العدد 1468 /30-6-2021

يجزم البعض أن الساسة في لبنان يدركون أن عدم التوصل الى تسوية سياسية للمعضلة اللبنانية الحالية ، يقود بشكل حتمي الى إحتمالات عسيرة أهمها إثنتين :

- تشظ في السلطات السياسية واﻷمنية واﻹقتصادية في البلاد وبالتالي تعددها وفقدان وحدتها .

- إنتقال هذه السلطات أو قسم كبير منها الى المؤسسة العسكرية اﻷم في لبنان ألا وهي الجيش اللبناني .

في اﻹحتمال اﻷول جنوح واضح نحو قيام سلطات ميليشيوية تعيد تجربة التعدد في مناطق النفوذ اﻷمني كما كان حاصلا بين عامي 1975 و1990 . ما يعني قيام شكل من أشكال الولايات او اﻹمارات المتحدة تحت العنوان اللبناني دون ان يكون لتلك المسحة اﻹتحادية أية مفاعيل عملية تربط ما بين مناطق النفوذ المشار اليها ، ما خلا الصلات التكوينية بين المناطق اللبنانية التي يصعب أو يستحيل إزالتها أو فكفكتها ﻹعتبارات تاريخية راسخة . وهذا يلامس عمليا كل التطلعات السياسية التي عبر عنها دعاة الفدرالية في السنوات السابقة . وهي تطلعات إنعزالية ترمي الى إبعاد لبنان عن محيطه العربي واﻹسلامي المقاوم ، وترضى بكل ما من شأنه ربط لبنان بمحاور عربية حليفة للولايات المتحدة اﻷميريكية وبريطانيا وفرنسا وعموم العالم الغربي . ما يعطي هذا اﻹحتمال طابعا تقسيميا بحتا لا فرار منه ...

أما في اﻹحتمال الثاني فإنه يحمل طابع اللجوء الى خيار العسكرة ، من خلال إيكال الدور اﻹنقاذي الى الجيش اللبناني الذي يفترض به أن يخلص الساحة السياسية من كل عناصر التناحر القائمة . وان ينتقل بالبلد الى دائرة وقف اﻹنهيار . وللعسكرة في هذا المضمار مسارات شتى أهمها :

- العسكرة الدستورية التي تتقاطع أو تماثل التجربة الشهابية التي تم تأسيس أركانها إثر إنقسام البلد إنقساما حادا في عام 1958 . وقد ارتكزت هذه التجربة على تسوية تصالحية مع العمق العربي المواجه للنفوذ الغربي ، مقابل التسامح الكبير مع اﻹمتيازات الطائفية المارونية التي تمت المحافظة عليها . وقد تم كل ذلك في إطار اﻹتيان بقائد الجيش اللبناني آنذاك الجنرال فؤاد شهاب رئيسا منتخبا للجمهورية . وقد اطلقت هذه التجربة تيارا سياسيا فاعلا لا يزال يترك بصماته الفاعلة في الحياة السياسية اللبنانية .

- العسكرة غير الدستورية ، وهي مستبعدة عن الواقع اللبناني الذي يتميز بهامش ديموقراطي رافقه منذ الولادة وحتى هذه اللحظات . وهي مستبعدة أيضا ﻷن هذه الموضة التي كانت رائجة في العالم العربي وفي كثير من دول العالم الثالث ، لم يعد لها رواجا لدى الدول الكبرى الراعية ﻷسلوب اﻹنقلابات العسكرية الدموية وغير الدموية .

ولا يسعنا في هذه العجالة إلا إستحضار ما قاله وما زال يقوله أحد أشهر دهاقنة السياسة اللبنانية ( ايلي الفرزلي )... من أنه يدعو الجيش اللبناني الى اﻹمساك بالوضع اللبناني . ولا نريد أن نأتي في هذا السياق على ذكر زيارة الزعيم وليد جنبلاط الى اليرزة ، حتى لا يقول البعض أننا حملنا الزيارة أكثر مما تحتمل .

اللهم إنا نسألك بإسمك العظيم اﻷعظم أن تجعل كلامنا السالف أضغاث أحلام وهلوسات فارغة ، وأن تعيد ساستنا الى المستوى المتوسط من جنونهم الذي كان سائدا في المراحل السابقة من عمر اﻷزمة اللبنانية ، وأن تخلصهم مما هم فيه من جنون متصاعد يأخذ في هذه المرحلة طابعا إنتحاريا .

أيمن حجازي