكورونا ، بعدما فشلت كل المعالجات المحلية المبذولة سواءً من قبل الحكومة التي يترأسها حسان دياب أو تلك الحكومة المالية التي يترأسها رياض سلامه مع حلفائه في جمعية المصارف ... وبات صندوق النقد الدولي ينتظر التوافق على الأرقام اللبنانية بين "الحكومتين" . والمواطن اللبناني ينتظر بعض الفرج من السلة الغذائية الموعودة التي يمكن أن يحصل على شيء يسير منها لقاء راتبه الذائب والمضمحل حتى بات زهيداً وخائر القوى وعاجزا عن فعل أي شيء مهم في يوميات الوطن الضائعة بين الحياد والتمحور وباقي المفردات السياسية اللبنانية المزدحمة.